أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 2080 - 2007 / 10 / 26 - 05:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يستند مفكرو الإسلام في مناقضتهم و معارضتهم لإنجيل المسيح و للكتاب المقدس في قضية صلب المسيح علي ماجاء به القرآن في سورة النساء 157 "{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } 158 { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }
و لقد تتبعت تفاسير العديد من المفسرين و خاصة الذين دعاهم العلماء "أمهات التفاسير" و هم الزمخشري , الطبري , الرازي , القرطبي , إبن كثير , البيضاوي , السيوطي , و الشوكاني , ثم العديد غيرهم من المفسرين. و جميع هذه التفاسير منشورة علي شبكة الإنترنت في موقع http://www.altafsir.com
و ستدهش يا قارئي العزيز عندما تكتشف إن جميع المفسرين إستندوا إلي روايات مرجعها إلي العصر الإسلامي فقط أي أكثر من ستمائة سنة بين راوي الرواية و بين حادثة الصلب , و البعض أورد بل و أسند تفسيره إلي روايات متضاربة و أحيانا متناقضة بعضها مع بعض. و سأكتفي هنا بتقديم ثلاثة من هذه التفاسير أنقلها إليك من الموقع المشار إليه , و سأكتفي هنا بالتعليق علي هذه التفاسير الثلاثة فقط و سأنشر الباقي إذا لزم الأمر:
أولا : الزمخشري
تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق
روي *1* أنّ رهطاً من اليهود سبوه وسبوا أمّه فدعا عليهم «اللَّهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني، اللَّهم العن من سبني وسب والدتي»، فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء*2*ويطهره من صحبة اليهود، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم: أنا. فألقي- عليه شبهه فقتل وصلب . وقيل: كان رجلاً ينافق عيسى، فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه، فدخل بيت عيسى فرفع عيسى وألقي شبهه على المنافق * 3* ، فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنه إلٰه لا يصح قتله. وقال بعضهم: إنه قتل وصلب. وقال بعضهم إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ وقال بعضهم رفع إلى السماء وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا. فإن قلت: { شُبّهَ } مسند إلى ماذا* 4 * ؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح، فالمسيح مشبه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر قلت: هو مسند إلى الجار والمجرور وهو { لهم } كقولك خيل إليه، كأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول *5*: لأنّ قوله: إنا قتلنا يدل عليه، كأنه قيل: ولكن شبه لهم من قتلوه { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنّ } استثناء منقطع لأنّ اتباع الظن ليس من جنس العلم، يعني: ولكنهم يتبعون الظن. فإن قلت: قد وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح أحد الجائزين، ثم وصفوا بالظن والظن أن يرتجح أحدهما، فكيف يكونون شاكين ظانين؟ قلت: أريد أنهم شاكون ما لهم من علم قط، ولكن إن لاحت لهم أمارة فظنوا، فذاك { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } وما قتلوه قتلاً يقيناً. أو ما قتلوه متيقنين، كما ادّعوا ذلك في قولهم: (إنا قتلنا المسيح) أو يجعل (يقيناً) تأكيداً لقوله: { وَمَا قَتَلُوهُ } كقولك: ما قتلوه حقاً أي حق انتفاء قتله حقاً. وقيل: هو من قولهم: قتلت الشيء علماً ونحرته علماً إذا تبالغ فيه علمك. وفيه تهكم، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفياً كلياً بحرف الاستغراق. ثم قيل: وما علموه علم يقين وإحاطة لم يكن إلا تهكماً بهم { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره: وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمننّ به. ونحوه:
التعليق علي تفسير الزمخشري:
*1* أين مرجع هذه القصة سواء عن العرب أو عن اليهود ؟ كيف ينسب الزمخشري إلي المسيح سب اليهود و لعنهم و هو الشئ المضاد تماما لأخلاقيات المسيح؟ . نعم لقد وبّخ المسيح اليهود بأقسي العبارات لكنه لم يُنزل اللعنات علي أي من البشر مطلقا, فالتوبيخ و الزجر و النقد الشديد و القاسي شئ و إنزال اللعنات شئ مختلف تماما, فشتّان بين حقيقة المسيح و تخيلات و إفتراءآت الزمخشري. لقد وبّخ المسيح اليهود بأن دعاهم "يا أولاد الأفاعي" و في مرّة أخري قال لهم "أنتم من أب هو إبليس" و كانت الأفعي في التفسير اليهودي رمز لإبليس , فالمسيح كان ينعتهم موبّخا إياهم علي الشر الذي فيهم. و لم يكن كلام المسيح لهم دينونة و هو لم يسبّهم بأنهم أولاد القردة و أولاد الخنازير.
*2* إذا كان عيسي قد تلقي وعدا من الله أن يرفعه إليه و يطهره دون أن يُصلب فلماذا يطلب إلي أصحابه أن يُلقَي شبهه علي أحد منهم ليُقتل و يُصلب بدلا عنه؟ و هل كانت هذه هي خطة الله أم جاء بها عيسي من عندياته؟ و هذه القصة تتهم عيسي بأنه جبان يخشي القتل و بأنه مخادع مخاتل يرضي بأن يظن الناس بأنه هو المقتول. و هذا ما لم ينادي به القرآن صراحة و نصا.
*3 *قصة إلقاء الشبة علي المنافق تعني هنا إن إلقاء الشبه وقع علي سبيل العقاب لا المكافأة بالجنة كما وعد عيسي أصحابه في القصة الأولي, و هذا منتهي التناقض. فهل إلقاء شبه عيسي علي آخر كما تدّعي هذه الروايات الخيالية كان للعقاب أم للثواب؟
*4* الزمخشري هنا يرفض أن يكون فعل شُبّه مُسند إلي المسيح فهو لم يشبّه , و يرفض أن يُسند إلي شخص آخر قُتل مكانه بدعوي "لم يجر له ذكر" فأسند الفعل إلي (لهم) أي اليهود (أي وقع لهم التشبيه) , و هذا هو التفسير الصحيح . و أنا أزيد هنا علي ما تركه الزمخشري فأقول إن الآية تقول "ولكن شبه لهم" فلو كان القرآن يعني إن التشبيه وقع علي شخص أي إنسان آخر لكان قد قال "ولكنه" شبه لهم , أي أن شخصا آخر شُبّه لهم أنه هو المسيح, فيكون التشبيه قد وقع علي المسيح سلبيا كقضية أن ينتحل شخص شخصية إنسان آخر . فحرف الهاء _ إن كان قد وجِدَ في النص القرآني _ فكان يعني ضمير مسند إلي شخص عاقل, و بغياب حرف الهاء من (و لكن) التي إدعي البعض خطاءا أنها تعود علي شخص , فإن القول (ولكن شُبّه لهم) _ بحسب حرفية النص _ تعود علي الحَدَث بالقتل الذي قصده اليهود (يعني تشبيه الحَدَث و ليس تشبيه الشخص) , و لم يكتمل هذا الحدث كما أراده اليهود لأن الله هو الذي توفي المسيح ثم بعثه حيا ثم رفعه إليه . فيكون قتل المسيح هو الذي شُبّه لهم و ليس شخص المسيح.
*5*الإسناد إلي ضمير المقتول أدي إلي سفسطة هذا الدرب من التفسير , لأن إتباع الظن و الشك و عدم اليقين لا يدفع عن اليهود قولهم (إنا قتلنا المسيح) , و معني ذلك إن الشك – كما يقول الزمخشري - لا يُرجّح عدم الجائزين , و بإسناد اليقينية إلي الشك بمعني "ما قتلوا شكّهم يقينا" , فالقصة لا تعني قطعا عدم قتل المسيح بل الشّك فيه. ثم إن القرآن يتكلم هنا عن شخصين فقط هما اليهود و المسيح , و لم يذكر القرآن شخصا ثالثا فإذا إفترضنا وجوده خرجنا عن نص القرآن و دخلنا في السفسطة.
ونلاحظ إن الزمخشري في جميع ما رواه لم يُثبت أي مصدر لرواياته , و هو أيضا لم يُثبت نظرياته لا من التاريخ و لا حتي من أي عقيدة موجودة سواء إعتبرها صحيحة أم فاسدة. أي أنه لم يذكر أي مرجعية لرواياته هذه , فيقول عن المقتول :(1) إنه واحد من تلاميذ عيسي تطوع ليموت بدلا عنه أو (2) واحد كان ينافق عيسي و هو الذي دل اليهود عليه (3) البعض قال إنه قتل و صلب(أي المسيح) . فهل تصلح هذه التفاسير المتضاربة أن تكون مقبولة كي يبني عليها الإنسان عقيدة تحدد مصيره الأبدي و تكون هي الفرق بين الحياة و الموت.
