|
الأرهاب يستهدف الأقباط في مصر
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:40
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
منذ بداية الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية ، كان الإسلام يولي المسيحية ليس فقط ذلك الاحترام والتقدير والود ، إنما خصهم بتلك الآيات المقدسة والثابتة التي أوردها ضمن نصوص الآيات القرآنية ، مع أن المسيحية كانت تنتشر وتهيمن وفق اعتقاد الناس بها في أوسع المناطق في الجزيرة العربية وما حولها من بلدان ، لتشكل أكبر الأديان التي تؤمن بها الناس قبل أن ينتشر الإسلام في الجزيرة العربية وينطلق منها . وتأتي مفردات الإنجيل المقدسة تدعو للمحبة والسلام والخير والعفو والتسامح ومساعدة الفقراء والمحتاجين والانتصار للمظلوم ، وتنهى عن القتل والسرقة والزنا والربا ، وهي نفس القيم والتعاليم التي جاء بها الإسلام ولم يتناقض معها مطلقا ، وهي جميعها تصب في خدمة الحياة الإنسانية وتكرم الانسان . وحين بدأ الإسلام بالانتشار وتوضحت الدعوة ، لم يلق من المسيحيين تلك المواجهة أو التعنت والرفض للدين الجديد ، وليس أكثر وضوحا من موقف النجاشي المسيحي وحمايته للمسلمين المهاجرين من بطش أهل مكة ، وليس أكثر من المكانة السامية التي خصها القرآن الكريم للسيدة العذراء البتول مريم التي اصطفاها الله من بين كل نساء العالمين ، وطهرها وجعلها صديقة ، وخصها بآية هي سورة مريم ، وليس أخيرا زواج الرسول الكريم محمد ( ص ) من ( مارية القبطية ) وهي فتاة مسيحية بقيت على دينها ودين أبائها ، وهي الوحيدة من بين زوجاته التي ولدت له ولدا يدعى ( إبراهيم ) توفي وهو رضيع . كما ورد ذكر المسيح بن مريم ( ع ) في القرآن بكل الوقار والاحترام والتبجيل ، وأطلق القرآن لقب ( الحواريين ) على أتباع السيد المسيح ، والعديد من الشواهد والأدلة التي تدلل على اعتماد الحوار والإقناع بين الدين الإسلامي والمسيحيين ، بل والعديد من قصص التاريخ والسيرة ما يتحدث عن تلك الوشائج والروابط المتينة التي تربط أهل الديانتين ، وكان رسول الله محمد ( ص ) يوصي بإكرامهم وحسن استقبالهم ويحرص على حمايتهم من كل أذى ، وحرص الإسلام على أن يتمتع المسيحيين بين أخوتهم المسلمين بالأمان على الأرواح والأموال والأعراض ، كما حرص الإسلام على احترام الكنائس والأديرة . وتذكر كتب السنة الأقوال التي وردت على لسان النبي محمد ( ص ) فيما يخص الأقباط في مصر ، قوله ( استوصوا بالقبط خيرا فأن لهم ذمة ورحمة ) ، وهذا القول لايأتي من فراغ ، إنما يستند على تلك الوشائج المتينة بين المسيحية والإسلام ، تلك الوشائج التي تشكل وجهة نظر مقدسة في عقل النبي محمد ( ص ) ، وهو الذي لاينطق عن الهوى ، ليؤكد على المسلمين وصيته بأن لايكنوا للقبط في مصر إلا الخير و الأمان الذي يجب أن يتحقق لهم ، وبسبب الحرمة التي تقع على عاتق المسلم في حمايتهم وعدم إيذاءهم ، وكما يستند على تلك الروابط التي تدفع بالرسول الكريم ليوصي المسلمين في كل الأرض بأن يستوصوا بالقبط في مصر بالمودة والرحمة وأن يتم منحهم العهود والكفالة بما لايسيء لهم أحد ، وبما لايدنس محرماتهم أحد ، وبما لايضرهم احد ، وإلا عد متمردا على السنة ومخالفا لأقوال الرسول الكريم . وإذا كان المسلم في مصر حريص على أسلامه وتطبيق تعاليم نبيه ، فحري به أن يحفظ لأخوته من الأقباط المصريين كل الود والتقدير والاحترام ، فهم بالإضافة الى دورهم الإنساني في بناء نهضة مصر والمساهمة الجادة في بناء حضارتها وتثبيت أركانها ، فأنهم يدعون الى السلام والى المحبة ويتمسكون بشعائر دينهم وتعاليم كنيستهم ، وتلك الدعوات الإنسانية تأتي من باب تمسكهم بحق الإنسان في الاختيار والعقيدة ، وليس لمنهجهم الديني تعارض مع مناهج المسلمين . وعلى هذا الأساس فأن تعرض الأقباط في مصر لعمليات إرهابية مخالفة كبيرة وتحريف عظيم لمناهج السلام وما أفاد به الرسول محمد ( ص ) ، وما يتعرض له الأقباط في مصر من إرهاب وجرائم تقترفها بعض العقول المتطرفة والقاصرة في فهم معاني الدين والقيم الإنسانية ، لايتعدى الأذى الذي يعبر عن الأمراض النفسية التي تسيطر