|
إتّقوا الله فينا ..أيّها المقاولون!
كاظم .م. صخر
الحوار المتمدن-العدد: 2069 - 2007 / 10 / 15 - 11:53
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أبرزت إحدى القنوات الفضائيّة شريطا فيه خبر عن إحدى المحافظات يقول فيه مدير عام تربيتها أن كافة مباني المدارس والمؤسسات التربوية التي تم إنشاؤها ضمن وخارج عمليّة إعادة الإعمار ليس فيها ولا واحدة تصلح لممارسة العمليّة التربويّة بسبب سوء التنفيذ ورداءة الأعمال. عدت بذاكرتي إلى ما يقرب من أربعين عاما واستعرضت المعاناة المريرة والطويلة التي قضيتها وأنا أنبّه إلى سوء عاقبة ما جرى وما زال يجري في عالم البناء والإنشاءات والمقاولات شعرتُ بحزنٍ عميق وكآبة مضاعفة لقد حاولت طوال حياتي أن أنبّه مختلف الناس مسؤولين وغير مسؤولين ومن معتنقي مختلف المعتقدات إلى الكارثة التي يسعى إليها الجميع ولكن لا أحد كان يريد أن يُصغي لقد تفاقمت المشكلة واستعصت الآن على الحل واستحكم الفساد وأبرز مظاهره ما هو مستحكم في مضمار البناء والإعمار والمقاولات على وجه التحديد جوانب الإخفاق متعددة ومصادر ومنابع المعضلات تتطلب مؤتمرات واسعة وطويلة ولا أزعم أن مقالا بمثل حجم مقالي المتواضع هذا يمكنه أن يجمع ولا أن يحصر أركان الكارثة التي تحلّ بالبلاد نتيجة فساد الأجهزة التنفيذيّة الرسمية والأهليّة وتعفن أساليب التنفيذ إلى حد كبير ولا أزعم أيضا أن المشكلة ابتدأت منذ أربعين عاما أو نحو ذلك لأنها كانت موجودة قبل ذلك وهي موجودة الآن ولكن الذي حدث أنها تفاقمت كما قلنا وتضاعفت لمرات عديدة وهائلة أتذكر أنني في أول حياتي العملية أنيط بي هدم خزانات خرسانيّة أرضيّة لمعالجة المياه واحيلت أعمال الهدم بعهدة أحد المقاولين وكانت الأحواض قد تم تشييدها في ثلاثينيات القرن الماضي ولكن المقاول عجز تماما بما توفر له من وسائل ومعدات من أن يتم العمل وتشفعت له أطراف متعددة بدون جدوى حتى أوشكنا أن نستخدم المتفجرات ولكن المطاولة أنتجت المبتغى بيد أننا وجدنا أن قضبان التسليح التي نتجت عن الهدم والإزالة وجدناها بحالة جيدة وأن أيّا من القصبان لم يكن يعاني من أي مظهر من مظاهر الصدأ ولولا تضرر استقامتها لكان من المغري اسخدامها لبعض الأعمال الأخرى رغم انها تعود لخزانات مياه أرضيّة، فيما بعد, وبعد عشرين عاما أنجزت إحدى المؤسسات مبنى جديدا لها وتم تنفيذ هيكله بالخرسانة المسلحة وبإشراف عدد من المهندسين ولكن لم تمضِ سوى خمس أو ست سنوات على إنجاز المبنى حتّى أخذ سقف المبنى الخرساني ينضح بالماء وانحنى السقف لتضرره ولم نجد بدّا من إزالته لمساحة محدودة تعادل المنطقة المتضررة تقريبا ولكن الجميع فوجيء بظهور كافة قضبان التسليح وهي سوداء ومتخصّرة ومتفحمة وكانها خطوط من الفحم ليس إلاّ! وهلمجرّا ..أخذت الأعمال تتدنّى شيئا فشيئا حتى بلغت حدا كانت فيه المباني الجديدة بعد إنجازها مباشرة تبدو وكانها مباني قديمة وآيلة للسقوط حتّى وصلنا إلى تصريح مدير عام التربية المذكور بصدر مقالنا هذا ماهي الأسباب؟ المقاول؟ الجهة الهندسيّة المشرفة؟ المؤسسة المنفذة؟ كل هؤلاء مجتمعين هم مسؤولون ولكن ظهرت علينا أطراف جديدة منذ بداية العهد البائد وهي الأجهزة السرّيّة والتي كانت تهدف إلى جعل نفقاتها غير منظورة ولكي تعمل بالظلام ولكي تكون فوق القانون وتغطّي على من يتعاون معها دابت على تحويل قطاع واسع منهم إلى ميدان المقاولات بدون أن تكون لهم دراية ولا خبرة بهذه الأعمال وبسبب النفوذ الذي اصبحوا يتمتعون به والإسناد الذي يحصلون عليه من المؤسسات السرّية فإنه أصبحت لهم فورا اليد العليا والطولى وتم احتواء الموظفين التنفيذيين والمشرفين تارةً بالإغراء وتارةً بالترهيب وفقدت المؤسسات المشرفة والتنفيذيّة بل حتى التخطيطيّة والتصميميّة دورها الكامل لعدم وجود جهة تستطيع الوقوف بوجه المارد الجديد الذي لم يكن يعرف حلالا ولا حراما ولا ما هو مشروع مما هو غير مشروع لم يكن ذلك ممكنا أن يحدث بهذا الحجم الواسع لولا التشجيع والهوس والجنون الإستخباري الذي اتجه إليه معظم رجال الحكم البائد وكانهم وجدوا فيه مصباح علاء الدين ولما استفحل الفساد وتحكّم في الأجهزة الإستخباريّة ذاتها تشظّت إلى مجموعات ومافيات