|
كيف أرعب مجلس أحزاب الجالية في الدنمارك الجمهور والأطفال في عيد الفطر
صلاح السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:23
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
دفعني كثرة اللغط والمقالات التي صاحبت تشكيل مجلس الجالية إلى متابعة أخبار المجلس التي توارت تماما إلا من بعض الأشارات والأفكار عن لجان ثقافية وإجتماعية وأعلامية وو.. و..و. لكن في الواقع العملي لم نرَ نشاطا ما، أفاد أبناء الجالية العراقية في الدنمارك بشيء.. ولما قرأت الأعلان المنشور في موقع الأرشيف العراقي عن إقامة لقاء بمناسبة عيد الفطر في النور إله 7 في كوبنهاجن. عزمت على الحضور لتبيان طبيعة نشاط هذا المجلس التي ستظهر لا بد من طبيعة النشاط الذي يقيمه فلاحظتُ ما يلي: 1 ـ طبيعة الحضور: أول ما لاحظته هو نوعية الجمهور الحاضر، فقد أقتصر على مجموعة من العراقيين المتحزبين لهذا الحزب أو ذاك ممن عملتُ معهم في الأنتخابات الأولى، وهم خليط من حزب الدعوة والشيوعي وحزب الطالباني والبرازاني، يضاف لأعضاء المجلس وجمهور هذه الأحزاب وأصدقاء.. بمعنى أخر لم أجد أي حضور شعبي حقيقي لأبناء الجالية وأن دل هذا على شيء فأنما يدل على عزلة أحزاب الجالية عن أبنائها. 2 ـ طغيان البعد السياسي: ليس ثمة بعد أجتماعي ثقافي للتجمع، بل بالعكس بدا هدف هذا الكيان واضحا لا لبس فيه من خلال كلمة رئيس مجلس الجالية حيث أعلن بكلمته كون مجلس الجالية يعمل مع السفارة بتنسيق تام، أي بمعنى أنه ذراع السفارة بين أبناء الجالية، وهذا يتنافي تماما مع بنية منظمات المجتمع المدني سواء في الدنمارك أو في العالم، وكرر نفس الأهداف الكبيرة التي أعلن عنها مجلس الجالية وقال أن هذا النشاط هو باكورة نشاطات اللجان الإجتماعية والثقافية!.
سأقدم هنا وصفاً دقيقا لدقائق أفتتاح الحفل بعد كلمة رئيس الجالية:
أطفأت الأنوار وظهر بغتة على شاشة خلف المسرح جملة ـ كي لا ننسى ـ أعقبها ظهور الدكتاتور صدام حسين يضحك، ثم وهو في حفل عيد ميلاد وحوله قصي وعدي وكيكة كبيرة وأطفال يحيونه بمناسبة أخرى، أعقبها صراخ وجثث أطفال وشيوخ ونساء في حلبچه. كانت المشاهد مرعبة مباغتة، مما جعل الفنان المسرحي والمخرج السينمائي المعروف ـ طارق هاشم ـ ينهض ويصيح بصوت عالٍ: ـ ليش أتسكتون هذا غير صحيح وغير مناسب للحفل.. صرخ شخص قصير القامة، نحيف، ضئيل الحجم يجلس في الجهة الأخرى من القاعة بصوتٍ هستيري غير مفهوم قبل أن يوجه كلامٍ ناب لطارق الذي لم يرد عليه. عرفت لاحقا أنه يدعى ـ بختيار ـ وهو مخرج كردي يبدو أنه مساهم بإعداد هذا الفلم. ساد صمت كثيف بعد هذا الصراخ المسعور أعقبه لغط وحركة جعلت القاعة تضطرب.. ترك الفنان ـ طارق هاشم ـ القاعة مع بعض أصدقائه، وساد جوٌ غير مريح، الوجوه تحملق ببعضها، وصراخ هنا.. وهناك، لم يعد أحدٌ في القاعة يأبه لسير الفلم الذي مرّ باهتا خرب المزاج وأرعب الأطفال.. كنت أقفُ قريبا من الممر المؤدي إلى باب القاعة، فأقبلت صوبي من عمق القاعة امرأتان دنمركيتان تقودان طفليهما وفي وجهيهما فزع مرددات بالدنمركية: ـ يا للهول.. يا للفزع!. وخرجتا. حاول العديد من أعضاء مجلس الجالية تدارك الأمر بإيقاف الفلم وتقديم الأعتذار للجمهور، بينما كان أحدهم يحاول إخراج القصير القامة الذي شتّم ( طارقاً ) من القاعة. كان متوترا يحاول البقاء متشبثا بكرسيه والأخر يصرُ على خروجه من القاعة.. في هذه الأثناء قام من كرسيه رئيس الهيئة الأدارية لمنظمة حقوق الإنسان في الدنمارك ـ كريم حافظ ـ وابنته وغادرا القاعة.. وفي طرف القاعة على يساري جمعت