ثانيا: تفسير الطبري
* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا}ً
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وبِقَوْلِهمْ { أنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللَّهِ }. ثم كذّبهم الله فـي قِـيـلهم، فقال: { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } يعنـي: وما قتلوا عيسى وما صلبوه، ولكن شبّه لهم. *1*واختلف أهل التأويـل فـي صفة التشبـيه الذي شُبِّه للـيهود فـي أمر عيسى، فقال بعضهم: لـما أحاطت الـيهود به وبأصحابه، أحاطوا بهم، وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه، *2*وذلك أنهم جميعاً حُوّلوا فـي صورة عيسى، فأشكل علـى الذين كانوا يريدون قتل عيسى، عيسى من غيره منهم، وخرج إلـيهم بعض من كان فـي البـيت مع عيسى، فقتلوه وهم يحسبونه عيسى. ذكر من قال ذلك:
*3*حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القميّ، عن هارون بن عنترة، عن وهب بن منبه، قال: أتـى عيسى ومعه سبعة عشر من الـحواريـين فـي بـيت، وأحاطوا بهم، فلـما دخـلوا علـيهم صوّرهم الله كلهم علـى صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتـمونا لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلَنَّكم جميعاً فقال عيسى لأصحابه: من يشتري نفسه منكم الـيوم بـالـجنة؟ فقال رجل منهم: أنا. فخرج إلـيهم فقال: أنا عيسى وقد صوّره الله علـى صورة عيسى، فأخذوه فقتلوه وصلبوه. فمن ثمَّ شُبِّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى، *4*وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى، ورفع الله عيسى من يومه ذلك.
*5*وقد رُوي عن وهب بن منبه غير هذا القول، وهو ما:حدثنـي به الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن مَعْقِل، أنه سمع وهبـاً يقول: إن عيسى ابن مريـم لـما أعلـمه الله أنه خارج من الدنـيا جزع من الـموت وشقّ علـيه، فدعا الـحواريـين وصنع لهم طعاماً، فقال: احضُرونـي اللـيـلة، فإن لـي إلـيكم حاجة فلـما اجتـمعوا إلـيه من اللـيـل عَشَّاهم، وقام يخدمهم، فلـما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضِّئُهُمْ بـيده ويـمسح أيديهم بثـيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه، فقال: ألا من ردّ علـيّ شيئاً اللـيـلة مـما أصنع فلـيس منـي ولا أنا منه فأقرّوه، حتـى إذا فرغ من ذلك، قال: أما ما صنعت بكم اللـيـلة مـما خدمتكم علـى الطعام وغسلت أيديكم بـيدي، فلـيكن لكم بـي أسوة، فإنكم ترون أنـي خيركم، فلا يتعظّم بعضكم علـى بعض، ولـيبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم. وأما حاجتـي التـي استعنتكم علـيها، فتدعون لـي الله وتـجتهدون فـي الدعاء أن يوخِّر أجلـي فلـما نصبوا أنفسهم للدعاء، وأرادوا أن يجتهدوا، أخذهم النوم حتـى لـم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله أما تصبرون لـي لـيـلة واحدة تعينونـي فـيها؟ قالوا: والله ما ندري ما لنا، لقد كنا نسمُر فنكثر السمر، وما نطيق اللـيـلة سمراً وما نريد دعاء إلا حِيـل بـيننا وبـينه فقال: يُذْهَب بـالراعي وتتفرّق الغنـم.وجعل يأتـي بكلام نـحو هذا ينعَي به نفسه، ثم قال: الـحقّ لـيكفرنّ بـي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرّات، ولَـيبـيعِّنـي أحدكم بدراهم يسيرة، ولـيأكلنّ ثمنـي فخرجوا وتفرّقوا. وكانت الـيهود تطلبه، فأخذوا شمعون أحد الـحواريـين، فقالوا: هذا من أصحابه، فجحد، وقال: ما أنا بصاحبه، فتركوه. ثم أخذه آخرون، فجحد كذلك، ثم سمع صوت ديك، فبكى وأحزنه. *6*فلـما أصبح أتـى أحد الـحواريـين إلـى الـيهود، فقال: ما تـجعلون لـي إن دللتكم علـى الـمسيح؟ فجعلوا له ثلاثـين درهماً، فأخذها ودلَّهم علـيه، وكان شُبّه علـيهم قبل ذلك، فأخذوه فـاستوثقوا منه وربطوه بـالـحبل، فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تـحيـي الـموتـى وتنتهر الشيطان وتبرىء الـمـجنون؟ أفلا تنـجى نفسك من هذا الـحبل؟ ويبصقون علـيه، ويـلقون علـيه الشوك، حتـى أتوا به *7*الـخشبة التـي أرادوا أن يصلبوه علـيها، فرفعه الله إلـيه، وصلبوا ما شُبّه لهم، فمكث سبعاً. ثم إن أمه والـمرأة التـي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الـجنون جاءتا تبكيان حيث كان الـمصلوب، فجاءهما عيسى، فقال: علام تبكيان؟ قالتا علـيك، فقال: *8*إنـي قد رفعنـي الله إلـيه، ولـم يصبنـي إلا خير، وإن هذا شيء شُبِّه لهم، فأْمُرا الـحواريـين أن يَـلْقَونـي إلـى مكان كذا وكذا فلقوه إلـى ذلك الـمكان أحد عشر، وفُقِد الذي كان بـاعه ودلّ علـيه الـيهود، فسأل عنه أصحابه، فقالوا: إنه ندم علـى ما صنع، فـاختنق وقتل نفسه. فقال: لو تاب لتاب الله علـيه ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له: يُحَنَّا، فقال: هو معكم فـانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدّث بلغة قوم، فلـينذرهم ولـيدعهم. وقال آخرون: *9*بل سأل عيسى من كان معه فـي البـيت أن يُـلْقَـى علـى بعضهم شبهه، فـانتدب لذلك رجل، فأُلقـي علـيه شبه، فَقُتل ذلك الرجل ورُفع عيسى ابن مريـم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك: *10*حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ }... إلـى قوله: { وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيـماً } أولئك أعداء الله الـيهود اشتهروا بقتل عيسى بن مريـم رسول الله، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه. وذُكر لنا أن نبـيّ الله عيسى ابن مريـم قال لأصحابه: أيكم يُقذف علـيه شبهي فإنه مقتول؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا نبـيّ الله. فقُتل ذلك الرجل، ومنع الله نبـيه ورفعه إلـيه.
*11*حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } قال: أُلِقـي شبهه علـى رجل من الـحواريـين فقُتل، وكان عيسى ابن مريـم عَرَض ذلك علـيهم، فقال: أيكم ألِقـي شبهِي علـيه وله الـجنة؟ فقال رجل: علـيّ. *12*حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: أن بنـي إسرائيـل حَصَروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الـحواريـين فـي بـيت، فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتـي فـيُقتل وله الـجنة؟ فأخذها رجل منهم. وصُعِد بعيسى إلـى السماء، فلـما خرج الـحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أن عيسى علـيه السلام قد صُعد به إلـى السماء، فجعلوا يعدّون القوم فـيجدونهم ينقصون رجلاً من العِدّة، ويرون صورة عيسى فـيهم، فشكُّوا فـيه. وعلـى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه، فذلك قول الله تبـارك وتعالـى: { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ }... إلـى قوله: { وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيـماً }.
*13*حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن القاسم بن أبـي بزّة: أن عيسى ابن مريـم قال: أيكم يُـلقـي علـيه شبهِي فـيُقتل مكانـي؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا رسول الله. فأُلقـي علـيه شبهه، فقتلوه، فذلك قوله: { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ }.
