مقالات من
جــريـدة الديمقراطي النصــف شهـريــــة التي يصـــدرها الـحـزب الـديـمـقــراطــــي الـتقــدمــي الكــــردي فـــي ســــوريــا ( العـــــدد 450 أواخر تشرين أول ( 2003
الإحصاء الاستثنائي
والوعـــــود النظـريــــــــة
عقدت الأحزاب الكردية في سوريا بمجموعها اجتماعاً في أواخر شهر أيلول المنصرم، تباحثت فيه موضوع الذكرى الواحدة والأربعين للإحصاء الاستثنائي الذي اجري في عام 1962 في محافظة الحسكة حصراً والذي افرز نتائج مدمرة راح ضحيتها عشرات الآلاف من العوائل الكردية التي حرم أبنائها من كافة حقوق المواطنة نتيجة تجريدهم من جنسيتهم السورية التي اكتسبوها منذ نشوء الدولة السوريةولأجيال متتالية وهم لا يزالون يحتفظون بالوثائق التي تثبت هذا الحق ..
ولا يخفى ان دائرة ضحايا هذا الإحصاء تتسع يوماً بعد يوم بسبب التزايد السكاني الطبيعي حتى بات يشكل كارثة بشرية يندى لها حبين العالم وهو يدخل القرن الواحد والعشرين..
وخلال اجتماعها هذا اتفقت الأحزاب المجتمعة على جملة من القرارات المشتركة بخصوص مرور هذه الذكرى الأليمة والعديد من النشاطات ، من بينها إصدار بيان بهذه المناسبة تناشد فيه الشعب السوري بمختلف قواه الوطنية و الديمقراطية ، وتناشد أيضا لجان حقوق الإنسان في كل مكان ، للتضامن مع معاناة الشعب الكردي في سوريا والدعوة إلى إلغاء المشاريع العنصرية المطبقة بحقه وخاصة الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي .. وتعويض ضحاياها مادياً ومعنوياً ، وتمكين الشعب الكردي من نيل حقوقه القومية في إطار الوحدة الوطنية ، وقد صدر هذا البيان بتاريخ ( 1/ 10/ 2003 ) .
كما تم تشكيل وفد ثلاثي يمثل مجموع الأحزاب الكردية في سوريا ، كلف بنقل رسالة باسم هذه الأحزاب الى امين فرع حزب البعث بالحسكة ، لترتيب وتامين لقاء بين وفد من قيادة الحركة الكردية في سوريا و القيادة السياسية في البلاد كشرط أساسي لتلافي التجمع الاحتجاجي المزمع عقده في تاريخ ( 5/ 10/ 2003 ) امام مجلس الوزراء بدمشق ، والذي يعكس بشكل سلمي حالة التململ في الأوساط الكردية وحركتها السياسية مؤكدة في هذه الرسالة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار دقة وحساسية الظروف المحيطة حالياً بالبلاد والمنطقة ..، وقد أثمرت الرسالة التي سلمت لامين فرع حزب البعث عن تلبية ذلك الشرط بتامين اللقاء بين الوفد الكردي ووفد يمثل القيادة السياسية الذي تكون من ( امين فرع حزب البعث بالحسكة ، ومحافظ الحسكة ، وقائد شرطة المحافظة ، ورئيس فرع الامن السياسي بالمحافظة ) . وبعد اللقاء خرج الوفد الكردي بانطباع ايجابي لإيمان أعضائه بان اللقاء تضمن العديد من النقاط الايجابية الهامة التي تنبئ بحوار يمكن له الاستمرارية والتواصل في المستقبل ، ومن ابرز تلك النقاط هو التأكيد للوفد الكردي على حسن النوايا واعتبار الاحزاب الكردية كاحزاب صديقة وليست معادية وان الإحصاء يعتبر خطأ لا بد من تجاوزه وان موضوعه قيد الدراسة الجدية وينتظر الحل القريب ، كما ان الصعوبات التي تعترض معاملات المكتومين واجراءاتهم باتت محسومة نهائياً ، وان الموافقات الامنية للمعلمين الأكراد للتقديم الى مسابقات التثبيت تم التخلي عنها ، فضلاً عن التأكيد على إمكانية تامين لقاء في المستقبل مع مركز القرار .. الخ