ازداد بأسها في أواخر العهد المذكور بسبب تضرروتصدّع الواقع الإقتصادي والمعاشي وأخذ كل مسؤول يشغل موقعا ولو بسيطا يعمل على تكوين مجموعة أو عصابة تنتهج الأسلوب الإستخباري وتنظم فريقا يدخل اعمال المقاولات ظاهرا وتمارس مبدأ احتواء وإفساد الموظفين وتتبع سياسة الترهيب والترغيب في تطويع مختلف العاملين لكي ينفذوا إرادتهم وفقد الموظفون العموميون أكثر فأكثر قدرتهم على أداء دورهم الموكل إليهم بموجب القانون ولا حتى بموجب شرف المهنة وهكذا اخترق المقاولون والعصابات والمافيات أجهزة الدولة وجعلوا معظم العاملين ينفذون مآربهم الخاصّة على حساب الصالح العام وبإدواته ذاتها وأصبح القول يصحّ: ومخربين يخربون ديارهم ـــــــــ ويُكافؤون على الخراب رواتبا وباسم سعيهم لاستدراج وإجبار مختلف الموظفين للعمل معهم في مسارهم السياسي فإنه لم يكن الأمر كذلك ابدا بل كان ذلك مظهرا حسب فقط أما جوهره فقد كان احتواء العاملين وتجنيدهم كعبيد وأدوات لزيادة الفساد والتوسع في أعمال الغش والإختلاس وخيانة الأمانة وأصبح اداء الواجب يتخذ شيئا فشيئا معنى جديدا وهو أن يصب في مصلحة تلك العصابات والمافيات فإن لم يكن كذلك فإن الموظف يكون سيئا وكسولا ويخرج فائضا وأنه لم يعد يعمل وتتجه المؤسسة السرّيّة إلى توجيه عناصرها لجعله يبدو هكذا بكل الوسائل المتوفرة لديها من فنون العمل الإستخباري والأمني ثم يتم التخلص منه أما من يخدم المآرب المنحرفة فستقوم الأجهزة السرّيّة بإظهاره في مظهر المجد والمثابر حتى لو كان أداؤه أردا ما يكون ويحوز على التشجيع ويُعفى من التقصير وتتاح له فرص كبيرة للتلاعب والإختلاس وممارسة الرشى على مشهد ومرآى من الجميع بل إنقاذه من عواقب أعماله باندفاع كبير وبجهود ليس لها مثيل حتى إذا استحكم الأمر وانقضى العهد البائد بسيئات اعماله جاء آخرون وتراصف لهم عتاة الفساد واصبحوا بعد وقت قصير كما يقول المثل مع الإعتذار لأبناء شعبنا(واحدهم قاري وخاتم وصايح آمين!) . لقد تم فتح عيونهم على ما لم يعرفوه ولم يسمعوا بمثله من فنون التلاعب وانبهر من انبهر وسارع من سارع وكأن الدنيا ابتسمت له اليوم وعادت حليمة إلى عادتها القديمة! وزاد من الطين بلّه أن بعض المؤسسات السياسيّة ولا نقول جميعها وجدت في هذا الأسلوب وسيلةً لتوفير الإنفاق والتمويل المالي على مجهوداتها السياسيّة واندفعت نحو تشكيل شركات وخلق أو إيجاد صيغ للتعاون مع مقاولين محليين أو غير محليين ممن يتقنون اللعبة جيدا لتبدا ممارسة نفس الدور وتوفر الغطاء اللازم لهم لممارسة الأعمال التي سبق وصفها ! من سيدفع فاتورة كل هذه التلاعبات يا ترى؟! أليس هو المواطن صاحب المصلحة الحقيقية ؟ أليس هم الأطفال الذين سينشأون تحت سقوف تنضح بمياه المطر ولا يتوفر فيها أي شرط يناسب العملية التربويّة كما قال المدير العام في مطلع مقالنا؟ أليسوا هم المرضى وهم أقرباؤنا وأبناؤنا؟ أليسوا هم أصحاب المركبات التي تعاني من سوء التبليط ورداءة أعمال المجاري؟ أليسوا هم أخواننا وأبناؤنا وأبناء وطننا العراق الذي يتباكى الجميع عليه؟ من سيوقف هذا القطار المنطلق بأسرع ما يُمكن إلى الهاوية؟ عندما بدات رحلة العذاب بالنسبة لي بسبب استعمال حقّي لرفض الأعمال أو بعض الأعمال غير المطابقة للمواصفات لم أدرك انها رحلة ستطول إلى هذا الحد ولم اتصور أن الخراب ماضٍ إلى هذا الحجم وإلى الجحيم ! لقد بدأت رحلة الخراب بمحاولات المقاولين تقديم الرشى لبعض المهندسين بدعوى تمشية أعمالهم،ولكن انظروا أيها الأخوة المقاولون الذين لا أشكّ بوجود قليل منهم ممن يتمتع بشيء ولو ضئيل من المهنيّة ..أنظروا إلى ما آلت له الأمور! لم يعد هناك مقاولون محترفون بل مقاولون مرتبطون بالأجهزة السرّيّة وآخرون مرتبطون بمؤسسات سياسيّة وسواهم مرتبطون بجهات لا يعلمها آلاّ الله والراسخون في العلم..! إتّقوا الله فينا أيّها (المقاولون)واقصد منهم من يقولون ما لا يفعلون!
#كاظم_.م._صخر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق الجمعة 2
...
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
-
-كورونا وميسي-.. ليفاندوفسكي حرم من الكرة الذهبية في مناسبتي
...
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|