*14*حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان اسم ملك بنـي إسرائيـل الذي بعث إلـى عيسى لـيقتله، رجلاً منهم يقال له: داود، فلـما أجمعوا لذلك منه لـم يَفْظَع عبدٌ من عبـاد الله بـالـموت فـيـما ذكر لـي فَظَعُه، ولـم يجزع منه جزعه، ولـم يدع الله فـي صرفه عنه دعاءه حتـى إنه لـيقول فـيـما يزعمون: اللهمّ إن كنت صارفـاً هذه الكأس عن أحد من خـلقك، فـاصرفها عنـي وحتـى إن جلده من كرب ذلك لـيتفصد دَماً. فدخـل الـمدخـل الذي أجمعوا أن يدخـل علـيه فـيه لـيقتلوه هو وأصحابه، وهم ثلاثة عشر بعيسى، فلـما أيقن أنهم داخـلون علـيه، قال لأصحابه من الـحواريـين وكانوا اثنى عشر رجلاً: بُطْرُس، ويَعْقُوب بن زَبْدِي، ويُحَنَّس أخو يعقوب، وَأنْدَرَاوُس، وفِـيـلِبُّس، وأَبْرَثَلْـمَا، وَمَّتـى، وتُوماس، ويعقوب بن حَلْقـيا، وتُدَّاوس، وفتاتـيا، ويُودُسُ زَكَرِيا يُوطا. قال ابن حميد: قال سلـمة: قال ابن إسحاق: *15*وكان فـيهم فـيـما ذكر لـي رجل اسمه سرجس، فكانوا ثلاثة عشر رجلاً سوى عيسى جحدته النصارى، وذلك أنه هو الذي شبه للـيهود مكان عيسى. قال: فلا أدري ما هو من هؤلاء الاثنـي عشر، أم كان ثالث عشر، *16*فجحدوه حين أقرّوا للـيهود بصلب عيسى وكفروا بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم من الـخبر عنه. فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى أربعة عشر، وإن كان اثنـي عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر.
*17*حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي رجل كان نصرانـياً فأسلـم أن عيسى حين جاءه من الله إنّى رَافِعُكَ إلـيَّ قال: يا معشر الـحواريـين: أيكم يحبّ أن يكون رفـيقـي فـي الـجنة حتـى يشبه للقوم فـي صورتـي فـيقتلوه مكانـي؟ فقال سرجس: أنا يا روح الله قال: فـاجلس فـي مـجلسي. فجلس فـيه، ورُفع عيسى صلوات الله علـيه، فدخـلوا علـيه فأخذوه، فصلبوه، فكان هو الذي صلبوه وشُبِّه لهم به. وكانت عدتهم حين دخـلوا مع عيسى معلومة، قد رأوهم فأحصوا عدتهم، فلـما دخـلوا علـيه لـيأخذوه وجدوا عيسى فـيـما يرون وأصحابه وفقدوا رجلاً من العدّة، فهو الذي اختلفوا فـيه. وكانوا لا يعرفون عيسى، حتـى جعلوا لـيودس زكريايوطا ثلاثـين درهماً علـى أن يدلهم علـيه ويعرّفهم إياه، فقال لهم: إذا دخـلتـم علـيه فإنـي سأُقَبِّله، وهو الذي أُقَبِّل فخذوه فلـما دخـلوا علـيه، وقد رُفع عيسى، رأى سَرْجِس فـي صورة عيسى، فلـم يشكّ أنه هو عيسى، فأكبّ علـيه فقبله، فأخذوه فصلبوه. ثم إن يُودُس زكَرِيايوطا ندم علـى ما صنع، فـاختنق بحبل حتـى قتل نفسه، وهو ملعون فـي النصارى، وقد كان أحد الـمعدودين من أصحابه. *18*وبعض النصارى يزعم أن يُودُس زكريايوطا هو الذي شُبِّه لهم فصلبوه، وهو يقول: إنـي لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم علـيه والله أعلـم أيّ ذلك كان.
*19*حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: بلغنا أن عيسى ابن مريـم قال لأصحابه: أيكم يَنتدب فـيـلقـى علـيه شبهي فـيقتل؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا نبـيّ لله. فألقـي علـيه شبه فقُتل، ورفع لله نبـيه إلـيه.
*20*حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { شُبِّهَ لَهُمْ } قال: صلبوا رجلاً غير عيسى يحسبونه إياه.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } فذكر مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: صلبوا رجلاً شبهوه بعيسى يحسبونه إياه، ورفع الله إلـيه عيسى علـيه السلام حياً.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب أحد القولـين اللذين ذكرناهما عن وهب بن منبه، من أن شبه عيسى ألقـى علـى جميع من كان فـي البـيت مع عيسى حين أحيط به وبهم، من غير مسألة عيسى إياهم ذلك، ولكن لـيخزي الله بذلك الـيهود وينقذ به نبـيه علـيه السلام من مكروه ما أرادوا به من القتل، ويبتلـى به من أراد ابتلاءه من عبـاده فـي قـيـله فـي عيسى وصدق الـخبر عن أمره. أو القول الذي رواه عبد العزيز عنه. وإنـما قلنا: ذلك أولـى القولـين بـالصواب، لأن الذين شهدوا عيسى من الـحواريـين لو كانوا فـي حال ما رفع عيسى، وألقـى شبهه علـى من ألقـى علـيه شبهه، كانوا قد عاينوا عيسى هو يرفع من بـينهم، وأثبتوا الذي ألقـى علـيه شبهه، وعاينوه متـحوّلاً فـي صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بـمـحضر منهم، لـم يخف ذلك من أمر عيسى، وأمر من ألقـي علـيه شبهه علـيهم مع معاينتهم ذلك كله، ولـم يـلتبس ولـم يشكل علـيهم وإن أشكل علـى غيرهم من أعدائهم من الـيهود أن الـمقتول والـمصلوب كان غير عيسى، وأن عيسى رفع من بـينهم حياً. وكيف يجوز أن يكون كان أشكل ذلك علـيهم، وقد سمعوا من عيسى مقالته: من يُـلْقَـى علـيه شبهي ويكون رفـيقـي فـي الـجنة؟ إن كان قال لهم ذلك، وسمعوا جواب مـجيبه منهم: أنا، وعاينوا تـحوّل الـمـجيب فـي صورة عيسى بعقب جوابه. ولكن ذلك كان إن شاء الله علـى نـحو ما وصف وهب بن منبه، إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت الذي رفع منه من حواريه حوّلهم الله جميعاً فـي صورة عيسى حين أراد الله رفعه، فلـم يثبتوا عيسى معرفة بعينه من غيره لتشابه صُوَر جميعهم، فقتلت الـيهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إياه، لأنهم كانوا به عارفـين قبل ذلك، *21*وظنّ الذين كانوا فـي البـيت مع عيسى مثل الذي ظنت الـيهود، لأنهم لـم يـميزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره مـمن كان معه فـي البـيت، فـاتفقوا جميعهم أعنـي الـيهود والنصارى من أجل ذلك علـى أن الـمقتول كان عيسى، ولـم يكن به، ولكنه شبه لهم، كما قال الله جلّ ثناؤه: { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ }. أو يكون الأمر فـي ذلك كان علـى نـحو ما روى عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، أن القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت تفرّقوا عنه قبل أن يدخـل علـيه الـيهود، وبقـي عيسى، وألقـي شبهه علـى بعض أصحابه الذين كانوا معه فـي البـيت بعد ما تفرّق القوم غير عيسى وغير الذي ألقـى علـيه شبهه، ورُفع عيسى. فقُتل الذي تـحوّل فـي صورة عيسى من أصحابه، *22*وظنّ أصحابه والـيهود أن الذي قُتل وصلب هو عيسى لـما رأوا من شبهه به وخفـاء أمر عيسى علـيهم لأن رفعه وتـحوّل الـمقتول فـي صورته كان بعد تفرّق أصحابه عنه، وقد كانوا سمعوا عيسى من اللـيـل ينعي نفسه ويحزن لـما قد ظنّ أنه نازل به من الـموت، فحكوا ما كان عندهم حقاً، والأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف ما حكوا، فلـم يستـحقّ الذين حكوا ذلك من حواريـيه أن يكونوا كذبة، أو حكوا ما كان حقاً عندهم فـي الظاهر وإن كان الأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف الذي حكوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ لَفِـي شَكَ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ إلاَّ اتِّبـاعَ الظَّنّ وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً }.يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ } الـيهود الذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله. وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدّة من فـي البـيت قبل دخولهم فـيـما ذكر فلـما دخـلوا علـيهم، فقدوا واحداً منهم، فـالتبس أمر عيسى علـيهم بفقدهم واحداً من العدّة التـي كانوا قد أحصوها، وقتلوا من قتلوا علـى شكّ منهم فـي أمر عيسى. وهذا التأويـل علـى قول من قال: لـم يفـارق الـحواريون عيسى حتـى رُفع ودخـل علـيهم الـيهود. وأما تأويـله علـى قول من قال: تفرّقوا عنه من اللـيـل، فإنه: وإن الذين اختلفوا فـي عيسى، هل هو الذي بقـي فـي البـيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدّة التـي كانت فـيه أم لا؟ لفـي شكّ منه، يعنـي: من قتله، لأنهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخـلوا البـيت أكثر مـمن خرج منه ومن وجد فـيه، فشكوا فـي الذي قتلوه هل هو عيسى أم لا من أجل فقدهم من فقدوا من العدد الذي كانوا أحصوه، ولكنهم قالوا: قتلنا عيسى، لـمشابهة الـمقتول عيسى فـي الصورة. يقول الله جلّ ثناؤه: { ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ } يعنـي: أنهم قتلوا من قتلوه علـى شكّ منهم فـيه واختلاف، هل هو عيسى أم غيره؟ من غير أن يكون لهم بـمن قتلوه علـم من هو، هو عيسى أم هو غيره؟ { إلاَّ اتِّبـاعَ الظَّنّ } يعنـي جلّ ثناؤه: ما كان لهم بـمن قتلوه من علـم، ولكنهم اتبعوا ظنهم، فقتلوه ظناً منهم أنه عيسى وأنه الذي يريدون قتله، ولـم يكن به. { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } يقول: وما قتلوا هذا الذي اتبعوه فـي الـمقتول الذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى يقـيناً أنه عيسى، ولا أنه غيره، ولكنهم كانوا منه علـى ظنّ وشبهة وهذا كقول الرجل للرجل: ما قتلت هذا الأمر علـماً وما قتلته يقـيناً، إذا تكلـم فـيه بـالظنّ علـى غير يقـين علـم فـالهاء فـي قوله: { وَما قَتَلُوهُ } عائدة علـى الظنّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثني معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } قال: يعنـي: *23*لـم يقتلوا ظنهم يقـيناً.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يعلـى بن عبـيد، عن جويبر فـي قوله: { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } قال: ما قتلوا ظنّهم يقـيناً.وقال السديّ فـي ذلك، ما:حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً }: وما قتلوا أمره يقـيناً أن الرجل هو عيسى، بل رفعه الله إلـيه.
