|
عن أطفال من غزة .... يعشقون الزعتر والحجر
طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19 - 11:10
المحور:
القضية الفلسطينية
إنهم يكبرون ... يكبرون في الزمان والمكان.. في السياسة والشقاوة يكبرون في عيوننا .. ونكبر في عيونهم.. يعشقون الزعتر والحجر.. يلفونها بين طيات الكتب ، ودفاتر اللغة .. ويحصنونها بعلم فلسطين ، وليس سواه ، هذا العلم ذو ألألوان الأربعة ، الأبيض ، والأحمر ، والأخضر ، والأسود ، عيونهم كالصقر ، فإذا نقص لون فليس علمهم ، فما هو السر في هذا العشق والحب ، والتحدي..؟؟ لماذا يعشق الأطفال والتلاميذ في غزة الزعتر والكتاب والحجر؟؟؟
يكبرون العام بعشرة. سباق بين عمرهم الزمني ، وعمرهم العقلي...تحملوا الأعباء والعطش قبل الأوان.. نضجوا قبل الزمن .. شاركوا في عزق الأرض ، وحرثها ، ووضع البذار .. هل يا ترى سيشاركون في موسم الحصاد ؟؟ ولكن متى يأتي هذا الحصاد ؟ لقد طال على الكبار ، تأخر، كوابح تمنعه من القدوم .. لا يهم الآن.. أو غدا... أو بعد غد . المهم انه آت ومع الشمس قادم..
يغضبون ، ويرفضون بإصرار إن نعتهم أحد بصغار العصر.. إنهم جنرالاته.. أغتاظ بعضهم ، وعلى الأخص أولئك الذين تزين النجوم السداسية أكتافهم . تشاور الحاكم العسكري مع ضباطه الصهاينة ، قرر التعامل معهم كالكبار.. أمر بتجميع الأطفال في العراء ، لمن تراوحت أعمارهم بين سن التاسعة والخامسة عشر ربيعا ، ولكن كيف يحسب الأطفال أعمارهم ، وهم بلا شهادات ميلاد حقيقية ؟ أو بطاقات هوية.. إن ما يفهمونه أنهم ولدوا قبل الانتفاضة ، وهم لها ، وهى لهم ، وهويتهم كهوية آبائهم وأجدادهم ، ولكنها ليست كالمدونة في البطاقات الخضراء ، أو الحمراء المكتوب بداخلها ، أن حاملها ممنوع دخول إسرائيل ، وتزيف أماكن ميلاد آبائهم وأجدادهم ، وتدعى أنهم من مواليد إسرائيل ، وليس حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وبئر السبع والمجدل وصفد..
لم يخطر على بال الحاكم الصهيوني أنهم يغطون الشمس ، وأنهم يعشقون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، ويتابعون إذاعتها ، ولكنهم لم يروها بعد ، ويعرفون أن آبائهم يتمسكون بها ، ويدافعون عنها ،ويعتزون بها ، ويستشهد المناضلون في الدفاع عنها ، وعن علمها ذو الألوان الأربعة ، لم يسمعوا أحدا يتحدث عنها من أولئك الذين استطالت لحاهم ، وقصرت جلابيبهم ، وتعرت أصابع أقدامهم من صنادلهم ، بل كانوا يحسون بحقدهم عليها ، وينعتونها بأوصاف شتى ، علمانيين ، ديمقراطيين، تقدميين ، ثوريين ، ويصرحون في خطبهم أنها لا تمثل الشعب الفلسطيني ، وان كل شهدائها في فلسطين ، ولبنان ، والأردن، وسوريا ، وكافة مواقع الكفاح الوطني والاجتماعي ، ليسوا شهداء ، ولا يمكن أن تكون الجنة مأواهم ، وكيف تسللوا فأحرقوا جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ، ولاحقوا المناضلين الشرفاء بالجنازير ، والسكاكين ، والسيوف ، وصبوا مية النار الحارقة على وجوه الصبايا بهدف فرض رؤاهم ، وأفكارهم ، على مسمع وبصر ضباط المخابرات الإسرائيليين وجنود الاحتلال ، وفى مقدمتهم ضابط المخابرات المدعو أبو صبري ، فما يجرى اليوم في الشارع الغزى ، لم يكن بعيدا عن تخطيطهم ، وتعبئتهم الحاقدة ، وتحريضهم الدائم ، على كل ما هو وطني وتقدمي ، ولم تتوقف للحظة ماكينة إعلامهم اليومية في المساجد والمدارس ، والجامعات ، والمستشفيات ، والعيادات الخاصة بهم ، والرحلات ، والمخيمات الصيفية والشتوية . لم تنفع مع أولياء أمور الأطفال كل لقطات برامج التليفزيون المصري عن تحديد النسل على الطريقة الامريكية .. على الرغم من هذا الزمن الأغبر الذي يخرج فيه الأطفال ولا يعودون ،، فآخ من المستقبل ، ولو أننا جميعا بانتظاره ، كبارا وصغارا ، والجميع على قناعة كما قالت المحامية الإسرائيلية التقدمية فليتسيا لانغر، " أن اليوم أفضل من الأمس ،، والغد أفضل من اليوم " أثناء زيارتها للمعتقلين في الزنازين ، والسجون المختلفة ، سجن بئر السبع ، والمجدل ، ونفحة ، وغزة ، ونابلس ...الخ كانت تترافع أمام المحاكم الإسرائيلية ، وتدافع عن المعتقلين الفلسطينيين الوطنيين ، والشيوعيين أمثال بشير البرغوتى ، وسليمان النجاب ، وفضل البورنو، وسمير البرقونى ، وعمر عوض الله ، وعبد الله ابو العطا، ومصطفى البربار ، وطلعت الصفدى، والمئات من المناضلين والشهداء ، وكان لها الفضل في تدوين مذكراتها ، وشهاداتها التي تفضح ممارسات إدارة السجون الإسرائيلية ، وأجهزة مخابراتها ، وتكشف أساليب التعذيب والتحقيق ، وكيفية تلفيق التهم الفلسطينيين والعرب ، .عبر نشرها العديد من الكتب مثل بأم عيني ، وأولئك اخوانى . حاول الحاكم الصهيوني أن يسوسهم على الطريقة الانجليزية ، فأخرج من جعبته قطعا من الشوكولاته لعل وعسى ، ينصاعون ويتفهمون نصائحه ، وإرشاداته ، لكن الحلوى لم ينفع سحرها ، أحس الأطفال للوهلة الأولى أنهم أمام متعجرف ، يرطن بلغة غير مفهومة ، وبالتأكيد لا مقارنة بلغته وبلغة معلميهم ، هذا يحدثهم عن السلوك والأمن .. لكن معلميهم يناقشونهم في التاريخ والجغرافيا، وثورة البراق والشهداء جمجوم ، وحجازي ، والزير ، وثورة 1936 ، والقائد عز الدين القسام ، وفؤاد نصار ، ومعركة القسطل ، وعبد القادر الحسيني ، وعن انتفاضة مارس 1955 في غزة ، ضد توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء بقيادة الشيوعيين ، ومعين بسيسو واستشهاد الرفيقان حسنى بلال ، وأديب يوسف طه ، ومعركة الكرامة 1968 ، وبيروت 1982 ... الخ وعن جغرافية فلسطين ، سهلها ، وأنهارها ، وجبالها ، ووديانها ، ومدنها وقراها ، زيتونها وبرتقالها ، عنبها وصبرها ، ولا يحرث الأرض سوى عجولها ، ولا يبقى في الوادي غير حجارته .. استعد الحاكم المتعجرف أن يمنحهم درسا في الأخلاق والديمقراطية ، والإنسانية ، وأنهم في دوائر الحكم العسكري الأسرائيلى ، ودائرة الشؤون العربية الصهيونية ، يريدون مصلحتهم ، وأن يتعلموا ولا ينحرفوا ، وأنهم حزينون على مستقبلهم ، ولا داعي للشغب والمظاهرات ، والمسيرات ، وتوزيع المنشورات المناهضة للاحتلال . ضحك الأطفال ، وعلق أحدهم : لماذا إذا تغلقون المدارس إن كنتم صادقين ؟؟ ولماذا يتحرش جنودكم وغربانكم بنا ، ويرابطون حول مدارسنا ؟؟ خرج الحاكم عن طوره ، وصرخ وبلغة غير عربية ، بعد أن أحس أن مهمته قد باءت بالفشل ، وأهينت كرامته وكبرياؤه أمام هؤلاء الصغار ... إذا لا بد من إذلالهم هكذا تصور . !!!
