|
الربيع الأمازيغي 2001: نضال شباب الجزائر وكادحيها المتواصل
التوجه الأمازيغي الكفاحي
الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:31
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
الغاضبون هم في الغالب شباب، بل تلاميذ ثانويات، يقيمون المتاريس ويحرقون منشئات/رموز الدولة ومراكز الدرك، يلقون الحجارة والإطارات المطاطية المحترقة والزجاجات الحارقة، إنهم خارج مراقبة كل الأحزاب السياسية ويعبرون عن غضب لا يبدو أن أحدا قادر على احتواءه". هكذا تقدم انتفاضة الشبيبة الجزائرية في الربيع الأمازيغي الثاني أبريل 2001، وغالبا ما تختزل وسائل الإعلام الانتفاضة في مشهد متظاهرين يقذفون قوات القمع بالحجارة، لكنها في الواقع أغنى بكثير و دروسها تتجاوز الإطار الجزائري. ولاستخلاص هذه الدروس لا بد من وضع هذه التجربة في سياقها التاريخي. سياق بناء الدولة الجزائرية: ترجع أغلب مآسي جزائر – ما بعد الاستقلال- إلى ما آلت معركة التحرر من الاستعمار. ففي غياب قيادة عمالية ثورية حازمة، آلت قيادة هذه المعركة إلى"جبهة التحرير الوطني"، التي تألفت قيادتها من"ديمقراطيين وقوميين برجوازيين صغار، فئة منهم يمينية(إسلامية) واسعة. بعد معركة ضارية-استطاعت فيها الإمبريالية الفرنسية عزل الثورة الجزائرية بمنح استقلال شكلي للمغرب وتونس- تسلمت هذه القيادة جهاز الدولة من الإمبريالية، بشرط عدم المساس به(اتفاقيات افيان 1962). تولى رأس هذا الجهاز نظام بن بلا، وهو نظام بورجوازي صغير، ظل حائرا مترددا في إجراءاته، متذبذبا بين اليسار واليمين، حتى أطاحه هذا الأخير بانقلاب عسكري قي 19 يونيو 1965 بقيادة الهواري بومدين. أرسى بومدين نظاما بونبارتيا، مستندا على سلطة الجيش وقائما على قمع التيارات البورجوازية المبعدة من الحكم، وإلحاق التنظيمات الشعبية (العمالية بالخصوص) بجهاز الدولة. قي المجال الاقتصادي سن سياسة اقتصادية مبنية على التقشف الذي تم تبريره بالسعي للتصنيع والتنمية الاقتصادية للبلاد. وسيتم التخلي عن هذه السياسة ، بتولي الشاذلي الذي حملته إلى السلطة الخلافات في جهاز الحكم حول خلافة بومدين في ماي 1980، وسن سياسة"الانفتاح"التي كان لها نتائج اجتماعية كارثية على الطبقات الكادحة"ا، حيث رتفاع الأسعار وازدهار السوق السوداء، عودة الندرة للظهور، تجميد الأجور وتوقف المنشئات عن التوظيف، وبداية تقليص عدد العاملين ونمت البطالة بين الشباب بنفس وثيرة النمو الديمغرافي، هذا في حين يعاين ضحايا هذه السياسة النمو الهائل لثروات الخواص المستفيدين من عمليات التحرير والخصخصة. كل هذا صاحبه نزوع نظام الشاذلي لقضم الهامش الديمقراطي الذي سمح به الصراع داخل جهاز الحكم، ورغبته القضاء على الاستياء الاجتماعي وإرساء الهيمنة السياسية لجبهة التحرير الوطني، مما زاد تطلع الجماهير الشعبية (العمال والطلاب بالخصوص) إلى الديمقراطية. كانت هذه العوامل وراء كل الانتفاضات والنضالات الاجتماعية التي عرفتها الجزائر، منذ نهاية السبعينات: الإضرابات العمالية 1970/1980، أحداث القبايل أبريل 1980، انتفاضات الشبيبية وسكان الأحياء الهامشية بالمدن الكبرى(82-83-85-86)، التي توجت بانتفاضة أكتوبر 1988، حيث قام الجيش لمدة ستة أيام بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وكانت الحصيلة 500 قتيل ومئات الجرحى والمعتقلين، وسجلت هذه الانتفاضة اكتمال القطيعة السياسية بين الجماهير الشعبية والحكم. ستكون نفس الأسباب-وبحدة أكبر-وراء الأحداث التي اندلعت قي أبريل 2001، إلى حد تعليق أحد الصحفيين على هذه الأحداث بأنها"صياغة جديدة لمطلبي الحرية والكرامة الذين تم جرجرتهما منذ أكتوبر 1988 دون تحقيقهما".