امرأة لا أعرف أسمها الأطفال المعدودين المرعوبين من الجو والصراخ في الفلم والقاعة وقامت بإخراجهم، فمروا جواري مذعورين في صفٍ الواحد بعد الآخر.. ومن وسط القاعة نهض الملحن والمغني المعروف طالب غالي وزوجته ـ أم لنا ـ وغادرا القاعة وعلامات الغضب والضيق بادية على قسماتهما. كما غادر القاعة الكاتب سلام إبراهيم، والعديد من المهتمين بالثقافة ككريم الهلالي إذ غادر بعد قليل من بداية الحفل الذي لم يتواصل إلا بعد قرابة نصف ساعة من الاضطراب واللغط. وأُكمل الحفل محتفيا لا بالعيد وأنما بأجندة الأحزاب العراقية الحاكمة والحالمة بتقسيم الوطن، قرأ رجل أسمر طويل القامة برقية قال أن باعثها دكتور ـ أحمد الچلبي ـ بمكالمة هاتفية، فكدت أنخرط بضحكة عاصفة، كتمتها بعناء وأسرعت بالخروج لأضحك ملأ فمي.. أية جماهير.. فتخيلت محنة هذا الإنسان الطيب الذي يحاول أثبات وجود المؤتمر الوطني العراقي الذي لم ينجح دكتوره في الحصول على مقعد في مجلس نواب الطوائف والأقليات. عدت وبيّ فضول لمتابعة بقايا هذا الحفل البهيج والسعيد جدا!. رغم رغبتي الشديدة في المغادرة وتركهم. فدخلت القاعة مكتفيا بالوقوف جوار الباب. كدت أصرخ كما صرخ ـ طارق هاشم ـ حينما أعلن مقدم الحفل عن تقديم الملحن ـ جعفر الخفاف ـ أغاني عراقية، كدت أصرخ، لكنني وجدت أن صراخي سَيُقابَل بإستنكار لا سيما أن القليل من الحضور يعرفني، وقد يفسروه كما فسّرَ المخرج الكردي إعتراض ـ طارق هاشم ـ كونه إعتراضا ضد التذكير بجرائم صدام.. لذا فضلت الصمت محترقا، أشبُّ وأنطفأ.. أدوي وأخمد مثل فرن يلقم بالحطب. فطالما حاصرتني الأغاني التي لحنها هذا الشخص لقادسية صدام في حياتي، وخصوصا في الفترة التي قضيتها جنديا في جبهات الحرب الإيرانية العراقية منذ أوائل الثمانينات حتى منتصفها، حيث كان التوجيه السياسي في كل وحدة من وحدات الجيش العراقي يبث من إذاعة مركزية يمنع سماع غيرها أغاني لحنها هذا الملحن الذي أفتخر في لقاء له نُشِر في عدد من أعداد مجلة ـ ألف باء ـ العراقية عام 1989 كونه لحن عددا كبيرا من أغانٍ لقادسية صدام إذ بلغت حسب قوله 357 أغنية.. أذكر منها أغنية ـ هيه يهل العمارة ـ التي تقول كلماتها: ـ هيه يهل العمارة هاي أجمل بشارة للنصر كلنه جنود عن الحدود نذود وزنود بتارة هية ياشعب صدام هيه يهل العمارة ـ كانت هذه الأغاني تبعث لدى الجنود القرف والغضب، فهي تغطي وتجمل الموت اليومي المحيط بنا حيث نفقد وقت أحتدام الجبهات زملاء لنا يقضون نازفين تحت وطأة النار وأحتراق الدنيا، في ذلك الوقت وكنت في قاطع العمارة كانت هذه الأغنية تصدح وحولي زملائي مجزرين.. فحقدت على من كتبها ولحنها وغناها وحلفت على خنق من جعل هذه الأغنية خلفية تبتهج بمذبحة زملائي المجزرين حولي على حافات الملاجئ وفي العراء. ومع أول إجازة أكتشفت أن ملحن هذه الأغنية هو ـ جعفر الخفاف ـ الجالس الآن في قاعة صغيرة بكوبنهاجن مرتديا العباءة العراقية ومنحنياً على العود مرنما بأغانٍ عراقية عاطفية. أفور مثل مرجلٍ جوار الباب، متشنجاً، متوتراً حتى أن صديق قديم سألني: ـ أشبيك متوتر!. تصنعت إبتسامة وحاولت أن أكون مرحا، لكن كلما حاولت النسيان والتركيز على الأغاني التي أنتقاها طبعا بخبرته المشهودة في التلون بما يتناسب مع طبيعة جمهور الحفل أجدني أشطح بعيدا إلى تلك الأيام التي سممت حياتي وجيلي وأجيال قبلي وبعدي حيث أحالت الحرب يومنا إلى كابوس بدا وقتها مع طوال الحرب شبه أبدي وسببه طبعا البعث الذي سلم العراق لأمريكا ولأحزاب الطوائف، والأقليات التي تبين لاحقا أن أجندتها لا تمت للوطن