|
كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2070 - 2007 / 10 / 16 - 11:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كل "فكرة" إنَّما هي "جواب" عن "سؤال"؛ وليس من "سؤال" يَظْهَر في ذهن الإنسان بمنأى عن ظرفي "الزمان" و"المكان"، ففي سعيكَ إلى فَهْم وتفسير نشوء سؤال ما ينبغي لكَ أوَّلاً أن تسأل: "متى"، و"أين"، نشأ هذا السؤال، فكل من يََضْرِب صفحا عن ظرفي "الزمان" و"المكان" لا يمكنه أبداً أن يرى الحجم الحقيقي لـ "الحقيقة الموضوعية" في "السؤال، لجهة حيثيات ظهوره.
إنَّ لكل سؤال زمان ومكان ولادة.. وبَعْدَ السؤال عن زمان ومكان ولادة السؤال الذي سعينا، ونسعى، في إجابته لا بدَّ من السؤال عن الأسباب الاجتماعية ـ التاريخية لنشوئه، فالبشر، في زمان ومكان مخصوصين، وفي ظروف اجتماعية ـ تاريخية مخصوصة، يحتاجون إلى استيلاد سؤال ما، وإلى السعي، من ثمَّ، في إجابته، أي في إنتاج فكرة جديدة ما، تلبِّي ما هُمْ في حاجة إليه، أو تُوافِق ما لهم مصلحة (واقعية) فيه.
والسؤال ذاته يُعَدُّ "معرفة"؛ و"المعرفة" ليست كلها "حقائق"، وليست كلها "أوهام"، فبعضها ينتمي إلى "عالَم الحقائق الموضوعية"، وبعضها ينتمي إلى "عالَم الأوهام"؛ وإنَّ لكل عصر ما يشبهه من "الحقائق" و"الأوهام".
قد تسأل: متى تُدْخَل "الروح" في الجنين البشري"؟ هذا سؤال يُمْكِن ويجب فهمه على أنَّه جزء من "المعرفة العامَّة" للمجتمع الذي تخرَّجَ منه سائل هذا السؤال. وهذه "المعرفة" التي يعكسها هذا السؤال فيها شيء من "الحقيقة الموضوعية"، وشيء من "الأوهام"، فـ "الجنين البشري" هو "حقيقة موضوعية"؛ أمَّا "الروح"، و"إدخالها فيه"، وفي "زمن مخصوص"، فهي أفكار تنتمي إلى "عالَم الأوهام". والسؤال الذي يتألَّف في معظمه من الوهم قد يقود سائله إلى جواب من ماهيَّته، أي إلى جواب ينطوي على فكرة تنتمي إلى "عالَم الأوهام". وينتمي هذا السؤال مع أشباهه وأمثاله إلى نمط "الأسئلة الفاسدة"، التي تؤسِّس لـ "معرفة" ترجَح فيها كفَّة الأوهام على كفَّة الحقائق الموضوعية.
الدين إنَّما هو أجوبة (تنطوي على أفكار) عن أسئلة وُلِدَت في زمان مخصوص، وفي مكان مخصوص، وتولَّت استيلادها أسباب وعوامل وظروف اجتماعية ـ تاريخية مخصوصة؛ ولا بدَّ لـ "الأجوبة" من أن تشبه "الأسئلة" في كل ذلك.
وعليه، لا بدَّ من فَهْم وتفسير "النص الديني" في سياقه التاريخي، فانتزاعه من هذا السياق إنَّما يَنْتَزِع منه "معناه الحقيقي"، الذي يشبه "السائل" لجهة كَوْنِه يتَّخِذ شكل الإناء الذي يُوْضَع، أو يُسْكَب، فيه. و"الفكرة"، كل فكرة، إنَّما تَظْهَر وتتأكَّد واقعيتها وقوَّتها حيث نشأت وتطوَّرت، أي في ظرفيها الزماني والمكاني، مع ما يتَّحِد بهذين الظرفين (اتِّحاداً لا انفصام فيه) من ظروف وعوامل وأسباب اجتماعية ـ تاريخية، فـ "الفكرة" التي يُنْظَر إليها على أنَّها عابرة لكل الأزمنة والأمكنة، ولكل حدٍّ من حدود التطوُّر الاجتماعي ـ التاريخي، إنَّما هي فكرة مُسْتَنْفِدة لواقعيتها وعقلانيتها، ولا يُمْكِنها، بالتالي، أن تكون أداة لتغيير الواقع الاجتماعي ـ التاريخي للبشر، فـ "تاريخ الفكر" إنَّما يُعَلِّمنا أمْراً في منتهى الأهمية هو أنَّ الفكرة الصالحة لكل زمان ومكان إنَّما هي عينها الفكرة التي لا تَصْلُح إلاَّ لزمان مخصوص، ولمكان مخصوص.
نقول بذلك من غير أن نَضْرِب صفحا عن حقيقة أنَّ "الفكرة" هي الوحدة الدياليكتيكية بين جانبيها "العام" و"الخاص"، فـ "الخاص" منها سريع الزوال؛ أمَّا "العام" منها فيستمر؛ ولكن بما يرفع، في استمرار، منسوب "العام" فيه. ولا شكَّ في أنَّ الإفراط في "التجريد الفكري" يُنْتِجُ مزيداً من "الاغتراب الفكري"، أي يَجْعَل الفكرة في اغتراب متزايدٍ عن الواقع، ويَحُول، بالتالي، بينها وبين أن تكون أداة لتغييره.
"النص الديني" وُلِدَ ومعه "معناه الحقيقي"، أي معناه الذي في تمام واقعيته.. وعقلانيته، على أنْ نَفْهَم "العقلانية" فًهْماً نسبياً تاريخياً، فالفكرة التي تتسم بـ "العقلانية"، أي بتوافقها مع العقل والمنطق، في زمان مخصوص، وفي مكان مخصوص، تشرع "عقلانيتها" تنضب وتتلاشى مع تغيُّر الزمان والمكان.
وُلِدَ "النص الديني" في معناه الجلي الواضح الذي لا لبس فيه؛ ولكنَّ التغيُّر الحتمي لظروف ولادته ونشأته أخَذَ يوسِّع ويُعَمِّق الهوَّة بينه وبين الواقع الجديد، مُدْخِلاً فيه مزيداً من "الشيخوخة".
ومع بروز مزيدٍ من التضاد (الواقعي والعقلاني) بين "النص (القديم)" و"الواقع (الجديد)" ظَهَرَت واشتدت الحاجة إلى مدِّ جسور فَوْق الهوَّة التي تَفْصِل بين الطرفين، فكان "التأويل" هو الأداة لبناء تلك الجسور. وكانت جهود التأويل تتركَّز حيث التعارض على أشُدِّه بين نصٍّ ما وبين وقائع جديدة، أو حقائق علمية مُكْتَشَفَة، فالغاية التي كان ينشدها المؤوِّلون إنَّما هي تفسير النص القديم تفسيراً جديدا، يَجْعَلَه في توافُقٍ مع ما يُنْظَر إليه على أنَّه حقيقة جديدة لا ريب فيها، فَيُرْتَقُ الفَتْقُ بالتالي. وعليه، رأيْنا "الناسخ والمنسوخ" في "المعاني" يتسارَع نموَّاً وتأثيراً.
وإذا استعصت المهمَّة لا يتورَّع المؤوُّلون عن أن يلعبوا لعبة "التدليس (أو الغش) اللغوي"، فيُقْحِمون في كلمة من كلمات "النصِّ الديني" معنى غريباً عنها، ولم يكن لها قط من قَبْل، وكأنَّهم يتَّخِذون وجود "النقد الحقيقي" سبباً لإيجاد "النقد المُزَوَّر".
كلما ظَهَرَ وتأكَّد التعارض، أو التضاد، بين الفكرة التي ينطوي عليها نصٌّ ديني (أساسي) وبين حقيقة علمية كبرى جديدة، توفَّروا على "صناعة كلامية" جديدة، توصُّلاً إلى اصطناع مصالحة بين تلك الفكرة وهذه الحقيقة، فـ "العِلْم" يجب ألاَّ يُسْمَح له بأن يأتي بما يُظْهِر الفكرة الدينية على أنَّها في تناقُضٍ معه.