(عبد الكريم غزالي بجريدة لاتريبون الجزائرية) مقدمات الانتفاضة منذ 1980، تواصل تمرد شباب وكادحي القبايل، ضد النظام الديكتاتوري الذي يخضع كادحي الجزائر- وبرعاية النظام الرأسمالي العالمي- بقوة الحديد والنار لنفس السياسات النيوليبرالية المفروضة على كافة شعوب العالم الثالث. تؤدي هذه السياسات إلى تردي الوضع الاجتماعي ، إذ بلغ المعدل الرسمي للبطالة في الجزائر %30 سنة 2000 مقابل %17 سنة 1986، ويعاني من آفة المجتمع الرأسمالي هذه الشباب بوجه خاص، حيث أن %83 من العاطلين يقل عمرهم عن 30 سنة. كما انخفض دخل الأسر بـ%36 بين 1987 و1995. ويعيش %22.6 من السكان في فقر مطلق مقابل %12.2 سنة 1988. وعادت إلى الظهور الأمراض المرتبطة بالفقر. غير أن البلاد بدأت تعطي-من وجهة نظر الدوائر الإمبريالية-مؤشرات ماكرو اقتصادية مشجعة، حيث تراجع الدين الخارجي منذ 1998 ، وتضخمت احتياطات الجزائر من العملة الصعبة، وبدأت ميزانية الدولة تحقق فوائض مالية، حيث تداخل ارتفاع أسعار النفط مع نمو إنتاجه، وشكلت صادرات الطاقة %95 من عائدات الجزائر المالية.(ألان غريش . جريدة لوموند ديبلوماتيك يوليوز 2002) كل هذه المؤشرات تعطي الجزائر صورة دولة في صحة مالية جيدة(خصوصا خدمة الدين بشكل جيد)، غير أن لا أحد يريد الذهاب إلى الجزائر للاستثمار خارج قطاع النفط والغاز. لكن الشعب لم يحصل على شيء من هذه الهبة التي تقدر بــ 25 مليار يورو. سوى أن الفروقات تزداد والسلطة تبدو غير عازمة على التغيير أو على الإصغاء إلى الشكاوي في وقت وصل الوضع إلى نقطة اللارجوع. كل ذلك لغياب بديل اقتصادي بمحتوى طبقي واضح. فالنظام الجزائري محكوم بإملاءات الدوائر الإمبريالية، وينفذها بشكل حرفي: تدمير النسيج الصناعي وتفكيك القطاع العام وتسريح مئات آلاف العمال وخصخصة بلا حدود وارتفاع صاروخي لأسعار المواد الأساسية وعدم أداء الاجور. وفي القبايل ، حيث البطالة مزمنة والنضال من أجل الاعتراف بالأمازيغية متواصل لأكثر من ربع قرن، يؤدي رفض الاعتراف بثقافة القايليين وهويتهم إلى حرمانهم من كل كرامة. كل هذا أدى على شبيبة متذمرة لا ترى نفسها في هذا النظام الفاسد والشائخ.. الذي يضطهد النساء ويرفض الاعتراف بالأمازيغية ويغذي عنصرية مبطنة تجاه الناطقين بها والأقليات الزنجية بالجنوب. هذه الأوضاع هي التي تدفع الجزائريين، كي يحسوا بأنهم بدون أفق، سواء كانوا قبايليين أو خارج القبايل، وهم وقود الاحتجاجات التي تجتاح الجزائر. هكذا قبل انفجار أحداث ربيع أبريل 2001، شهدت الجزائر مجموعة من النضالات في 26 مارس دعت فيدرالية البترول في الاتحاد العام لعمال الجزائر إلى إضراب عام، ودعمها عمال التعدين والمدرسون والقطاعات الأخرى من الاتحاد. شهدت منطقة سيدي بلعباس