العراقي بصلة .. البعث أس البلاء الذي لحن له ـ الخفاف ـ أغنية السم المشهورة: ـ نحن جيل البعث ـ التي غنتها المجموعة وهي كورس يجمع مغني الإذاعة والتفزيون وقتها.. لم يكف هذا ـ المغني ـ الجالس لابسا الزي الفلكوري العراقي على كرسي مضاء في مسرح في قاعة النور أله 7 وسط جمع أكتوى أصلا بصدام ونظامه بأغاني الحرب العراقية الإيرانية بل لحن وغنى أغنيتين من كلمات كلٍ من ـ لؤي حقي ـ ( عراق ـ ياعراق ) و ـ كريم العراقي ـ ( الشمس شمسي ) تتغنيان بأم المعارك ـ أم المهالك ـ عام 1990 وقتها كنت في معسكرات اللجوء بإيران.. ليس ذلك فحسب فقد تابعت هذا الشبح الشرير الذي دس السم بطريقة فنية بأذهان أبناء شعبي المتصنع الآن صورة ملاك بزي بغدادي على المسرح يغني أغاني غزل عراقية، إذ أخر ما بثه من سمٍ زعاف كانت أغنية تتغزل وتمجد البعث تحت لافتة حب العراق عام 1997 أسمها ـ الله يا حب العراق ـ كلمات جبار حسن، لم أستطع الأستمتاع بأدائه، بل بالعكس تضاعف ضيقي رغم محاولتي التصالح مع الجميع في حضوري هذا الحفل.. وجدتني أخون نفسي إذ من المفترض بي الخطو نحو المسرح وتكسير عود المغني وصفعه على الأقل لا خنقه كما عزمت عندما حاصرتني أغانيه الممجدة للقتل قبل أكثر من عشرين عاما في أتون جبهة الحرب المشتعلة. الطريف بالأمر أن رئيس الجالية أقترب من شخص يقف إلى جانبي وعرض عليه مكانا للجلوس سائلا عن زوجته التي لم تحضر، فشكره معتذرا، فقال الرئيس متباها: ـ شوف هذه أغاني بغدادية!. وهو الكردي لا يدري أن نفس المغني سَوّقَ أغاني القتل لنظام قتل أبناء جلدته. كدتُ أنفجر بضحكة عاصفة أيضا كما هو حالي لدى سماعي مندوب الچلبي، إذ أيقنت أن رئيس الجالية لا يعرف أي شيء عن تشابكات الوضع العراقي. بتُ على يقين أن هذا المجلس معني بالعلاقة بين أحزاب الجالية وهيئة تابعة للسلطة العراقية وسفارتها تضطرب بأضطراب العلاقة بين أحزابها وليس له أية صلة بأبناء الجالية.. كان الحضور ينسحب رويدا.. رويدا. وبالكاد كنت أحاول ضبط نفسي من الصراخ بوجه هذا الطبال الذي ساهم بالقتل زمن الدكتاتور على طريقته.. قتل الذائقة، وإيهام الجمهور العراقي بجبروت الطاغية، لكنني لم أصمد وما تبقى في القاعة من عدد يقتصر على ممثلي الأحزاب ووجوههم المرتبكة مضاف إلى جو كئيب جدا ومضطرب عيّدتْ به مجلس أحزاب الجالية أنصارها وجمهورها المحدود الذي أنسحب جلّهُ لموقف أخلاقي وذوقي. لم أصمد في اللحظة التي خيرت فيها نفسي بين الركض نحو المسرح وضرب المغني أو ترك القاعة.. فضلت المغادرة قرفاً من ساعتين من عمري صرفتها بحضور حفل مجلس أحزاب الجالية الذي لا يدرك ذرة من تاريخ وروح العراقي.
#صلاح_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة جندي كوري شمالي أسير في أوكرانيا- تقارير
-
ترامب يطلب من المحكمة العليا الأمريكية تأخير حظر TikTok
-
طائرة مدنية تقل مئات الركاب.. مسؤول أممي تواجد في مطار صنعاء
...
-
سوريا..القوات المسلحة للقيادة الجديدة تشتبك مع قوات قسد في
...
-
روايات عن أشباح تحوم حول المقر الرسمي لإقامة رئيس الوزراء ال
...
-
الجيش النيجيري يقتل 10 مدنيين عن طريق الخطأ
-
زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب سواحل جزر الكوريل الجنوبية الروسية
...
-
البرلمان العربي: حرق الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شما
...
-
مقاطع فيديو -صادمة-.. سجين يموت تحت الضرب المبرح من حراس الس
...
-
مصادر طبية: كوادر في مستشفى كمال عدوان استشهدوا حرقا
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|