أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد هجرس - ثمانون جلدة للصحفيين .. وثمانون مليون جلدة للدولة المدنية الحديثة















المزيد.....

ثمانون جلدة للصحفيين .. وثمانون مليون جلدة للدولة المدنية الحديثة


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2081 - 2007 / 10 / 27 - 12:12
المحور: الصحافة والاعلام
    


ليس من عادة إبنى المقيم فى إيطاليا أن يتصل بى تليفونيا فى الصباح الباكر. لذلك فقد انزعجت جداً عندما أيقظنى من النوم. وكان انزعاجى شخصياً بطبيعة الحال حيث خشيت أن يكون قد وقع له مكروه أو تعرض لمشكلة اضطرته للاتصال بى فى هذا الوقت المبكر.
لكنى فوجئت به يقول لى باندهاش شديد أن الإعلام الإيطالى – الذى نادراً ما يذيع أو ينشر خبراً عن مصر – قد اهتم اهتماماً استثنائياً بفتوى فضيلة الأمام الأكبر الدكتور سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر بعقاب مروجى الشائعات، وعلى رأسهم الصحفيين طبعاً، بثمانين جلدة. وأضاف أن هذه الفتوى كان لها وقع الصدمة على الراى العام (الإيطالى) وأنها تسببت فى المزيد من الإساءة إلى الإسلام فى الأوساط الأوروبية الشعبية التى تنامى إلى علمها من قبل فتاوى عجيبة من نوعية رضاع الكبير وبول الرسول عليه الصلاة والسلام.
وليس المهم فقط هو الضرر الذى ألحقته هذه الفتوى بصورتنا فى العالم الخارجى، وإنما الأهم هو ما تطرحه من إشكاليات عن الوضع الداخلى الراهن ومستقبل الدولة المصرية المحفوف بقدر كبير من الغموض.
ورغم أن فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر قال أنه لم يكن يقصد الصحفيين بعينهم عندما قال هذا الكلام فى خطبته أمام الرئيس حسنى مبارك فى ليلة القدر، لكنه كان يقصد كل البالغين والعقلاء سواء صحفيون أو أطباء أو حكام ومحكومون من الذين يروجون الشائعات الكاذبة التى تمس الأطهار من الرجال والنساء.
وأضاف طنطاوى " هذا حكم الله وليس حكم شيخ الأزهر. وكونه ينطبق على الصحفيين فليس هذا ذنبى. ومن أشاع أن هذا الكلام موجه للصحفيين كاذب لأنه لا يعلم ضميرى".
وهذا هو بيت القصيد .. حيث أن توضيح فضيلة الأمام الأكبر لخلفيات تصريحاته التى أثارت كل هذا اللغط فى الداخل والخارج، قد أكد فتوى الجلد، وعددها ثمانون جلدة، بحيث تشمل الصحفيين وغير الصحفيين.
ولا يهمنى فى هذا الصدد التلكؤ كثيراً او قليلاً أمام مسألة الصحفيين بالذات، لأن الأهم هو أن فتوى الأمام الأكبر أخطر من حقوق فئة بعينها – كالصحفيين – وأخطر من قضية جزئية حتى ولو كانت بالغة الأهمية كقضية حرية التعبير، وتتجاوز ذلك صميم القضية الأكبر ألا وهى علاقة الدين بالسياسة، والدولة التى نريدها لمصر، وهل تكون دولة مدنية أم دولة دينية.
والمؤسف أن كثيراً من اللغط الذى دار حول تصريحات فضيلة الأمام الأكبر فيما يتعلق بمسألة الثمانين جلدة حاول تحويل الجدل إلى أمور فرعية من نوعية أن الأمام الأكبر "رمز"، وأن الرموز لا ينبغى الجدل معها مثل غيرهم من الناس العاديين مثلى ومثلك.
ومسألة "الرموز" هذه فيها نظر، لأن تعميمها من شأنه أن يشل الحوار مع "كبار" هذه الأمة فى كل المجالات، حيث كل مجال له "رمزه"، فنقيب الصحفيين "رمز" ونقيب الأطباء "رمز" ونقيب المحامين "رمز" ، حتى العمدة "رمز"، فما بالك برئيس الدولة.
تخيل كل هذه "الرموز" وقد وضعناها فوق المساءلة والمناقشة، فماذا يكون حال الأمة؟ وماذا يتبقى من الديموقراطية؟!
