|
حتى فى إندونيسيا: الأصوليون يستغلون الديموقراطية .. لذبحها!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 12:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أشرت فى مقال سابق إلى حوار دار مع وزيرة التجارة الإندونيسية، ماريا إلكا بانجستو، شاركت فيه مع الزميل أسامة غيث نائب رئيس "الأهرام"، أثناء متابعتنا للاجتماع السنوى الرابع عشر لاتحاد غرف الصناعة والتجارة والخدمات لمجموعة الخمسة عشر الذى عقد فى العاصمة الإندونيسية جاكرتا فى الأسبوع الأول من هذا الشهر. وفى هذا الحوار سألت الوزيرة مباشرة عن حجم تأثير "الأصوليين الإسلاميين" فى المجتمع الإندونيسى فقالت: إن نسبة هؤلاء قليلة جداً، وأن الغالبية العظمى من المسلمين الإندونيسيين تعشق التعددية، ولا تحب سيطرة وهيمنة الرأى الواحد، ولذلك فإن أغلب الاندونيسيين رغم إيمانهم وتوقيرهم للإسلام لا يوافقون على فرض الشريعة الإسلامية عليهم وعلى بلادهم. لكن الدكتوره "ماريا" استطردت قائلة أن هذا لا يمنع وجود أقلية من الأقاليم التى يوجد بها نفوذ متعاظم لمثل هذه الاتجاهات وتلك الدعوات. وعلى سبيل المثال فإن مقاطعة "ايتشه" قد وافقت أغلبية سكانها على الاحتكام للشريعة الإسلامية. لكن يبدو أن تقييم الوزيرة متفائل بعض الشئ إذا ما قارناه برؤية عدد لا يستهان به من المفكرين والكتاب الإندونيسيين، ومنهم على سبيل المثال أحمد جنيدى الكاتب الصحفى بجريدة "جاكرتا بوست" الذى يضع من نسميهم "الأصوليين" فى سلة أكبر هى سلة "المحافظين". وينبهنا إلى أن هناك مؤشرات بأن "الفكر المحافظ" بدأ فى "التجذر" فى التربة الاندونيسية مستغلا ازدهار المناخ الديموقراطى فى البلاد حاليا. ويضيف قائلاً أن "الفكر المحافظ هو الذى حرض صناع السياسة ومتخذى القرار فى إقليم تانجيرانج وغيره من الأقاليم عبر البلاد على سن قوانين قائمة على أحكام الشريعة الإسلامية، ومن بينها قوانين تمنع مساهمة المرأة فى التنمية الاقتصادية . وعلى سبيل المثال فأن القانون المحلى بأقليم تانجيرانج يحظر على المرأة من الخروج فى الشارع ليلا، حتى لو كانت عائدة لبيتها من العمل". وبناء على مؤشرات كهذه يصل الكاتب الصحفى الإندونيسى إلى استنتاج خلاصته أنه "ربما لن يكون من قبيل المبالغة القول بأن المحافظين يحاولون قتل الديموقراطية بطريقة ديموقراطية". وإلى جانب هذا الاستنتاج يجب أن نضع مؤشراً لا يقل خطورة هو التجمع الذى دعا إليه "حزب التحرير الاندونيسى" الشهر الماضى، وعقده فى استاد جاكرتا وحضره أكثر من 200 ألف شخص أجمعوا على شعار واحد هو إقامة الخلافه الاسلامية فى إندونيسيا. ولهذا يعود أحمد جنيدى إلى التأكيد على أن "زحف الفكر المحافظ يشكل تهديداً حقيقياً للمجتمع التعددى الاندونيسى. فالمحافظون يقومون بتحدى الطبيعة التعددية لخلق الله. ويبدو أن الجيل الجديد من المحافظين يغض النظر عن تاريخ تكوين أمة ودولة تسمى إندونسييا ... والأصوليون ينظرون إلى التعددية باعتبارها أيديولوجية تستهدف تدمير إيمانهم". لكن لحسن الحظ أن أكبر منظمة إسلامية إندونيسية، هى جمعية "نهضة العلماء" تعارض ذلك المنهج وتتمسك باحترام التعددية، كما تحافظ على احترام القيم القديمة مع العمل على تطعيمها بقيم جديدة جيدة لكى تبقيها حية. والقيم القديمة قد يكون منها عادات وتقاليد متأثرة بالهندوسية، بينما القيم الجديدة يمكن أن تكون مكتسبة من الثقافة الغربية التى تشمل العلوم. والجدل الدائر الآن فى اندونيسيا يتركز على أمور أساسية من بينها ما إذا كان من الأفضل إعطاء فضاءات سياسية وعامة "للمحافظين" للبرهنة على انهم يستطيعون أن يعيشوا بانسجام مع مجتمع تعددى. والملفت للنظر أن الأحزاب السياسية الإندونيسية "المتعددة" بدأت منذ فترة