من قَبْل، كان لرجال الدين من السطوة ما يغريهم بتكذيب ما يأتي به "العِلْم" من اكتشافات وحقائق تتناقض مع النصوص الدينية، فدوران الأرض كذَّبوه ونفوه؛ لأنَّ في النصِّ الديني ما يتعارَض مع هذه الحقيقة الجديدة المُكْتَشَفَة. أمَّا الآن فما عادوا بقادرين على محاربة العِلْم بتلك الأسلحة، فاتَّخذوا من "التأويل" سلاحاً يدافعون به عن النصوص الدينية التي لا تملك في معانيها من الواقعية والعقلانية ما يُمَكِّنها من أن تدرأ عنها مخاطِر الحقائق العلمية الجديدة الكبرى.
إنَّنا نراهم يؤوِّلون نصَّاً دينياً ما بما يسمح لهم بإظهاره للعامَّة من الناس (المؤمنين) على أنَّه يشتمل في "معناه الجديد" على "إشارة" إلى الحقيقة العلمية التي كان ممكناً أن تصيب مقتلاً من هذا النص لو بقي مُحْتَفِظاً بـ "معناه الحقيقي"؛ ولكنَّنا لم نَرَهم قط يجرؤون على إعلان بطلان حقيقة علمية جديدة مُكْتَشَفَة لكونها متعارضة مع نصٍّ ديني ما.
ولم نَرَهُم قط يكتشفون، في النصِّ الديني، "إشارة" إلى حقيقة علمية قبل اكتشافها، فأوَّلاً يأتي العِلْم بحقائق جديدة؛ ثمَّ نراهم يتوفَّرون على تأويل بعض النصوص الدينية بما يسمح لهم بإظهارها على أنَّها تتضمَّن "إشارة" إلى تلك الحقائق. وليس من مبدأ يأخذون به في سعيهم هذا سوى مبدأ "الغاية تُبرِّر الوسيلة"، فـ "الغاية" هي نفي التعارض بين الدين والعِلْم؛ وكل ما يُوْصِلهم إليها يُعَدُّ حلالا ومشروعا ولو كان التزوير والغش والتدليس.. والسخرية من العقل والمنطق!
تفسير النصوص الدينية على غير ظاهرها، أي البحث عن "المعاني الخفيَّة" وراء "المعاني الظاهرة" في الكلام، والمغالاة في ذلك ، هو "التأويل"، الذي يُفْسِد ويشوِّه "المعنى الحقيقي" للنص الديني، الذي لا يحتاج إلى "التأويل"، فالتفسير خيرٌ وأبقى، ويجب أنْ يظل غاية الباحث والبحث.
ويقوم "تأويل النصوص الدينية" على ركنين أساسيين: "اختراع" معنى لغوي جديد لـ "الكلمة"، أو التطرُّف في "التفسير المجازي" للنص، فيُفَسَّر الكلام كما تُفسَّر الأحلام، فـ "البقرات السبع السمان"، و"البقرات السبع العجاف"، في "النص الديني"، تغدو، في "التأويل"، "سنوات ممطرة"، و"سنوات عجاف"، فيؤوَّل هذا النص كما تؤوَّل الأحلام.
لقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، فانتفت الحاجة، بالتالي، إلى "التأويل" و"المؤوِّلين"، فكل مَنْ قَرَأَهُ مِنَ العرب في صَدْر الإسلام كان يفهم معاني كلماته وعباراته ونصوصه فهماً جيِّداً. إنَّ الإيمان الديني لا تقوم له قائمة إلاَّ بـ "نصٍّ ديني، واضح وجلي المعنى، بالنسبة إلى المؤمِن"، فـ "النص الديني"، الذي لجهة معناها وتفسيره، يشبه قطعة من العجين، يُعاد تشكيلها (أي يُعْطى النصُّ الديني ذاته معاني وتفسيرات جديدة.. مختلفة متضاربة ومتناقضة) بما يُوافِق كل تغيير في الزمان والمكان، ليس بالنص الذي في مقدوره أن يؤسِّس لإيمان ديني دائم وراسخ.
"المؤوِّلون" قرَّروا أنْ يُفْهَم "التأويل" على أنَّه "التفسير" المتأتي من اجتياز المعنى الواضح للكلمة، أو للكلام، إلى المعنى الذي يريده، ويحتاج إليه، "المؤوِّل"، فإذا ثَبُتَ وتأكَّد، على سبيل المثال، أنَّ الأرض "كروية" قام "المؤوِّلون" بإدخال معنى لغوي جديد في كلمة "الدَّحْوُ"، هو "التكوير"، فـ "دَحْوُ" الأرض ما عاد يعني "بسطها"، وهو المعنى الحقيقي للكلمة. أصبح يعني، عَبْرَ "التأويل"، جَعْلها كـ "الكرة".
إنَّني لا أعْلَم من أين جاءوا لكلمة "دحا" بهذا المعنى اللغوي الذي لا وجود له في كل معاجم اللغة العربية، التي تُجْمع على معنيين لهذه الكلمة، هما "بَسَطَ" و"دَفَعَ". وَيُقَال لِعُشِّ النَّعَامَة أَدْحَى; لأنَّه مَبْسُوط على وَجْه الأَرْض. وجاء في "لسان العرب": "الأُدْحِيُّ" و"الإِدْحِيُّ" مَبِيض النعام في الرمل، فالنعام تدحو الرمل برجلها ثمَّ تبيض فيهِ. ومَدْحَى النعام هو موضع بيضها. وليس لـ "الدِّحْيَة"، في كل المعاجم اللغوية العربية، من معنى "البيضة".
بالتأويل يستطيع المرء، وبقليلٍ، أو كثيرٍ، من الجهد، أنْ يَجِد في أيِّ نصٍّ المعاني التي يريد ويبتغي.. يستطيع أنْ يرى ما يرغب في (أو عن) رؤيته!
غزو الإنسان للفضاء، وهبوطه على سطح القمر، حملا بعض "المؤوِّلين" على إلغاء التفسير الحقيقي لآيات قرآنية، وإعادة تفسيرها بما يسمح لهم باكتشاف إشارات قرآنية إلى "غزو البشر للفضاء"، فالخالِق، بحسب "التأويل المعاصر" للآية "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بسلطان"، قد أمر البشر بغزو الفضاء، موضحاً لهم أنَّهم لن يتمكَّنوا مِنْ ذلك إلا بامتلاكهم ما يكفي مِنْ سلطان (أو قوَّة) العِلْم!
في الآية هذه إنَّما يؤكِّد الخالِق أنَّ معشر الجن والإنس لن يتمكَّنوا أبداً من الخروج، أو الهروب، من نواحي السماوات والأرض، فخروجهم، أو هروبهم، منها يحتاج إلى "قوَّة (أو قدرة)" لن يملكوها أبداً، وكأنَّه يقول لهم إنَّكم لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره، فهو محيط بكم، وليس لكم، بالتالي من مفر. إنَّ في قوله "فانفذوا" أمر تعجيز، فمعشر الجن والإنس لا قدرة لهم على ذلك. هذا هو التفسير الحقيقي للآية.
هل مِنْ "إشارات قرآنية أُخْرى" إلى "غزو الفضاء" و"وصول الإنسان إلى القمر وهبوطه على سطحه"؟ أجل، هناك "إشارات" لم يُوَفَّق في "اكتشافها" غير "المؤوِّلين المعاصرين"
"وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ". في الآية الأولى يُقْسِم الله بـ "القمر إذا استوى وكَمُل"، أي يُقْسِم بـ "البَدْرِ". وفي الآية الثانية، يأتي جواب القَسَم، الذي فيه يقول الله "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ". و"الطَبَقُ"، لغةً، هو الحال أو المنزلة.
