|
هل يلجم التهديد بالأجتياح حقوق القوميات والأقليات في تركيا ؟
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19 - 11:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ثمة من يعتقد أن الموقف السياسي التركي المقترن بالموقف العسكري من أجل حماية الوطن التركي من التقسيم أو الإرهاب ، وثمة من يعتقد أن الدولة التركية يجب إن تقوم بتثبيت هيبتها وسيطرتها الكاملة على كل أجزاء تركيا ، وان لاتعطي مجالا لأية جهة أن تلوي ذراعها . وثمة من يعتقد أن من حق المؤسسة العسكرية التركية أن تتصدى لكل التنظيمات المسلحة (( الإرهابية منها وغير الإرهابية )) ، حيث لاسيادة لغير الجيش التركي فوق الأراضي التركية ، ولا مجال لحمل السلاح الا بموافقة القانون والجيش التركي . ويغيب عن بال جميع هؤلاء حقوق القوميات والأقليات التي تتشكل منها الأمة التركية ، وفي زمن صار فيه الأقرار بتلك الحقوق الفيصل الأرأس بين من يعتقد بحقوق الإنسان ، وبين من يستخف بتلك الحقوق ، وبين من يعتقد بوجود تلك الأقليات والقوميات وبين من يعتقد أنها انصهرت ضمن المجتمع القومي . وإذا كانت الشرائع السماوية والقوانين والمعاهدات الدولية ولوائح حقوق الإنسان تمنح الحق لتلك القوميات والأقليات ، ضمن الأطر التي يصار الى الاتفاق عليها ، بل وتساند تلك الحقوق وتسعى في سبيل أقرارها والتوصل الى تجسيد أطار دستوري وقانوني لتلك الحقوق ، فأن عصرا حديثا يوجب الأقرار بتلك الحقوق ومعالجة ترسيمها دستوريا وقانونيا بالطرق السلمية والإنسانية . ويمكن أن تكون المشكلة الكردية في تركيا من المشاكل العصية على القيادة التركية ، التي لم تستوعب مطلقا حقوق القوميات والأقليات ولا تعترف بها ، ولكن لماذا لاتسأل هذه القيادة نفسها عن الأسباب العميقة التي تدفع بالمواطن الكردي في تركيا للقتال حتى الموت ؟ وماهي أسباب هذا الإصرار على المواجهة التي بدأت مسلحة ومن ثم جنح حزب العمال الى طرح مسألة الحوار والمداولة والتباحث من أجل التوصل الى حلول مشتركة تفيد الطرفين ، ووجد إن تلك الطريق تحقن دماء الطرفين ، وتوصل حتما الى القواسم المشتركة لإنهاء حالة النزاع والاختلاف في مسألة الحقوق بطرق لايخسر فيها الإنسان حياته . أن إضفاء توصيف الإرهاب على الجهات التي تقاتل من أجل حقوقها المشروعة ، أصبحت مسألة تتعلق بالمصالح الدولية والمزاج السياسي ، وحري بالقيادة التركية أن تجنح للسلام وتسعى لتبادل الثقة مع تلك المجموعة البشرية التي لاتقل عن 20 مليون أنسان ، يتم تهمشيهم والاستخفاف بحقوقهم تحت مرأى ومسمع العالم ، وحري بالقيادة التركية أن تحقن دماء أبنائها سواء من الأتراك أو من الأكراد ، وأن تعمل على وقف العمليات المسلحة التي يقابلها موقف ساع الى تهدئة الحال من الجانب الأخر ، وان يتم استغلال هذا الجنوح الى السلام وتوظيفه من اجل إنهاء حزمة من المشاكل التي تعصف بحياة تركيا . ويقينا أن استعراض العضلات واستغلال الزمن الرخو للدخول في الحدود العراقية وانتهاك السيادة العراقية لن يجدي نفعا ، ولن يحل مشكلة الحقوق التركية ، ولن يدفع الكرد الى موقف المتنازل عن الحقوق أو المتخلي عنها ، كما أن قصف القرى الكردية المدنية في أقليم كردستان في العراق انتهاكا صارخا واعتداءا كبيرا على تلك المجموعات البشرية التي تسكن تلك القرى الفقيرة والبائسة والآمنة ، ويؤشر علامة سلبية في سجل تركيا الذي بدأ يمتلأ بمثل هذه الحماقات . أن حماية الوطن التركي من التجزئة لاتتعارض مع