سنة 2000، احتجاجا على فساد السلطة المحلية مما دفع السلطة إلى التخوف من امتداده إلى مدن أخرى، وإعادة أكتوبر 1988 آخر. أدى نجاح الإضراب العام المذكور أعلاه، إلى كبح سياسة بوتفليقة الرامية إلى لبرلة الاقتصاد بأمر من الصندوق، وجاءت انتفاضة القبايل لتنهي مشروعه. ظهور القضية الأمازيغية بالجزائر لم يواجه المجتمع الجزائري مشكلة تسمى الأمازيغية في أعقاب انتزاع الاستقلال على يد جبهة التحرير، وسرعان ما بدأت محاولة من جانب الحكام الجدد، وكلهم من قادة جبهة التحرير الوطني لتهميش الأمازيغية من خلال طرح أن الشعب الجزائري عربي ولغته عربية لا غير. لكن القضية اتخذت أبعادا جديدة، عندما بدأت الحكومة وأجهزة الدولة تمارس أساليب شوفينية في التعامل مع الأمازيغية لصالح كل ما هو عربي، ولعبت القوات المسلحة التي كانت تحكم البلاد فعليا دورا بارزا في هذا الصدد. سيتدخل عامل آخر في هذا المشهد العام في بداية السبعينات وستكون له تبعات مصيرية؛ إنه عامل القمع، حيث ستتوتر الوضعية بسرعة فائقة ما بين 72-73 ، وسيتكهرب المناخ مع ظهور تهديدات وإجراءات عملية؛ من بينها تقليص حصص الأمازيغية والزيادة المنتظمة في المواد باللغة العربية.. وصلت إلى حد التضييق على المحطة الإذاعية القبايلية. ومع انطلاق الموسم الجامعي 73-74، سيصدر قرار بحذف الدروس التي كان مولود معمري يلقيها بكلية الآداب بالعاصمة، وشرعت السلطة في بحملة اعتقالات واسعة ما بين 75-76 أسفرت عن أحكام قاسية في يناير 1976 وصيف نفس السنة، وقد طالت أناسا في عنفوان شبابهم، بدعوى قيامهم باتصالات بسيطة مع الأكاديمية الامازيغية بفرنسا. وفي أبريل 1980 أدى منع السلطات لندوة كان سيلقيها مولود معمري، إلى انفجار أحداث الربيع الأمازيغي الأول، ومنذ تلك الفترة صنفت المنطقة متمردة على السلطة، حيث شهدت هذه المنطقة أعمال عنف عام 1998 على إثر اغتيال المطرب والمناضل الأمازيغي معتوب لونس. وتأتي أحداث الربيع الأمازيغي الثاني كامتداد لهذا النضال من أجل الحصول على المطالب اللغوية والثقافية. لا عجب إذن تكون منطقة القبايل مرة أخرى في مقدمة النضال الاجتماعي بالجزائر، هذه المنطقة المتميزة بثقافتها و وبتقاليد التمرد بهاا. فهنا حدث عام 1871 التمرد القبايلي الكبير الذي أغرقه في الدماء نفس الجنرالات الفرنسيين الذين سحقوا كمونة باريس... هنا أيضا دارت بين 1945و1962أهم معارك حرب الاستقلال، وهنا تجلى القمع الاستعماري في صوره الأكثر شراسة. وهنا أيضا انفجرت في 20 أبريل 1980 خلال الربيع الامازيغي التظاهرات الطلابية ...وكان نصيبها القمع الوحشي. انتفاضة الربيع الأمازيغي الثاني أدى اغتيال التلميذ ماسينيسا كرماح(17 سنة) إلى اشتعال منطقة القبايل كلها في انتفاضة شعبية حقيقية،أججها ما نسب إلى وزير الداخلية يزيد زرهوني أنه وصف الشاب المقتول ب"الجانح". قام الجيش الجزائري بمواجهة الانتفاضة بالرصاص، وقام فيها بدور جيش إسرائيل(دون مظهر الاحتلال والمستعمرات) بوجه شباب ليس لديهم غير الحجارة لمواجهة الرصاص الحقيقي، حيث أدت المواجهات إلى استشهاد أكثر من 120 شخصا وإصابة الآلاف بالجروح واعتقال المئات وإجبار الآخرين على الانتقال إلى السرية. ورغم القمع، يحتل الشباب