إثارة الجدل حول مسائل حساسة متعلقة بالشريعة الإسلامية وخاصة فيما يتعلق بالموقف من المرأة، وما يتصل بها من أمور شائكة مثل تعدد الزوجات. والآمة الإندونيسية منقسمة فعليا حول تعدد الزوجات، فهناك من يعتبره شأنا خاصا، وهناك من يعتبرونه شأنا عاما يجب أن تتدخل الدولة فيه. وقد ظهر أخيراً على أرفف المكتبات الإندونيسية كتاب بعنوان "إجعل نفسك سعيداً مع زوجة واحدة". وأهمية هذا الكتاب هو أن مؤلفه، كاهيادى تاكارياوان، عضو مرموق فى المكتب الاستشارى لحزب العدالة والرفاهية pks، وهو حزب إسلامى صاعد ومؤثر. ورغم ما يقال عن أن الكتاب قد أغضب بعض قيادات الحزب المتزوجين بأكثر من واحدة فإنه يعنى – فى رأى المحللين – أن رياح التغيير بدأت تهب على هذا الحزب الاسلامى المهم. والدليل على ذلك – فى رأيهم – أن الرئيس السابق للحزب ذاته والرئيس الحالى لمجلس الشعب الاستشارى، هدايت نور واحد، قد قال مؤخراً أن الشريعة الإسلامية لا يجب فرضها فى صورة قوانين، وإنما يجب أن يتم النظر إليها كقواعد سلوك أخلاقية. وشاطره الراى فى ذلك زعيم الحزب، تيفاتول سيمبيرينج، قائلاً أن أنصار الحزب مستعدون للعيش فى سلام فى مجتمع مدنى تعددى. وجاءت تصريحات قادة حزب العدالة والرفاهية الاسلامى فى أعقاب ملاحظات صريحة للرئيس الاندونيسى سوسيلو بامبانج يودهويونو، فى خطاب "حال الاتحاد" الذى ألقاه فى 16 أغسطس الماضى وأكد فيه على أن مبادئ ايديولوجية "البانشاسيلا" ومبادئ وحدة الاراضى الاندونيسية خطوط حمراء لا يمكن المساس بها. علماً بأن "البانشاسيلا" هى المبادئ الأساسية الخمسة التى أقام نظام الزعيم التاريخى سوكانورو دعائم الدولة المستقلة عليها، وهى باختصار مبادئ "علمانية" تستبعد خلط الدين بالسياسة. وإزاء هذه الصورة يرى البعض أنه حيث ان حزب العدالة والرفاهية الاسلامى قد بدأ قبول التعددية فى البلاد، فان الحكومة والعناصر الأخرى للمجتمع المدنى، بما فيها الأحزاب السياسية، يجب أن تتخذ خطوات أبعد من الخطوة التى قطعها الحزب "الإسلامى"، من أجل أن تكون التعددية "نعمة" لا "نقمة" على البلاد. *** وبعد ... هذه ملاحظات سريعة من إندونيسيا أكبر "دولة إسلامية" فى العالم .. فهل نستفيد منها فى مصر .. علما بانه لا يوجد فى إندونيسيا شئ إسمه "دين رسمى" للدولة مع أن 88% من سكانها مسلمون أى نحو 200 مليون نسمة، وأنه يوجد بها ديانات أخرى مثل المسيحية والبوذية والهندوسية، ووزارة أديان لرعاية حرية العبادة لكافة الأديان وليس للمسلمين فقط. وعلماً أيضاً بأن وزير الشئون الدينية السابق موجود حالياً فى السجن بعد أن أدانه القضاء بارتكاب مخالفات مالية جسيمة أثناء توليه لهذا المنصب. مرة أخرى .. هل تعنى التجربة الإندونيسية شيئاً لنا؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب الاستنزاف
-
-سر- ماهر أباظة
-
الصحافة .. فى مرمى النيران المعادية والصديقة!
-
هؤلاء الصغار الذين يشعلون الحرائق أليس لهم كبير؟!
-
الحكومة ترفض البيع.. للمصريين!
-
حبس الصحفيين.. تاني!!
-
رسالة تنبيه من إندونيسيا للنائمين في العسل:الدور المصري ينحس
...
-
مجموعة الخمس عشرة.. هل تذكرونها؟!
-
هل مازالت مصر أم الدنيا؟!
-
الصحفيون ليسوا شتامين.. والصحافة ليست وشاية
-
التلاسن لا يحل مشاكل الوطن
-
ضحايا حماية المستهلك !!
-
ثمن براءة عبد الرحمن حافظ .. وأمثاله
-
زياد ابن أحمد بهاء الدين
-
مع الاعتذار لتوفيق الحكيم .. بنك -القلق-!
-
نقابتنا
-
شئ لا يصدقه عقل: مصريون يخدمون الجيش الإسرائيلى!
-
ورطة النقابة.. وأزمة الصحفيين العالقين أمام معبر عبد الخالق
...
-
إنقذوا بحرنا!
-
صفحة من دفتر أحوال الوطن .. بدون تعليق
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|