يرون في مجيء الآية "وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ" قَبْلَ الآية "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ" خير دليل على أنَّ عبارة "طبق عن طبق" تعني "غزو الفضاء" و"هبوط الإنسان على سطح القمر"، ففيها إشارة إلى "طبقات الغلاف الجوَّي للأرض" والتي ينبغي للإنسان اختراقها من أجل الوصول إلى القمر، أو إلى "المركبة الفضائية التي في داخلها مركبة أُخرى"، أو إلى "الصاروخ الفضائي المؤلَّف من طبقات عِدَّة"، فـ "روَّاد الفضاء ركبوا فعلاً طبقاً عن طبق".
أمَّا معنى "انتقال الناس من حالٍ إلى حال، أو من منزلةٍ إلى منزلة"، بصرف النظر عن المعنى الملموس لهذا الانتقال، فما عاد يستهوي المؤوِّلين في "عصر الفضاء".
لقد اتَّخَذوا لفظ "القمر" وعبارة "تَرْكَبُنَّ" دليلاً ما بَعْدَهُ دليل على أنَّ في الآيتين "إشارة قرآنية" إلى "غزو الفضاء" و"هبوط الإنسان على سطح القمر"، ضاربين صفحاً عن الشيئين الآخرين اللذين أقْسَمَ بهما الله قَبْلَ أنْ يقسم بـ "البَدْر"، وهي "الشفق"، و"الليل وما وسق".
ولَمْ يشرحوا لنا السبب الذي يَجْعَل ممكناً قيام علاقة بين "اتِّساق" القمر و"غزو الفضاء". وإنِّي أجهلُ السبب الذي منعهم من أنْ يكتشفوا في الآيتين "إشارة قرآنية" إلى "الباص المؤلَّف من طبقتين"، فيقولون في شرحهم إنَّ الله يُقْسِمُ بـ "الشفق" وبـ "الليل وما وسق" وبـ "القمر إذا اتَّسق" لتَرْكَبُنَّ أيُّها الناس بَعْدَ مئات السنين من نزول القرآن "الباص المؤلَّف من طبقتين".
وعبارة "وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"، في الآية "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"، غَدَت عَبْر "التأويل"، إشارة قرآنية إلى ظاهرة "التمدُّد (أو التوسُّع) الكوني"؛ والمعنى الحقيقي لعبارة "وإنَّا لمُوسِعُون"، والذي لا شكَّ فيه، هو إنَّا "لقادرون" على خلقها، أي على خلق السماء، وعلى خلق كل ما نريد، فالله لا يشق عليه خَلْق أي شيء يريد.
واكتشفوا لـ "الانفجار (الكوني) الكبير" Big Bang إشارة قرآنية إليه في الآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ". بتأويل لا يُقِرُّه عقل ولا منطق صار "الفَتْق" هو "الانفجار الكبير"، وصار "الرَتْق" هو "النقطة المتناهية في الصِغَر" Singularity التي جاء منها الكون بحسب نظرية "الانفجار الكبير".
الآية ليس لها من معنى حقيقي غير أحد المعنيين الآتيين: أنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات، ففتق الله السماء بالغيث، والأرض بالنبات. والدليل على هذا المعنى قوله "وَجَعَلْنَا من الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ"؛ والمعنى الثاني، أنَّ السماء والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء، أو الريح، فالسماء رفعها عن الأرض بغير أعمدة (تأكيداً لقدرته) أي جعلها مُقبَّبة على الأرض مثل القُبَّة.
لقد بنى الله السماء، أي رفعها بغير عمد ترونها. رفعها سقفاً بقوَّة. فما معنى ذلك؟ معناه، الذي لا يختلف فيه اثنان يحتكمان إلى المنطق، هو أنَّ السماء كانت ملتصقة بالأرض، ففصلها عن الأرض إذ رفعها عنها بغير عمد، فصار بينهما هواء أو ريح. الآية، خاطبت عقول الناس الذين أدهشتهم رؤية السماء مرفوعة عن الأرض كسقف لا أعمدة له، فقالت لهم إنَّ السماء كانت، من قَبْل، ملتصقة بالأرض، فرفعها الله بقدرته الخارقة بغير عمد ترونها. وإذ فصلها ورفعها عن الأرض صار ممكنا أنْ تمطر السماء، وأنْ تنبت الأرض، وأنْ تكون حياة، فمِنَ الماء خلق الله كل الكائنات الحية.
وفي الآية "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"، اكتشفوا إشارة قرآنية إلى "الانسحاق (الكوني) الكبير" Big Crunch.
ومع أنَّ كل معاجم اللغة العربية تُجْمِع على أنَّ "يَصْعَدون" هو معنى كلمة "يعرجون" في الآية "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ" فإنَّ المؤوِّلين لم يتورَّعوا عن اكتشاف إشارة قرآنية إلى "انحناء الفضاء" في تلك الكلمة. الآية إنَّما كانت تتحدَّث عن قوَّة كفر المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق، فلو فتحنا على هؤلاء بابا من السماء فظلَّت الملائكة تعرج (تصعد) فيه وهم يرونهم عياناً لقالوا إنَّما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. هؤلاء لو صعدوا إلى السماء وشاهدوا الملكوت والملائكة لأصرُّوا على الكفر.
لقد أوَّلوا كلمة "يعرجون" على ذاك النحو وكأنَّ "الملائكة" تتأثَّر هي أيضاً بحقول الجاذبية في الفضاء، فتضطر إلى السير في خطوط منحنية!
وفي الآيتان "فَلا أُقْسِم بِالْخُنَّسِ. الْجَوَار الْكُنَّس"، اكتشفوا إشارة قرآنية إلى "الثقب الأسود" Black Hole. ففسَّروا "الخُنَّس الجَوار الكُنَّس" على أنَّها "الثقوب السوداء" مع أنَّ المعنى الحقيقي للآيتين هو "النجوم في حال طلوعها، والنجوم وهي جَوَارٍ، من ثمَّ، في فلكها، فهذه النجوم هي الخُنَّس. أمَّا إذا غابت فهي الكُنَّس". ومن قول العرب "أوى الظَّبي إلى كناسه"، أي تغيَّب فيه. وهناك من فسَّر "الْخُنَّس الْجَوَار الْكُنَّس" على أنَّها "الظِّباء"، و"بقر الوحش". وبحسب التفسير الأوَّل، أي "تفسير النجوم"، يُقْسِم الله بـ "النجوم المضيئة، التي تختفي في النهار، وتظهر في الليل، وهذا معنى الخُنَّس, والتي تجري في أفلاكها، لتختفي وتستتر عند غروبها كما تستتر الظباء في كناسها( أي مغاراتها) وهذا معنى الجوار الكنس". وقال القرطبي: "هي النجوم تخنس بالنهار, وتظهر بالليل, وتكنس وقت غروبها، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس".
وفي الآيات "وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ"، أُوِّلَ "الطارق" على أنَّه "النجم النيوتروني"، فقد أمضى المسلمون قرونا من السنين متوهمين أنَّهم مُدْركون معنى "الطارق"، فجاء "المؤوِّلون المعاصرون" ليكتشفوا لهم في "الطارق" إشارة قرآنية لـ "النجم النيوتروني"!
وأوَّلوا "اليوم" في عبارة "الستَّة أيَّام" التي في خلالها خلق الله السماوات والأرض وما بينهما على أنَّه "فترة زمنية" قَدْرُها نحو 4500 مليون سنة (أرضية). أمَّا ما حَمَلَهم على هذا التأويل فهو، على ما قالوا، خُلو الآيات القرآنية التي يتحدَّث فيها الخالِق عن خلق الكون في ستَّة أيَّام من عبارة "مِمَّا تعدُّون"، التي لَمْ تَرِد في بعض الآيات القرآنية إلاَّ لتشبيه أيَّامٍ قرآنية أُخْرى بالزمن الأرضي، فاليوم في الآية "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ" إنَّما أوْرَده الخالِق على سبيل التشبيه، وكأنَّه أراد أن يقول إنَّ اليوم عنده يشبه ألف سنة أرضية. وفي الانتظار قد يقول المُنْتَظِر إنَّ كل ساعة من ساعات انتظاري تشبه سنة. وهذا إنَّما يعني أنَّ اليوم من أيَّام الخلق الستَّة ليس بفترة زمنية تزيد عن 24 ساعة، فالخالِق لَمْ يخلق السماوات والأرض وما بينهما في 13.5 مليار سنة (أرضية) وإنَّما في 6 أيَّام أرضية فحسب.