مسألة الإقرار بالحقوق ، كما أن هيبة الدولة التركية تكون بالتطبيق المتساوي للدستور والقوانين على كل المواطنين ، دون أن تتعكز الدولة على تقسيم الناس الى درجات ، فقد مضى زمن الدرجات وحل زمان حقوق الإنسان ، كما أن لي الأذرع لايكون بمحاصرة صاحب الحق أو من يعتقد إن له الحق ، إنما يكون بمناقشته والتوصل معه الى مفاهيم تخدم المستقبل والإنسان . أن تلك التوصيفات التي يتم أطلاقها على تلك المجموعة البشرية ونعتها بالإرهاب لايحل القضية ولايوقف سبل المطالبة بحقوق الأكراد في تركيا ، كما أن الساسة الأتراك يدركون قبل غيرهم أن جميع تلك الأساليب المتبعة في الفصل بين الأكراد لن تنتج مطلقا فصلا حقيقيا ، لأنهم متأكدين تماما أن شعب كردستان شعب واحد جزأته الظروف والمعاهدات والأحلاف الدولية ، وهذا التوحد يتشابه مع سعي جميع الشعوب والقوميات في الأرض أن تتوحد وتلم شظاياها المتناثرة ، ويمكن أن يكون العراق عبرة وصورة لما حدث في التأريخ الحديث عن مسألة حقوق الأكراد . فقد سبقتهم الحكومات العربية الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق ، فوصفت الأكراد بالعملاء والانفصاليين والجيب العميل والخونة والإرهابيين وسلسلة طويلة من الألفاظ التي يطلقها الحكام والتي لاتمت للحقيقة والمنطق بصلة ، فقد كان شعب كردستان في العراق يقاتل من أجل حقه المشروع وحقوقه المستلبة ، وكان يقدم التضحيات والخسائر الكبيرة في سبيل تلك الأهداف السامية ، ولم يتوقف بالرغم من كل تلك المعارك التي خاضها ضد اكبر ترسانة عسكرية في المنطقة ، متحملا كل أساليب العقل الشوفيني وكوارث الأسلحة الكيمياوية والبايلوجية ، بالإضافة الى عمليات تخريب القرى وحرق المزارع وإتلاف الغابات والطبيعة وعيون المياه ، وعلينا اليوم أن نسأل عما صار اليه حال تلك الحكومات ؟ وأين انتهى هؤلاء الحكام ؟ وهل لم يزل هناك شعب كردستان ؟ وإذ يعيد التأريخ نفسه مع الدولة التركية ، وإذ تعود عقارب الزمن حيث يعتقد الساسة الأتراك أن سياسة رد الفعل ستنتج أثرا يحمي المستقبل التركي ، وهي بهذه السياسة الهوجاء لن تستطيع تحقيق الحاجز العازل بين الكرد ، كما لن تستطيع أن تلجم الأفواه المطالبة بالحقوق ، لأن المسألة لاتتعلق بحزب العمال أو قيادته السياسية ولا بشخص عبد الله أوجلان المحتجز في جزيرة أومرلي ، حيث أن الأمر يتعلق بقضية شعب ينبغي أن يتم النظر لها بمنظار عاقل وحكيم . ومهما كان توصيف السيد عبد الله اوردغان الذي نتوسم فيه أن لاينزلق الى مهاوي الشوفينية المقيتة للأحزاب المعارضة من الكرد ، فانه لن يستطيع مطلقا أن يلغي هذه المطالبة من قاموس الشعوب ، وسيخسر التاريخ الأنساني حين يكسب إطراء الساسة والعسكر ، فلا الهجوم المسلح ينهي المشكلة ، ولا أختراق حدود الجار الجنوبي يضع لها حدا ، وإذا لم تتمكن الدولة العراقية في ظل ظروف الاحتلال أن تحمي حدودها ، فأن الاستهجان الدولي المقترن بسخط الشعوب والمنظمات الإنسانية سيكون من حصة تركيا وساستها . ويعرف السيد اوردغان ومعه كل الساسة الأتراك عدم صحة المزاعم التي تقول أن عناصر حزب العمال يتخذون من أراضي إقليم كردستان العراق نقاط تجمع وقواعد لشن الهجمات ، لأن الجبال المنتشرة في المنطقة لايمكن ضبطها أو تحديد من يتجاوزها ، كما أن الأقليم صرح وبشكل علني عدم دقة تلك المعلومات ، مما يسقط تلك الحجج والذرائع . أن حالة الاستنفار وتجييش العسكر لن يدوم الى الأبد ، ولن تستطيع تركيا أن تؤجل سعيها لمستقبل