|
لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:43
المحور:
حقوق الانسان
رسالة عتب على شام برس أحدث مقال السلف الصالح هزة عنيفة، وصاعقة، وكالمعتاد في الأوساط السلفية والأصولية التي لا تحب أن تسمع إلا ما تريد وما يسمعه إياها غربان الظلام من رومانسيات التاريخ التليد. وتبدى ذلك من خلال سيل التعليقات التي انهارت على موقعنا السوري العزيز شام برس. وهو من المواقع التي أحرص على تصفحها يومياً لأكوّنمن خلالها وجهة نظر شاملة عن المشهد السوري الذي يعتبر أولوية قصوى لكل وطني سوري. ومع العلم بأنها من المرات القليلة، وربما النادرة، التي يقوم بها شام برس بنشر مقال لي، رغم أنني مواطن "عربي" سوري منذ أكثر من خمس سنوات كما تقول شهادة الميلاد وأتمتع بكافة المؤهلات الوطنية اللازمة كالفقر والتشحير والإفلاس والتعتير. وشام برس، وبعدم نشرها مقالاتي، لا تسن سنة بذلك، ولا تبتدع بدعة، والعياذ بالله، فهذا هو، ولله الحمد، شأن معظم المواقع السورية، معارضة، وموالاة، على اختلاف مشاربها القومية والمخابراتية والبلشفية والإخونجية السلفية والأندبورية الطرطورية، ولكل سببه الخاص الذي يتعامل من خلاله معنا بذاك الكم من الإهمال والنكران. ولولا وجود مواقع ليبرالية مهاجرة ناطقة بالعربية فتحت ذراعيها وصدرها لآرائنا "المشاغبة" لطوانا الظلام والنسيان وفوّتنا على الآخرين الفرص المتكررة في هدر الدماء. ومع شكري وتقديري، وبالرغم من كل ذلك لموقعنا العزيز، على قيامه بتلك الخطوة التاريخية الهامة في هذا المنزلق الفكري والمنعطف الإيديولوجي، إلا أنني لم أجد سبباً مقنعاً لسحب مقال كان الموقع قد تفضل مشكوراً بنشره على صفحاته لما فيه من تسليط للضوء على جانب هام من واقعنا الثقافي والفكري والإعلامي بنظرة غير تقليدية، تبتغي الارتقاء بوجهات النظر من منظورها السلفي العاطفي والرومانسي التقليدي الحالي، إلى منظور أكثر موضوعية وعلمية وحياد. http://www.champress.net/?page=show_det&select_page=3&id=19735
لا ننكر أنه كان هناك كثير من التعليقات والرسائل الغاضبة التي أساءت فهم المقال وقولتني ما لم أقله، ولكن هناك بالمقابل، بوادر إيجابية، وثمة إشعاعات من نور وصرخات من ألم وقهر وعذاب وسط هذا الركام من العتمة والتزمت والابتذال، تتفتح رويداً رويداً وبدأت تطرح الأسئلة المحظورة، وتريد التحرر من أغلال الماضي الفكرية وتابوهاته وقيوده الكثيرة التي عطلت العقل وكلسته وقزمته واختزلته وجعلته على ما هو عليه من عجز في مواجهة أي استحقاق حضاري حرمها شام برس من فرصتها في التعبير عن رأيها وحقها في مواجهة ذاك المد الظلامي الفكري الأسود. ولذا، كنا نرجو من شام برس وتوخياً للموضوعية، والعدالة والمساواة والحياد، أخذ تلك الأصوات المختلفة، وعلى قلتها وندرتها، بعين الاعتبار، وإعطاءها فسحة موازية للتعبير عن ذاتها وعدم التراجع والامتثال للابتزاز التكفيري، والضغوطات والإرهاب الفكري، واللغة السوقية والخطاب المجتر العقيم للجماعات إياها، وعدم الرضوخ لمنطق الغلاة والتكفيرين الذي وضع نفسه على الدوام في خدمة منظومات الطغيان، ولم يكن له علاقة، يوماً، بأي فكر وقيمة وخلق أو دين من الأديان.