شوارع المدن والقرى، ويحاصرون جماعات الدرك، ويحرقون الإدارات ويقيمون المتاريس ويرفضون نداءات الالتزام بالهدوء التي تطلقها الأحزاب ومختلف الجمعيات. وتواصل الاحتجاج في ولايتي تيزي وزو وبجاية التي وقعتا تحت السيطرة الكاملة لتنسيقية العروش، وتعطلت النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، مع اتخاذ المسألة أبعادا سياسية، بعد انسحاب حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية من الحكومة وتبنيه مطالب حركة العروش علانية، في محاولة منه لاسترجاع نفوذه في المنطقة والسيطرة عليها. امتدت الاحتجاجات حسب الصحافة الجزائرية لتشمل مدن وقرى أقصى شرق الجزائر(عنابة، منطقة بسكرة وسطيف). تحول نوعي كان الدرس الأساسي الذي تعلمته الجماهير من الانتفاضات التي شهدتها الجزائر؛ ضرورة تنسيق وتنظيم تحركات الاحتجاج. لم يكن هذا الدرس ملكا للمناضلين الثوريين حصرا، بل يجد تعبيره بصورة منتظمة على صعيد جماهيري مشيرا إلى وجود وعي بأن انعزال وتفتت التحركات يشكلان العامل المساعد للقمع. تمثلت الجماهير المناضلة في القبايل هذا الدرس بشكل كبير في انتفاضتها الأخيرة. فبعد القمع الأسود الذي سلط على المنطقة، تم نقل المظاهرات إلى قلب العاصمة، فيما عرف بالخميس الاسود 14 يوينو للاحتجاج على القمع، بلغت المسيرة من القوة الحد الذي دفع الحكومة في بيان لها لوصف هذه المسيرة بأنها"تهديد ليس فقط لاستقرارها بل لاستقرار البلد ككل". وقد التحق آلاف الجزائريين الآخرين بالمسيرة، وحدهم جميعا ما عبرت عن صحيفة "ليبرتي" بـ"لا شغل، لا مال، لا سكن، لا مستقبل". بقصد اضفاء طابع منظم على هذه الاحتجاجات، تم الإعلان عن تأسيس ما سيعرف لاحقا بتنسيقية العروش والقبائل. تبنت وثيقة مطلبية عرفت بـ"أرضية القصور"في 11يونيو 2001، والتي تتضمن 15 نقطة غير قابلة للمساومة على حد قول التنسيقية، حيث يطالب القبايليون بالاعتراف بالهوية الأمازيغية واتخاذ خطة إصلاح ونهوض اقتصادي بالمنطقة. لكن التحول النوعي في هذا الربيع والذي يجب حفزه هو دخول تنظيمات الحركة العمالية إلى جانب الحركة المناضلة من أجل الاعتراف بالهوية الأمازيغية في تنظيم الاحتجاج، وهو ما أعطى للانتفاضة مضمونا اجتماعيا أكثر فأكثر محبطة بذلك سعي النظام الحثيث إلصاق صفة الجهوية والعرقية بالانتفاضة. حاول العمال تنظيم الاحتجاج لتفادي المزيد من الضحايا، هكذا نظمت نقابات التعليم -في بجاية وتيزي وزو، المضربة منذ بداية المواجهات،-مظاهرات في منطقة القبايل برمتها وبدأت في ربط التنسيقات فيما بينها. ويقوم تنسيق مكون من لجان الطلاب ونقابات المدرسين وعمال التربية وبعض لجان القرى والأحياء ببناء جنين للتنظيم في القاعدة في المدن والقرى، وإذا تواصلت الحركة يمكن ان يتقدم هذا التنظيم، إنها أول مرة تتوفر فيه الحركة على بداية تنظيم جدية وديمقراطية. الانتفاضة بين مواقف النظام والتضامن الواجب استكماله حاول النظام منذ بداية الاحتجاج التعامل معه بلامبالاة تامة، فبعد انفجاره وككل ديكتاور يحترم نفسه، أبان بوتفليقة عن استهزائه بالسفر إلى إفريقيا الجنوبية لحضور ندوة حول السيدا تاركا للتلفزة الجزائرية أمر الاهتمام بأحداث القبايل، التي اكتفت بإظهار شباب