أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد المدلاوي المنبهي - تطور مفهوم المواطنة عند المغاربة (مقياس الملة والمعتقَد)















المزيد.....

تطور مفهوم المواطنة عند المغاربة (مقياس الملة والمعتقَد)


محمد المدلاوي المنبهي

الحوار المتمدن-العدد: 2066 - 2007 / 10 / 12 - 11:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تسبيق خلاصة المقال:

بيدو أن ثقافة المواطنة لم تحقق بعد شيئا جوهريا ذا بال في مغرب الألفية الثالثة بالرغم مما تلاحق من تقلبات في أشكال وشكليات كثير من الأمور في السنين الأخيرة (تجربة التناوب، الإنصاف والمصالحة، ورش التوازنات اللغوية والثقافية، مدونة الأسرة، ورش تحديث المضامين الأيديولوجية لمحتويات التربية). ولعل عناصر الحقائق الآتية تؤكد هذا التشكك.


مقدمة للمعطيات

من النكت النمطية التي كانت تـروج في بعض أوساط الاستقطاب والتعبئة الصهيونية خلال فترة الحرب الباردة المتسمة بثقافة التقاطب الثنائي بين يمين "محافظ رجعي" ويسار "تققدمي" نكتةٌ أصيلة وفعالة تدّعي أنها تصور الوضعيةَ الموضوعية لأي مواطن يهودي في أي دولة من دول العالم.
فلقد زعموا أن أحد علماء الاجتماع قد صاغ سؤالا بسيطا هو "من هي الشخصية اليهودية الأكثر شهرة وصيتا في الأزمنة المعاصرة؟". ثم طرح السؤال كتابةً على مجموعتين مختارتين من المستجوبين، مجموعة من ذوي الميول اليمينية المحافظة، ومجموعة من اليساريين التقدميين، كل مجموعة على حدة. فكانت النتيجة أن "فاز" الشيوعي "كارل ماركس" عند مجموعة اليمينيين باعتباره أبرز شخصية يهودية في العالم في اعتبارهم، بينما فاز الرأسمالي الشهير دافيد روكفيلر (أو لعله ماير روتشيلد، لم أعد أذكر بالضبط) لدى مجموعة اليساريين. إن مغزى النكتة واضح : لا نتبين البعدَ اليهودي المعيش أو الانتسابي لشخصية معينة إلا حين تقترن تلك الشخصية لدينا من خلال أفعالها أو أقوالها بما نعتقد أنه سوء أو شر.


المعـــطيـات

لقد تذكرت هذه النكتة سنة 2001 على هامش قضية المواطن المغربي، المطرب "بينحاس كوهن"، الذي كان قد أُودع السجنَ حينئذ بتهمة التلبس بتهريب العملة، ثم أطلق سراحه بعد ذلك بناء على صلح قضائي مع الأطراف الصرفية المعنية، وذلك حينما قرأت مانشيطا بالصفحة الأولى للأسبوعية المغربية "أخبار الأسبوع" (عدد 39؛ 16 ديسمبر 2001) التي كان يصدرها السيد "أنس التادلي". يقول المانشيط الذي وضع بين صورة للمطرب المذكور وكاريكاتور صغير لشخصية بهندام اليهود اللوبافيتش ما يلي : "الخروج من السجون المغربية يقتضي اعتناق اليهودية".
ولقد عادت نفس الأسبوعية لسبعة أشهر بعد ذلك (عدد 112؛ 19 يوليوز 2002) إلى نفس الموضوع وبشكل أكثر حدة على إثر العفو الملكي على مجموعة من السجناء بمناسبة حفل القران الملكي. فقد ورد في مانشيط صفحتها الرابعة ما يلي: "العفو للمجرمين واليهود والبيادق، والعذاب الأبدي لأبناء الشعب".

لقد كتبتُ حينئذ (19 فبراير 2001) حول الموضوع مقالة باللغة الفرنسية بعنوان "قضية بينحاس كوهن: موضوع واحد ومنظارات متعددة" رفضَ الجميعُ نشرها. ولقد ورد فيها ما أسوقه فيما يلي بتصرف موضوعا بين قوسين مزدوجين :

((لقد جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للمسيرة الخضراء ما معناه مترجما عن صيغة فرنسة:
"أننا لن نسمح أبدا في إطار دولة القانون التي نحن الضامنون لها أي مساس مهما كان بحريات وأمن وممتلكات ومقدسات رعايانا الأوفياء مهما كانت عقيدتهم. وليعلم الجميع بأننا نسهر على سمو القانون والشرعية وأن كل من يمسهما سيتعرض للعقوبات القضائية".
ولقد صادف الأمر أن كانت وسائل الإعلام قد تحدثت عن إيداع المغني بينحاس كوهن السجنَ يوم 13 نوفمبر 2000 على خلفية تهمة التلبس بتهريب العملة. لقد كان الحدث سيمر كحدث عادي في بابه طبعا، باب قيام مصالح الجمارك بدورها في حماية الاقتصاد الوطني، وقيام القضاء بممارسة سلطته كما حددها الدستور. إلا أن الظلال الدلالية للكيفية التي قدم بها قسمٌ من الصحافة المغربية الأمرَ ألبس الحدث لبوسات مشوشة ليس فقط على الدلالات القضائية العادية للمسألة ولكن حتى على مفاهيم المواطنة بمفهومها الدستوري الحداثي.