تركي يليق بموقعها واقتصادها في سبيل قمع تلك الأصوات المطالبة بالحقوق ، ولن تكون تركية قوية الا بتوفير تلك الحقوق لأبناء شعبها ، ومن لايقر بحقوق القوميات والأقليات يكون ضعيفا وغير صادق مع نفسه ، ومن يريد تغليب قومية على أخرى بسعي شوفيني تحت شعارات الوطن ووحدة الأمة سيكتب له الفشل ، وسينتج أضرارا كبيرة على المستقبل التركي . وعلى الساسة الأتراك أن لايستخفون بالمجتمع الدولي والانتقادات التي يوجهها هذا المجتمع ، ويتم بناء العلاقات السياسية مع تركيا على أساسها . وعلى أوردغان أن يحصل على تفويض من شعبه في حل إشكاليات العلاقة بين السلطة وبين تلك القوميات ، قبل أن يستحصل على تفويض من البرلمان التركي باجتياح الحدود العراقية من إقليم كردستان العراق ، وأن لاتخسر تركيا العراق وعلاقات تركيا بأقليم كردستان ، لأن أعمال العقل والتطبيق الحكيم في قضية حقوق الأقليات والقوميات ما يتناقض مع تلك الأساليب ، كما عليها أن تسعى الى تهدئة الحال وإيجاد سبل وطرق أكثر عقلانية وإنسانية من قضية الاجتياح ، وأن لاتعتمد على الاتفاقيات الثنائية بينها وبين الحكومات في سبيل القضاء على تلك الحقوق ، وأمامها ستجد أن اتفاقيتها مع الدكتاتور العراقي المشنوق صدام في حقها باجتياح الحدود العراقية لملاحقة الأكراد لم تقضي على الحق ولا المطالبة به . وبعيدا عن الانفعال والمواقف المتشنجة سيجد السيد أوردغان أن مستقبل الإنسان في تركيا يتشكل من خلال المحافظة على الدماء وحقنها ، ويكون من خلال احترام آدمية الإنسان بصرف النظر عن قوميته ، و من خلال الأقرار بحقوق القوميات ، وأن منطق العنف ورد الفعل والقسوة واستغلال الظروف لن يحل المشكلة التركية المزمنة مالم تلوح أشارات العقل في المواقف من أجل مستقبل الإنسان في تركيا .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمعة كنجي المسافر الذي رحل دون كلمات
-
الفيدرالية العراقية من وجهة نظر أمريكية
-
إقتحام المدى
-
الفيدرالية الطائفية
-
كنت ولم تزل أبنا بارا للعراق يامصطفى المدامغة
-
هل يمكن للبعث أن يغير أسلوبه وسياسته في العراق ؟
-
الدم العراقي المستباح
-
القتل منهجا
-
مساهمة الأمم المتحدة في التصدي للإرهاب
-
لايليق بكم السواد !!
-
هل يستفيد الأتراك من تجربة إقليم كوردستان ؟
-
الذيول الملطخة ضمائرها
-
سر قوة الأيزيدية !!
-
هل حقا أن العراق بلد نفطي ؟
-
علي السوداني إرهابيا !!
-
تسلل القاعدة وطريق العبور الى العراق
-
ولم يزل الفاعل مجهولا !!
-
موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم
-
العدالة الأنتقالية
-
هل ينتقص الدين من الوطنية ؟
المزيد.....
-
-حزب الله- يصدر بيانا بشأن القيادي محمد سرور الذي أعلنت إسرا
...
-
محمد بن زايد يلتقي ترامب.. ويبحثان -العلاقات الاستراتيجية- ب
...
-
القضاء التونسي يحكم بحبس 6 أشخاص في واقعة العلم التركي
-
لافروف يؤكد موقف موسكو المبدئي الداعم للتسوية الشاملة للأزمة
...
-
حزب الله وإسرائيل.. مبادرة لمنع حرب كبرى
-
حكم بالسجن يبرز تراجع حرية الإعلام في هونغ كونغ.. 21 شهرا لر
...
-
-شعب الجبارين-.. المنصات تحتفي بفلسطيني قاوم الاحتلال -بالشب
...
-
إسرائيل وحزب الله.. الميدان يشتعل وواشنطن تتحرك نحو هدنة مؤق
...
-
ما الذي كشفت عنه المناظرة الرئاسية بين هاريس وترامب وما تأثي
...
-
بعد أشهر من طرحها بالأسواق.. كوكاكولا تسحب نكهة -سبايسد-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|