قباييلي يقومون بإحراق علم البلاد ، كإشارة إلى تهديد الأحداث لوحدة البلاد. لكن تطور الاحتجاج واتساعه، أظهر للسلطة جدية الموقف، فتراوح رد فعلها بين محاولة تجريم الحركة وقمعها. بلغت محاولات تجريم الحركة أقصاها، أثناء تظاهرة الخميس الأسود بالعاصمة 14 يونيو 2001، حين اتهم وزير الداخلية يزيد زرهوني منظمي المسيرة، التي تحولت إلى مواجهات دامية مع قوات القمع، بأنهم لم يكونوا قادرين على تأطيرها. ودعا إلى منع كل المسيرات بالجزائر بسبب ما تؤدي اليع من اضطرابات ونهب وسرقة. كذلك، حاولت السلطة حصر مطالب القبايليين في مجرد مطالب لغوية، وطمس المطالب الاجتماعية الأخرى المشتركة مع باقي الجزائريين: كانت السلطات تأمل، بعزل منطقة القبايل، تأليب باقي المواطنين على"الخصوصية القبائلية"بقصد منع أي التقاء في الاحتجاج. لكن الانفجار بشرق البلد أتاح تجاوز هذا الانقسام الذي جرت محاولة تأبيده، وفي منطقة بورج بوراريج نظمت مسيرة من 10.000 شخص، وهي مظاهرة التضامن الوحيدة في منطقة ناطقة بالعربية. لكن في الجامعات الكبيرة في العاصمة ووهران وقسطنطينة شكل الطلاب لجانا للتضامن، ونظمت مظاهرة أمام قصر الحكومة يوم 3 مايو2001. لم يعد الأمر يتعلق-بالنسبة للجزائريين- بحركة هوية، بل بحركة اجتماعية تسعى بكل الوسائل لمد اليد إلى مجموع شبيبة البلد ضد البؤس والتعسف القمعي والحكرة، والشبيبة بدورها تمد يدها ما في ذلك من شك. كان للمطالب المتعلقة بالهوية دور مفجر محلي للتمرد، فلم تكن قط هدف المتمردين الرئيس. فالذين أتهموا بمحاولة"تقسيم الجزائر"أو"السعي لتحقيق مطالب عرقية"، والذين تحركوا بشكل جماهيري في الأسابيع الاخيرة، وخصوصا في تظاهرة العاصمة الضخمة 14يونيو2001، قد رفعوا شعارات وطنية معارضة لسياسة عامة تطال المجتمع برمته. وقد رفض المتظاهرون القبايليون صراحة الوقوع في الفخ العرقي إذ تمردوا باسم جميع الجزائريين لمواجهة نظام يعتبرونه فاسدا. تأزم موقف النظام خصوصا بعد أن فقد بوتفليقة أهم حليف له ذي توجه علماني(حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية) ،حين قدم الوزيران الممثلان له في الحكومة استقالتهما، وصرح سعيد سعدي بأن"الحكومة التي تعطي الأوامر لإطلاق النار على المتظاهرين لا تستحق المساندة". حاول النظام كبح الحركة بتسليط القمع عليها، مع اعتماد خطاب موجه للاستهلاك الإعلامي يقدم الحكومة بمظهر المطالب بالهدوء والحوار، لكن حجم اتساع الحركة وحجم التضامن معها، حال دون إفقادها المصداقية. محاولات التهدئة ودعوة للمفاوضات لم تكن هذه الاحتجاجات، بحصيلتها الثقيلة من قتلى وجرحى، دون نتيجة تذكر. فقد استطاعت لفت انتباه الرأي العام الوطني والدولي إلى ما يعانيه الجزائريون في بلد المليون شهيد تحت حكم العسكر. كما استطاعت الحركة تركيع رأس سلطة الدولة، ففي مطلع 2002 كلف بوتفليقة رئيس الحكومة علي بنفليس بفتح حوار مع تنسيقية العروش، وهو بمثابة نصر معنوي لحركة ما فتئ النظام يعتبرها تهديدا لوحدة الوطن ومؤامرة أجنبية. كما أعلن بوتفليقة، خلال اجتماع لمجلس الوزراء في يوليوز 2003 ، موافقة الحكومة الجزائرية على تضمين اللغة الأمازيغية في النظام التعليمي. وأوضحت الحكومة في بيان لها انها