التنظيمات المروجة للإرهاب 2
جماعة الصراط المستقيم
يعود تاريخ تأسيس هذه الجماعة إلى سنة 1996 في الدار البيضاء على يد زكرياء الميلودي (أبو عبد الله) و عناصر أخرى سبق لها أن انتمت إلى جماعات متطرفة أخرى.
بدأت عمليات الاستقطاب في أوساط الأقرباء و على صعيد مجالات مغلقة، لاسيما في الأحياء الهامشية و المهمشة. و يخضع المستقطبون إلى الجماعة لتكوين إيديولوجي عن طريق تنظيم حلقات من الدروس و مشاهدة أشرطة الجهاد قبل تلقي تداريب رياضية منتظمة.
و تضم الجماعة عشرات من الأعضاء و عددا كبيرا من المتعاطفين بحي سيدي عثمان بمدينة الدار البيضاء و في مدن أخرى مثل فاس و تطوان و أكادير و طنجة. و تتخذ الجماعة اسما مختلفا في كل مدينة حسب اجتهاد الأمير و الموقع الترابي.
و تعد أفكارها خليط من اجتهادات مجموعة من الدعاة الأفغان العرب و أفكار السلفية الجهادية. و هي كلها أفكار تتمحور حول تكفير الدولة و المجتمع. إذ تعتبر كل من اعتقد بالعلمانية كافرا وكل كافر مهدر الدم و لا حرمة له، و كل من رفض حكم القرآن فهو كافر شرعا في نظرها.
كما أن القوميون مهما كان أصلهم هم كفار مرتدون خارجون على الملة الحنيفة و الأمة الإسلامية.
و تعتبر الجماعة استعمال العنف في حق هؤلاء واجبا شرعيا، كما تعتبر الديموقراطية كفرا و الأحزاب السياسية تشرع الكفر و تشرعنه بدلا من دين الله، و نظرها التحاكم إلى القوانين الموضوعة من طرف البشر سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو حكومات أو هيئات هو كفر بالله و شرك به و خروج عن الإسلام. كما تعتبر أن وجود الأحزاب السياسية لا يتوافق مع أوامر الشرع، و من ثمة فان الانتماء إليها و النشاط في صفوفها عمل مخالف للشرع.
و يعتبر زكرياء الميلودي زعيم هذه الجماعة الروحي. و قد شكل لقاءه بإبراهيم فردوس منعطفا حاسما
في مسار الجماعة، إذ تكلف هذا الأخير بتوسيع صفوف التنظيم بحي سيدي مومن و المناطق المجاورة اعتمادا عل ثلاثة مساجد صغيرة كانت فضاء مناسبا لاستقطاب الشباب. و قد أصدر الميلودي جملة من الكتيبات عرض فيها وجهات نظره حول مختلف القضايا.
و قد تورط أعضاء الجماعة في جملة من الجرائم و من ضمنها مقتل الشاب القردودي فؤاد بحي سيدي مومن ليلة عيد الضحى سنة 2002 بعد اتهامه بالكفر و الزندقة. حيث حاصروه ليلا و رجموه بالحجارة حتى سقط بينهم جثة هامدة و لاذوا بالفرار. كما تورط أعضاؤها في اعتداءات 16 مايو التي كانت مدينة الدار البيضاء مسرحا لها، و ذلك باعتبار أن جل الانتحاريين من ساكنة مدن الصفيح بحي سيدي مومن حيث كانت تنشط الجماعة في واضحة النهار.
جماعة الهجرة و التكفير
تعود أصول هذه الجماعة إلى مصر حيث تعرف بالجماعة الإسلامية، و هي جماعة عالمية تتبع نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. و قد نشأت بادئ الأمر في السجون المصرية بعد اعتقالات منتصف الستينات (1965) و على اثر إعدام سيد قطب. و من هناك امتدت أفكارها إلى بلدان أخرى إلى أن وصلت إلى المغرب، إذ أسسها مجموعة من الأفراد في بداية ثمانينات القرن الماضي بحي سيدي مومن بالدار البيضاء بعد انفصالهم عن تنظيم الشبيبة الإسلامية. و يعتبر محمد داوود الخملي زعيم الجماعة الروحي بالمغرب، و الذي كفر النظام و الشعب و العلماء و الحركات الإسلامية. و قد اعتقل بمدينة الناطور بشمال البلاد سنة 2003. و هو مغربي عمره 34 سنة متزوج و حاصل على الإجازة في الحقوق. كان يمتهن بيع الأعشاب بحي ابن مسيك بالدار البيضاء. سبق و أن اعتقل في أواسط السبعينات و قضى عقوبة حبسية قرر بعدها الهجرة إلى منطقة الريف بالشمال. وجهت إليه المحكمة تهمة اغتيال شرطي مرور بحي البرنوصي بالدار البيضاء سنة 1998 و تابعته النيابة العامة من أجل المشاركة في محاولة القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و إخفاء جثة والدته التي رفض سنة 2002 أن يواري جثمانها بالمقبرة و امتنع عن تسلم رخصة الدفن من قبل الجهات المختصة بدعوى أن المقبرة لا يوجد بها سوى الكفار، و دفن جثة والدته بالقرب من منزله.