وفي شأن "كروية الأرض"، أخذوا يؤوِّلون آيات لا يُمْكن أن نرى في معانيها الحقيقية إشارة إلى "كروية الأرض"، فلفظ "التكوير" في الآية "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ" أوَّلوه على أنَّه إشارة قرآنية إلى "كروية" الأرض.
و"المعنى الحقيقي" الذي لا لبس فيه هو أنَّ الخالِق يُدْخِلُ الليل في النهار، ويُدْخِلُ النهار في الليل، أو يُتْبِعُ الليل بالنهار، والنهار بالليل. وفي معنى "التكوير" جاء في تفسير القرطبي: معنى "التَّكْوِير"، في اللُّغَة, هو طَرْح الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض. يُقال كَوَّرَ الْمَتَاع أَيْ أَلْقَى بَعْضه على بَعْض. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس هذا في مَعْنَى الآية. قال اِبْن عَبَّاس: ما نَقَصَ مِنَ اللَّيْل دَخَلَ في النَّهَار وما نَقَصَ مِنَ النَّهَار دَخَلَ في اللَّيْل. وهذا هو معنى: "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". و"تَكْوِير اللَّيْل على النَّهَار" هو تَغْشِيَته إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَب ضَوْءُهُ. ومعنى "يُغْشِي النَّهَار على اللَّيْل" هو أنْ يُذْهِب النهار ظُلْمَة الليل. وَهَذَا قَوْل قَتَادَة. وَهُوَ مَعْنَى الآية: "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا". وجاء في تفسير الجلالين: "يُكَوِّر"، أي يُدْخِل اللَّيْل عَلَى النَّهَار فَيَزِيد، ويُدْخِل النَّهار على اللَّيل فَيَزِيد. وجاء في تفسير ابن كثير: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار، وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل"، أَيْ سَخَّرَهُمَا يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ لا يَفْتُرَانِ كُلّ مِنْهُمَا يَطْلُب الآخر طَلَبًا حَثِيثًا، كَقَوْلِهِ "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا". هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّي وَغَيْرهمْ. وجاء في تفسير الطبري: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل" أي يُغَشِّي الليل على النهار, والنهار على الليل. كما قال "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". ومعناه، عن ابن عَبَّاس، يَحْمِل اللَّيْل على النَّهَار. ومعناه، عن السُّدِّي، يَجِيء بِالنَّهَارِ وَيَذْهَب بِاللَّيْلِ, وَيَجِيء بِاللَّيْلِ, وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ.
هذا هو فحسب معنى "التكوير"، فأين في هذا المعنى نرى إشارة إلى "كروية الأرض"؟!
لفظ "التكوير" إنَّما اسْتُخْدِم هنا ليؤدِّي المعنى الذي نراه في ظاهرة "نمو" ظلمة الليل، و"نمو" نور النهار، فـ "نور النهار" يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "ظلمة الليل"، التي هي، أيضاً، تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "نور النهار". في هذا "التَدَرُّج" في "نور النهار" و"ظلمة الليل" يكمن "المعنى الحقيقي" لـ "التكوير".
واكتشفوا إشارة قرآنية أُخْرى إلى "كروية" الأرض في الآية "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ"، زاعمين أنَّ "الأرض تسبح بجبالها في الفضاء"، فـ "الجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء".
لقد قرَّروا، في سبيل تثبيت هذا التأويل، أنْ يضربوا صفحاً عن حقيقة أنَّ الآية تصف حال الجبال يوم القيامة. قال الْقُشَيْرِي: وهذا يَوْم الْقِيَامَة، أَيْ هي (الجبال) لِكَثْرَتِهَا كَأَنَّهَا جَامِدَة أَيْ وَاقِفَة في مَرْأَى الْعَيْن وَإِنْ كَانَتْ فِي أَنْفُسهَا تَسِير سَيْر السَّحَاب.
ولو كانوا ينشدون الحقيقة لما ضربوا صفحاً، أيضاً، عن الآية التي سبقتها والتي جاء فيها: "وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ".
ولو كان في الآية التي ذكروها إشارة قرآنية إلى أنَّ الأرض تسبح في الفضاء لذُكِرَت الأرض في عداد تلك الأشياء المذكورة في القرآن ضِمْنَ عبارة "وكلٌّ في فلكٍ يسبحون"، ففي "سورة يسن"، مثلاً، نقرأ الآية "لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ". وقد جاء في تفسير ابن كثير: "وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ "، يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلُّهمْ يَسْبَحُونَ أَيْ يَدُورُونَ فِي فَلَك السَّمَاء.
"لا الشمس ينبغي لها أنْ تُدْرِكَ القمر"، أي أنَّ الشمس، وعلى الرغم من جريانها (نهاراً) في السماء، لن تُدْرِكَ القمر، فتَظْهَر، بالتالي، ليلاً. ونحن نعرف الآن أنَّ الشمس تجري في الفضاء، ولكنَّها لا تجري فيه حَوْلَ الأرض، فهي (أي الشمس) تدور حَوْل محورها، كما تدور، في الوقت نفسه، حول مركز مجرَّتنا (درب التبَّانة). ونحن لا نرى "المشْهَد الحقيقي" عندما نرى الشمس تجري (نهاراً) حَوْل الأرض.
وغني عن البيان أنَّ التفسير الصحيح لظاهرتي "الليل" و"النهار" لا تقوم له قائمة قَبْلَ اكتشاف حقيقة أنَّ الأرض تدور حَوْل محورها، فَقَبْلَ ذلك، يمكن فحسب أنْ نقول بتصوِّر من قبيل أنَّ الشمس تَظْهَر وتجري "في النهار"، ولكنَّها مهما أسْرَعَت في جريانها لن تُدْرِكَ القمر، وتَدْخُلَ، بالتالي، الليل.
القمر يُرى نهاراً، ويضيء ليلاً، ولكنَّ الشمس لا تُرى أبداً ليلاً؛ لأنَّها، بحسب هذا التصوُّر، ينبغي لها ألا تُدْرِكَ القمر. وبحسب التصوُّر ذاته، يدور الليل والنهار في فلك السماء كما تدور الشمس ويدور القمر، ولكن "لا الليل سابق النهار"، فالنهار هو، دائماً، سابق الليل.
هل الليل سابق النهار، أم النهار سابق الليل؟ الأرض مُذْ وُجِدَت لم تعرف ليلاً يسبق النهار، ولا نهاراً يسبق الليل، فدائماً كانت نهاراً في أحد نصفيها، وليلاً في نصفها الآخر، فنهارها وليلها متلازمان؛ لأنَّها جسم كروي يدور حَوْل محوره، في سياق دورانه حول الشمس. أمَّا "التعاقُب" فلا نراه إلا في نصفها هذا أو ذاك، فالنهار عندنا يعقبه ليل، والليل يعقبه نهار. والنهار عندنا، ليل في الولايات المتحدة، مثلاً، والليل عندها، نهار عندنا.
"حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ". وهذه الآية من "سورة يونس" يؤوِّلونها بما يفي بغرضهم وهو "اكتشاف" إشارة قرآنية إلى "كروية الأرض".
المعنى الحقيقي للآية هو الآتي: "حَتَّى إذَا أَخَذَتْ الأرْض زُخْرُفهَا"، أي بَهْجَتهَا من النَّبَات؛ "وَازَّيَّنَتْ"، أي تزيَّنت بِالزَّهْرِ؛ "وَظَنَّ أَهْلهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا"، أي مُتَمَكِّنُونَ من تَحْصِيل ثِمَارهَا؛ "أَتَاهَا أَمْرنَا"، أي قَضَاؤُنَا أَوْ عَذَابنَا "ليلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا" أَيْ جَعَلْنا زَرْعهَا "حَصِيدًا"، أي كَالْمَحْصُودِ بِالْمَنَاجِلِ. كَأَنَّهَا "لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ"، أي لم تَكُنْ بالأمس.