ستقوم بتعديل قانون 1967 حول التعليم بإدراج اللغة الأمازيغية في النظام التربوي يرافقها حفز كافة الإمكانيات التنظيمية والتربوية لتنفيذ هذه القرارات. وفي غشت 2003 قررت الحكومة الجزائرية تخصيص مبالغ مالية تقدر بـ604.25 مليون دولار لتحريك عجلة التنمية بمنطقة القبايل. يبقى تنفيذ هذه القرارات حبيسا بين استعمالها من طرف النظام لاحتواء الحركة ورفض القطاعات اليمينية في الأحزاب السياسية للمطالب الأمازيغية. لكن في التعيين الأخير لقدرة الحركة على الاستمرار في الاحتجاج والتوسع والتنظيم. وتبقى النتيجة الإيجابية والأساسية هي أنه؛ إن لم تستطع الجماهير المنتقضة في أبريل 2001 كسب المطالب الواردة في أرضية القصور، فإن هذه الأرضية استطاعت ان تكسب الجماهير للنضال من اجلها. خلاصات لتعميق البحث 1- كما ان ربيع 2001 ليس خاصية قبائلية محضة، فهو أيضا ليس خاصية جزائرية بل تتعدى دروسها الإطار الجزائري. فقد جاءت الانتفاضة في سياق تنامي الحركة المناضلة بالأرجنتين،منذ ديسمبر 2001،ضد السياسات البورجوازية التي ترعاها المؤسسات المالية للنظام الإمبريالي، وفي سياق تنامي النضالات العمالية في الحواضر الإمبريالية، وتوسع وتجذر الحركة العالمية المناهضة للحرب والعولمة. 2- شكلت انتفاضة أبريل 2001، أول دينامية ثقافية واجتماعية منذ سنوات، ارتبط فها بوضوح ما هو ثقافي بما هو اجتماعي، فقد حدث تحول جوهري قي المطالب حيث تم تجاوز إطار المطالب الثقافية. 3- جذرية واضحة قي المطالب المصاغة في أرضية القصور، خصوصا المطلب المتعلق بترحيل وحدات الدرك الوطني عن المنطقة، وتسليم مهمة الأمن إلى منتخبين محليين. هذه النقطة اعتبرها عالم الاجتماع الجزائري المقيم بفرنسا، الدكتور الهواري عدي، مربط الفرس في لائحة المطالب، لأن تسليم مهمة الأمن للمنتخبين هو الحد الفاصل بين دولة بوليسية وجمهورية ديمقراطية. 4- لا يعود السبب وراء انتفاضة القبايل، إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية إو إلى مشكل الهوية فقط، بل يجب البحث عن أيضا في طبيعة السلطة القائمة التي يحبذ قادتها الخيار العسكري-الأمني، فالمتظاهرون لم يكونوا يطالبون فقط، بالمنازل والعمل وترسيم الأمازيغية، لكن الشعارات التي رفعوها كانت تنعث بـ"المجرمة" وأطلقت"إرهابية"و"فاسدة"على الحكومة. درس قديم يتكرر كان الدرس الذي استخلصه الثوريون من انتفاضة أكتوبر 1988، هو أن العنف وشجاعة وعفوية الشباب، وتزامن المظاهرات في عدة مدن والربط بين الطبقة العاملة والشباب لا يكفي وحده، إن لم يكن هناك تأسيس بديل عمالي وشعبي مستقل، وأن انتفاضة أكتوبر لم يكن لها تلك القيادة السياسية ولذلك فشلت. يتكرر هذا الدرس مرة أخرى، في انتفاضة أبريل 2001، فرغم قتالية وشجاعة شباب اعزل، ورغم شدة العنف ، وامتداد الاحتجاجات إلى مناطق ناطقة بالعربية وتدخل نقابات العمال في تنظيم الاحتجاج. يبقى الشرط الأكثر إلحاحا لضمان انتصار نضال الجزائريين- بما فيهم القبايليون- هو بناء الأداة الثورية للطبقة العاملة، التي ستمركز نضال كافة الطبقات الكادحة في الجزائر ضد سلطة الدولة الرأسمالية التابعة. أزنزار
#التوجه_الأمازيغي_الكفاحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|