و في سنة 2003 قبل أحداث الدار البيضاء قضت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بطنجة بمؤاخذة أكثر من عشرين شخصا من أتباع هذه الجماعة من أجل تأسيس جمعية دينية محظورة و الانتماء إليها و عقد تجمعات بدون ترخيص. و قد حكم على كل واحد منهم بأداء غرامة مالية. و قد اعترفوا أثناء الاستنطاق أن هدفهم الوحيد من تأسيس تلك الجمعية هو العمل على الابتعاد عن البدع.
و أعضاء هذه الجماعة يتبعون نفس موقف جماعة الخوارج التي قررت الخروج و الهجرة من جماعة المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب و كفرته و قررت قتاله، و اعتمدت على قولها – لا حكم إلا لله – و اغتالت الصحابي عبد الله بن خباب بن الارت لأنه لم يتبعها في الرأي.
و يعتبر التكفير عنصرا أساسيا في نهج جماعة الهجرة و التكفير، و ارتكازا عليه تصبغ فهما معينا لمعنى الجهاد في الإسلام. و من ثمة صاغت الجماعة جل أفكارها و التي يمكن إيجازها فيما يلي :
1- المجتمع الحالي، مظاهر الانحلال و الفساد دبت فيه إذ أن المعروف أصبح منكرا و المنكر قد أضحى معروفا.
2- المظاهر الإسلامية في هذا المجتمع مظاهر كاذبة و مضللة منافقة، و شيوخ الدين موالون للسلطان الكافر، و حكومات و أفراد المجتمع مرتدون مارقون.
3- المساجد مساجد ضرار لأنها تسير في ركاب الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، و مختلف المؤسسات و الهيئات و الجمعيات و الجامعات حكمها حكم المجتمع الذي تستظل بظله و بظل حكوماته الكافرة.
4- الجهاد مفروض لتغيير هذا الواقع و إحلال شريعة الله مكان شريعة الكفر
5- عدم جدوى كل الوسائل السلمية لأن كل عمل سلمي للدعوة يقابل بالدعاية الحكومية الكافرة
6- ما دام الحكام كفرة و الجهاد واجب، فقد وجب الخروج عليهم و قتالهم بالسلاح لأن الرسول أمر بذلك
7- و في القتل يجوز الخداع كما يجوز الاغتيال و إظهار خلاف ما يبطنه المسلم حتى يتمكن من قتل هؤلاء الأعداء، و يجوز قتل كل من تمترس به الكافر و لو كانوا من المسلمين إذا كان لا يمكن قتل هذا الكافر إلا بهم، و بذلك يجوز قتل الجنود و الشرطة و غيرهم إذا حاول الدفاع عن القائمين على الأمور الكفار.
8- إن المجتمع الذي نعيش فيه هو دار الحرب و يجوز فيها ما يجوز في دار الحرب من قتل و سلب و نهب و غصب.
و بهذا يتضح أن جماعة الهجرة و التكفير تكفر المؤسسات و الإدارات و المتعاملين بالوثائق الرسمية و تدعو جهرة إلى محاربة الطاغوت لإنشاء مجتمع الجماعة المؤمنة. لأن المجتمع كافر من شيخه لرضيعه ما دام الحكم فيه لغير الله. و كفره هذا نابع من كونه يتبع حكاما كافرين. و تعتمد الجماعة في حكمها هذا على إلى الفكرة القائلة أن من لم يكفر هؤلاء الحكام فهو كافر. و من هذا المنطلق يستحلون دماء و أعراض من لم يكفر الحكام، و بالتالي يكفرون الأمة برمتها لأنها في نظرها أهون على الله برأيهم من اليهود و النصارى و المجوس، معتبرة ذلك ارتدادا عن الإسلام و خروجا عنه.