هذه الآية لا تنطوي على إشارة إلى "التزامُن"، أي تزامُن الليل والنهار في الكرة الأرضية، فهي إنَّما تشير فحسب إلى "تعاقبهما" في المكان ذاته، أي في نصف الكرة الأرضية الشرقي، أو في جزء منه، فـ "قضاء" الله، أو "عذابه"، يأتي بغتةً، في الليل أو النهار.
لقد قاموا بإفراغ عبارة "ليلاً أو نهاراً" من معناها الحقيقي هذا، ليملؤها من ثمَّ بمعنى "تزامُن الليل والنهار في الأرض؛ لأنَّها كروية". ويفعلون الشيء ذاته في عبارتي "فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ"، و"رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ"، قائلين: "لو كانت الأرض مسطَّحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد".
الشمس تشرق كل يوم في هذا البلد أو ذاك، ولكنَّها لا تشرق كل يوم من الموضع ذاته، فمواضع وأماكن شروقها (أو غروبها) تختلف في البلد الواحد يومياً باختلاف موضع الكرة الأرضية في مدارها حول الشمس. كما أنَّ المشرق هو، أيضاً، موضع "شروق" القمر (أو هذا الكوكب أو ذاك) في هذا البلد أو ذاك.
قال ابْن عَبَّاس: "إِنَّ الشَّمْس تَطْلُع كُلَّ سَنَة في 360 كُوَّة. تَطْلُع كُلَّ يوم في كُوَّة". وجاء في تفسير الجلالين أنَّ المشارق والمغارب هي مشارق ومغارب الشمس والقمر والكواكب.
من الصفات القرآنية لـ "السماء" أنَّها "ذات الحبك"، و"ذات الرجع". عبارة "ذات الحبك" أُوِّلَت على أنَّها إشارة قرآنية إلى "المسارات والطرقات والمجالات" في السماء. أمَّا عبارة "ذات الرجع" فأُوِّلَت على أنَّها إشارة قرآنية إلى أنَّ السماء تُرْجِع إلى الأرض كل ما يرتفع من الأرض إليها، فهي تُرْجِع بخار الماء مطراً، و"تُرْجِع الأجسام بقوَّة الجاذبية الأرضية"، وتُرْجِع الأمواج اللاسلكية، فـ "طبقة الأيونوسفير" تقوم بإرجاع هذه الأمواج إلى الأرض. كما تُرْجِع الأشعة دون الحمراء، فتُدفئ الأرض ليلاً. وهي "ذات الرجع"؛ لأنَّها، بحسب تأويلهم، تحمي الأرض من القذائف القاتلة للأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية.
لقد أجمعت تفاسير القرآن على أنَّ السماء وُصِفَت بأنَّها "ذات الحبك"؛ لأنَّها "حُبِكَت (أو زُيِّنت) بالنجوم"، فإذا نَسَجَ النسَّاج ثوباً يُقال "ما أحسن ما حَبَك". و"الحُبُك" مفردها "حبيكة". و"الحبيكة" هي "مسير النجم". وكلُّ من يَنْظُرَ إلى السماء يمكن أنْ يرى فيها ما يشبه ثوباً حُبِكَ بالنجوم. كما يمكنه أنْ يرى فيها مساراتٍ للنجوم.
أمَّا "ذات الرجع" فهي صفة للسماء، منشؤها "رجوع المطر، كل عام، إلى الأرض من السماء"، فـ "السماء"، في القرآن لا تُرْجِع بخار الماء إلى الأرض مطراً، فهي التي منها يُنْزِلُ الخالِق المطر، الذي ليس من إشارة قرآنية إلى أنَّ مَصْدَرَهُ هو مياه البحار والأنهار التي تبخَّرَت بحرارة الشمس. والسماء ليست هي التي تُرْجِع الأجسام وكل ما يرتفع إليها من الأرض، فـ "قوَّة الجاذبية الأرضية" هي التي تقوم بذلك. وهي تفشل في إرجاع الجسم إلى الأرض إذا كانت سرعته تتجاوز "سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية".
"لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ". في هذه الآية من "سورة سبأ" اكتشف المؤوِّلون إشارة قرآنية إلى "الجسيمات دون الذرية" كـ "الإلكترون" و"البروتون" و"النيوترون" و"الكوارك" و"النيوترينو"..!
يقولون: "قديماً، كانوا ينظرون إلى مثقال الذرَّة على أنَّه أصغر مثقال. وكانوا ينظرون إلى الذرَّة على أنَّها مادة غير قابلة للانقسام، أي أنَّها لا تتألَّف من جسيمات أصغر. وها نحن نرى في هذه الآية إشارة قرآنية إلى ما هو أصغر من الذرَّة".
أوَّلاً، لا أعْرِف لماذا تجاهلوا الآية "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"؟! لماذا اهتمَّوا بـ "مثقال ذرَّة" وأهملوا "مثقال حبَّةٍ من خرْدلٍ"؟!
"الذرَّة"، لغةً، هي "الهباء المنتشر في الهواء"، و"القدر الضئيل من التراب أو غيره". والقرآن في تعبيره عن "أقل شيء"، أو عن "ما لا قيمة له"، يَسْتَخْدِم عبارتي "مثقال ذرَّة"، و"مثقال حبَّةٍ من خردل". و"الذرَّة"، في تفسيري الجلالين والقرطبي، هي "أصغر نَمْلة".
إنَّ "الذرَّة القرآنية" ليست هي ذاتها "الذرَّة" Atom في الفيزياء والكيمياء. وعندما اكْتُشِفَت "الذرَّة" Atom حار اللغويون العرب في تعريب الكلمة إلى أنْ اتَّفقوا على اتِّخاذ لفظ "ذرَّة" تسميةً لـ " Atom". وكان ممكنا أنْ يتَّخِذوا لفظاً آخر تسميةً لها.
تخيَّلوا أنَّ اللغويين العرب اتَّخذوا لفظ "الطارق" تسميةً لـ "النجم النيوتروني". لو فعلوا ذلك لجاءونا مكتشفين "إشارة قرآنية" إلى هذا النجم!
أمَّا "الأصغر من مثقال ذرَّة" والذي تضمَّنَتْهُ العبارة القرآنية "ولا أصغر من ذلك" فهو شيء أكبر من "جزيء الماء" بآلاف أو ملايين المرَّات، فأصغر "نَمْلة" تتألَّف من ملايين الجزيئات. فكيف يجرؤون على الادِّعاء بأنَّ "الأصغر من مثقال ذرَّة" هو "الجسيم دون النووي" كـ "الإلكترون" أو "البروتون" أو "الكوارك"..؟!
"أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ". الآية 79 من سورة "النحل". ليس في هذه "الآية"، بحسب معناها الحقيقي الذي في متناول كل مَنْ يَفْهَم ما يقرأ ما يُعَدُّ "إشارة علمية"، فهي لا تتعدَّى، في معناها وتفسيرها، "الجواب الديني" عن "سؤال الطيران"، فـ "طيران الطير" كان قَبْلَ اكتشاف "قانونه الطبيعي" من الظواهر الطبيعية التي تُدْهِش الناس وتُحيِّرَهم، فكيف للطير أنْ يطير، وكيف له أنْ يطير ولا يسقط؟!
كان هذا هو "سؤال الدهشة"، فأجاب عنه القرآن "إجابة دينية" إذ قال إنَّ الله هو الذي جَعَل الطير مسخَّرات (للطيران) في جو السماء، أي في الهواء بين السماء والأرض، وهو الذي يُمْسِكهُنَّ (عند قَبْض أجنحتهنَّ أو بَسْطها) أنْ يَقَعْنَ، أي يمنعهنَّ من الوقوع.