من ذلك مثلا، مقال للسيد "شنكو" بعنوان "بينحاس يسقط في كمين" في أسبوعية Maroc Hebdo International n 440 (17-23 nov. 2000) . وقد بدأ المقال باستعراض الوقائع ثم انتهى بإعطاء المسألة منحى خاصا بتركيزه على أخلاق وبيوغرافيا المتهم المدان.
فلقد تحدث المقال مثلا عن الفنان المعتقل قائلا "إن أغانيه التي ترصّع كلماتـها تعابيرُ مغربيةٌ أصيلة ومرجعيات إسلامية واضحة تنبعث منها روحٌ مغربية قريبة المأخذ. أما فيما يتعلق بالمخالطة والمعاشرة، فإن لبينحاس من الأصدقاء المسلمين أكثرَ مما له من أصدقاء يهود؛ ولقد سبـّب له ذلك بعضَ المضايقات في أوساط الجماعات اليهودية المغربية (...). فها قد اتهمته إذاعة الرصيف مثلا بالعمل على تحويل الأموال لصالح إسرائيل. لقد أثر هذا القدح والتشنيع على معنوياته أكثر مما أثر فيه الحكم الصادر عن المحكمة في حقه. فـبينحاس كوهن لم يكن قط مواليا لإسرائيل، ناهيك أن يكون ممن أُشـربَ الصهيونية.(...) هناك نقطة أخيرة تميز النزيل الجديد لسجن عكاشة: إنه مواطن ليس له جنسية أخرى غير الجنسية المغربية، خلافا لكثير من مواطنيه من اليهود والمسلمين."

إن القارئ ليخرج من قراءة مقال السيد شنكو بما مفاده أن من بين العناصر التي يتعين على القضاء المغربي أخذُها بعين الاعتبار في إصدار الأحكام وفي التماس ظروف التشديد أو التخفيف في القضايا المدنية والجنائية توجد درجةُ ومدى تعاطف أي مواطن متهم مع هذه المجموعة الملـّية المغربية أو تلك، ومدى قـُربه منها أو بعده عنها. وبذلك يلتقي تصور السيد شنكو للمواطنة مع تصور السيد "أنس التادلي"، ولو أن الصحفيين قد انطلقا من منطلقين متعارضين: فأنس التادلي يستكثر الاستفادةَ من حق العفو على فئة من المواطنين بناء على أبعادهم الملية، بينما يدعو السيد شنكو إلى تمتيع البعض من نفس الفئة من المواطنين المغاربة بمعاملة قضائية استثنائية، وذلك بمقدار ابتعادهم عن محيط ملتهم وقربهم من المسلمين، أي كجزاء لهم باعتبارهم من المؤلفة قلوبهم.))

بعد ستّ سنوات من قضية بينحاس كوهن وما أبانت عنه وأفصحت من تصورات بعض صناع الرأي العام من الصحفيين المغاربة لمفهوم المواطنة وصياغتهم لذلك التصور وتسويقهم إياه عبر منابرهم، نقرأ في الصفحة الأولى ليومية "المساء" المغربية (عدد 326 ليوم 5 أكتوبر 2007) عنوانا مثيرا وببنط سميك يقول:
"راهب يهودي وابنه يعتديان على شرطي بالبيضاء" (يريد أن يقول "ربـّـي يهودي").

ثم يضيف عنوانٌ فرعي باللون الأحمر ما يلي:
"الشرطي دافع عن الراهب ليحميه من غضب الناس الذين تعاطفوا معه [أي مع الشرطي]".