هذه الانطباعات تم نقلها من قبل أعضاء الوفد الكردي إلى الاجتماع المقرر عقده بدمشق في ( 3/10/2003 ) لمجموع الأحزاب الكردية في سوريا و التي من المقرر لها ان تثبت بشكل نهائي وبناءً على هذه الانطباعات في القرار المبدئي الذي كانت قد اتخذته سابقاً في الاجتماع الاول حول الاعداد للقيام بالاعتصام في (5/10/2003 ) امام مجلس الوزراء و المرهون بمدى التجاوب مع مضمون الرسالة ومع نتائج اللقاء مع المسؤولين ، وعلى اثر عرض نتائج اللقاء وتقييمها ، تبلورت آراء المجتمعين حول رأين مختلفين ، رأي وجد بضرورة الالتزام بنص الرسالة والوفاء بمضمونها والمبادرة الى التجاوب مع الانطباعات الايجابية التي نقلها اعضاء الوفد ومنح الطرف المقابل الفرصة الكافية للتعبير عن جديته ومدى وفائه بوعوده التي قطعها على نفسه وذلك بتلافي التجمع الاحتجاجي المزمع عقده في (5/10/2003) بدمشق وتأجيله انطلاقاً من ان الهدف المنشود من التجمع قد تحقق الى حد مقبول باللقاء مع الوفد الذي مثل القيادة السياسية ، وقد صوتت اغلبية الاحزاب في ذلك الاجتماع لصالح هذا الراي ومن بينها اربعة احزاب من التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا وهي الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، الحزب اليساري الكردي في سوريا ، الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ـ البارتي ، الحزب الديمقراطي الكردي السوري، التي اصدرت معاً تصريحاً بينت فيه للرأي العام اسباب هذا التاجيل واهدافه .بينما الرأي الآخر تبناه عدد من الاحزاب الكردية التي اصرت من جانبها على تجاهل نتائج ذاك اللقاء والمستجدات التي افرزها وقررت تنفيذ الاعتصام الآنف الذكر .
وبغض النظر عن تنوع النشاطات التي أقيمت بهذه المناسبة وتباين الآراء حولها ، فان الالتزام بمعاناة هؤلاء الضحايا المجردين من الجنسية وليس التلاعب السياسي بها ، يجب ان تشكل القاسم المشترك لنشاطات الاحزاب الكردية التي من واجبها في هكذا ظروف ان تواصل الجهود لتوسيع دائرة التحاور ووضع جدية الوعود التي قطعها المسؤولون على انفسهم على المحك في الواقع العملي والدفع باتجاه كي تاخذ طريقها الصحيح الى التنفيذ و التطبيق ...
التغيير
لا بد أن يكون مواكباً للمرحلة
استقبل المواطنون بفتور نبأ الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة في البلاد بعد أن تبين لديهم طابعها الإجرائي المحض وبأن التغيير لم يطل الأمور التي يمكن أن تنعكس على حياة المواطنين على الصعد المختلفة أو أنها يمكن أن تعني لهم شيئاً، وساد الأوساط الجماهيرية والسياسية نوع من الإحباط ...
