صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2068 - 2007 / 10 / 14 - 14:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وا حرَّ قلباه.....يا وطني 5
ما ألجديد في العراق الجديد....؟
قبل أن أبدأ بسفرتي ألأخيرة إلى الوطن في شهر أيلول الماضي أجريت مكالمة تلفونية مطولة مع أحد ألأصدقاء في بغداد من ذوي العلاقة بالجهاز الإداري الحكومي ومن المطلعين على طبيعة عمله. وقد أخبرني هذا الصديق محذرآ من خيبة ألأمل التي ربما سأواجهها عند ترويجي لبعض المعاملات الرسمية في المكاتب الحكومية ذات العلاقة . وحينما سألته عن أسباب هذا التحذير لم يوضح لي ما قصده , بل قال لي : راح تجي وتشوف بعينك..... وفعلآ فقد أتيت ورأيت بعينيّ ما تمنيت أن لا أراه في العراق الجديد الذي تمنيته أن يكون جديدآ فعلآ في نظام الإدارة الذي عانى ما عانى طيلة ألعقود الماضية من تاريخ العراق الحديث .
أللاأُبالية التي تنعكس على وجوه بعض القابعين والقابعات وراء ألمكاتب وكأن القادم نحوهم من المواطنين ذوي القضايا المتعلقة بعملهم يستجدون منهم مالآ أو يطبلون منهم ما لم يسمعوا به من قبل . وتنعكس هذه ألحالة على أحسن صورها في تلك المكاتب التي يتكدس فيها بعض الموظفين من الرجال وهم يتفنون في حركة المسبحة بين أصابعهم , مناضدهم يعلوها الغبار الذي لم ير ورقة أو قلمآ أو كل ما ينم عن إنتماء هذه المنضدة إلى جهاز إداري له علاقة بقضايا قد تكون ذات أهمية قصوى لهذا المواطن أو ذاك . أما ألسيدات فيبعثن على العجب حقآ وحقيقة بالصبر الذي يتحلين به بالجلوس ساعات على كرسي " ألعمل " تحدق الواحدة منهن بالأخرى بانتظار أن تُقرع أجراس الخروج من المكتب والذهاب إلى البيت لتعاود الكرة على هذا المنوال في اليوم التالي والأيام التي تليه .
لقد قلت آنفآ " بعض " وهذا البعض الذي يأخذ ألكثير من المال العام ومن الدولة ولا يعطيها ولا يقدم للمجتمع إلا قليلآ من ألإنتاج, هذا البعض موجود فعلآ في أغلب المؤسسات الحكومية التي يشملها المبدأ الجديد في توزيع المناصب والوظائف في جهاز الدولة العراقي الجديد والذي يستند إما على المحاصصات الطائفية أو المعاملات النقدية التي وضعت مبلغآ من المال أمام الوظائف الحكومية التي يتاجر بها سماسرة ألأحزاب الدينية المتسلطة على مفاصل الدولة العراقية الجديدة . ولذلك فإن مبدأ التوزيع هذا لا يعرف مصطلحآ إسمه الكفاءة أو التخصص , بل يعمل على قاعدة وضع الشخص المناسب في الدفع في المكان المناسب الذي دفع به هذا الشخص مبلغآ مناسبآ من المال. فلا يجوزمثلآ , حسب هذا المبدأ الذي يحاول أن يضع الحق في نصابه مميزآ بين ألحلال والحرام , لا يجوز أن تضع شخصآ دفع خمسة دولارات , أي خمسة أوراق بالعراقي الفصيح , كفراش في مدرسة أو في مكتب حكومي , إذ أن هذا المبلغ يساوي منصب شرطي مثلآ أو أي منصب آخر يستطيع صاحبه إسترجاع رأس ماله من خلاله بالسرعة الممكنة . لذلك جاء التكديس في مثل هذه المؤسسات دون أن يكون هناك أي إعتبار للحاجة الفعلية لهذه القوى التي ينبغي أن تكون قوى عاملة لا أجساد خاملة . لقد شكلت هذه الظاهرة إحدى الظواهر التي إستعدت بها تحذير صديقي لي , فقد كان على حق إذن فيما قاله .