تعليق علي تفسير الطبري
*1 * يقول الطبري "إختلف أهل التأويل" أي إن الطبري يعترف إن المسألة هنا هي تأويل القرآن و ليس تفسيره. و التأويل هنا هو ليّ معاني القرآن ليطابق عقيدة مسبّقة قي ذهن الذي يؤّل الآيات. بعكس التفسير الذي يرمي إلي إيضاح أو إستنباط عقيدة من النص _ تؤيدها الشواهد التاريخية _ و ليست خارجة عن النص (أي بقية نصوص القرآن التي تتكلم عن موت المسيح و قيامته) كما في هذه القضية.
* 2 * يبدأ الطبري في ذكر تأويل الحوادث خارج النص القرآني تماما.
* 3 * سلسلة الإسناد هذه جميعها داخل العصر الإسلامي . أي أن جميع هؤلاء الرواة بينهم و بين صلب المسيح و قيامته أكثر من ثمان مئة سنة. ثم مَن هم هؤلاء الأشخاص الذين يروون هذه القصص؟ و عن من نقلوها؟ كل الأسماء عربية و لا يوجد شخص واحد عِبري أو من عصر المسيح.
* 4 * كيف يقول هذا الراوي (إبن منبه) هذا القول "و ظنت النصاري مثل ذلك أنه عيسي" ؟ يعني جميع هذه الأجيال بما فيهم رسل المسيح الذين إستُشهدوا من أجل مناداتهم بصلب و قيامة المسيح , جميعهم عاشوا في ضلال (ظانين إن عيسي قد صلب و هو لم يصلب) و ضعهم فيه الله , و لم يشأ الله أن ينقذهم منه (أي من الورطة التي أوقعهم هو ذاته فيها) حتي جاء هؤلاء الرواة بهذه القصص السفسطائية. و لاحظ يا قارئي العزيز إن هذه القصص ليست من القرآن في شئ بل هي من إختراع هؤلاء الرواة. و معني هذا الكلام يا صديقي إن الحواريين و التلاميذ نادوا بصدق عما عرفوه بصلب المسيح و قيامته , و لكن ديانتهم هذه كانت كاذبة بسبب إن الله خدعهم في المسيح. و هذا إتهام مؤسس علي الخيالات و قائم علي كراهية المسيحيين.
* 5 * إنظر يا قارئي العزيز إلي هذه العبارة "و قد روي عن وهب إبن منبه غير هذا القول" و هذه سلسلة مختلفة من الرواة تنتهي إلي نفس الشخص و لكن برواية مختلفة تماما كما يلي:
*6* هنا يذكر قصة خيانة أحد الحواريين للمسيح (و هي قصة صحيحة في الإنجيل و إسم الحواري يهوذا الإسخريوطي). إلا إن القصة التي أوردها الطبري تقول إنه رغم أن المسيح (شُبّه عليهم قبل ذلك) إلا إنهم بسبب إستدلالهم عليه من الحواري الخائن "فأخذوه (أي المسيح) و إستوثقوا منه و ربطوه" ثم :
* 7 * تقول القصة إنهم إقتادوا المسيح الحقيقي إلي الصليب لكن رُفع إلي السماء و صلبوا ما شُبّه لهم. و السؤآل من الذي شُبّه لهم؟ كيف يمكن أن يرُفع المسيح من أيديهم و هو موثق بالحبال؟ و من الذي أوثق الشخص الآخر بدلا عن المسيح؟ و في هذه القصة فإن الشخص المزعوم أنه شُبّه لهم مجهول لم يُعرَف من هو.
* 8 * إنظر يا قارئي العزيز هذه القصة المختلفة و كلام المسيح عن نفسه , فهو : (1) "قد رفعني الله إليه ولم يصيبني إلا خير" , و طبعا هذا صحيح لأن الله أقامه من الأموات , و هذا مَجد وخَير , و بحسب هذا النص فالمسيح لم يعترف صراحة إنه لم يُصلَب. (2) يقول عيسي "و إن هذا شئ شُبّه لهم" لا حظ يا عزيزي القارئ إن المسيح لم يقل (في هذه القصة) إن شخصا شُبّه لهم بل قال "شئ شُبّه لهم" و شتّان الفرق بين "شئ" و بين "شخص", فالأولي تعود علي الحدث و الثانية تعود علي إنسان. و لا شك إن راوي هذه الرواية قد إقتبسها من أحد القصص المسيحية ثم حوّرها ليحذف واقعة صلب المسيح و يؤيد نظريته و لو علي حساب الحقيقة.
*9* يعود الطبري هنا إلي قصة طلب عيسي من أتباعه أن يتطوع أحد منهم بأن يموت بدلا عنه , و هي قصة مخالفة لما رواه من قبل.
* 10 * هنا ينسب الطبري القصة السابقة إلي مجموعة أخري من الرواة تنتهي إلي شخص إسمه قتادة, فمن هو قتادة هذا ؟ و ما علاقته برسل المسيح و بالمسيحيين عموما؟ و كم من مئات السنين يبعد عصره عن عصر المسيح؟
* 11 * هنا يعيد الطبري رواية عرض المسيح علي أصحابه أن يُصلب واحد منهم بدلا عنه , لكنه يسندها إلي مجموعة أخري تنتهي إلي قتادة أيضا . و نستنتج من هذا إن قتادة هذا هو الذي أذاع تلك القصة التي لا تتفق مع نص القرآن أي إن شَبَه المسيح قد ألقي علي شخص آخر, و إن المسيح هو الذي طلب ذلك من أصحابه, فمن أين سمع قتادة هذا الكلام؟
* 12 * هنا قصة أخري (ينتهي إسنادها إلي واحد إسمه السدي) إن الحواريين هم الذين قالوا لليهود إن عيسي رُفع إلي السماء و كانوا حسب القصة تسعة عشر رجلا, فإذا كان الحواريون يعرفون إن الذي صُلب ليس عيسي و أنهم شهدوا إن عيسي رُفع إلي السماء, فكيف يؤسسون ديانة أساسها صلب المسيح و قيامته من الأموات؟ و إذا قال قائل إن الدين الصحيح كان قائم علي قصة التشبيه بشخص آخر فلماذا لم ينص القرآن عليها؟ و كيف تحولت المسيحية في كل العالم من ديانة المسيح المرفوع إلي ديانة المسيح المصلوب؟ أين و متي و كيف ينقلب و يزيّف و يزوّر دين بحاله إلي مئات السنين؟ أين النص القرآني الصريح بوقوع شَبه المسيح علي آخر؟
* 13*هذه رواية إن عيسي طلب إلي أصحابه أن يتطوع واحد منهم ليموت في مكانه , و هي مروية بمجموعة أخري من الناس و مسندة إلي القاسم بن أبي بزة , فمن هو هذا الراوي و في أي زمن عاش و ما علاقته بأحداث الصليب؟
* 14 * هنا قصة أخري مختلفة منسوبة إلي إبن إسحق يقول فيها إن ملك اليهود أرسل ليقتل المسيح , فيخالف إبن إسحق هنا باقي القصص . و السؤآل أيضا من هو إبن إسحق هذا؟ الغريب في هذه القصة إن الرواية تقول ما معناه إن المسيح خاف من الموت , و هو أورد قصة صلاة المسيح و طلبه من الآب أن "يجيز عنه هذه الكأس" _ المذكورة في الإنجيل _ علي أنها بسبب خوف المسيح من الموت , و ذلك علي خلاف العقيدة المسيحية التي تقول أن المسيح صلّي لتثبيت إرادة الآب من نحو الصلب , و أيضا الصلاة من أجل أن يُقام المسيح من الأموات إعلانا لإكتمال عمل الفداء.