على بعض العقول الغارقة في تطرفها وعدوانيتها ، وينطبق عليها قول الرسول محمد ( ص ) في الحديث المشهور : ( من أذى ذميا أو تنقصه حقه فأنا خصمه يوم القيامة ) ، وحقا سيكون محمد بن عبد الله خصما لهذه العقول الإرهابية التي تريد إشاعة الموت والدماء والإرهاب بين الناس تحت ستائر الدين أمام الله في يوم الحشر . فإذا كانت نصوص القرآن تمنع الأذى عن المسيحيين ، وإذا كان نبي الإسلام يوصي بعدم إيذائهم وحمايتهم ، وإذا كانت لوائح حقوق الإنسان تحميهم ، وإذا كان المجتمع المصري المتجانس والمختلط يعيش تحت تلك الأحكام السماوية التي تحث جميعها على السلام والمحبة والخير ، فعلى أي سند يستند الإرهاب المتطرف في الإساءة للأقباط في مصر ؟ وإذا كان الإسلام بريئا من أفعال الإرهابيين التي يتم اقترافها على المسيحيين الأقباط في مصر ، فأن على كل علماء الدين الإسلامي التصدي لهذه الظاهرة التي تمس السلام وتسيء اليه ، قبل أن تفعل فعلها في المجتمع القبطي ، وعلى هؤلاء تقع مهمة التصدي وفضح تلك العقول التي تريد السوء بالإنسان ، وتحاول زعزعة الأمن وتخريب قيم المحبة والوئام بين أهل الديانات ، لشرور متجذرة في تلك النفوس ، ولتطرف متعفن في فهمها للحياة الإنسانية ، ما يستوجب على جميع من تهمه الحياة في مصر أن يتصدى لهؤلاء كل بقدر ما يستطيع ، لأن مواجهة هؤلاء وردعهم والتكاتف الإنساني يجعلهم في الحيز الضيق الذي يريدون التسلل منه الى الحياة المصرية الجميلة لتخريبها . كل من يريد السوء بالأقباط في مصر مفتري يحاول أن يطوع افتراءه وتطرفه الأعوج باسم الدين الإسلامي ، وبالتالي أن يقوم بتنفيذ رغباته المريضة وجرائمه بحق أهل السلام والمحبة باسم الإسلام وهو منه ومنها براء . وإزاء موازين الحياة الإنسانية في مصر الكنانة ، وما ينتج عنها من انسجام سجله الزمن بين أهل الديانات ، ومع التمسك بكل النصوص المقدسة التي توجب عمل الخير والسعي للسلام والمحبة ، فأنها أيضا تأمر بعدم إيذاء الآخر وعدم الإساءة اليه ، فأن التطرف الديني الذي تعتقده بعض الأطراف باسم السلام وينتشر في المنطقة في هذه الفترة الحرجة من تاريخها ، إنما يشكل ظاهرة سلبية ونشاز في المنطقة لن تستطيع تحقيق أهدافها المقيتة ، ويقينا أن المسيحية باقية ليس في مصر وحدها إنما في كل الأرض ما بقي الإنسان والعقل والمحبة ، وليس بمقدور تلك البهائم التي تعتمد القتل كأسلوب في الإقناع ، فتقتل أنفسها التي حرم الله وتقتل غيرها ، إلا دليلا على الإفلاس ونطحها الصخور التي تتكسر عليها قرونها الرخوة ، وما يتعرض له الأقباط في مصر صفحة من صفحات الغدر والإرهاب التي تعم المنطقة ، ما يوجب على كل صاحب ضمير حي أن يتوقف مليا أمام هذه الظاهرة وشجبها والتكاتف مع أهل السلام والمحبة . وستتم مواجهة تلك الحملات البشعة والأرهابية من قبل الاقباط في مصر بكلمات السلام والمحبة التي تحميهم وتنتصر على كل سيوف الأعداء والمتطرفين ، هذا ما تعلمه الاقباط من ديانتهم وما جربوه في تحملهم وصدهم لهجمات وحملات مرت عبر التأريخ ، انتهت وانتهى قادتها الى الحضيض ، مع ارتفاع المسيحية وانتصار مفاهيم وقيم الأقباط في المحبة والسلام ، وهم باقين متجذرين في تلك الأرض أبدا .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يلجم التهديد بالأجتياح حقوق القوميات والأقليات في تركيا ؟
-
جمعة كنجي المسافر الذي رحل دون كلمات
-
الفيدرالية العراقية من وجهة نظر أمريكية
-
إقتحام المدى
-
الفيدرالية الطائفية
-
كنت ولم تزل أبنا بارا للعراق يامصطفى المدامغة
-
هل يمكن للبعث أن يغير أسلوبه وسياسته في العراق ؟
-
الدم العراقي المستباح
-
القتل منهجا
-
مساهمة الأمم المتحدة في التصدي للإرهاب
-
لايليق بكم السواد !!
-
هل يستفيد الأتراك من تجربة إقليم كوردستان ؟
-
الذيول الملطخة ضمائرها
-
سر قوة الأيزيدية !!
-
هل حقا أن العراق بلد نفطي ؟
-
علي السوداني إرهابيا !!
-
تسلل القاعدة وطريق العبور الى العراق
-
ولم يزل الفاعل مجهولا !!
-
موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم
-
العدالة الأنتقالية
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|