ولا نريد أن نجافي الحقيقة ونَصفُ كل الجهاز الحكومي بالكسل والخمول . فهناك , والحق يُقال ,من يعملون ما في وسعهم لتمشية أمور المراجعين , وهنا تأتي علامة ألإستفهام الكبرى حول طبيعة العمل هذا وكيف يعمل هؤلاء.....؟ إن كثيرآ منهم من يعمل حسب قوانين وتعليمات كان المفروض بها أن تختفي منذ أمد طويل إذ أنها مرتبطة إرتباطآ فعليآ بالنظام البعثفاشي المقبور. ألسيدات والسادة المُكلَفين بالعمل في بعض المؤسسات الحكومية لا زالوا يعيشون أجواء وروحية النظام المقبور الذي سلب الموظف الحكومي الجرأة على إتخاذ القرار وسرق منه إستقلالية شخصيته وعدم قدرته على لَيْ القانون بالإتجاه الذي يسمح له بتسهيل ألأمور لا بتعقيدها. إن الموظف في مثل هذه المؤسسات لا يستطيع أن يبلور حركته ضمن القانون , وليس خارجه , باتجاه التفسير الإيجابي للمواطن الذي عانى ما عانى من القهر والظلم والتهميش والإبتزاز في العهد المقبور , فلم يجد نفسه في هذا العهد الجديد بحال أحسن ولا في مكاتب أفضل من ذي قبل . التوجه العام السائد هو ألإلتزام ألأعمى بالروتين السابق والتخلص من مسؤولية إتخاذ القرار الواضح ومحاولة إزاحة القضايا نحو ألأعلى دائمآ ليكون هذا ألأعلى , الذي يندر وجوده في مكان عمله الطبيعي , هو صاحب القرار النهائي وبالتالي فهو الذي يتحمل المسؤولية في ذلك , ويبقى المواطن يلهث من مكتب إلى آخر بين هذا وذاك ليصل إلى القناعة بالمثل العراقي المعروف : شِليلة وضايع راسها . وهنا تذكرت مرة أخرى تحذير صديقي لي الذي قال لي : تعال وشوف , وقد رأيت فعلآ كيف يصار إلى إستدراج المواطن , ونقولها ثانية في بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية وما أكثرها اليوم في العراق الجديد , إلى أن يسمع " نصيحة " ألبعض الذي يقدم نصائحه هذه للمواطنين لوجه ألله لا يريد جزاءً ولا شكورآ , حيث هكذا علّمَه من أتوا به من المتدينين الخاشعين الركع السجود ليلعب هذا الدور, والنصيحة المجانية هذه تقترح المبلغ من المال الذي قد يُعين المواطن على حل لغزه والتوصل إلى راس الشليلة الذي ضاع منه في خضم بحر مراجعاته .
