|
مناحيم بيغن وأريئيل شارون: لهما جائزة نوبل للموت!*
غابرييل غارسيّا ماركيز
الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 11:29
المحور:
القضية الفلسطينية
3/10/1982 - (عن الاسبانيّة: شادي روحانا) منح جائزة نوبل للسلام لمناحم بيغن هو أمر لا يصدّق. المهم أن بيغن هو فعلا صاحب هذه الجائزة ولا سبيل الآن لتبديل ما حدث؛ فهو صاحب الجائزة منذ منحه إياها عام 1978 مع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات عند توقيعهما، على انفراد، اتفاقية السلام في كامب ديفيد. لم يحظ الاثنان بنفس المصير: فمصير السادات كان التبرّؤ الفوري منه في العالم العربي، ولاحقا قتله؛ أمّا بالنسبة لبيغن، فالاتفاقيّة خوّلت له المباشرة بمشروع استراتيجي لم يختتم بعد، والذي أشبع قبل أيام قليلة بمجزرة وحشيّة لأكثر من ألف لاجئ فلسطيني في احد مخيّمات بيروت. لا توجد جائزة نوبل للموت، ولكنّها إذا وُجدت فقد تُمنح هذا العام، وبدون منافسة، لمناحيم بيغن وسفّاحه المحترف أريئيل شارون. اليوم، وبعد تكشّف الأحداث، نستطيع فهم غاية بيغن الوحيدة والمتستّرة خلف ستار كامب ديفيد: القضاء على منظّمة التحرير الفلسطينيّة و بناء مستعمرات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية. بالنسبة لنا- نحن الذين بوسعنا تذكّر ممارسات النازيّة- مشروع بيغن يعتمد على ركيزتين تثيران لدينا ذكريات فظيعة: نظريّة "المجال الحيوي"، التي أراد بها النظام النازي أن يبسط إمبراطوريته على امتداد نصف العالم؛ وأما الركيزة الثانية فهي ما سمّاه هتلر بـ"الحل النهائي" لمشكلة اليهود، والتي حملت بأكثر من ستة ملايين من البشر إلى معسكرات الإبادة. مشروع اتّساع رقعة المجال الحيوي لدولة إسرائيل ومشروع الحل الأخير للقضية الفلسطينيّة- كما يفهمهما صاحب جائزة نوبل للسلام للعام 1978- بدءا في ليلة 5 حزيران الأخيرة؛ في تلك الليلة، اجتاحت لبنان قوّات عسكريّة مختصّة في علم الدمار والإبادة. إستراتيجية بيغن واضحة اشدّ الوضوح: هو يريد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينيّة، وبهذا يقضي على الشريك الفلسطيني الوحيد الذي بإمكانه التفاوض على إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، أراضي التي سبق بيغن وأعلنها كأراضٍ يهوديّة. كنت في باريس يوم اجتاحت الجيوش الإسرائيلية لبنان. كنت هناك أيضا عندما قام الجنرال جاروزلسكي، قبل عام، بفرض القوّة العسكريّة ضد إرادة الأغلبيّة من الشعب البولندي. وصدفة وجدت نفسي أيضا هناك عندما اجتاحت الجيوش الأرجنتينية جزر المالفيناس ("الفوكلاند"). تصرّف وسائل الإعلام، والمثقّفين وكذلك الرأي العام خلال هذه الأحداث أظهر لي معادلة مقلقة: بينما نُظّمت في باريس أمسية تضامن مع بطولة الشعب البولندي (وكنت أنا من الموقعين على بطاقة الدّعوة)، كان هناك شبه إجماع على الصمت عندما قامت الجيوش الإسرائيلية الدمويّة باجتياح لبنان (وكان الصمت حتى بين الأكثر متحمّسين لقضيّة بولندا، على الرغم من أنه من المستحيل مقارنة عدد الضحايا وحجم الدمار بين بولندا ولبنان). أكثر من ذلك، فعندما استردّت الأرجنتين جزر المالفيناس من بريطانيا لم تنتظر الأمم المتحدة يومين على أن تطلب من القوّات الأرجنتينيّة الانسحاب، وكذلك لم تفكّر السوق الأوروبية مرّتين قبل فرض عقوبات اقتصاديّة على الأرجنتين، وفي المقابل، في حالة لبنان، لا الأمم المتّحدة ولا السوق الأوروبي طالبا بانسحاب الجيوش الإسرائيلية. حذر الاتّحاد السوفييتي غير المفهوم وانعدام الأخويّة بين الدول العربيّة شكّلا جاهزيّة وجود الشروط الكافية للحرب الوحشيّة التي شنّها بيغن والجنرال شارون. لدي العديد من الأصدقاء الذين أرادوا ويريدون إسماع العالم بأسره صرخة قويّة ضد "كرنفال الدم" في لبنان، ولكنّهم يهمسون لي خوفهم من توجيه تهمة اللاساميّة لهم؛ هل يعي هؤلاء بأنّهم هكذا يسلّمون أرواحهم لابتزاز غير مقبول؟ لنقل الحقيقة: لا يوجد أي شعب في العالم بقي لوحده مثلما بقي الشعبان اليهودي والفلسطيني لوحدهما وسط هذا الرعب والذعر. منذ اجتياح لبنان يتم تنظيم مظاهرات شعبيّة في تل- أبيب ومدن إسرائيلية أخرى؛ قبل أسبوع فقط تظاهر 400 ألف إسرائيلي ضد هذه الحرب القذرة التي، بالنسبة له، هي ليست بحربه، وكذلك ليست هي بحرب حكم بها إلهه، ذلك الإله الذي رضي بتعايش الفلسطيني مع اليهودي على مدى القرون. دولة إسرائيل يقطنها ثلاثة ملايين من البشر، فمظاهرة الـ 400 ألف هناك هي مظاهرة الثلاثين مليونًا في واشنطن. كل مرّة أسمع فيها عن البيغينات والشارونات في لبنان أو أي قطر آخر بالعالم أتذكّر تلك المظاهرة الباطنيّة، تلك المظاهرة التي أريد ضمّ صوتي إليها، والذي هو صوت حب وتقدير لشعب عرفته فقط من خلال قراءة التوراة ولم أعرفه قط في أيامنا هذه.
* كُتبت هذه المقالة في أعقاب ارتكاب مذبحة صبرا وشتيلا ونشرتها صحيفة "ال اكسبرسو" الإكوادورية في الثالث من تشرين الأول من العام 1982. كاتبها هو الكاتب الكولومبي الغني عن التعريف غابرييل غارسيّا ماركيز، مؤلف رواية "مائة عام من العزلة" والذي نال جائزة نوبل للأدب لعام 1982.
#غابرييل_غارسيّا_ماركيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|