ثم إن إحاطة منصب شيخ الأزهر - أو أى زعيم دينى – بهالة من التقديس مسألة أخرى تنطوى على أخطار، حيث ان هذا التقديس يقتل روح الانتقاد، والتفكير النقدى، ويكرس الجمود فى المجتمع. وهذا يذكرنا بمصلح دينى عظيم هو الشيخ محمد عبده، الذى جلس على كرسى مفتى الديار المصرية، ودافع عن هذا التفكير النقدى بقوة مؤكداً أنه " لولا الانتقاد ما شب علم عن نشأته، ولا امتد ملك عن منبته. أترى لو أغفل العلماء نقد الآراء، وأهملوا البحث فى وجود المزاعم، أكانت تتسع دائرة العلم؟ وتنجلى الحقائق للفهم؟ ويعلم المحق من المبطل؟ أو لو أغمض الأصدقاء والأولياء عن سياسة السائس، وتدبير الحاكم، وهجروا النظر فى قوة الملك، ولم يقرعوا كل عمل بمقارع النقد، أكانت تستقيم محجة؟ وتعتد حجة؟ أو تعظم قوة؟ كلا .. بل كان يتحكم الغرور، وتتسلط الغفلة، ويعود الصواب خطلا، والنظام خللا .. فالمغبوط فى حاله من يستمع قول اللائمين، ويستطلع خواطر المعترضين، ويتصفح وجوه المتنكرين..
هذا وقد كفر قوم نعمة الانتقاد.. وضربوا بينهم وبين أهل النقد حجبا، وأقاموا دونهم أستاراً، وخيل لهم الجهل أن صممهم عنه يقيهم منه، وأن قبوعهم فى أهب الغفلة يدراأ عنهم سهام اللوائم، ..، فمثلهم كمثل بعض الطيور إذا رأى الصائد غمس رأسه فى الماء ظناً منه أنه متى أغمض عن طالبه أغمض الطالب عنه، فيكون بذلك قد يسر للصائد صيده وسهل عليه كيده".
ولا يستثنى الأستاذ الأمام محمد عبده "رجال الدين" من دائرة الانتقاد لأنه "ليس فى الاسلام سلطة دينية، سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، وهى سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم، كما خولها لأعلاهم يتناول بها من أدناهم".
ومثلما لا يستثنى الشيخ محمد عبده "رجال الدين"، فإنه لا يستثنى "المؤسسات الدينية" وعلى رأسها الأزهر الشريف نفسه. بل إن النقد الذى وجهه هو شخصياً إلى الأزهر لا نستطيع فى يومنا هذا أن نقوم بعشر معشاره دون أن نكون هدفاً للإرهاب والترويع والتكفير.
خذوا – مثلا – الحوار التالى بينه وبين الشيخ محمد البحيرى الذى دافع عن الأزهر وطلابه بقوله "إننا نعلمهم كما تعلمنا"، فرد عليه الشيخ محمد عبده: "وهذا الذى أخاف منه!!". وتعقيبا على هذا الرد المباغت قال الشيخ محمد البحيرى مستنكرا " ألم تتعلم أنت فى الأزهر، وقد بلغت فى مراقى العلم، وصرت فيه العلم الفرد؟!".
أنظروا جيداً إلى إجابة الشيخ محمد عبده على هذا السؤال الاستنكارى حيث قال دون لف أو دوران : "إذا كان لى حظ من العلم الصحيح الذى تذكر، فإننى لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغى ما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة"!!
ترى ماذا يكون مصير من يقول هذه العبارات، أو صورة مخففة منها، عن الأزهر أو حتى عن معهد أزهرى؟!
إذن .. تحصن البعض وراء فزاعة "الرموز"، وبالذات الرموز "الدينية"، وإسباغ هالات من القداسة عليها، هو مجرد خط أمامى للدفاع عن فكرة الدولة الدينية التى يوجد لها سدنة وكهنة ورجال دين.
وهو خط أمامى ينبغى على المجتمع الحديث عبوره بجسارة، ودون تردد أو خوف، دون أن يعنى ذلك التجاوز فى لغة الحوار أو الاسفاف فى الحديث مع مشايخنا الأجلاء، أو مع أى مواطن على الإطلاق.
وعبور هذا الخط الأمامى الدفاعى ليس هدفاً فى حد ذاته، وإنما الهدف هو حسم مسألة هوية الدولة التى نريدها لنا ولأبنائنا ولأحفادنا؟
وهذه مسألة شهدت تردداً طويلاً من النخبة المصرية قبل ثورة 23 يوليو 1952 وبعدها، ومازالت هذه النخب – ومنها النخبة الحاكمة – تضع قدما فى الدولة المدنية وقدما ثانية فى الدولة الدينية. ومازال المجتمع يواجه حالة من الإرهاب الفكرى لكل من يريد فتح حوار وطنى حول القضية المصيرية. والعجيب أن أجدادنا كانوا أفضل منا وأكثر شجاعة عند تناول هذه المسألة ذاتها.
