محمد موسى شاطي
الحوار المتمدن-العدد: 2066 - 2007 / 10 / 12 - 08:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان الفساد مستشري في كافة المجتمعات فما من مجتمع يخلو من مظاهره وذلك على حدٍ سواء الدول النامية او المتقدمة, الا ان الاختلاف يكمن في درجته و نسبيته و ذلك تبعاً للظروف السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لذلك البلد . فكما هو معلوم ان اغلب الدول النامية تعاني من تفشي هذه الظاهرة في كافة مفاصلها حتى صارت تضرب كافة الفرص في تحقيق التنمية و الازدهار لشعوب تلك الدول و لعل من اهم و ابرز الاسباب التي ادت الى انتشار الفساد في هذه الدول و منها الدول العربية هي اسباب اجتماعية تتعلق بطبيعة المنظومة القيمية, اذ ان هذه المجتمعات قائمة بالأساس على الولاء للعشيرة حيث ان هذا الولاء يشكل ولاءاًً ثانوياً و في احيان كثيرة ولاءاًً غالباً على الولاء للوطن, اذ ان المحاباة و المحسوبية و الواسطة ما هي الا انسجام و تناغم مع النسيج المجتمعي العربي اخذاً بالقاعدة التي تقول ان (( الاقربون اولى بالمعروف )) فكما هو معلوم ان مثل هذه المظاهر قد افسدت النسق الوظيفي في الدول العربية من خلال غياب مفهوم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب اذ انها فضلاً عن اضعاف الروح المعنوية و الاخلاقية لدى الشعب فأنها تؤدي الى الى اضعاف كفاءة العمليات الوظيفية نتيجة لنقص المؤهل العلمي و الخبرة و الكفاءة لشاغلي المناصب الوظيفية .
ان الظروف الاجتماعية تتكاتف و تتأزر مع ظروف سياسية اخرى مشجعة من جانبها على ظهور الفساد و وخالقةًً جواً خانقاً لمفاهيم الديمقراطية و المواطنة و الحكم الجيد اذ لا يخفى على احد مدى الخلل الكبير و الواضح الذي يكتنف الانظمة السياسية العربية اذ ان الحياة السياسية متمثلةً بالتعددية الحزبية , شبه المعدومة و ان وجدت فأنها تكون غير فعالة , و قد تزامن هذا الخلل بغياب مبدأ فصل السلطات الثلاث (( التشريعية , القضائية , التنفيذية )) و لا يخفى على احد ما لغياب هذا المفهوم من اثر كبير و واضح في تغلغل و انتشار هذه الظاهرة المقيتة ففي هذه الانظمة تندمج السلطات الثلاث ضمن سلطة واحدة الا و هي السلطة التنفيذية و التي اصبحت تسيطر على كافة مجريات الحياة فهي القاضي و الحكم و المشرع و المنفذ في ذات الوقت .
لقد اصبح من الصعوبة بمكان تخيل نظام رئاسي ديمقراطي في الدول العربية بسبب الثقافة السياسية للنخب السياسية و طبيعة المجتمع القبلية و مظاهر القمع الاجتماعي و السياسي و مصادرة حقوق الاخرين , و هذا مما ساعد هذه الانظمة الى ان تتحول الى انظمة دكتاتورية فردية قائمة اساساً على الفساد و لا تمت للشرعية بصلة و تعتبر اشاعة الفساد عامل من عوامل ديمومتها .
يتضافر مع العاملين الاجتماعي و السياسي عامل اخر الا و هو العامل الاقتصادي اذ ان ظاهرة الفقر هي احد اهم المخاطر التي تعاني منها البعض من المجتمعات العربية اذ انه قادر على قتل كافة الطاقات الروحية و المعنوية لدى المواطن العربي مستهدفاً بالنتيجة كافة مفاهيم النزاهة و العفة و التي هي اغلى بكثير من المال , فالعلاقة ما بين الفساد و الفقر هي علاقة الفة يوطدها سؤ استخدام الموارد المالية والاقتصادية و قلتها في بعض الاحيان , اذ ان انتشار الفساد يعد دليلاً و اضحاً على الاختلال في التوازن بين المتغيرات المادية و تغير و تبدل القيم و المفاهيم الاجتماعية اذ ان الفساد هنا يكون نتيجة و استجابة و رد فعل للحاجة و العوز و الفاقة التي يعاني منها الانسان العربي .
ان الاسباب المذكورة في اعلاه تشكل بمجملها اسباب داخلية او محلية تشجع و تقوي من اوزارها و تأثيرها اسباب اخرى خارجية اذ ان الممارسات الفعلية الخاصة بالفساد تشير الى وجود اسباب خارجية تشجع على ظهور الفساد تقترن مع الاسباب الداخلية, فالفساد هنا يأخذ ابعاداً و اسعة ذات نطاق عالمي ضمن منظومة الاقتصاد الحر , فالفساد ليس بالظاهرة المحلية اذ قد يكون مرده في كثير من الاحيان الدول الخارجية او الاجنبية , اذ تلعب الشركات العالمية التابعة لتلك الدول دوراً كبيراً في افساد النسق الوظيفي و ذلك من خلال تقديم الرشاوى و الاكراميات من اجل الفوز بعقود التجهيز و الانشاءات او عقود تزويد السلاح و ذلك بالنظر للمبالغ الضخمة التي ترتبط بها تلك العقود لذلك فهي تمثل و على نحو مماثل فرصاً كبيرة للرشاوى و ان المكافاءات المحتملة لقاء منح تلك العقود و لجهةٍ ما تزيد عن المرتب المشروع للموظف او المسؤول الذي يتخذ القرار .