و يحرص أعضاء هذه الجماعة على الزواج بعقود عرفية لعدم اعترافهم بمختلف مؤسسات المجتمع الكافر. و يواظبون على التجول بمختلف مناطق البلاد و مدنها لنشر دعوتهم. و يتحاشون الصلاة في المساجد باعتبار أن الأئمة فيها لا تتوفر فيهم شروط الإمامة. كما يرفضون أداء صلاة الجمعة بالمساجد و يقيمونها كل أسبوع بالتناوب بمنزل أحد أفراد الجماعة. و من الأمور التي يعتبرونها بدعة الاحتفال بعيد المولد النبوي و الدعاء بعد الصلاة و قراءة القرآن الكريم جماعيا بالمسجد و الآذان ثلاث مرات لصلاة الجمعة.
و إذا كانت جماعة الهجرة و التكفير تشترك مع جماعة السلفية الجهادية في الكثير من مواقفها من المجتمع المغربي المعاصر، المعتبر كمجتمع جاهلي، فإنها تختلف عنها في مسائل أخرى. فإذا كانت جماعة الهجرة و التكفير تكفر المجتمع بعموم المعاصي و ارتكاب الكبائر و ترى أن الانفصال عنه ينبغي أن يكون انفصالا ماديا بهجره و عدم التعامل معه كليا، فان السلفية الجهادية تعتبر هذا الحكم غير صحيح من الناحية الشرعية.
مواقف مشتركة بين الجماعات
إن مختلف الجماعات المذكورة سالفا تشترك في جملة من المواقف التي تكاد تتطابق. ففيما يخص الدساتير و القوانين تعتبر تلك الجماعات أن المجتمع المغربي يعتمد على قوانين وضعية و يختكم إلى الدستور. و في اعتقاد أعضائها أن التحاكم إلى الدستور شرك بالله، و وضعه من ثمار العلمانية الخبيثة و التي في نظرهم ما هي إلا جاهلية معاصرة. و بالنسبة إليهم تعتبر الدساتير آلهة معبودة من دون الله، يكفرون واضعيها و المشاركين في وضعها و العاملين بها و كل من تحاكم إليها.
و بخصوص البرلمان و نوابه فهم في نظرهم أوثان منصوبة، و بالتالي وجب الخروج عن الدولة و الحكم و المجتمع بالعصيان باعتبار أن شرع الله تم إقصاؤه بعيدا و حلت محله قوانين وضعية كافرة من صنع كفار و لذلك يدعون إلى الجهاد.
و بخصوص الديموقراطية، فان كل الجماعات ترى أنها لا يمكنها أن تؤدي إلى نصرة الإسلام، و بالتالي فان اعتمادها هو مجرد تضييع للجهود و الطاقات و هدر للوقت و إصرار على إلقاء بالنفس إلى التهلكة.
و المشاركة في اللعبة السياسية هي في نظرها إضفاء لباس إسلامي على أنظمة غير إسلامية لأن الديموقراطية في نظرها مجرد تمييع للفواصل العقدية الصلبة بين الطاغوت و بين الدعاة إلى الله.
كما أن تلك الجماعات تعتبر الأحزاب السياسية كفرا لأن جلها يتنافس في الكفر و يتسابق به و عليه، و بالتالي فهي جاهلية عوجاء تبتغي حكم الجهل و الجاهلية.
و بخصوص المجتمع، تعتبره مجتمع جاهلية تنطبق عليه أحكام الكفر. و بالتالي على المسلم في نظرها ضرورة قطع الصلات معه و هجره و توقيف التعامل مع مؤسساته. و هكذا يصبح في نظرها المجتمع دار حرب و جهاد.
و في نظر تلك الجماعات لا يمكن قبول وصف المجتمع المغربي بالمسلم ما دامت مظاهر الكفر فيه أكثر و أقوى من مظاهر الإسلام، لأنه استبدل القوانين الإسلامية بالقوانين الوضعية التي اعتمدها و قدسها. و لأن مظاهر الانحلال و الفساد دبت في أحشائه.