وبقطع النظر عن تفاصيل الواقعة، التي لا تخرج، من حيث المبدإ والجوهر، عن الوقائع الروتينية، التي لا بد أن يكون فيها أحد الأطراف أو كلا الطرفين خارقا للقانون، فأن ما له دلالة من نفس القبيل الذي وقفنا عليه أعلاه لدى الصحفيين السابقين هو أن كلمة "يهودي"، باعتبارها من التفاصيل الدالة، قد وردت سبعَ مرات في نص جذاذة إخبارية من حوالي 120 كلمة، ممثلة بذلك حوالي 5 في المائة من حجم النص. وذلك، كما لو أن الفعل المدني، أو الجنائي المعين، يكتسب دلالة قضائية خاصة حسبما إذا صدر عن مسلم، أو عن يهودي، أو عن عربي، أو عن أمازيغي، أو عن حضري أو عن بدوي أعرابي، أو عن مسلم بهندام خاص أو مسلم غير ملتزم، إلى آخر ما هناك من صفات الإقصاء التي لا حدود لقائمتها حينما تكون هناك ثقافة للإقصاء.
والخطير في الأمر هو أن يشير الخبر، الموقّع باسم اليومية، وفي إلحاح على التفاصيل، إلى أن "العشرات من الشهود قد توافدوا على دورية الأمن متطوعين للإدلاء بشهاداتهم لصالح الشرطي". إنه، من حيث الشكل، لسلوكٌ مواطنٌ عال أن يهب المواطنون إلى تقديم شهاداتهم في مثل تلك المواقف بدل أن يتواروا مفضلين "تجنب المشاكل" و"ضياع الوقت" و"وجع الرأس". ولقد قمت شخصيا مرارا بمفردي بمثل ذلك كان آخرها قبل سنتين حينما ترجلت من كلية الآداب أكدال بالعاصمة نحو مركز المدينة، فوجدت في طريقي إحدى السيدات كان قد أوقفها شرطيا مرور شابّــان في باب الرواح، وهي تكيل لهما من ألوان السباب ببذيء القول ما يندى له الجبين، متوعدة إياهما بمغبة ما أقدما عليه، فكان الناس في تلك المرة يمرون في كلا الاتجاهين ملتفتين لكن غير متوقفين. أما أنا فقد هالني الأمر فتقدمت إلى أحد الشرطيين، بينما كان الثاني يتحدث في "الطوكي-ووكي"، معربا له عن استعدادي للإدلاء بشهادتي وذلك بدون أن يدور بخلدي أن أعرف أولا ملة السيدة السليطة اللسان، التي ما أن سمعت كلامي حتى أمطرتني بدوري بوابل من السب البذيء يغلب عليه قاموس مادة الزاي والميم واللام، فجزعت لأمر أن يجدني طلبةُ الكلية في ذلك الموقف الذي قد يوحي بأني متورط في شبهات، فناولتُ الشرطي بطاقتي ليسجل المعلومات ثم انصرفت جافلا.


الســـــــــــــــؤال

تـُـرى لو كانت تلك السيدة يهودية، زبادة على كونها "امرأة"، على غرار ذلك "الطفل" الذي قيل إنه تجرأ، من حيث هو مجرد طفل زيادة على كونه "يهوديا"، واعتدى على شرطي بالدار البيضاء، أفكان المارة في باب الرواح سيتوافدون بالعشرات للإدلاء بشهاداتهم لصالح الشرطيين؟

إنه سؤال المواطَـنة. سؤال ما إذا كان على فئة من المواطنين أن يعيشوا إلى الأبد، كأفراد وكجماعة، وضعية الذمـّي المـُكرَه والمتهَم من حيث المبدإ والأصل، والذي يتعين عليه أن يثبت براءته باستمرار. وهو مكره لأنه ليس له أن يترك "دار السلم" باعتبار أنه بذلك سيكون قد التحق بـ"دار الحرب"، كما ليس له أبدا أن يطمح إلى أن يعيش مواطنته العادية فيكرّمَ كمواطن إذا أحسن، ويعاقب كأي مواطن آخر إذا أساء، سواء في الساحة المدنية أم الجنائية أم السياسية.
10 أكتوبر 2007





#محمد_المدلاوي_المنبهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشادية، زبيدة الإدريسي، صوتٌ فنّي من المغرب بلسان التعدد
- نزاع بين مملكتي بريطانيا والمغرب ... حول الشُقرة
- المغرب واليونيسكو ... ومصر
- الذيل والتكملة في صفات وزير أول مغربي تقديري مقبل
- على هامش حديث البرلماني الاستثنائي، فؤاد عالي الهمة، بالقناة ...
- من تجربة -التناوب التوافقي- إلى فرصة التناوب الديموقراطي بال ...
- ثلاثة أعمال فنية ومدرستان لتدبير الخلاف (تذكير بمناسبة عودة ...
- عن تقاليد الموسيقى الأمازيغية لدى اليهود المغاربة
- انتخاباتٌ تشريعية بالمغرب بدل -قومة- 2006 التي لم تقع
- من برج بابل إلى برج مانهاتان ومن التتر إلى الطالبان
- بذل المجهود لرسم ما بين العلم والرأي من حدود(1*)
- التسونامي والله Tsunami and God (بقلم الربي بنيامين بليخ)
- التربية والتعليم، وتفجير طاقات الشباب (تذكيرات لا بد منها)
- الحافظ الصغير (من وحي الكاريكاتور الذي زعزع أركان أمة) 1*
- العطلة (1*)
- قضية الصحراء: عودة إلى تطوير الخطاب والسياسة في المغرب (*1)
- أسئلة حول التنوع الثقافي واللغوي في وسائل الإعلام بالمغرب (* ...
- اللغة العبرانية في عشرية تدبير اللغات الأجنبية بالمغرب (*1)
- فصيلة الأسئلة المغيَّبة في النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية ( ...
- أسئلة حول اللسانيات والبحث العلمي بالمغرب (حوار)


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد المدلاوي المنبهي - تطور مفهوم المواطنة عند المغاربة (مقياس الملة والمعتقَد)