تقدم معنا أن النحو الساكن هو محاولة للكتابة العربية بأسلوب بسيط وأنيق يخلو من الإعراب إلا في ما يخشى الخلط واللبس فيه . كما أنه أسلوب في الكتابة يغتني بالقاموس المنطوق ذي الأصول اللهجوية العريقة والتي لا بديل لها غالبا ويطلع به إلى مصاف التعبير الجميل والسليم .
إن الكاتب بموجب النحو الساكن غير مرغم على التزام بقواعد النحو والإعراب المعقدة بل يأخذ منها ما يحتاج إليه لكي لا يلتبس المعنى . وفي مثال على حالة اللبس أوردناه في درس سابق ، قلنا :
ساعد خالد سمير .
ولتلافي اللبس يمكن للكاتب أن يرفع الفاعل وينصب المفعول به كما هي الحال في النحو المعرب فنقول :
ساعدَ خالدُ سميرا َ
أو أن يقدم الفاعل على الفعل فتتحول الجملة من فعلية على اسمية ونبقى على النحو الساكن فنقول :
خالد ساعد سمير .
أما في حالات الجمع والمثنى فيمكن للكاتب أن يلتزم بحالة النصب فقط إلا فيما يخشى وقوع اللبس فيه .
ويمكنه أن يبقي الأفعال المعتلة المجزومة أو المنهي عنها بأداة نهي كما هي دون حذف أو تغيير فلا يتغير المعنى فيقول مثلا :
لم يرمي اللاعب الكرة .
أو نحو :
لا تحمي الغزاة أو عملائهم من غضبة ذوي الشهداء .
وهو حر في استعمال همزة القطع أو اعتماد همزة الوصل لجميع الحالات التي لا يكون لإيقاع اللغة أهمية أو ضرورة .
و ينبغي على الكاتب بالنحو الساكن أن لا يهمل البعد البلاغي لنصوصه ذات الطابع الأدبي ، فالبعد البلاغي ليس من القواعد والنحو بل هو من الذوق والجماليات .
وهو حر في النسبة إلى المفرد والجمع وفي الاشتقاق والأخذ من أساليب الكلام العامية .كما في قولنا : هذا الرجل يعمل ساعتي أو ساعاتي / وهذا قانون دَولي أو دُولي ..
أما إذا وجد في نفسه القدرة والميل إلى الكتابة بالنحو المعرب فليكن نحوا بسيطا أنيقا خاليا من التعقيد والحذلقة والغرق في خلافات البصريين والكوفيين بل ليجعل من ذائقته دليله ومن ذاكرته رصيده .
ولهذا الصنف من الكتاب نقدم اعتبارا من الدرس القادم / الحادي والعشرين مجموعة من الدروس في النحو العربي الأنيق البسيط ، والتي سنحاول أن نجعل منها خيارا ثالثا بين التطرف النحوي الإكليروسي المحافظ والنازع إلى نوع من العنصرية اللغوية المتكلسة ، وبين التطرف الانعزالي المضاد والناضح بروح العداء للعروبة لغة وبشرا وثقافة والداعي إلى استبدال اللغة العربية بإحدى لهجاتها العامية المعزولة كما يهرف بذلك دعاة السَرْيَنة والفرعنة والفينقة المصابين بعقدة الخواجة !
في الدرس القادم إذن سيكون موضوعنا المعرب والمبني في اللغة العربية كمقدمة لدراسة النحو المعرب المبسط .