وبأعلى صوته ، عليكم أيها الجنود بجمع الكبار فهم الذين يخافون... بالطبع لأسباب شتى ، وأمر أولياء الأمور، بضرب وتكسير عظام أبنائهم الصغار .. وكل من ينفذ هذا الأمر يعفى من الغرامة .. أو السجن.. تردد الآباء .. حاول بعضهم تحت وطأة الغرامة الملعونة ، والتهديد ، والواقع المر ، وفقدان لقمة العيش ، وتعثر الحصول على تصاريح العمل ، أن يعملها ، ويخلص من هذا الهم ، فعلى كل حال فأولادهم يتفهمون تصرفهم ، وسيعذرونهم !!!
كشر الأطفال الكبار ، واستعدوا للدفاع عن أنفسهم بطريقتهم المفضلة ، وتراجع كل من سولت له نفسه تنفيذ الأمر ولو في الخيال .. اصبب الحاكم بصدمة ، وحاول أن يسيطر على الموقف ، فاختطف عصا غليظة من أحد جنوده ، وهم بإسقاطها بنفسه على رأس احمد الزعتر الذي عاجله بضربة حجر ، شج بها رأسه ، وأسال دمه على وجهه ، وغطى الدم المسال نجومه ، ونياشينه ، وصدره ، وسارع على الفور جنود الاحتلال بالانقضاض على الطفل الرجل ، الذي كان يحمل حقيبته ، ويحتضنها بين ضلوعه ، وبيده اليسرى حجرا آخر لم يعثروا عليه ، وحاول الفرار من بين جنود الاحتلال ، إلا أنهم القوا القبض عليه ، وبطحوه أرضا وسط تململ الأطفال ، وأولياء أمورهم ، إلا أن الرصاص قد منعهم من التحرك ، وحاولوا تخليص حقيبته من بين ضلوعه .... اغتصبوها عنوة ، وأفرغوا حمولتها على الأرض فتناثرت محتوياتها .. وعلت الدهشة الجنود ، ثم صرخ احد هم : يا للهول إن حقيبته مليئة بالحجارة والزعتر، وبرسومات لعلم فلسطين ، وخريطة فلسطين ، وأسماء الشهداء ، والمعتقلين ، ووصية لأخيه الذي ذهب ولم يعد بعد ... فهل أدركوا سر العشق بينها ، وبين أطفال فلسطين ؟؟؟!!!
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا دين للإرهاب .. ولا وطن له...!!!
-
بلدية غزة بين إهمال الحكومة... وقهر المجتمع!!!
-
يا حكومة فياض... كفى استهتارا بجنود الشعب...!!!
-
لا لنقابات السلطان
-
ليس دفاعا عنهم... بل دفاعا عن حرية العبادة...!!!
-
ترجل الفارس.. وبقى شامخا !!! شاهد على محطات ذات معنى ، ومغزى
...
-
الى الطغاة الجدد فى فلسطين... ومليشياتهم المسلحة..!!!
-
أم يعقوب .. قائدة سرب النساء في غزة
-
لا لتسييس دور العبادة... ومنابر المساجد!!!
-
لا تحلموا... فدوام الحال من المحال...!!!!
-
لكى لا يكون كلاما فى الهواء!!!
-
غزة ، والوطن.. بين أنياب الكارثة !!!
-
أمريكا هل تعلمنا الديمقراطية.. أم الارهاب ؟؟؟
-
الاعلام الانقلابى بين التزوير ... والحقيقة !!!
-
يا نساء الوطن ... اين كتائبكن المسلحة ؟؟؟
-
واحد زائد اكبر من مئة !!!
-
غزة ستبقى عصية..برغم الارهاب الفكرى والجسدى
-
غزة تسبح بدمها بين أنياب... الخطوة الاضطرارية !!!
-
لن نغفر .. ولن ننسى.. همجيتكم ؟؟؟
-
أنا مين... وهم مين
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|