إنَّ للطير من الخواص الطبيعية، وإنَّ فيه من القوى الطبيعية، ما يُمكِّنهُ من الطيران، وما يُمكِّنهُ من أنْ يطير من غير أنْ يقع، فما كان "مُدْهِشاً" للناس قديماً في هذه الظاهرة ما عاد بمُدْهِشٍ الآن، فـ "المُدْهِش" الآن هو أنْ نرى طيراً لا يطير، أو يطير فيقع. ومع ذلك، يحقُّ لـ "المؤمِن" أنْ يُفَسِّر هذه الظاهرة، تفسيراً دينياً، كأنْ يقول إنَّها من فِعْل "قانون طبيعي"، خَلَقًَهُ الله.
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ". الآية 164 من سورة "البقرة".
هل في هذه الآية ما يُشير إلى "الكون المرئي الذي يعجُّ بأجرام سماوية"؟! كلا، ليس فيها ما يُشير إلى ذلك. ومع ذلك، تجرأ المؤوِّلون على الادِّعاء بِتَضَمُّن الآية إشارة إلى "ما قرَّرهُ العِلْم من أنَّ الكون المرئي (أو المنظور) يعجُّ بأجرام سماوية"!
كان ينبغي لهم أنْ يجلوا لنا الغموض عن عبارة "والسحاب المسخَّر بين السماء والأرض". فما معنى "السماء"، هنا، وما معنى "الأرض"؟ هل "الغلاف الجوي"، الذي فيه يجري السحاب، من "الأرض" أم من "السماء"؟ أم أنَّه ليس من "الأرض"، وليس من "السماء"؟ هل هو منفصل عنهما، يقع بينهما؟ إذا كان "الغلاف الجوي"، الذي فيه يجري السحاب، جزءاً من "السماء"، فكيف نُفَسِّر "البينية" في عبارة "والسحاب المسخَّر بين السماء والأرض"؟ وكيف نُفَسِّرها إذا ما فهمنا "الغلاف الجوي" على أنَّه جزء من الأرض، وهو كذلك؟ في "الآية" نفهم "المكان" الذي يجري فيه السحاب على أنَّه "الغلاف الجوي الذي ليس بجزء من السماء (ولا من الأرض)"، فهل "السماء"، بَعْدَ هذا الفهم، تعني "الفضاء الكوني"؟ إنَّهم لم يَجْلوا لنا الغموض عن هذه العبارة"، ولكنَّهم جاءونا من "الآية" بـ "إشارة كونية" ليس لها من وجود فيها هي الإشارة إلى أنَّ "الكون المرئي يعجُّ بأجرام سماوية"، فالْغِ عقلكَ حتى توافقهم الرأي!
"الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". الآية 22 من سورة "البقرة".
المؤوِّلون رأوا في عبارة "وأنزلَ من السماء ماءً" إشارة علمية إلى "الدورة المائية" في الأرض، قائلين: "التبخُّر الذي تتعرَّض له مياه المحيطات والبحار، بحرارة الشمس، يُنْشيء السُحُب، التي منها ينزل المطر، الذي هو أساس المياه العذبة على سطح الأرض، والعنصر الأساسي للحياة. ومن الأمطار، تفيض الأنهار، التي تهب الحياة للمناطق القاحلة والنائية. ثمَّ، أي الأمطار في مجاريها النهرية، تَصُبُّ في البحار والمحيطات المالحة. وتستمر الدورة، فالمياه تنتقل من المحيطات والبحار إلى الجو، فمن الجو إلى البر، فمن البر إلى المحيطات والبحار..".
تلك "الإشارة العلمية" إلى "الدورة المائية" كان ينقصها كلمة واحدة هي "التبخُّر"، فالعبارة القرآنية أشارت إلى "المطر"، أي إلى نزول الماء من السماء، ولكنَّها لم تُشِر إلى أنَّ هذا الماء النازل من السماء يعود في أصله ونشأته إلى مياه المحيطات والبحار، والتي تَبَخَّرَت إذ تعرَّضت لحرارة الشمس، فصَعَدَ "بخار الماء غير المرئي" إلى "السماء"، أي إلى "الغلاف الجوي"، فـ "تكثَّف" إذ تعرَّض لبرودة الهواء، فتكوَّنت السُحُب من تراكم وتجمُّع "قطرات الماء المتناهية في الصِغَر"، فهيَّأ "فصل الشتاء" لـ "السُحُب" أسباب "الإمطار".
"الحلقة المفقودة"، في هذا التصوُّر، إنَّما كانت "التبخُّر"، فليس من "إشارة علمية" إلى أنَّ "الماء النازل من السماء" هو ذاته الذي "صَعَدَ إليها" عبر "التبخُّر". ليس من "إشارة" إلى أنَّ "ماء السماء" قد جاء من "ماء الأرض". فكيف لهم، بَعْدَ ذلكَ، أنْ يروا في "الآية" إشارة علمية إلى "الدورة المائية" للأرض؟!
"وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ". الآية 57 من سورة "الأعراف".
"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ". الآية 48 مِنْ سورة "الروم".
في شرحهم يقولون: "في هذه الآية وتلك، يَظْهَر لنا مدى الإعجاز العلمي إذا ما تَذَكَّرْنا أنَّه في عهد نزول القرآن كان الناس (ربَّما باستثناء قلَّة قليلة) يجهلون أنَّ الهواء يحمل مقادير وفيرة من الماء على هيئة بخار، وأنَّ هذا البخار هو الذي يُكوِّن السُحُب، التي منها يجيء المطر".
أليس في هذا الشرح استهزاء بعقول كل الناس؟! بأي "مجهر" تمكَّنوا من رؤية أو اكتشاف "إشارة علمية" إلى "اشتمال الهواء على مقادير وفيرة من الماء في شكل بخار"، وإلى أنَّ "هذا البخار هو الذي منه تتكوَّن السُحُب"؟!
إنَّ "الرياح" مع "عملها" في كلتا الآيتين هي أمرٌ غنيٌّ عن الشرح. ومع ذلك سنشرحه كما نشرحُ "بديهية".
الريح هي الهواء إذا تحرَّك. و"الخالِق هو الذي "يُرْسِل" الرياح، كما يُنْزِل الماء من السماء.
والرياح تُثير السحاب، أي تُحَرِّكها وتنشرها في السماء، وتُقِلُّ، أو تَنْقُل، "سحاباً ثقالاً". و"الخالِق"، برحمته، يسوق هذه السحاب الثقال التي تَنْقُلها الرياح لبلد قاحل، ثمَّ يُنْزِلُ منها الماء (المطر) فينمو الزرع وتَخْرُج الثمرات.
إنَّ الريح هي الهواء في حركته، أي الهواء المتحرِّك. وفي الهواء (أي الغلاف الجوِّي للأرض) تَعْلَق وتنتشر قطرات الماء المتناهية في الصِغَر، والتي هي في الأصل "بخار ماء" غير مرئي، كَثَّفَتْهُ برودة الهواء. ومن قطرات الماء هذه تتكوَّن السُحُب، التي تشبه "ريشة" في الهواء، الذي يتحرَّك فيُحَرِّكها، وينقلها، وينشرها في الجو، أو في السماء. الغيوم تتحرَّك في السماء، أي في "الغلاف الجوي"، والرياح هي التي تُحَرِّكها. هذا مَشْهَد مرئي مألوف لدى كل الناس. وكل الناس يعرفون أنَّ السُحُب تَخْتَزِن ماء، فهي تشبه "بحيرات سماوية متحرِّكَة". والناس قديماً كانوا يعرفون؛ لأنَّهم يرون، أنَّ الماء يَنْزِلُ من السماء، أي من الغيوم (في الشتاء). ولكنَّهم كانوا جميعاً، أو معظمهم، يجهلون أنَّ الماء يَصْعَدُ إلى السماء في شكل بخار ماء (غير مرئي) وأنَّ هذا البخار تُكّثِّفهُ برودة الهواء فيتحول إلى قطرات ماء وغيوم مرئية. كانوا يجهلون أنَّ هذا الماء النازِل من السماء هو ذاته الذي صَعَدَ إليها إذ بخَّرَت حرارة الشمس قسماً من مياه المحيطات والبحار.