و من خلال ما تقدم نخلص بالقول بأنه لا توجد ظاهرة اشد خطورة و تهديداً على المجتمعات مثل ما تمثله ظاهرة الفساد من مخاطر و تهديدات كبيرة على الكثير من النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الواقع العملي يفرز لنا الكثير من المعالجات التي استنتجناها من خلال دراستنا لخصائص الفساد مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات و الاعتبارات الملازمة لكل بلد كالخصائص الاجتماعية و الثقافية له و الاسباب المؤدية لظهوره. غير ان المشكلة لا تكمن في جوهر عملية مكافحة الفساد و ليس في عدم وجود ستراتيجيات ملائمة لمكافحته بل على العكس تماماً ان المشكلة تكمن في حصول تطبيع مع مظاهر الفساد اذ ان هناك قبولاً اجتماعياً قد حدث مع مظاهره و هذا مما جعل بعض المفسدين يستمرون في الحياة العامة دونما خجل او خوف و من دون ان يفقدوا الثقة و الاعتبار و الا فكيف لنا ان نفسر هذا الكم الهائل من قضايا الفساد و التعدي على اموال الدولة و الهدر الهائل في اموال الدولة حتى بلغ حجم الاموال المهدورة من صندوق تنمية العراق( 20.7 مليار) دولار ناهيك عن اموال المنحة الامريكية للعراق و التي بلغ حجم الاموال المهدورة منها بــ( 8 مليارات) دولار و التي ذابت مع ذوبان طلاء جدران المدارس مع هطول اول زخة من المطر. و لعل من ابرز مقاربات التطبيع المذكور هي قضية الاموال المسروقة على عهد الوزير السابق حازم الشعلان فبلرغم من تلطخ سمعة هذا الوزير على اثر هذه الفضيحة نجد ان القضية الانفة الذكر لم تثني الوزير عن عزمه في الدخول الى معترك السياسة مرةً اخرى من خلال قبة البرلمان و ليس ببعيد عن هذا الاخير قضية مشعان الجبوري الذي لم تتلوث يده بقضايا فساد و حسب بل بما هو ادهى من ذلك الا و هو دعم الارهاب و الارهابين و لا زالت تطرق اذاننا و اعيننا مشاهد قناة الطبالين التي يملكها ((الزوراء )) . ان هذا قد ادى بشكلٍ او بأخر الى تحجيم دور الستراتيجيات المتبعة لمواجهة الفساد و التي تتأسس و تترسخ بدورها من خلال الجماهير التي تعتبر المفتاح الاهم و اللاعب الرئيسي في معركة الصراع مع الفساد اذ ان الضغط الشعبي قد يكون امراًهاماً في السياسة الخاصة بمحاربة الفساد من خلال الكشف عن النشاطات غير المشروعة , ان هذه الجهود الجماهيرية يجب ان تكون متقابلة و على خط موازٍ مع اعتبار ان مكافحة الفساد مسؤولية ذاتية و شخصية و فردية , و ان هذه المسؤولية لا يمكن لها ان تنمو وتزدهر في ظل ظروف اقل ما توصف بها بأنها لا تتسم بحرية التعبير و في ظل بيئات لا تعرف معنا ً و لا تؤلي حقاً للانسان و كرامته , في ظل بيئات تتسم بالشمولية و غياب الديمقراطية و غياب حكم القانون اذ ان هناك ازدواجية في تطبيق القانون حتى قيل ان القانون وضع فقط للحكم على الفقراء لا على الحكومة و التابعين اليها بمعنى ادق ان القانون لا يطبق على الحكومة و لا على اعضائها لأن هؤلاء لهم قانونهم الخاص الذي يعطيهم حصانة اشبه ما تكون بالحصانة الدبلوماسية و ما يمنحهم هذه الميزة هو المنصب الذي تحول الى وسيلة للوصول الى الموارد المالية للدولة و التي هي بالاساس ملك الشعب . لقد تحول المنصب الى وسيلة تشريف بدلاً من كونه تكليف .
و بالتأسيس على ما تقدم نجد ان احدى اهم الاولويات التي تتيح للجماهير حرية الحركة في رفض ممارسات الفساد هي الدولة القائمة على اسس ديمقراطية فبها و من خلالها تستطيع الاليات الاخرى ان تعمل من اجل القضاء على الفساد او على اقل تقدير التقليص منه , وهذا الامر يعني و بشكل صريح ضرورة تراجع الحكومة عن الصيغ الماضوية في العمل السياسي و المعتمدة على ممارسة القوة المطلقة و البطش بديلاً عن قاعدة كسب الرضا الطوعي .ان ما نريد ان نؤسس له هنا ان مكافحة الفساد وحتى انتشاره قائمة على ركيزتين الاولى هي المواطن و وعيه بماهية الفساد و مدى خطورته على المجتمع , و الركيزة الثانية هي الدولة القائمة على اسس ديمقراطية غير ان الرابطة السببية او الثنائية بين المواطن و الدولة من جهة اخرى تغذيها مجموعة من الاليات الاخرى و هي :
وللكلام بقية ...
#محمد_موسى_شاطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