* 15 * إبن إسحق هذا يعدد أسماء التلاميذ أنهم إثني عشر ثم يضيف إليهم واحد إسمه سرجس و يقول إنه هو الذي شُبه لليهود مكان عيسي , فمن هو سرجس هذا و كيف و لماذا حدث له التشبيه؟ و قال إبن إسحق "ما أدري ما هو من هؤلاء" (يقصد التلاميذ). و تعليقي هو لماذا يُفتي إبن إسحق هذا في ما لا يدريه؟
* 16 * يقول الطبري إن النصاري أقروا لليهود بصلب المسيح بالرغم من علمهم بأن واحد آخر صلب مكانه , و كان ذلك لأنهم كفروا بما جاء به النبي محمد من الخير عنه (أي عن المسيح) , فهل يُزيّف النصاري دينهم فقط عِندا و إغاظة في النبي محمد؟ و أين زمان النبي محمد من تاريخ واقعة الصليب . و هل معقول أن يؤسّس النصاري دينهم أو يبدأوا الكذب في دينهم فقط عِند سماعهم بالنبي محمد أي بعد سبعة قرون من واقعة الصليب؟ رجاء يا قارئي العزيز أن تنظر إلي هذه التفاسير و تعقلها. أليس هذا التفسير وحده دليلا قاطعا علي معاداة المفسرين العرب للمسيحية و المسيحيين , و إن تفاسيرهم القائمة علي نظرية إلقاء شبه المسيح علي آخر كلها مغرضة و بعيدة عن الموضوعية؟
* 17 * نفس سلسلة الاسناد في الحكاية السابقة لكن هذه المرة يقول إن الذي تحدث بها رجل نصراني , و في هذه الحكاية فإن سرجس هو أحد الإثني عشر و ليس زائدا عليهم كما في الحكاية السابقة و هو الذي تطوع ليموت بدلا عن المسيح . يعني نفس الإسناد بحكايتين مختلفتين.
* 18 * يقول الطبري في هذه القصة إن النصاري يزعمون إن يودس زكريا يوطس هو الذي شُبه لهم (أي لليهود) فصلبوه, و معني هذا إن الطبري يقول إن النصاري يؤمنون _ أو هم الذين روّجوا لقصة صلب واحد آخر مكان المسيح. و هذه مهزلة التفسير , فكيف يؤمن النصاري بالشئ و ضده في نفس الوقت؟ بينهم و بين أنفسهم يؤمنون بقصة التشبيه لكن في العلن يعاندون النبي محمد و يقولون عن المسيح إنه قد صلب ! يا له من تفسير! يا قارئي العزيز الغرض من هذا التفسير و موضوعه هو معاداة المسيحيين و لو علي حساب القرآن ذاته.
* 19 * و هنا قصة تنتهي إلي إبن جريح , فمن هو إبن جريح هذا؟
* 20 * هنا ثلاث روايات يبتدئ إسناد أولها إلي محمد إبن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسي عن إبن أبي نجيح عن مجاهد. فمن هو عيسي هذا المحشور في نصف الرواية ؟ ثم تتبع هذه الرواية روايتان مثلها متشابهة جميعها تنتهي الي "مجاهد " فمن هو مجاهد هذا و ما علاقته بالمسيح؟
ثم يورد الطبري في هذا المقطع تفسيرات نسبها إلي شخص يدعي أبو جعفر الذي يشرح أقوال وهب إبن منبه الذي قال إن جميع من في البيت وقت القبض علي عيسي ألقي عليهم شبهه دون أن يسأل أحد عيسي ذلك (برواية واحد إسمه عبد العزيز) و فيها ينفي إن التلاميذ عرفوا من منهم قُبضَ عليه لأن كلهم كان عليه شبه المسيح كما أنهم لم يشاهدوا عيسي صاعدا إلي السماء فأفتي أبو جعفر إن ذلك هو السبب في أن التلاميذ قولهم في صلب المسيح هو كقول اليهود. لا تعليق يا قارئي العزيز.... مرة أخري هل الله يضل الإنسان بديانة أفسدها هو بنفسه؟
* 21 * هنا يذكر الطبري رواية مختلفة تماما عن وهب إبن منبه أيضا (أي أن إبن منبه له روايات مختلفة) و الرواية تقول إن رفع عيسي و تشبيه آخر بشبهه كان بعد تفرق أصحابه عنه ثم
* 22 * .... يعتذر إبن منبه عن عدم معرفته بالحقيقة القاطعة و يبرئ الحواريين من تهمة الكذب (أي بإدعائهم بصلب المسيح) و عذرهم في هذا إنهم لم يعاينوا رفعه و لم يعاينوا تشبيه غيره به...... هل يمكن تصديق هذه القصص المتضاربة؟ و كيف يجعل الله الكذب حقا عند حواريي المسيح؟ هل من إجابة؟ و هل تعتقد يا قارئي العزيز إن هؤلاء المفسرين قد فسروا القرآن فعلا؟ أم أنهم قد هاجموا المسيحيين علي حساب صحة و دقة تفسير القرآن.
* 23 * هنا يورد الطبري تفسير إبن عباس آية "و ما قتلوه يقينا" بأنهم (أي اليهود) لم يقتلوا ظنهم يقينا. أي إن كلمة (ما قتلوه) هنا لا تعود علي المسيح بل تعود علي ظنهم بقتل المسيح , و لقد أتي هذا التفسير في الروايات التي تلت عن جوير و عن السدي. و هذا يعني إن اليهود ما زال لديهم الشك بأنهم قتلوا المسيح و ذلك بخلاف ما قالوا "إنا قتلنا المسيح" و بذلك يحاول المفسرون تثبيت الشك علي اليهود لكي ينزعوا التأكيد بالصلب عن المسيح الذي هو عقيدة المسيحيين. و هذا التعليل أو التفسير يناقض القرآن الذي نسب الشك إلي اليهود فقط و ليس إلي المسيحيين و لا إلي تلاميذ المسيح و حوارييه. فبذلك يكون المفسرون قد تعدوا النص القرآني بل و تعدوا عليه.
و الآن يا قارئي العزيز أرجو أن تنظر إلي جميع من إستعان بهم الطبري في تفسيره... هل من شاهد عيان واحد أو حتي شاهد قريب من الحدث أو ذي صفة تؤهله أن يكون مصدر معتمد ؟ بل إنظر إلي التناقض في الروايات المختلفة :
أُلقي شبهه علي التلاميذ جميعهم ... أُلقي شبهه علي جماعة آخرين كانوا معه في البيت ... أُلقي شبهه علي أحد التلاميذ تطوع لذلك ... أُلقي شبهه علي الذي دل عليه ... أُلقي شبهه علي حارسه ... ألقي شبهه علي شخص مجهول ... لم يلق شبهه علي أحد بل زعم اليهود إن من صلبوه هو المسيح إفتراءا ...
فهل يصلح هذا المنهج أن يكون ركيزة لتفسير ما يعتبره المسلمون كلام الله تَعتَمد عليه حياة و أرواح الناس و آخرتهم و أبديتهم؟ الطبري يقول إن التلاميذ لم يكذبوا لأنهم سمعوا المسيح في صلاته ينعي نفسه لكنهم لم يعاينوا رفعه و لا إلقاء شبهه علي غيره فهم صادقين في كلامهم عن المسيح. و معني هذا يا قارئي العزيز إن الطبري يقول إن الله ترك التلاميذ و الكنيسة من بعدهم و جميع الذين قبلوا شهادتهم عن موت و قيامة المسيح – جميعهم قد تركهم الله في ضلا ل حتي أتي شهود الطبري بعد ستمائة سنة و هم الذين لم يعاينوا و لم يشاهدوا شيئا مما حدث ليقولوا لنا هذه التفاسير و يصححوا الدين الذي تركه الله في ضلال أكثر من ستماية سنة .