فالتغيير بات ضرورة وطنية ملحة في الظروف الإقليمية والدولية التي تمر بها بلادنا، وسيكون من الصعب مواجهة التحديات واجتيازها بأمان ما لم يتم إعادة النظر في الوضع الداخلي والقيام بما من شأنه تمتين الصف الوطني الأمر الذي يتطلب جملةً من الإجراءات والخطوات العملية لتلافي الأمور التي لا يمكن لاستمرارها أن توفر أفضل الظروف والأحوال لمواجهة هذه التحديات والمخاطر الناجمة عنها... وبناءً على ذلك فالتغيير ينبغي أن يكون في المنهج والتوجه لا أن يقتصر على استبدال مسؤول بآخر أو تشكيلة وزارية بأخرى، فالإصلاح له أدواته التي تتمثل في إشراك الجماهير إشراكا حقيقياً في صنع القرار ورسم السياسات واختيار ممثليها بحيث يشعر المواطن بأن مصلحته الحقيقية والمباشرة تكمن في الدفاع عن الوطن وعن مصالحه وبالتالي فالتغيير نحو الأفضل يبدأ من إطلاق الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية وإلغاء قانون الطوارئ الذي لم يعد قابلاً للهضم من قبل أي مواطن... فعلى المواطنين الأحرار يمكن الاعتماد في بناء الأوطان والدفاع عنها، المواطنين الذين يشعرون بأن لهم كياناً وشخصيةً ، وليس على الرعايا الذين يشعرون بأن لا حول لهم ولا قوة، وبأنهم مسلوبي الإرادة، فنحن نمر الآن بعصر المواطنة واستحقاقاتها...والتغيير لا بد أن يشمل إفساح المجال أمام التعددية في الرأي والتعددية السياسية فقد ولى زمن التفكير نيابةً عن الآخرين والتعددية باتت سمةً صحية وإيجابية وحضارية للمجتمعات، والمجتمع الناجح يقاس بمدى تعدديته وقدرته على الانسجام أيضاً... والتغيير بهذا المعنى لا يمكن أن يكون مع الاستمرار في احتجاز المثقفين من أصحاب الرأي في غياهب السجون لأنهم عبروا عن آرائهم وبما لا يسيء إلى الوطن في شيء.
التغيير المطلوب والحقيقي أيضاً والمتماشي مع الإصلاح لا بد وأن يجد الحلول المناسبة للقضايا الداخلية التي لم تعد تحتمل التأجيل، كتحسين أوضاع المواطنين المعيشية ومكافحة الفساد بكل أشكاله ومحاسبة المسيئين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفقاً للكفاءات العلمية ومبدأ النزاهة وليس وفقاً للولاءات الحزبية أو غيرها، وكذلك إيجاد قضاء مستقل يضمن حماية الموطن وحقوقه و إلغاء كل أشكال التمييز بين مواطن وآخر بحجج وذرائع غير مقبولة.
والتغيير لا بد وأن يشمل النظرة الخاطئة إلى وضع أبناء الشعب الكردي في سوريا، فالمسألة الكردية – شأنها شأن أية قضية داخلية أخرى – تحتاج إلى حلٍ عادلٍ وعاجل، كونها تخص حياة وواقع جزء لا يستهان به من الشعب السوري وذلك من خلال الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي على أنه القومية الثانية في البلاد ، ومنح الأكراد حقوقهم القومية المشروعة من ثقافية واجتماعية وسياسية بما يتماشى مع الوحدة الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان وإعادة الجنسية إلى المواطنين الكرد المجردين منها بموجب إجراءٍ ظالم تم على إثر الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 في محافظة الحسكة، فهذه المسألة باتت تلحق ضرراً بالغاً بسمعة بلادنا، وعدم إيجاد حل لها يشكل ثغرةً في جدار الوحدة الوطنية ويؤيد ويطالب بحلها كل من تهمه مصلحة الوطن وكل من يؤمن بالديمقراطية والتنوع و حقوق الإنسان .
وأخيراً نقول بأن أي تأخير في معالجة الأوضاع الداخلية وفي إيجاد الحلول لها يضر بوطننا وشعبنا السوري كما أننا نرى من الضرورة بمكان فتح حوار وطني يشمل مختلف الفعاليات السياسية العاملة على الساحة الوطنية لإيجاد مخرج مشترك يخدم وطننا وشعبنا ويجنبنا مخاطر التحديات الكبيرة، فالوطن مركب يحملنا جميعنا
حزبنا والتواصل مع الساحة الوطنية
لقد شكلت مسالة التواصل مع الساحة الوطنية احدى المنطلقات الاساسية التي تبنتها الحركة الكردية في سوريا في نضالها السلمي الديمقراطي من اجل فضح السياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية الجارية بحق الشعب الكردي في سوريا، ومحاولة طرح الصورة الحقيقة للقضية الكردية على الوسط العربي وتصحيح تلك الصورة المشوهة التي تعمدت الجهات الشوفينية في نقلها الى هذا الوسط بهدف تحريضه ضد الشعب الكردي وقد انطلت هذه السياسة مع الأسف الشديد على قطاعات واسعة من الوسط العربي واستقرت تلك الصورة في اذهانها حتى وقت قريب ..