ولا أريد أن أستشهد بمأثورات "العلمانيين" من آبائنا وأجدادنا، وإنما أكتفى بالعودة إلى الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية وأحد أكبر رءوس المؤسسة الدينية الرسمية الذى قال بكلمات ناصعة أن "قلب السلطة الدينية والاتيان عليها من أساسها" أصل من أصول الإسلام فقد "هدم الاسلام بناء تلك السلطة، ومحا أثرها، حتى لم يبق لها عند الجمهور من أهله إسم ولا رسم. ولم يدع الاسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطان على عقيدة أحد، ولا سيطرة على إيمانه، على أن الرسول عليه السلام كان مبلغا ومذكرا لا مهيمنا ولا مسيطرا، ولم يجعل لأحد من أهله أن يحل ولا أن يربط لا فى الأرض ولا فى السماء .. وليس لمسلم مهما علا كعبه فى الاسلام على آخر مهما انحطت منزلته فيه، إلا حق النصيحة والارشاد.
لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا خلف .. فليس فى الاسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه" ، و"الأمة هى التى تنصب السلطان وهى صاحبة الحق فى السيطرة عليه، وهى التى تجعله متى رأت ذلك فى مصلحتها. فهو حاكم مدنى من جميع الوجوه".
وللأسف الشديد فإن باب الاجتهاد الذى فتحه الشيخ محمد عبده وغيره من كبار المصلحين قد تم إغلاقه بالضبة والمفتاح، حتى وصلنا إلى هذا الانحدار الكبير الذى تشهد عليه فتاوى من نوع رضاع الكبير وبول الرسول.
لذلك فإن المشكلة مع تصريحات فضيلة الأمام الأكبر الشيخ سيد طنطاوى ليست مشكلة متعلقة بالصحفيين فقط، وإنما هى متعلقة بأمور أكبر وأكثر خطورة، منها أن الدولة المدنية الحديثة تقوم على "القانون" بينما الدولة الدينية التقليدية هى التى تقوم على "الفتوى"، ومنها أن المؤسسة الدينية الرسمية ليست فوق القانون، ولا ينبغى أن تحث على ازدرائه. وليس فى القوانين المصرية عقوبة الجلد كما لا يخفى على فطنة شيخ الأزهر. كما أنه ليس من المقبول ابتسار "الحدود" من سياقها الكلى، ناهيك عن وضعها خارج نطاق مسيرة تطور البشرية التى أصبحت تستهجن عقوبات جسدية مثل الجلد والرجم وغيرها، كما أنها لا تشكل فى حد ذاتها جوهر الدين الاسلامى الحنيف ولم تكن اختراعاً إسلامياً بقدر ما كانت عقوبة سائدة فى العصور الغابرة لدى المسلمين وغير المسلمين، مثلها مثل أوضاع اجتماعية تغيرت ولم يعد مقبولاً مجرد التفكير فيها مثل "العبودية" أو "ملك اليمين" أو خلافه.
ومشروع "نهضة مصر" لن يشهد النور، ولن نتقدم بخطوات راسخة على طريقه الطويل، إذا لم نحسم أمرنا بشأن موقفنا من الدولة المدنية الحديثة. وهذا لا يأتى بقرار بيرقراطى أو فرمان فوقى، وإنما يتأتى بحوار وطنى يستهدف التوصل إلى "مشتركات" بين جميع المصريين، مسلمين وأقباط، علمانيين وإسلاميين، تؤسس لعقد اجتماعى جديد، فى بلد عصرى يكون فيه الدين لله والوطن للجميع .. بالفعل وليس بالقول فقط.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى فى إندونيسيا: الأصوليون يستغلون الديموقراطية .. لذبحها!
- حرب الاستنزاف
- -سر- ماهر أباظة
- الصحافة .. فى مرمى النيران المعادية والصديقة!
- هؤلاء الصغار الذين يشعلون الحرائق أليس لهم كبير؟!
- الحكومة ترفض البيع.. للمصريين!
- حبس الصحفيين.. تاني!!
- رسالة تنبيه من إندونيسيا للنائمين في العسل:الدور المصري ينحس ...
- مجموعة الخمس عشرة.. هل تذكرونها؟!
- هل مازالت مصر أم الدنيا؟!
- الصحفيون ليسوا شتامين.. والصحافة ليست وشاية
- التلاسن لا يحل مشاكل الوطن
- ضحايا حماية المستهلك !!
- ثمن براءة عبد الرحمن حافظ .. وأمثاله
- زياد ابن أحمد بهاء الدين
- مع الاعتذار لتوفيق الحكيم .. بنك -القلق-!
- نقابتنا
- شئ لا يصدقه عقل: مصريون يخدمون الجيش الإسرائيلى!
- ورطة النقابة.. وأزمة الصحفيين العالقين أمام معبر عبد الخالق ...
- إنقذوا بحرنا!


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد هجرس - ثمانون جلدة للصحفيين .. وثمانون مليون جلدة للدولة المدنية الحديثة