وفي الوقت الذي نفتقر فيه، كالعادة، للمنابر الوطنية التي نوصل من خلالها أصواتنا المكبوتة والمخنوقة، لأن الاعتقاد ما يزال راسخاً في سورية، وعلى مستويات متباينة، بأن لا أهمية تذكر للإعلام برغبة كل تلك الجلبة والأثر والضوضاء التي يحدثها. وما زلنا، من يومنا، وبفضل من الله، نتشرد في المواقع والشاشات العربية والمهاجرة التي احتضنتنا وآوتنا من إرهاب فكري، وخوف أمني، وجوع معرفي. وما زلنا نرى الأصوات القومجية السلفية والجهادية والماضوية مـُرحباً بها، وتحتل المواقع والمنابر الوطنية الرسمية والإليكترونية الرسمية وشبه الرسمية، وتلعلع أصواتها وتسرح وتمرح في كل مكان، مفسدة الذوق والفكر والعقل الجمعي العام، في عملية سبي واغتصاب للفكر والرأي تكتسح من خلالها الساحة وتسيطر على السوق الإعلامي. وصار المرء، لا يميز في كثير من الأحيان، وتختلط عليه الأشياء، بين شاشاتنا الوطنية وبما فيها "الخاصة المستجدة"، والفضائيات الوهابية البترولية فيما تنشره وتروجه من تقليد وفكر ومضمون سلفي وأصولي. ويحرمنا شام برس بذلك من فرصة أخرى، وحق للوصول إلى عقول أحبتنا ومواطنينا السوريين بعد أن أغلق الإعلام الرسمي والحكومي أبوابه وختم نوافذه بالشمع الأحمر أمام كل الأصوات الليبرالية والتنويرية الحرة والمستقلة التي ليس لها سوى الله، والأجندة الوطنية السورية الخالصة. وكم أتألم حين أرى مقالاً أو رأياً تنويرياً وعلمانياً لكاتب سوري في مواقع أخرى ومشفـّـرة في نفس الوقت الذي تعم فيه الرداءة والسطحية وممالأة ومحاباة ومغازلة الغوغاء والرعاع في معظم ما ينشر من تعليقات وآراء في مواقعنا السورية الوطنية. وبالعودة للمقال نعود ونكرر ونتساءل فيما إذا كان المدعو عمرو خالد بـ"الشويتين دول بتوعو" التي يرددهم وبالأسلوب المسرحي الفكاهي المضحك، قد أصبح من السلف الصالح، أيضاً، ويمنع علينا نقده، ويجب أن نؤلهه ونلغي عقولنا أمام هذياناته وفبركاته وشطوحاته وشططه الفكري، وافي مقارباته لمختلف القضايا بذاك الاستسهال والاستهبال المفضوح؟ وفيما إذا كان علينا أن نخرس ونصمت فاسحين بالمجال أمام أي متنطع آخر يمتلك بعض المواهب في الفهلوة والشطارة والإخراج المسرحي والنطوطة واللعب بـ "التلات ورقات"؟
وأكرر أين فضلنا ومساهمتنا في الحضارة والحياة الإنسانية إذا كنا نريد التوقف عند أروقة القرن السابع الميلادي، ونكتفي بما قدمه أولئك البدو الأعراب في مرحلة مبكرة من التاريخ الإنساني تجاوزتها التجارب والتطورات ولم تعد ذا نفع ولا بال ولا يمكن تطبيقها وإعادة إنتاجها بحال من الأحوال؟ والدليل على ذلك أن كل المجتمعات التي ما زالت تعيش وتتمسك بتلك المنظومة السلوكية والمعرفية فهي في حال يرثى لها وتكابد كماً هائلاً من الأزمات تعليمياً وصحياً وتنموياً وثقافياً وسياسياً وحياتياً ...إلخ؟ ولِمَ ينبغي عليّ كإنسان أعيش في القرن الواحد والعشرين، أن ألغي ذاتي، وأطمس هويتي الإنسانية المتجددة، وحقي في الإبداع والعطاء بأن أقلـّد أولئك البدو الأعراب في كل شيء في المأكل والمشرب وقضاء الحاجات التي كانت تتم في العراء ، أعزكم الله، وكانت السبب في فرض الحجاب على "الحرائر"، اللواتي كن يتعرضن للتحرش، و"البصبصة" من شذاذ أولئك الأعراب؟
يبدو أن إعلامنا السوري الرسمي والخاص، والبين بين، ما زال لم يستفق من غيبوبته الكبرى وسباته الستاليني الطويل، ولم يستوعب، وبكل أسف، الدروس، ولم تصل إليه بعد مقولة الرأي والرأي الآخر، ويتخلى عن الأمانة المهنية في حمل مشعل التنوير والتوعية وتحدي المعوقات المادية والمعنوية، ويـُصّر بعناد عجيب على اجترار نفسه وتقديم الصوت الواحد، واللون الواحد والذوق الفاسد في محاباة ومجاراة الفكر السائد، والذي لم يفلح في دفعنا خطونا واحدة نحو الأمام، ويتحمل جزءاً من المسؤولية الكبرى فيما وصلنا إليه، وما نعيشه من أزمات ونكبات؟
وألف لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان السلف صلحاً فعلاً؟
-
باب الحارة: جذور الاستبداد
-
موائد الرحمن
-
نحو مؤسسة أكثر تجدداً للحوار المتمدن
-
نور الدين بدران: وداعاً
-
زمن الحارات
-
إستراتيجية الغزو السلفي
-
الأميّة بين الجاهلية والإسلام
-
الدعارة الحلال
-
الفاشية الإخوانية
-
الحرب الشاملة ضد سوريا
-
متى نفطر على الكرامة والحريات؟
-
انتصارات العرب الجوفاء
-
مرحى لأستراليا
-
السيد محافظ اللاذقية
-
المثلية الجنسية ومنع الاختلاط
-
هل المثلية الجنسية عيب وعار؟
-
خطر الفكر الديني
-
الاتجاه المعاكس والأمن الإعلامي العربي
-
هل تشفع لنا النذور؟
المزيد.....
-
هيئة الأسرى: إدارة سجن الدامون تعامل الأسيرات بطريقة وحشية
-
الأمم المتحدة: نتواصل مع جميع الأطراف بشأن وقف إطلاق النار ف
...
-
شؤون اللاجئين الفلسطينية تسلّم مساهمات مالية لأصحاب المنازل
...
-
الرئيس الفلسطيني يستقبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعم
...
-
الجزائر: الأمم المتحدة بالتعاون مع سفارة فلسطين تحيي اليوم ا
...
-
منظمة التحرير الفلسطينية تحذر من قرار إسرائيل حظر عمل الأونر
...
-
الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في قطاع غزة غير مقبول
-
هل سيتم اعتقال بنيامين نتنياهو إذا قدم إلى فرنسا؟
-
السعودية.. الداخلية تصدر بيانين بشأن إعدام مصري وبنغلادشي وت
...
-
المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة ا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|