بعد التصريح الاخير لمادلين اولبرايت في براغ تنتقد فيه ادارة بوش على غزوه للعراق ومع مراعاة ان المسؤولين في الادارة الاميركية تختلف تصريحاتهم ورؤيتهم السياسية باختلاف الوضع الذى يكونون عليه ..ولهذا الاختلاف عوامل عديدة ليس الان مجال التطرق اليها لكن النقطة الاهم ان الرئيس جيمى كارتر قد سبق اولبرايت في هذه النظرة فقد كتب قبل فوزه بجائزة نوبل للسلام يقول ان بغداد لا تشكل خطرا على الولايات المتحدة.
" كما تم التأكيد بشكل شديد من قبل حلفائنا الخارجيين ومن قبل زعماء الادارات السابقة وأولئك المقتدرين الذين تولوا السلطة ، ان بغداد لا تشكل خطرا على الولايات المتحدة. وبالنظر الى شدة الرقابة الفائقة وتفوق الجيش الأميركي ، فان تحركا عسكريا من قبل صدام حسين ضد جيرانه ، وحتى اجرائه لتجربة نووية محدودة ( لابد من اجرائها قبل انتاج الأسلحة)، وأي تهديد ما باستخدام أسلحة الدمار الشامل ".
هذا الراى الذى طرحه الرئيس كارتر يشكل بذاته جوهر الحقيقة التى تكشف ان موضوع الحرب على العراق لم تكن بسبب مسألة السلاح النووي انما استخم الموضوع كمبرر وذريعة للاقدام على الحرب واحتلال العراق كما ينتقد في مقالته غض النظر الاميركي فيما يفعله الروس في قضية الشيشان مسجلا الحقيقة التى حاولت وسائل الاعلام الاميركية اخفاءها وراء ستار مكثف من حملتها في تحسين صورة امريكا لدى شعوب العالم .
". فقد تجاهلنا أو وافقنا على أعمال غير لائقة في دول تؤيد حملتنا ضد الارهاب، بينما واصلنا اعتقال مواطنين أميركيين باعتبارهم «ينتمون لقوى معادية»، ووضعناهم في السجون سرا ولأمد غير محدد بدون أن نوجه لهم تهم ارتكاب جريمة ما أو أن نتيح لهم التمتع بحقهم في الدفاع القانوني."
حيث يعترف كارتر بان المحاكم الفيدرالية تحاول من جانبها الالنزام بقواعد القوانين التزاما مهنيا وعن اقوال وزير الدفاع بشان المعتقلين في خليج غوانتانامو. ويدينه باعتباره مناقضا لاجراءات شبيهة بتلك التي تتبعها أنظمة تمت ادانتها تاريخيا من قبل رؤساء أميركيين.
" في الوقت الذي يعلن وزير الدفاع انه لن يطلق سراحهم حتى لو تمت محاكمتهم وتبين انهم ابرياء. وهذه الاجراءات شبيهة بتلك التي تتبعها أنظمة تمت ادانتها تاريخيا من قبل رؤساء أميركيين".
حاول ان تركز في العبارة "حتى ولو تبين انهم ابرياء" وهي عبارة تحدى للقوانين المدنية الاميركية. هل من حق وزير الدفاع ان يصرح بذلك ؟؟الا ينبغى ان يكون عالما بحقوق مواطنيه وشريعة الحرية والحقوق الشخصية التى يتحدث عنها الكثير من الذين لايعرفون امريكا حق المعرفة.
ثم يشير كارتر الى القضية الفاسطينية : " من المحزن ان حكومتنا تخلت عن رعاية مفاوضات موضوعية بين الفلسطينيين والاسرائيليين . ويبدو ان سياستنا باتت تعتمد على تأييد كل اجراء اسرائيلي في الأراضي المحتلة ، وادانة وعزل الفلسطينيين باعتبارهم أهدافا مستترة لحربنا ضد الارهاب، في الوقت الذي تتوسع المستعمرات الاسرائيلية وتنكمش الجيوب الفلسطينية"
من هذه المقالة التى كتبها كارتر نتسطيع الوصول الى الاستنتاجات التالية:
1- ان الولايات المتحدة قد بالغت كثيرا من قضية الاسلحة النووية العراقية .