ثالثا: الرازي
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }
وسادسها: قوله تعالى: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ }. وهذا يدل على كفر عظيم منهم لأنهم قالوا فعلنا ذلك، وهذا يدل على أنهم كانوا راغبين في قتله مجتهدين في ذلك، فلا شك أن هذا القدر كفر عظيم.فإن قيل: اليهود كانوا كافرين بعيسى أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة، فكيف قالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله؟ والجواب عنه من وجهين: الأول: *1*أنهم قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }[الشعراء: 27] وكقول كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6]، والثاني: أنه يجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عليه السلام عما كانوا يذكرونه به. ثم قال تعالى { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ }.واعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهم في هذه الدعوى وقال { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ } وفي الآية سؤالان:
*2*السؤال الأول: قوله { شُبّهَ } مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر. والجواب من وجهين: الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه كأنه قيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثاني: أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله { وَمَا قَتَلُوهُ } يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكوراً بهذا الطريق، فحسن إسناد { شُبّهَ } إليه.
السؤال الثاني: أنه إن جاز أن يقال: أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة، فإنا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد، ولكنه ألقى شبه زيد عليه، وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك، وثوقاً به، وأيضاً يفضي إلى القدح في التواتر لأن خبر التواتر إنما يفيد العلم بشرط انتهائه في الآخرة إلى المحسوس، فإذا جوزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجه الطعن في التواتر، وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع، وليس لمجيب أن يجيب عنه بأن ذلك مختص بزمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنا نقول: لو صح ما ذكرتم فذاك إنما يعرف بالدليل والبرهان، فمن لم يعلم ذلك الدليل وذلك البرهان وجب أن لا يقطع بشيء من المحسوسات ووجب أن لا يعتمد على شيء من الأخبار المتواترة، وأيضاً ففي زماننا إن انسدت المعجزات فطريق الكرامات مفتوح، وحينئذ يعود الاحتمال المذكور في جميع الأزمنة: وبالجملة ففتح هذا الباب يوجب الطعن في التواتر، والطعن فيه يوجب الطعن في نبوّة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا فرع يوجب الطعن في الأصول فكان مردوداً. والجواب: اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً:
*3*الأول: قال كثير من المتكلمين: إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى إلى السماء فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم، فأخذوا إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس أنه المسيح، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلاّ بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس، وبهذا الطريق زال السؤال. لا يقال: إن النصارى ينقلون عن أسلافهم أنهم شاهدوه مقتولاً، لأنا نقول: إن تواتر النصارى ينتهي إلى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب.
والطريق الثاني: أنه تعالى ألقى شبهه على إنسان آخر ثم فيه وجوه: الأول: أن اليهود لما علموا أنه حاضر في البيت الفلاني مع أصحابه أمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابه *4*يقال له طيطايوس أن يدخل على عيسى عليه السلام ويخرجه ليقتله، فلما دخل عليه أخرج الله عيسى عليه السلام من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فظنوه هو فصلبوه وقتلوه. الثاني: *5*وكلوا بعيسى رجلاً يحرسه وصعد عيسى عليه السلام في الجبل ورفع إلى السماء، وألقى الله شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست بعيسى. الثالث: أن اليهود لما هموا بأخذه وكان مع عيسى عشرة من أصحابه فقال لهم: من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي؟ فقال واحد منهم أنا، فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل، ورفع الله عيسى عليه السلام. الرابع: كان رجل يدعي أنه من أصحاب عيسى عليه السلام، وكان منافقاً فذهب إلى اليهود ودلهم عليه، فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب. *6*وهذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور.
ثم قال تعالى: { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } وفيه مسألتان: المسأله الأولى:اعلم أن في قوله { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } قولين: الأول: أنهم هم النصارى وذلك لأنهم بأسرهم متفقون على أن اليهود قتلوه،*7* إلا أن كبار فرق النصارى ثلاثة: النسطورية، والملكانية، واليعقوبية. أما النسطورية فقد زعموا أن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته، وأكثر الحكماء يرون ما يقرب من هذا القول، قالوا: لأنه ثبت أن الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو إما جسم شريف منساب في هذا البدن، وإما جوهر روحاني مجرد في ذاته وهو مدبر في هذا البدن، فالقتل إنما ورد على هذا الهيكل، وأما النفس التي هي في الحقيقة عيسى عليه السلام فالقتل ما ورد عليه، لا يقال: فكل إنسان كذلك فما الوجه لهذا التخصيص؟ لأنا نقول: إن نفسه كانت قدسية علوية سماوية شديدة الاشراق بالأنوار الإلهية عظيمة القرب من أرواح الملائكة، والنفس متى كانت كذلك لم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن، ثم إنها بعد الانفصال عن ظلمة البدن تتخلص إلى فسحة السموات وأنوار عالم الجلال فيعظم بهجتها وسعادتها هناك، ومعلوم أن هذه الأحوال غير حاصلة لكل الناس بل هي غير حاصلة من مبدأ خلقة آدم عليه السلام إلى قيام القيامة إلا لأشخاص قليلين، فهذا هو الفائدة في تخصيص عيسى عليه السلام بهذه الحالة ,وأما الملكانية فقالوا: القتل والصلب وصلا إلى الاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة. وقالت اليعقوبية: القتل واللصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين، فهذا هو شرح مذاهب النصارى في هذا الباب، وهو المراد من قوله { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكّ مّنْهُ }.
القول الثاني: أن المراد بالذين اختلفوا هم اليهود، وفيه وجهان: الأول: *8*أنهم لما قتلوا الشخص المشبه به كان الشبه قد ألقى على وجهه ولم يلق عليه شبه جسد عيسى عليه السلام، فلما قتلوه ونظروا إلى بدنه قالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره. الثاني: قال السدي: إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين في بيت، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه ويقتله، فألقى الله شبه عيسى عليه ورفع إلى السماء، فأخذوا ذلك الرجل وقتلوه على أنه عيسى عليه السلام، ثم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ فذلك اختلافهم فيه.
المسألة الثانية: احتج نفاة القياس بهذه الآية وقالوا: العمل بالقياس اتباع للظن، *9*واتباع الظن مذموم في كتاب الله بدليل أنه إنما ذكره في معرض الذم، ألا ترى أنه تعالى وصف اليهود والنصارى ههنا في معرض الذم بهذا فقال { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنّ } وقال في سورة الأنعام في مذمة الكفار { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ لا يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116] وقال في آية أخرى { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئاً }[يونس: 36] وكل ذلك يدل على أن اتباع الظن مذموم.
والجواب: لا نسلم أن العمل بالقياس اتباع الظن، فإن الدليل القاطع لما دل على العمل بالقياس كان الحكم المستفاد من القياس معلوماً لا مظنوناً، وهذا الكلام له غور وفيه بحث. ثم قال تعالى: { وَمَا قَتَلُوهُ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ }.واعلم أن هذا اللفظ يحتمل *10*وجهين: أحدهما: يقين عدم القتل، والآخر يقين عدم الفعل، فعلى التقدير الأول يكون المعنى: أنه تعالى أخبر أنهم شاكون في أنه هل قتلوه أم لا، ثم أخبر محمداً بأن اليقين حاصل بأنهم ما قتلوه، وعلى التقدير الثاني يكون المعنى أنهم شاكون في أنه هل قتلوه أم لا، ثم أخبر محمداً بأن اليقين حاصل بأنهم ما قتلوه، وعلى التقدير الثاني يكون المعنى أنهم شاكون في أنه هل قتلوه؟ ثم أكد ذلك بأنهم قتلوا ذلك الشخص الذي قتلوه لا على يقين أنه عيسى عليه السلام، بل حين ما قتلوه كانوا شاكين في أنه هل هو عيسى أم لا، والاحتمال الأول أولى لأنه تعالى قال بعده { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } وهذا الكلام إنما يصح إذا تقدم القطع واليقين بعدم القتل, أما قوله: { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو والكسائي { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } بإدغام اللام في الراء والباقون بترك الإدغام، حجتهما قرب مخرج اللام من الراء والراء أقوى من اللام بحصول التكرير فيها، ولهذا لم يجز إدغام الراء في اللام لأن الأنقص يدغم في الأفضل، وحجة الباقين أن الراء واللام حرفان من كلمتين فالأولى ترك الإدغام. المسألة الثانية: المشبهة احتجوا بقوله تعالى: { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } في إثبات الجهة.والجواب: المراد الرفع إلى موضع لا يجرى فيه حكم غير الله تعالى كقوله { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلامُورُ } [البقرة: 210] وقال تعالى:{ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }[النساء: 100] وكانت الهجرة في ذلك الوقت إلى المدينة، وقال إبراهيم { إِنّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّى }[الصافات: 99]. المسألة الثالثة: رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ثابت بهذه الآية، ونظير هذه الآية قوله في آل عمران { إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 55] واعلم أنه تعالى لما ذكر عقيب ما شرح أنه وصل إلى عيسى أنواع كثيرة من البلاء والمحنة أنه رفعه إليه دل ذلك على أن *11*رفعه إليه أعظم في باب الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية.
ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }.والمراد من العزة كمال القدرة، ومن الحكمة كمال العلم، فنبّه بهذا على أن رفع عيسى من الدنيا إلى السموات وإن كان كالمتعذر على البشر لكنه لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وإلى حكمتي، وهو نظير قوله تعالى:
{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً }[الإسراء: 1] فإن الإسراء وإن كان متعذراً بالنسبة إلى قدرة محمد إلا أنه سهل بالنسبة إلى قدرة الحق سبحانه ثم قال تعالى
تعليق علي تفسير الرازي
*1* يقول الرازي إن قول اليهود (إنا قتلنا المسيح) إنما هو عن إستهزاء , و هذا طبعا من العقل السليم إذ كيف يعترف اليهود بأن عيسي كان هو المسيح؟ و كيف يعترف اليهود بأنهم قتلوا المسيح؟ لأن اليهود يعتقدون إن عيسي كاذب و ليس هو المسيح.
*2* أورد الرازي هنا إشكالية الإعتقاد بأن الله يلقي شبه إنسان علي إنسان آخر. و هذا المفسر يرفض هذا الإفتراض و يقول إن الطعن في التواتر ( أي تواتر المسيحيين في قصة صلب المسيح المعلومة عندهم) يوجب الطعن في نبوة جميع الأنبياء . فما رأيك يا قارئي العزيز في هذا الرأي؟ أليس هذا ينسف نظرية التشبه التي إخترعها العرب من أساسها؟ و الحكم متروك لك.
*3* لكن الرازي يعز عليه أن يترك الأمر و هو يقر بصحة ما يتواتره النصاري (أو المسيحيون), فيخترع قصة أخري مفادها إن اليهود لما رُفع عيسي أخذوا شخصا آخر (وهم يعرفون أنه ليس هو المسيح) و إدّعوا عليه إنه المسيح و أوهموا الجموع بذلك و صلبوه مكانه, ثم أفتي الرازي فتوي خطيرة هي إن تواتر النصاري ينتهي إلي قوم قليلين لا يبعد إتفاقهم علي الكذب. يا قارئي العزيز ألا تسأل معي الرازي لماذا يكذب الحواريون و التلاميذ و المسيحيون و النصاري في هذا الأمر؟ لماذا يقولون قد صُلب و هم يعلمون إنه لم يُصلب؟ هل معقول أن يبدّل أناس ديانة ما يظنه المسلمون أنه قوة (أي رفع المسيح دون أن يُصلب) بديانة هي حسب الظاهر ديانة ضعف و خزي و عار؟(أي ديانة المسيح المصلوب) أي منطق هذا؟ أيكذب الانسان نحو الضعف الذي يحتقره الناس و ليس نحو القوة التي يمجدها الناس؟ إلا إذا كان هؤلاء الشهود قد رأوا في قيامة المسيح من الأموات قوة الله بينما في صلب المسيح ضعف الإنسان و في موت المسيح خزي و نجاسة الإنسان و في قيامته تطهير الله (و مطهرك من الذين كفروا).
*4* قصة أخري تقول إن يهوذا كان رأس اليهود (و لم يكن تلميذا للمسيح) هو أمَر رجل آخر (طيطايوس) أن يدخل علي عيسي و يخرجه, فألقي الله شبه عيسي علي طيطايوس هذا. و هذه رواية تختلف تماما عما سبق, فأين الحقيقة؟
*5* و هذه قصة أخري تماما إن عيسي صحبه حارسه (بعد أن قبضوا عليه) إلي الجبل و من هناك رُفِع عيسي و صُلِب هذا الحارس بدلا عنه. إنظر يا قارئي العزيز إلي الخلط في الروايات من أئمة المفسرين.
*6* بعد أن حكي الرازي قصتين أُخريين فإذا به يلقي إلينا بهذه القنبلة فيقول "و هذه الوجوه (أي القصص) متعارضة متدافعة (أي يدفع أحدها ببطلان الآخر) و الذي يخلُص إليه الرازي هو "و الله أعلم بحقائق الأمور" . و بهذا الإستسلام الخطير يُدخِل الرازي جميع المسلمين المؤمنين بعقيدة إلقاء شبه عيسي علي غيره إلي دائرة (إتباع الظن) تماما كاليهود. فهل هكذا تبني دينك و عقيدتك يا قارئي العزيز؟ أتبني دينك علي (إتباع الظن)؟
*7* إضطر الرازي أن يتطرق إلي شرح مذاهب النصاري في عقيدة طبيعة المسيح و صلبه. فدخل في آراء لاهوتية مسيحية ليس له بها دراية , لكن المدهش إن جميع المذاهب التي تطرق إليها تُقِر بوقوع حادثة الصلب علي المسيح عيسي إبن مريم , مهما إختلفت الآراء اللاهوتية في معني و حدود الصلب بحسب عقائدهم المختلفة عن عيسي. لم ينكر أيُُّ من المذاهب المسيحية التي ناقشها الرازي واقعة صلب المسيح.
*8* قصة أخري تقول إن الشبه أُلقي علي وجه الشخص الذي شُبه لهم و لكن ليس علي كل جسده !!!....لا تعليق.
*9* هنا دخل الرازي في قضية إتباع الظن
أنظر يا قارئي العزيز ماذا يقول الرازي في قضية القتل:
(السؤال الأول: قوله { شُبّهَ } مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر. والجواب من وجهين: الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه كأنه قيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثاني: أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله { وَمَا قَتَلُوهُ } يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكوراً بهذا الطريق، فحسن إسناد { شُبّهَ } إليه.)
إنظر إلي تفسير الكلام بما لا يعنيه لكي يُثبت عقيده فاسدة بوقوع شبه المسيح علي غيره فيقول"و ما قتلوه يدل علي أنه وقع القتل علي غيره" ... اليس هذا إفتراء علي القرآن؟ أين ذكر القرآن إن هناك آخر صُلب بدلا عن المسيح؟ أين قال القرآن إن الله ألقي شبه المسيح علي شخص آخر؟ و إختار الرازي إسناد فعل "شُبه" فرفض إسناده إلي المسيح و أصر أن يسنده إلي شخص آخر. أليس بالعقل إن الفعل شُبه لا يجوز إسناده إلي شخص بالمرّة و يجب إسناده إلي فعل القتل؟ فيكون فعل القتل هو الذي شُبه. و يقول الرازي في هذه الفقرة "هذا الكلام له غور و فيه بحث" فلماذا لم يبحث الرازي في غور الكلام؟
*10 * هنا يقترب الرازي من المشكلة (قتلوه...ما قتلوه) و يتركنا في بحر التيه , لأنه قسم المشكلة إلي شقين أولهما (يقين عدم القتل) و ثانيهما (يقين عدم الفعل) , و يقول الرازي بأن الله أخبر محمدا بأن اليقين حاصل بأنهم ما قتلوه , و أورد إن إحتمال اليقين بعدم القتل أوقع بسبب الآية "بل رفعه الله إليه" , و أنا أرجو أن تري تناقض الرازي في هذه الجملة (إحتمال اليقين) , و سؤالي إلي الرازي و إليك يا قارئي العزيز كيف يكون هناك إحتمال و في نفس الوقت يكون هناك يقين؟
*11* هنا يخوض الرازي في مسألة رفع المسيح إلي الله فيقول إن ذلك أرفع من الجنة و كل ما فيها من اللذات الجسمانية ... لا تعليق و سؤآلي هنا للقارئ العزيز : هل تحب أن تذهب إلي الجنة أم إلي المكان الأفضل الذي قال عنه الرازي أي مع المسيح؟
الإستنتاجات و التعليقات النهائية
1- لم يخرُج المفسرون بحقيقة ثابتة تنفي إثبات صلب المسيح , فكل ما أتوا به من قصص و روايات إنما هي متضادة و متعارضة, فبذلك يكون المفسرون قد تركوا المسلمين جميعا في دائرة "ما لهم به من علم إلا إتباع الظن" و هم أنفسهم شهدوا إن إتباع الظن مذموم.
