أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد البدري - بين خداع اللغة وخداع الفكر















المزيد.....

بين خداع اللغة وخداع الفكر


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 2065 - 2007 / 10 / 11 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



عندما أعلن د. عبد الوهاب المسيري في حفل إفطار رمضاني انه ماركسي علي سنه الله ورسوله. كان هذا إبداعا علي الطريقة العربية بالظاهرة الصوتية ووقع تناقضات الألفاظ المرتبة في بيت شعري ينتهي بقافية ووزن. وباعتباره أستاذ للأدب حتي ولو كان إنجليزيا فاللغة أساسية ومن حقه تشكيل اللغة والتلاعب بها لكن ليس من حقه القيام بالأمر نفسه داخل العقول واستباحة الذكاء الانساني.
فمضمون الاختيار ليس سوي السير عكس الزمن والتاريخ والقفز لإخفاء ما يكرهه، كخيار بين خيارين. المسكوت عنه بين الخيارين هو الرأسمالية الليبرالية والغرب العلماني الذي قالوا بنكرانه لله ثم عادوا واتهموه بالمسيحية الصهيونية أو المحافظين الجدد أو التطرف الأصولي المسيحي. المهم أنهم أعادوه بعد أن أعيتهم التهم الي حظيرة الايمان والاعتراف بالواحد الاحد. اعترافات وخيارات الدكتور هو حلقة في مسلسل بدأه بمحاولة وضع حزام ناسف في العلمانية بتقسيمها الي علمانيتين، احدهما مؤمنة واخري كافرة ثم استقر رأيه علي العلمانية الجزئية والاخري الكلية. وكلها ليست أكثر من هروب من وحده الحضارة الغربية وبين تكاملية علمها الفيزيائي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
لكن ما يشد الانتباه في انه قد ارتهن ارتكازه الجديد إلي نقطة احداثية خارج الطبيعة وبالتالي خارج الحواس الجالبة للمعلومات عن الواقع فنسي نصيبه المعرفي من الدنيا. تلك النقطة التي لا علاقة لها بالماده ودنسها ونجاستها وتقع في سدرة المنتهي. وهو خيار إسلامي، أي انه ارتحل في حياته سفرا بين الأوطان ليشاهد ويرصد ليعود ثانية الي نقطة الاصل التي غادر منها ومتنكرا لكل ما شاهده كرحالة، نافيا عن نفسه صفة الاتكاء الي أي شئ أخر اللهم كونه معارضا لنظام هو اسلامي ومستعرب لم يتفق يوما لا مع الماركسية ولا الرأسمالية. ولن ننسي انه كماركسي إسلامي قد وحد الدنس بالمقدس والماده بالله وتهمه الكفر والالحاد مع الايمان غيبا.
لم يقل لنا د. المسيري بهذا الكوكتيل كيف سيكون الحال لو ان هناك ماركسي لم يسعده الحظ فلم يجد تلك النقطة اللانهائية وحاول عمل حزب او حركة معارضة او قال لكم كفاية وانتم في الحكم. فماذا ستشهرون في وجهه؟ هل ستنكرون عليه حقة في المعارضة ام سترفعون ضده سلاح النقطة اللانهائية السرمدية التي عدتم اليها بعد تيه يفوق تيه موسي في سيناء؟
يبدوا أن طاقة العدوان المحلية في الشرق الاوسط لم تكن كافيا لاستنزاف كل طاقة العنف الداخلية بها لان ما يسمي حضارة عربية او اسلامية هي مبتسرة وناقصة وعاجزة وغير ذات جدوي. تلك الطاقة التي قال عنها فرويد في مؤلفاته انها ما يتطلب كبته وتحويلة الي طاقة ابداع بدل من طاقة تدمير. وهي ذاتها الطاقة التي استنفذتها كل حضارة في بناء صروحها وعلومها وقيمها. ولا تتوقف الا بكونها غير قادرة علي الهام افرادها بالمزيد منه عبر منظومتها المؤسساتية وتركيبتها السياسية والاجتماعية فيتحول البناء الي هدم وطاقة الابداع الي تخريب وتدمير يصاحبه غالبا طوفان من الخارج يجدها فرصة، بضعف المناعة الداخلية وانهيار للقدرة علي المقاومة.
فالعدوان صفة يتمتع بها الكائن الحي ايا كان ترتيبة في السلسلة البيولوجية. فالسعي للغذاء او التناسل هو عدوان موجه الي الخارج. صورته ومضمونه ملازما لكل الكائنات مع تهذيب متصاعد له بالتطور حتي وصل الي ما نسمية التنافس والكفاءة في مجالات العمل والانتاج مع الاكل بالشوكه والسكين بدلا من النهش والتمزيق والتقدم للخطوبة والزواج بدلا من الجر من الشعر. فالعنف إذن ليس غريبا ايضا عن المنظومة الاسلامية ولم يكن غريبا عن أي منظومة دينية سماوية او غير سماوية. كل ما في الامر هو كيف يمارس العدوان وما هي الياته وموضوعاته.
فالحضارة تلو الحضارة ليست سوي اعادة تنظيم لطاقة العدوان لتاخذ طورا ارقي تتفق ومدي تطور الانسان وتحصيلة. تصاعد الحضارات بهدف اكمال الادوار ولا يدرك هذا الا العقلاء فيقيمون المتحف للغابر منها ولمن لا يعتبر. وليلحق الاحياء بالقاطرة الحضارية الحديثة، فلن يرحمهم لا التاريخ ولا الحضارة لو انهم تقاعسوا عنها وصمموا علي ما هم فيه من انهيار.
فماركسية د. المسيري لها جذورها منذ منتصف القرن التاسع عشر في كميونة باريس، وعلمانيتة المنقوصة لها اساسها في تراث ثورة 19. وماركسيته التنظيمية قامت مع تنظيمات المجتمع من احزاب ونقابات مع الاجنبي والراسمال الصناعي بليبرالية ولو كانت ضعيفة. واسلامه جاء بفعل الغزو الخارجي لمصر. كل هذا الكوكتيل شكل كاسا من معين نصفه ماركسي ونصفه اسلامي مختزلا كل شئ الا لثقافة الطاعة والامر بالمعروف والخضوع للجنة المركزية ومعها جرعة من الاستبداد تكفي البشرية ملايين السنين مع شرف الادعاء بفكرة المعارضة للراسمالية والغرب الليبرالي.
لم يعترف د. المسيري عن مصدر الهزيمة التي تلاحقنا في كل طور حضاري عبر العروبة الجامعة المانعة التي غلفت كل شئ فضاع كل شئ. وهل يمكن للاسلمة ان تتم دون عروبة جديدة؟ وهو سؤال يجعلنا نتاكد مجددا ان الخيار الجديد يحمل فشله في داخلة. فينطبق القول كانك يا ابو زيد ما غزيت.