لقد بَيَّنَّا المعنى الحقيقي للآيتين والذي ليس فيه إشارة إلى أنَّ "الهواء يحمل مقادير وفيرة من الماء في شكل بخار"، وإلى أنَّ "هذا البخار هو الذي يُكوِّن السُحُب".
ورأوا في "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى" ما ينفي الاعتقاد بـ "حركة الشمس من الشرق إلى الغرب". ولكن كيف يُفَسِّروا لنا اقتران ذِكْر "الشمس" بذِكْر "القمر" في هذه الآية؟!
إنَّ القمر يجري، يومياً، في سماء الأرض. وجريانه اليومي هذا إنَّما هو جريان "حقيقي" و"فعلي". وغنيٌّ عن البيان أنَّ هذا "الاقتران" يعني أنَّ "جريان الشمس" مُماثِلٌ لـ "جريان القمر". أمَّا "كُلٌّ يجري لأجلٍ مُسمَّى" فمعناه، بالتالي، في شأن "الحركة اليومية للشمس"، أنَّ الشمس تطلع، فتجري في "القبَّة السماوية" نهاراً، لأجلٍ مُسمَّى، أي حتى تغرب، وتختفي في ما وراء الأُفق.
"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ". الآية 125 من سورة "الأنعام".
جاء في "التفاسير": هذا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِقَلْبِ هَذَا الْكَافِر فِي شِدَّة ضِيقه عَنْ وُصُول الإِيمَان إِلَيْهِ. فَمَثَلُ هذا الكافر، في اِمْتِنَاعه مِنْ قَبُول الإيمَان، وَضِيقه عَنْ وُصُوله إِلَيْهِ، مَثَل اِمْتِنَاعه عَنْ الصُّعُود إِلَى السَّمَاء وَعَجْزه عَنْهُ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعه وَطَاقَته. والله يَجْعَل صَدْر الكافر ضيِّقاً، وحرجاً، أي شديد الضيق.
أمَّا المؤوِّلون الجُدُد فقالوا في شرح الآية: "إنَّ فيها إشارة إلى صعود الإنسان في السماء. يوم سمع الناس هذه الآية اعتبروا الصعود في السماء ضرباً من الخيال، وأنَّ القرآن قصد الصعود مجازاً. هذه الآية تُعْتَبَر نبوءة تحقَّقت في حياة الناس. صحَّة التشبيه، هنا، تكمن في حقيقة أنَّ الارتفاع في الجو يسبِّب ضيقاً في التنفُّس، وشعوراً بالاختناق، يزدادان مع ازدياد الارتفاع في الجو".
وفي المعاجم اللغوية جاء: "صَعَّدَ النَّفَسَ"، أي أَخْرَجَهُ بِصُعُوبَةٍ. كل البشر القدماء كانوا يعرفون ما يعني "الصعود إلى قمَّة جبل". كلهم كانوا يعرفون، ويعانون، "عاقبة هذا الصعود"، وهي "الشعور بالاختناق"، فصعود جبلٍ يسبِّب ضيقاً في التنفس. وسبب هذا الضيق هو نقص الأوكسجين وتناقص ضغط الهواء في المناطق المرتفعة. وكل البشر القدماء كانوا يحلمون بالصعود إلى السماء، وفي الوصول إلى القمر. وليس من الصعوبة بمكان أنْ يتصوَّر هؤلاء البشر أنَّ شعورهم بالاختناق سيكون أشد لو هُم تجاوزوا في صعودهم "قمَّة الجبل".
"وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ". الآية 4 من سورة "التكوير". هنا، نراهم يجنحون لـ "التدليس (والغش) اللغوي" حتى يكتشفوا لنا "إشارة قرآنية" إلى "وسائل المواصلات الحديثة"، كمثل "السيَّارة"، و"القطار"، و"الطائرة".
معنى هذه الآية عندهم أنَّ يوماً سيأتي تتعطَّل فيه "العِشَار"، ويُسْتَغْنى عنها بالطائرات والقطارات والسيَّارات، وغيرها من وسائل المواصلات الحديثة.
نريدُ منهم أنْ يَشْرَحوا لنا أوَّلاً معنى لفظ "عِشَار"، ففي معاجم اللغة العربية عَثَرْنا على لفظ "عُشْراء"، ومعناه الناقة التي مضى على حَمْلِها عشرة أشهر. أمَّا في "تفاسير القرآن" فَعَثَرْنا على الآتي: الْعِشَار من الإبِل هي خِيَارهَا وَالْحَوَامِل مِنْهَا الَّتِي قَدْ وَصَلَتْ فِي حَمْلهَا إِلَى الشَّهْر الْعَاشِر. وَاحِدَتهَا "عُشَرَاء" وَلا يَزَال ذَلِكَ اِسْمهَا حَتَّى تَضَع. وَقَدْ قِيلَ فِي الْعِشَار إِنَّهَا السَّحَاب تُعَطَّل عَنْ الْمَسِير بَيْن السَّمَاء وَالأرْض لِخَرَابِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ إِنَّهَا الأرْض الَّتِي تُعْشَر. وَقِيلَ إِنَّهَا الدِّيَار الَّتِي كَانَتْ تُسْكَن تَعَطَّلَتْ لِذَهَابِ أَهْلهَا.
ليشرحوا لنا أوَّلاً معنى "عِشَار". أهي من تلك "الإبل"؟ أهي تلك "السحاب"؟ أهي تلك "الأرض"؟ أهي تلك "الديار"؟
لقد فضَّلوا المضي قُدُماً في تدليسهم اللغوي، فضربوا صفحاً عن حقيقة أنَّ الآية قد ذُكِرَت في سياق التعداد القرآني لعلاماتٍ من علامات "يوم القيامة"، التي منها: العِشار التي عُطِّلت، والوحوش التي حُشِرت، والبحار التي سُجِّرت، والنفوس التي زُوِّجت، والْمَوْءُودَةُ التي سُئِلت بأي ذنب قُتِلَت، والصحف التي نُشِرت، والسماء التي كُشِطت، والجحيم التي سُعِّرت، والجنَّة التي أُزْلِفت؛ فهل "السيَّارة"، و"القطار"، و"الطائرة"، من علامات "يوم القيامة"؟!
وعلى هذا النسق من "الإعجاز العلمي"، نرى "الطائرات الحربية الحديثة" في الآيات "والمُرسلات عُرفاً. فالعاصفات عصفاً. والناشرات نشراً. فالفارقات فرقاً. فالمُلقيات ذِكراً. عُذراً أو نُذراً. إنَّما تُوعدون لواقع".
ونرى "الألغام" و"الغوَّاصات" في الآية "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ".
ونرى "القنبلة النووية" في الآية "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
ونرى "الراديو"، و"التلغراف"، و"التلفزيون"، و"الموبايل"، في الآية "وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ".
تأسيساً على أنَّ "النصِّ القرآني" في حفظ الله وصونه، رأى المؤوِّلون أنَّ "التأويل" هو كل ما يحتاج إليه هذه النص في سبيل الحفاظ على "الصلح الأبدي" بين "العِلْم" و"الآيات العلمية والكونية". ورأوا في أنفسهم من التمكُّن الديني والعلمي واللغوي ما يسمح له بأنْ يُفَسِّروا (أي أنْ يُعيدوا تفسير) نلك الآيات على نحو يمكِّنهم من إقناع العامَّة من المسلمين بأنَّ "بذور" الاكتشافات والحقائق العلمية الكبرى، التي جاء بها القرن العشرين، أو هذه الاكتشافات والحقائق ذاتها، قد كانت كامنة في "الآيات العلمية والكونية"، فأظْهروها، مع غيرهم من "الراسخين في العِلْم".