وقد سعى حزبنا منذ تأسيسه باتجاه فتح القنوات التي من شانها ان تحقق مثل هذا التواصل المنشود والتفاعل مع القوى والفعاليات الوطنية ، وطرح في سبيل ذلك خطابا سياسيا متوازنا ، ياخذ بعين الاعتبار اولويات الساحة الوطنية ويتضمن في الوقت نفسه معاناة الشعب الكردي وطموحاته القومية والانسانية ، ولا يخفى ان هذا التوجه الواقعي سرعان اصطدم بالسياسات الشوفينية وبالنزعات العنصرية في الوسط العربي التي تحرم التواصل مع الحركة الكردية وتعتبر مثل هذا العمل الوطني محظورا للاستفراد بالقضية الكرديةوخنقها في دائرة التخوين..كما اصطدم هذا التوجه ايضا بموجة من الشعارات المتطرفة الغير واقعية في الوسط الكردي ، التي لم تاخذ خصائص الحركة في سوريا بعين الاعتبار والتي تم استيرادها من خارج ساحتها الحقيقية الامر الذي ساهم من جهته في دفع هذه القضية نحو زاوية الشك والاتهام لدى الوسط العربي..
لهذا فان تلك المحاولات التضليلية نجحت الى حد كبير في فرض عزلة قسرية على الحركة الكردية في سوريا عن الوسط العربي افقدتها ظهيرا قويا لها في نضالها الديمقراطي السلمي من اجل رفع الاضطهاد عن كاهل الشعب الكردي وتامين حقوقه في اطار الوحدة الوطنية فاذا كان الشارع الكردي قد اكتشف اليوم ومن خلال تجربته المريرة زيف تلك الشعارات البراقة المضللة التي تحاول التلاعب بعواطف الجماهير الكردية وتخدعها ، وصار يدرك بحسه الصادق جدوى النضال الموضوعي وشعاراته الواقعية التي لا تطرح القضية القومية للشعب الكردي في سوريا بمعزل عن القضايا الوطنية بل بالتوازي معها وفي اطارها، ويدرك اهمية التواصل مع الوسط العربي وكسب ثقته .. فانه في الوقت نفسه ما زالت النزعة العنصرية تحتل مساحات واسع من ذهن المجتمع العربي وخاصة الرسمي منه ، هذه النزعة التي مازالت تتنكر لجزء هام من نسيج المجتمع السوري وتعتبره دخيلا وغير مرغوب فيه ويشكل خطرا على امن الدولة ولابد من تطويقه بالمزيد من السياسات والمشاريع العنصرية..
وانصافا للحقيقة لابد من القول بان دائرة لا باس بها من المتضامنين مع المعاناة الكردية من الوسط العربي وخاصة الثقافي منه بدات تتحرر شيئا فشيئا في تلك النزعة العنصرية البالية لتتجاوب مع محاولات التواصل من الجانب الكردي والاستماع الى الخطاب الكردي الواقعي والتضامن معه ، وقد تجلت هذه الصورة وان كانت متاخرة، من خلال التجاوب الواسع مع المبادرات التي طرحها حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا من لقاءات وندوات وطاولات مستديرة في دمشق والقامشلي ..، التي تهدف الى الانطلاق بحوار وطني يشترك فيه مختلف مختلف القوى والفعاليات الديمقراطية التي تهمها المصلحة الوطنية ، الا ان ما يؤلمنا في هذا المجال هو العراقيل التي تصطنعها بعض الجهات لعرقلة هذه المبادرات الوطنية ولمنعها من تحقيق اهدافها التي تصب في مصلحة بلادنا ووحدتها الوطنية..!!