لكن الملفت للنظر ان الاخلاق احتلت حيزا هاما في ادبياته، فهل هناك اخلاق من خارج الواقع؟ وهو سؤال حساس للمنظومة الاسلامية ايا كان مرجعها خاصة وان القيم الاسلامية مهما دافعنا عنها فهي نابعة من العقل التجاري الاسلامي. فالاخلاق في نصف الكوب الممتلئ عند د. المسيري تنبع متناقضة مع مصدرها في النصف الفارغ منه. ولن اتطرق الي ايهما الفارغ وايهما الممتلئ. لكن لندخل الي المعركة مباشرة بتناقض المكسب تحت مسمي الرزق بعكس المفردات العلمانية التي تشرح بشكل اوضح واكثر دقة مفردات مثل الدخل، الضريبة، العائد، السعر، القيمة، العمل، الفائض ... الخ. وكلها ذات جذر راسمالي ليبرالي ترسبت في الموروث الماركسي عند الدكتور وتتناقض مع نصفه الاخر المرتكز علي الايمان بالله ورسوله. وكانه لم يكفه تسريب العروبة مرة اخري فاثر المزيد من الاحزمة الناسفة عبر اخلاق مفارقة للواقع والفاظ ليست منه. فبعد ان عدد ورص مجموعة هائلة من القيم السلوكية التي هي سائده في أي مجتمع خاصة ولو كان اسلاميا مثل النفاق والكذب وإخلاف الوعد والرشوة والمحسوبية والاختلاس والنصب والتسيب والإهمال واللامبالاة وضعف الميول نحو المشاركة والمبادرة والاهتمام بالشأن العام وغلبة النزعة المادية والاستهلاك الترفي والانانية وضمور معنى المصلحة العامة لدى قطاعات واسعة من المواطنين، عاد ليحلها بطريقة عصا موسي من خلال النصف الثاني من الهوية القص واللزق. فالدكتور لم يحقق فتحا انما اصبح هو ذاته مكسبا مجانيا لاي تكتل اسلامي.