بعض العاملين في الجهاز الحكومي لهم طبيعتهم وطريقتهم الخاصة بالتعامل مع تلك ألشريحة من المواطنين التي نالها القهروالظلم والضيم والفصل ألسياسي أو ألإجبار على ترك موقع العمل خلال عقود التسلط البعثفاشي المقبور, خاصة إذا كانت هذه الشريحة لا تنتمي إلى ألأحزاب الدينبة بشكل عام أو أنها تنتمي إلى أحزاب وجماعات تختلف في توجهاتها العامة مع الحزب الديني المتسلط في المنطقة أو المؤسسة التي يرغب أن يعود لها أو يعمل فيها هذا المغبون . ألكل يعلم بصدور قوانين خاصة بهذه الشريحة من المواطنين التي لا يُستهان بعددها ولا بإمكانياتها في العمل .وإن هذه القوانين كانت فعلآ إيجابية في محتواها بالنسبة لهؤلاء . وبدلآ من أن يحقق السيدات والسادة المسؤولون عن تطبيق هذه القوانين إمكانية مطاطية القوانين واتخاذ جانب من سَلبَه النظام المقبور كل حقوقه في العمل وما ترتب على ذلك من إنقطاع المورد المالي والملاحقات التي أجبرت الكثيرين على ترك الوطن أساسآ والتغرب في أرض ألله الواسعة , فإنهم يلجأون إلى العكس من ذلك تمامآ فيفسرون ويوأولون ما شاء لهم التفسير والتأويل الذي ينم عن قصد مسبق وغباء مطبق فيضعون الأحجار والعصي وكل ما تتفتق عنها أذهانهم من عراقيل للحيلولة دون تطبيق القوانين الخاصة بهذا الشأن لمصلحة أصحاب العلاقة في هذا ألأمر. مرة أخرى تذكرت التحذير الذي أشعرني به صديقي ورددت مع نفسي : تعال وشوف .
ألإيمان بالمقولة : لو خُليت قُلبت , له ما يبرره أحيانآ حتى تحت أشد الظروف وطأة وأصعبها تحمُلآ . وهذا ما عشته فعلآ وما يجب أن يُقال هنا علّه يكون كالسلسبيل الذي يروي العطاشى من العراقيين لكل خبر مُفرح ومُسّر والذين أصبحوا يفتشون عنه كمن يُفتش عن إبرة في أكوام التبن . يكاد يكون الجهاز القضائي العراقي من ألأجهزة المتميزة التي تتعامل مع واجباتها ومع المواطنين بروحية وشفافية يمكن أن تكون جديدة فعلآ عن تلك التي عاشها المواطن طيلة عقود التسلط الديكتاتوري البغيض . في هذه المؤسسة يشعر المواطن بأنه يتعامل مع أناس يتعاملون مع القانون تعامل العارف بآلة عمله والواثق من صحة قراره والذي يتخذه لا لعرقلة أمر عن عمد , بل لتسهيل مهمة ضمن النطاق القانوني المعمول به وليس خارجآ عنه . هذه الملاحظات الشخصية التي إنطبعت في ذاكرتي عن الجهاز القضائي العراقي ذكرتني أيضآ بتحذير صديقي لي الذي خاطبته سرآ وعلى بعد : تعال إنت وشوف كيف يسير العمل في جهاز القضاء العراقي .
لقد وضع تقرير ألإتحاد العالمي لمكافحة الفساد لعام 2007 والذي صدر في أواخر أيلول من هذا العام مؤشرات إحصائية وسُلم لدرجات الفساد تراوحت بين ألنزاهة التامة والخلو التام من فساد الجهاز الحكومي والإداري والتي حازت على الرقم واحد والذي حصلت عليه فلندا يليها كل من الدنمارك ونيوزيلاندا , بينما حصلت الصومال على الرقم 180 باعتبارها آخر دولة في النزاهة وأولها في الفساد . هل تعلمون موقع العراق الذي تتسلط عليه ألأحزاب التي تخاف ألله وتعبده ليل نهاربين دول العالم الكافر منه وغير الكافر......؟؟؟؟ إنه الموقع الحائز على الرقم 178 , أي أن وطننا العراق الجديد متقدم على آخر دولتين في سُلم النزاهة وهما صوماليا وماينمار. فهنيئآ للقائمين الليل الصائمين النهار على هذا الموقع الذي حققوه للعراق الجديد في ظرف زمني لا يتجاوز الخمس سنوات , فكيف ستكون أمور هذا الوطن وأي رقم سيحتله في سلم النزاهة لو تسلطت عليه أحزاب الفتاوى ألإنتخابية لخمس سنوات أخرى مثلآ.....؟ ألجواب متروك لك أيها المواطن العراقي .
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