2- التايد المطلق لسياسة اسرائيل.
3- غض النظر الامريكى عن اجراءات موسكو في قضية الشيشان.
4- ايداع مواطنيين امريكيين في السجون دون ان يتاح لهم حق الدفاع القانوني وهو مناقض للقوانين الاميركية ويكشف زيف الادعاءات التى يروج له البعض عن الحياة في امريكا .
5- التناقض الواضح بين التزامات الرئيس الاميركي وتصريحات اعضاء في ادارته.
لمزيد من الاطلاع ادناه نص مقالة الرئيس الامريكى السابق كارتر والحاصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام .
بغداد لا تشكل خطرا على الولايات المتحدة
جيمي كارتر *
يبدو ان التاريخ السياسي للولايات المتحدة بات يشهد تحولات أساسية ـ في ما يتعلق بحقوق الانسان ، ودورنا في المجتمع الدولي وفي عملية سلام الشرق الأوسط ـ تحدث الى حد كبير بدون نقاشات مفصلة (باستثناء تلك التي تتم أحيانا في أوساط الادارة). ويبدو ان بعض الرؤى المتعلقة بهذا الشأن قد تبلورت بشكل مفهوم من خلال ردود فعل الرئيس بوش العاجلة حسنة الاستشارة، عقب مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن يبدو ان روئ أخرى باتت تبرز في أوساط مجموعة من المحافظين الذين يسعون لتحقيق طموحات ظلوا ينتظرونها مطولا، متذرعين بالحرب المعلنة ضد الارهاب.
فبعدما كان العالم يتطلع الينا كحماة حقوق الانسان البارزين ، هاهي العديد من الهيئات الدولية المحترمة المعنية بالمبادئ الأساسية للحياة الديمقراطية توجه أنظارها الى بلادنا. فقد تجاهلنا أو وافقنا على أعمال غير لائقة في دول تؤيد حملتنا ضد الارهاب، بينما واصلنا اعتقال مواطنين أميركيين باعتبارهم «ينتمون لقوى معادية»، ووضعناهم في السجون سرا ولأمد غير محدد بدون أن نوجه لهم تهم ارتكاب جريمة ما أو أن نتيح لهم التمتع بحقهم في الدفاع القانوني.
هذا الاسلوب باتت تنتقده المحاكم الفيدرالية ، لكن وزارة العدل تبدو عنيدة، ومازالت القضية موضع شك. مايزال عدة مئات من جنود طالبان المعتقلين يخضعون للسجن في خليج غوانتانامو في ظل نفس الظروف المذكورة ، في الوقت الذي يعلن وزير الدفاع انه لن يطلق سراحهم حتى لو تمت محاكمتهم وتبين انهم ابرياء. وهذه الاجراءات شبيهة بتلك التي تتبعها أنظمة تمت ادانتها تاريخيا من قبل رؤساء أميركيين.
وبينما يحتفظ الرئيس بحكمه على مايجري ، يواصل الشعب الأميركي الاستماع يوميا الى مزاعم نائب الرئيس ، وغيره من كبار المسؤولين ، بشأن التهديد المخيف الذي نواجهه من أسلحة الدمار الشامل العراقية، مصحوبة بتعهدات بالاطاحة بنظام صدام حسين، سواء حصلنا على دعم حلفائنا أم لا.