و ارتكازا على هذا الوصف و انطلاقا من فهم خاص جدا لمعنى الجهاد يصبح في نظر هذه الجماعات الجهاد ضرورة شرعية. و في هذا الصدد يعتبر كتاب – تحريض العباد على الغزو و الجهاد – لأبي قتيبة الشامي مرجعهم الأساسي في هذا المجال. فبالنسبة إليها يصبح الجهاد فرض عين و ليس فرض كفاية. و بذلك، في نظرها، على جميع أعضائها الجهاد بالنفس و بالمال ضد مجتمعهم.
و في نفس هذا الاتجاه المتطرف تعتبر تلك الجماعات أن السلطان يحكم بغير ما أنزل الله و لذلك لا بيعة له و يحلون مكانها بيعة أمراء الجماعات و بذلك يشرعنون ما ينعتونه بالخروج عن السلطان و معصيته ما دام أنه هو نفسه يعصى الله.
أما بخصوص المال، فان تلك الجماعات تستبيح لأعضائها مال الغير الذي يحصلون عليه بالسرقة أو الخطف أو الغصب أو السطو، و ذلك انطلاقا من فكرة أن أموال الكفار حلال لتمويل الدعوة و الجهاد.
و بالنسبة للنساء، فان الجماعات تعتبر المرأة عورة ينبغي حجبها في البيت، علما أنها تستبيح نساء من يعتبرونهم كفارا.
أساليب عمل متقاربة إلى حد التطابق
كل أقطاب الجماعات المتطرفة يركزون دعوتهم على شباب فقراء، بعضهم كان يتعاطى للخمر و المخدرات و مختلف أشكال الانحراف.
كانوا يخصصون لهم أفرادا من الجماعات لمرافقتهم و صحبتهم و يداومون على زيارتهم و الالتقاء بهم. ثم بعد أن يتم استئناس الشخص المراد استقطابه تتوطد أكثر العلاقة مع مرافقه الذي يشرع في دعوته من حين إلى آخر لحضور جلسات تربوية يحضرها عدد محدود من الأشخاص و لا يتناولون خلالها في البداية سوى دروس التفسير و ما شابهه قبل الانتقال للمرحلة الثانية، و هي جلسات تعقد في بيوت أحد الزعماء تحضرها أعداد كبيرة يلقي خلالها المشايخ – الذين يأتون من مدن مختلفة- دروسا يركزون في البداية على مواعظ إرشادية قبل المرور بالتدريج إلى الحديث عن فريضة الجهاد و عن فساد المجتمع و سيادة غياب الحكم بما أنزل الله و انحراف المجتمع عن الدين الحق و ألا سبيل إلى تغييره إلا بالعنف لاسيما و أن الدين يأمر بذلك.
ثم يتكلف القائمون على الخلايا بتتبع و متابعة الأشخاص المستقطبين و يعقدون معهم جلسات و اجتماعات منتظمة لتخميسهم أكثر على الجهاد مستغلين في ذلك أشرطة سمعية بصرية تتحدث عن أفغانستان و الشيشان و تتضمن خطب و فتاوى أسامة بن لادن. حتى إذا ما اشتد حماس المستقطبين و ظهر عليهم الاقتناع الراسخ بالأفكار المروجة و التفسيرات المعتمدة شرع آنذاك رؤساء الخلايا في الحديث عن ضرورة الخروج إلى المجتمع الكافر للجهاد فيه، و لتسهيل ذلك يبيحون السطو بدعوى كفره.
و في المرحلة الموالية يبدأ مخطط الإقناع بضرورة الانتقال إلى أعلى درجة في الجهاد و هي تفجير و تخريب المؤسسات العمومية. و تأتي المرحلة الأخيرة و هي مرحلة الإعداد النفسي و البدني للمستقطبين بعيدا عن الأنظار، و بعدها يتم انتقاء العناصر الأكثر استعدادا و تجميعهم قبيل العملية لإلقاء خطبة حماسية لينطلقوا بعدها محملين بمتفجرات بعد تمنيهم بالشهادة و اللقاء في الجنة. و إن تردد بعضهم في هذه المرحلة فمصيرهم التهديد بالتصفية الجسدية لأن ذلك يكون بمثابة تولي يوم الزحف.
هذه بعض معالم الخطة التي تعتمدها أغلب الجماعات المتطرفة إن لم تكن كلها.
يتبع