2- إن الإدعاء بأن هناك شخصا آخرا صلب مكان المسيح (أيا كان هذا الشخص) هو إدعاء علي القرآن بما لم يأت به , لأن النص ليس به شئ يفيد ذلك. فلماذا يزايد المفسرون علي القرآن؟
3- لم يذكر القرآن إن عيسي طلب من أتباعه أن يقبل أي شخص منهم أن يُلقي عليه شبهه فيقتل بدلا عنه, و عليه فلا يجوز إدعاء ذلك علي القرآن, كما أن هذا ليس من أخلاق عيسي و لا من أخلاق أي نبي , فكلهم ضحوا بأنفسهم بطريقة أو بأخري سواء بالموت أو بالذات مضحيين من أجل الآخرين.
4- إذا كان بحسب الروايات إن الله قد أعلن لعيسي رفعه إلي السماء دون أن يُصلب , فلماذا يطلب عيسي من أصحابه أن يموت واحد منهم بدلا عنه؟ أو حتي لماذا يفعل الله ذلك؟ ألا يكفيه رفع عيسي؟ لماذا يريد الله أن يُقتل أحد تلاميذ عيسي بدلا عنه؟
5- و إذا كان بحسب الروايات أن ألقي شَبه عيسي علي واحد من الناس, فلماذا رُفع عيسي؟ ألا يكفي أنه نجا؟ و أقول و أكرر أيضا: إذا كان عيسي قد رُفع فلماذا يُلقي شَبهه علي آخر ليموت بدلا عنه؟
6- لماذا ذهب عيسي إلي أوروشليم إذا كان يريد أن ينجو من القتل؟ أو لماذا لم يغادرها عندما علم بإعتزام اليهود القبض عليه؟ فهل كانت نية عيسي أن ينجو من القتل؟
7- إذا كان عيسي قد رُفع حين طلب اليهود أن يمسكوه, فلماذا عاد إلي الأرض؟ و هل رُفع مرة أخري؟ القرآن يتكلم عن رَفعه مرّة واحدة بعد وفاته, بينما يُغيّر المفسرون النص القرآني و يقولون أنه رُفع قبل وفاته, فلماذا؟ أليس هذا خطأ في التفسير؟
8- يقول القرآن عن المسيح "إني متوفيك و رافعك" و في موضع آخر يتكلم عيسي إلي الله و يقول " فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم" فكيف ينسب المفسرون إلي الله أنه رفع عيسي قبل أن يتوفاه؟
9- قال عيسي "وسلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا" فإذا كانت ولادته معلومة في القرآن , فأين موته و بعثه حيا؟أليس معني ذلك إن هذه الأمور متضمّنة في النص القرآني" و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم" و لكن بتفسير آخر غير الروايات و القصص التي أورددها المفسرون العرب؟ و هم بذلك يخطئون في القرآن و في التاريخ.
10- أين قال النبي محمد في أحاديثه عن المسيح – و ما أكثرها- أنه لم يُصلب ؟ ألا يكون صمت النبي محمد في هذا الشأن أقوي دليل للمسلمين إن النبي محمد كان متأكدا من صلب و موت و قيامة المسيح و صعوده إلي السموات , بشهادة أصدقائه القس ورقة إبن نوفل و قس إبن ساعدة و الراهب بحيرا؟ أليس غياب الأحاديث النبوية في هذا الشأن – التي لو وُجدت لرواها هؤلاء المفسرون و أسهبوا فيها- فيكون غياب الأحاديث النبوية في هذا الشأن هو أكبر شهادة من النبي محمد نفسه بصمته عن أن يخوض في هذه القضية الهامة الفاصلة؟ ألا يكون صمت النبي محمد عن الخوض في هذه الحادثة هو أهم شاهد إثبات علي صحة صلب المسيح عيسي إبن مريم؟
11- أرجو أن لا يحتج أحد بحديث عن عودة المسيح ليكسر الصليب و يقتل الخنزير علي أنه دليل علي عدم صلب المسيح. يا قارئي العزيز إن عودة المسيح الملك المنتصر يعني إنتهاء عهد الإيمان به مصلوبا محتقرا و فاديا للبشر. لأنه في مجيئه ثانيا سيكون ملكا ديانا فلا مكان للصليب بعد في ملكه, و كل من إتبعه حاملا صليبه فسيلقيه عنه يسوع و يبدله بتاج مجد أبدي. و هذا هو كسر الصليب يا صديقي.
و إليك يا قارئي العزيز الحقائق التالية من القرآن و التاريخ:
1- "و ما قتلوه و ما صلبوه" ... المسيح صُلب و لكن ليس بيد اليهود , فنفي الفعل عن اليهود لا ينفي الصلب عن المسيح.
2- "وما قتلوه يقينا" ... المسيح مات لأنه قال "وسلام علي ...ويوم أموت..." و ما قتلوه لأن المسيح صلي من علي الصليب "يا أبتاه في يدك أستودع روحي" فتوفاه الله . لأن القتل بيد الإنسان أما التوفي فبيد الله , فالمسيح لم يمت بفعل قتل الصلب بل مات لأن الله توفاه "إني متوفيك .."و أيضا هو قال " فلما توفيتني..." و لم يقل فلما قتلوني. لاحظ يا قارئي العزيز إن الأمر كله تحت سلطان الله و ليس تحت سلطان اليهود.
3- "ولكن شُبّه لهم" لأن اليهود قصدوا مِن قتلِه أن يلاشوه من الوجود, فإن عقيدة كهنة اليهود _ الذين أسلموا المسيح للرومان كي يصلبوه _ إنه ليس هناك قيامة من الأموات, فلما قام المسيح من الأموات"بُعث حيا" لم يصدقوا ذلك و بقوا "في شك منه". و بعد أن ظهر حيا لتلاميذه "رفعه الله إليه" أي بعد بعثه حيا , فإن الله لا يرفع إليه أمواتا.
4- لا يمكن أن يُنسَب الكذب إلي تلاميذ المسيح أو الكنيسة (أي أن المسيح صُلِب و هو لم يُصلَب) لأن المنطق يقول إن الإنسان يكذب للفخر و لإدعاء القوة, فإذا كان صلب المسيح عار وضعف يجب أن لا يُنسَب إلي المسيح - بحسب رأي المسلمين (و كما يحاول المسلمون أن يدفعوه عنه اليوم) فكان بالحري (إذا كان المسيح قد صُلب من ضعف و خزي) أن يكذب التلاميذ و تكذب الكنيسة و ينفوا الصلب عن المسيح إستكبارا و يكونوا مشتركين في الرأي و العقيدة مع المسلمين. إلا إذا كان المسيحيون يرون في موت المسيح و قيامته (و هم شهود علي حدوثها) عظمة الله و قدرته , و ليس الظاهر من الذل و المهانة و العار التي أراد البشر أن يلصقوها بالمسيح , فلما أقامه الله من الموت صدق فيه قول القرآن "...و رافعك إلي و مطهرك من الذين كفروا". أليس هذا واقع الحق و التاريخ و فيه تمجيد و تعظيم للمسيح أكثر من قصة فراره و هربه من الصليب التي يريد مفسروا القرآن أن يلصقوها به.
5- إن تلاميذ المسيح أنفسهم بسبب عدم فهمهم للأمر أنكروا عليه أن يُصلب لمّا صرّح لهم بذلك , فقال له بطرس "حاشاك يا رب أن تُصلب" لكن المسيح دعا هذا الفكر (الفكر الذي يُنكر صَلب المسيح) دعاه شيطاني , فقد و بّخ بطرس قائلا "إذهب عني يا شيطان لأنك تهتم بما للناس و ليس بما لله".
6- لقد بذل جميع تلاميذ المسيح حياتهم (وهذا مُثبت في مراجع التاريخ) بسبب شهادتهم عن موت و قيامة المسيح, فهل معقول أن يبذل إنسان حياته من أجل شئ أو مبدأ هو ذاته يعلم تماما أنه كذب أو علي الأقل ليس متأكدا تماما من أنه صدق و حق؟
أخي المسلم إن إنكار صلب المسيح ليس فكرا قرآنيا, إنه فكر شيطاني يجب أن تتخلص منه. فهو فكر ليس بحسب القرآن و ليس بحسب النبي محمد و ليس بحسب الإسلام الصحيح _ الذي يجب أن يقوم علي الحق و ليس علي الظن _ إن هذا الخطأ في تفسير القرآن إدّعاه المفسرون العرب و روّجوا له بروايات مختلقة في أزمنة متأخرة أثناء الغزو العربي للأمم المجاورة لهم لمعاداة المسيحيين و محاربتهم , ليس من القرآن في شئ و لا من الإسلام في شئ.
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