كما تم التأكيد بشكل شديد من قبل حلفائنا الخارجيين ومن قبل زعماء الادارات السابقة وأولئك المقتدرين الذين تولوا السلطة ، ان بغداد لا تشكل خطرا على الولايات المتحدة. وبالنظر الى شدة الرقابة الفائقة وتفوق الجيش الأميركي ، فان تحركا عسكريا من قبل صدام حسين ضد جيرانه ، وحتى اجرائه لتجربة نووية محدودة ( لابد من اجرائها قبل انتاج الأسلحة)، وأي تهديد ما باستخدام أسلحة الدمار الشامل ، أو تبادل تقنية هذه الأسلحة مع منظمات ارهابية ، سيكون عملا انتحاريا. لكن من المحتمل أيضا أن مثل هذه الأسلحة قد تستخدم ضد اسرائيل أو ضد قواتنا ردا على أي هجوم أميركي.
لا يمكننا تجاهل تطويرالأسلحة الكيماوية والبيولوجية أو النووية ، لكن اتخاذ قرار فردي بشأن الحرب ضد العراق لن يجيب على السؤال. فهناك حاجة ماسة لاجراء تتخذه الأمم المتحدة من أجل فرض عودة المفتشين اللامشروطة للعراق. لكن هذا أيضا قد يصبح أمرا غير محتمل الحدوث اذا ما واصلنا استبعاد حلفائنا الأساسيين. ويبدو ان خلاف نائب الرئيس الواضح مع الرئيس ومع وزير الخارجية دفعه للقول أخيرا بأن هذا الهدف يعد خيارا مفضلا لديه.
لقد تركنا لبقية العالم تبني خيار التفاوض وتنكرنا لالتزامات الولايات المتحدة بشأن المعاهدات الدولية التي تم التوصل اليها بعناء. ومعارضتنا التي لا تقبل النقاش لمعاهدات التسلح النووي، وميثاق الأسلحة البيولوجية وحماية البيئة والمقترحات المتعلقة بوضع حد للتعذيب، وعقاب مجرمي الحرب، رافقتها أحيانا تهديدات اقتصادية ضد أولئك الذين قد لا يتفقون معنا. وهذه الأجراءات والتأكيدات الفردية تعنى زيادة عزلة الولايات المتحدة عن تلك الأمم التي نحتاجها للانضمام الينا في التصدي للارهاب.
من المحزن ان حكومتنا تخلت عن رعاية مفاوضات موضوعية بين الفلسطينيين والاسرائيليين . ويبدو ان سياستنا باتت تعتمد على تأييد كل اجراء اسرائيلي في الأراضي المحتلة ، وادانة وعزل الفلسطينيين باعتبارهم أهدافا مستترة لحربنا ضد الارهاب، في الوقت الذي تتوسع المستعمرات الاسرائيلية وتنكمش الجيوب الفلسطينية.ويبدو ان الجدال ما يزال محتدما في أوساط الادارة الأميركية بشأن وضع سياسة شاملة تجاه منطقة الشرق الأوسط. فالتزام الرئيس الواضح باحترام قرارات الأمم المتحدة وبمساندة قيام دولة فلسطينية، بات محل تناقض مع تصريحات وزير الدفاع المتعلقة بأنه خلال سنوات حياته «قد يكون هناك كيان من نوع ما سيتأسس»، ومع استخدامه لتعبير «ما يدعى بالاحتلال».
وهذا يشير الى تحول جذري عن السياسات التي اتبعتها جميع الحكومات منذ عام 1967، والتي استندت دائما على انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة وعلى اقامة سلام حقيقي بين الاسرائيليين وجيرانهم. يبدو ان الأصوات الهجومية التي تحث على الانقسام باتت هي المهيمنة في واشنطن، لكنها حتى الآن لم تتمكن من التأثير على القرارات النهائية للرئيس وللكونغرس وحتى تلك التي تتخذها المحاكم.
ومن الحيوي أن تنتصر ارادة الالتزام الأميركي التاريخي حسن التأسيس تجاه :
السلام والعدل وحقوق الانسان والبيئة والتعاون الدولي.
* رئيس الولايات المتحدة الأسبق ورئيس مركز كارتر في أتلانتا