فياتري أي لغة يمكن له الحديث بها في جلساته الشعبوية ( لو حدثته نفسه بالجلوس) علي موائد الرحمن مع عابر سبيل لعرض مشروع استثمار فوائض الاثرياء ممثلة في موائد الرحمن لتحسين تعليم ابنائه في المدرسة حتي لا يجلس ابنه علي تلك المائده في المستقبل؟ ولو سمعه صاحب المائده لحرمه من نعيمها ( رغم تقشفها ) لانه يقطع علية طريق التجارة مع الله ويقف في وجه رزقه و تدوين حسناته يوم القيامة.
فالهوية الكوكتيل لن ترضي ايا من صاحب الفضل وصاحب الحاجة في آن واحد. ولن نتطرق الي اموال الحج التي تذهب الان الي من هم ليسوا في حاجة لها بعد ان اصبح فضل النفط عليهم عظيما. فالحاج يذهب الي الديار المقدسة ويعود بعد دعاء مستجاب لابنائه بامتحان سهل او مراقب لا يبالي بالغش. يتاجر بامواله لصالحه هو في القبر وليس علي وجه الارض او لمستقبل ابنائه ومعها مصالح عباد معطلة في الشهر الكريم او بمواقيت الصلاه.
كل هذا نجده في تبديد للثروة وصرف للمدخرات لصالح مصلحة فردية لا مردود لها بالقطع في المدي العمري للمواطن مثل الحج. فافطار الفقير اهم لدي المدخرين او من رزقهم الله من حيث لا يحتسب باكثر من جوده التعليم التي غالبا ستمنع وجود حاجة الي فرش تلك الموائد في المستقبل. تلك الازدواجية قائمة بالفعل وليست في حاجة الي تنظير الي علمانية جزئية واخري كلية او مفكر نصفه ماركسي ونصفه اسلامي فهي قائمة لان المجتمع بالفعل مزدوج القيم. ولن نتطرق لمسالة الاحتساب من حيث لا يحتسب. حيث لا حاجة في كشف من اين تاتي الثروات، فالاثرياء يقرون بانها من حيث لا يحتسبوا. فكيف يكون هناك قانونا يضع حدا للرزق وهو من اوسع الابواب بينما النصف الماركسي للدكتور المسيري يعلم كثيرا ويخفي عن الجانب الاسلامي حقيقة ذلك الذي بلا حساب. فما هي الاخلاق التي ستدمج في سياسة الاصلاح التي تصب في نهاية اسلامية للمجتمع دون تحديد للمفاهيم من منظور ماركسي ولا وجود لها من منظور اسلامي؟ الهم الا باستغفال ماركسي ومعه استعباط اسلامي.
ففي عرف د. المسيري، إن الإصلاح الأخلاقي يتأسس على المبادئ والقيم الإسلامية التي تحض على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال. ويدعوا للاهتمام بكيفية معالجة أسباب ومظاهر الخلل القيمي والمعياري على مستوى السلوكيات والآداب المدنية ، والأخلاقيات العملية والمهنية ، والطبائع الإنسانية بتسميته ذلك بالتحلل الاجتماعي. متناسيا أن الاخلاق تختلف إذا كان المجتمع اسلامي او ليبرالي أو ماركسي. وهي معضلة لن تحل مادام المجتمع غير محددة فلسفته. فموضوع الاخلاق هو فعلا الاصعب لو ظلت الكؤوس نصف فارغة ونصف ممتلئة او ملئت بما لا يمكنه ان يصبح كوكتيلا به لذه للشاربين.



#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف اصبح الجهاد قذارة؟
- هزيمة الارهاب
- ثقافة عربية ذات مضامين جاهلية
- بين عالم الأسوار والحواجز وعالم الاتصال والتواصل
- الحرملك زمن الفرنسيس
- الفتنة والسلطة في الإسلام
- بين بابا روما والعقل العربي
- حرب الرموز بين أبناء العم
- في البدء كانت العلمانية
- الديموقراطية والخيانة الزوجية
- النووي الإيراني ومساومة التاريخ
- الإسلام والعلم نقيضان لا يلتقيان
- تحطيم الأصنام وطمس العقول
- مفاوضات المسلمين ومفاوضات العرب
- الإسلاميون في سدة الحكم
- رأسماليتنا بين ثقافة مشلولة ومركزية عرجاء وسلطة من خارج التا ...


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد البدري - بين خداع اللغة وخداع الفكر