دافعهم النبيل إنَّما كان أنْ يقيموا "الدليل المُقْنِع والمُفْحِم" على أنَّ كل "حقيقة علمية كبرى مثْبَتة ومؤكَّدة ولا ريب فيها" يجب أنْ تكون لها "إشارة" في القرآن. ويكفي أنْ يبذلوا قليلاً من "الجهد التأويلي" حتى يُوفَّقوا في اختلاق هذه "الإشارة" اختلاقاً، غير عابئين بـ "التفسير الحقيقي" للآية، أو بـ "المعنى الحقيقي" لمفردات وألفاظ اللغة العربية.
رأوا في هذه "الإشارات" ما يَحْمِل المسلمين، أو ما يجب أنْ يَحْملهم، على اتِّخاذها مُرْشِداً لهم في "البحث العلمي"، فيتوصَّلون بها إلى "اكتشافات علمية"، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّ العلماء والمفكِّرين الإسلاميين لم يُفَسِّروا (أو يؤوِّلوا) آية "علمية أو كونية" في طريقة مكَّنَت "الفيزيائيين المسلمين (أو غير المسلمين)" مثلاً من اتِّخاذ هذا "التفسير (أو التأويل)" طريقاً إلى اكتشاف حقائق علمية جديدة، فكل ما قام به هؤلاء "المؤوِّلون" لا يتعدَّى تأويل "آيات" بما يتَّفق مع الحقائق العلمية الجديدة التي توصَّل إليها غير المسلمين، حتى يتمكَّنوا من الادِّعاء بأنَّ "بذور" هذه الحقائق كانت كامنة في ما يسمُّونه "الآيات العلمية والكونية"، فهذا التأويل لم يؤدِ قط، ولن يؤدِّي أبداً، إلى أي "اكتشاف علمي جديد"!
دعونا نوضِّح ذلك في المثال الآتي: جاء في الآية 3 من سورة "سبأ": "لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ". هذه الآية قَبْلَ، ومن أجل، أنْ تكون "إشارة قرآنية علمية" تفيد في أبحاث علمية تقود إلى اكتشاف "الذرَّة" Atom والأصغر من "الذرَّة"، كان لا بدَّ من أنْ تُفَسَّر، قَبْلَ وليس بَعْد اكتشاف "الذرَّة"، على أنَّها "إشارة قرآنية" إلى أنَّ المادة تتكوَّن من عناصر متناهية في الصِغَر، لا تُرى بالعين المجرَّدة، هي "الذرَّات"، التي هي، أيضاً، تتكوَّن من جسيمات أصغر.
حتى اكتشاف "الذرَّة"، كانت عبارة "مثقال ذرَّة" تُفَسَّر على أنَّها إشارة إلى شيء يَعْدِلُ في ثقله "نملة"، أو "هباءة"، أو "حبَّةٍ من خردل"، فالله لا يَعْزُب عنه مثل هذا المثقال ولا أصغر منه ولا أكبر.
ونحن نَعْلَم أنَّ ديموقريطس كان أوَّل من قال بـ "الذرَّة"، أي Atom. وقد اعتبر أنَّ كل الأشياء التي نراها بالعين المجرَّدة تتألَّف من عناصر لا تُرى بالعين المجرَّدة، وأنَّ كل عنصر من هذه العناصر (أي كل "ذرَّة" Atom) في حركة دائمة ضمن فراغ.
وبَعْدَ اكتشاف "الذرَّة" Atom جاء "التأويل"، ففُسِّرت "الذرَّة القرآنية" على أنَّها Atom. وفُسِّرَت عبارة "ولا أصغر من ذلك" على أنَّها إشارة قرآنية إلى "الجسيمات دون الذرِّية". والأمر كله لا يتعدَّى أنَّ اللغويين العرب أرادوا لفظاً في اللغة العربية يُقابِل كلمة "Atom". وقد وَقَعَ اختيارهم، وتواضعوا، على لفظ "الذرَّة". وكان ممكناً أنْ يتواضعوا على لفظ "كِسْرَة"، أو لفظ "جزئية". فلو هُمْ تواضعوا على هذا اللفظ أو ذاك لحبط سعي "المؤوِّلين" لاكتشاف إشارة علمية إلى "الذرَّة" Atom في تلك الآية القرآنية وفي غيرها!
نسي المؤوِّلون أنَّها "لعبة لفظية"، فقالوا: "الآية تكشف أنَّ الذرَّة غير مرئية، ولها مثقال، وأنَّها ليست بأصغر شيء في الكون، ويمكن تقسيمها. إنَّ أحداً لم يكن يَعْلَم، عند نزول القرآن، أنَّ هناك ما هو أصغر مِنَ الذرَّة".
و"التأويل"، بعواقبه وليس بـ "تعريفه"، إنَّما هو الإمعان في "مطِّ" ألفاظ وعبارات القرآن حتى "تتمزَّق" معانيها الحقيقية من غير أنْ يُوفَّق "المؤوِّلون" في إدخال معانٍ علمية فيها. و"التأويل العلمي" لبعض الآيات القرآنية إنَّما يجعلها غريبة عن "الحقيقي" من معانيها وتفاسيرها، ونَهْباً لمعانٍ وتفسيرات متضارِبة متناقضة، فأين هو "الإعجاز" الذي يكتشفون إذا كنَّا في كل عصر نكتشف خطأ التفسير في العصر الذي سبق؟!
حتى حلول القرن العشرين، لم يَظْهَر مصطلح "الإشارات العلمية" في القرآن، أو مصطلح "الآيات العلمية والكونية"، أو مصطلح "الإعجاز العلمي" في القرآن. فلماذا لم تَظْهَر تلك المصطلحات، ولم تشتد الحاجة إلى "التأويل العلمي" لبعض الآيات القرآنية، إلا في القرن العشرين، الذي شهد أهم وأعظم الإنجازات العلمية؟!
يقولون: "فالله بعلمه الأزلي أنزل هذه الإشارات العلمية القرآنية للإنسان ليُعْمِلَ فكره وعقله في الظواهر الكونية، فيستخلص حقائقها، ويدرك تفاصيلها وجزئياتها".
ونقول: لقد أعمل الإنسان (المسلم) فكره وعقله، قروناً وقرون، في الآية "لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ"، فلم يتوصَّل إلى اكتشاف "الذرَّة" Atom ولا إلى "الجسيمات دون الذرِّية". كل ما توصَّل إليه هو أنَّ الله لا يَعْزُب عنه مثقال "نملة"، أو "هباءة"، أو "حبَّةٍ من خردل"، أو أصغر من ذلك، فإعمال الفكر والعقل في هذه "الآية" لم يُفْضِ إلى اكتشاف "الذرَّة" Atom. إنَّ اكتشافها هو الذي أفضى إلى هذا "التأويل"، فالانتقال كان دائماً من "اكتشاف" إلى "تأويل"، ولم يكن قط من "تأويل" إلى "اكتشاف".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ
...
-
ال -فَوْفضائي- Hyperspace
-
الأيَّام الصعبة!
-
بعض من الجدل الذي أثارته المقالة: أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- ا
...
-
أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- الدكتور زغلول النجار؟!
-
الفساد غير السياسي!
-
بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر
...
-
نظرية -البعرة والبعير.. الأثر والمسير-!
-
-خريطة- عباس
-
-الاتِّفاق- الذي ينهي -النزاعين- معاً!
-
شهر رمضان.. لَمْ يُنْزَل فيه الغلاء وإنَّما القرآن!
-
-مؤتمر الخريف-.. بعد شهرين أم بعد زلزال؟!
-
-بلاك ووتر- هي هوية الولايات المتحدة!
-
خبر علمي يُقَوِّض مزاعم الملاحدة!
-
ساعة ضرب إيران.. هل أزِفَت؟
-
بوش يَتْرُك -الراية البيضاء- لخليفته!
-
-الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!
-
6 سنوات على -عالَم بوش بن لادن-!
-
ليَنْطِقوا حتى نَخْرُج عن صمتنا!
-
-حماس- تمخَّضت فولدت -فاشية سوداء-!
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|