|
الصراع الطبقي واقع يتبلور بتزايد التحركات العمالي
هبة عباني
الحوار المتمدن-العدد: 2063 - 2007 / 10 / 9 - 12:12
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قد يبدو للوهلة الأولى، إذا ما تابعنا وسائل الإعلام الأكثر جماهيرية (التلفزيون، الراديو)، أن الصراع الطبقي قد انتهى أو أصبح شيئاً من الماضي أم أنه أمر لا تجده إلا في النظريات الاشتراكية والماركسية، وإن الصراعات الحالية هي مجرد تنازع على السلطة بين دول أو مجموعات، أو صراعات طائفية وفئوية. وإذا كانت هذه تعبّر بشكل غير مباشر عن صراع طبقي، فإن هذا الأخير موجود بوضوح بشكله المباشر. وما يعبر عنه ويؤكد واقعيته التحركات العمالية المتزايدة. والواقع أيضا أن الرأسمالية المسيطرة اليوم على عالمنا تعمل على تشويه الصراع الطبقي وتغييبه عن الساحة السياسية خوفا على مصالحها المتنامية على أنقاض الطبقة العاملة.
من جهة أخرى فان وسائل الإعلام تسهم بشكل مباشر في تغييب هذا الصراع والتعتيم عليه لأنها خاضعة لتلك الأنظمة.
انطلاقا من هاذين الواقعين، كان لا بد من رصد ما يمكن رصده من تحركات عمالية في بعض دول المنطقة، في الفترة الأخيرة، للتأكيد على أن الصراع الطبقي واقع نعيشه ونحسه في حياتنا اليومية.
مصر
منذ شهر تموز الماضي من عام 2006 حتى يومنا هذا شهدت الحركة العمالية في مصر ما يشبه انتفاضة عمالية تجسدت في أكثر من مئتي تحرك.
هذه الاحتجاجات العمالية، علي اتساع حجمها، كانت تحمل مطالب اقتصادية واضحة ومباشرة سواء من ناحية الأجور أو الحوافز أو حتى القرارات الخاصة بالتشغيل والتي تؤثر علي عائدهم المادي؛ خاصة بعد رياح الخصخصة التي هبت على مصر. وهي لم تكن احتجاجات يحركها حزب سياسي أو جماعة سياسية لأهداف خاصة.
قدرت خسائر الحركة في تلك الفترة بفصل أكثر من 50 ألف عامل وانتحار 26. وقد اتسع نطاق هذه التحركات ليشمل كافة المحافظات والمدن من القاهرة إلى الإسكندرية وطنطا وسوهاج والمحلة وسيناء والشرقية والغربية وبولاق وبور سعيد والسكك الحديد والمعادي....
المتأمل في أرقام احتجاجات العمال في تلك الفترة سيدرك أن الاحتجاجات العمالية تزداد اشتعالا وتنتقل من موقع إلي موقع... في 2006، شهد شهر تموز 5 اعتصامات و5 إضرابات و3 تظاهرات، وشهر آب 4 اعتصامات و8 إضرابات وتظاهرتين، أما أيلول فقد شهد 6 اعتصامات و7 إضرابات، وتشرين الأول 11 اعتصاما 4 إضرابات وتظاهرتين، وتشرين الثاني 5 اعتصامات و5 إضرابات، وكانون الأول 12 اعتصاماً و3 إضرابات و7 تظاهرات، وكانون الثاني 6 اعتصامات و5 إضرابات وتظاهرة. في 2007، شهد شباط 15 اعتصاماً، 8 إضرابات و3 تظاهرات، أما شهر آذار فقد شهد 10 اعتصامات، 7 إضرابات، و3 تظاهرات، وشهر نيسان شهد 19 اعتصاماً و3 إضرابات و7 تظاهرات.
من أهمها إضرابات عمال النسيج والغزل في المحلة الكبرى حيث شارك 27 ألف عامل في الإضراب الذي كان الشرارة الأولى التي أشعلت الصراع بين الجماهير العمالية من جهة والدولة وأصحاب رأس المال من جهة أخرى.
بعد ذلك اتسع نطاق هذه التحركات ليشمل عمال السياحة والنقل والمطاحن والزيوت والاسمنت والسجاد وعمال هيئة الطاقة الذرية والمستشفيات وعمال النظافة والمدرسين وعمال المواسير والفلاحين وعمال الدخان والملابس وعمال الغزل والنسيج وعمال سكك الحديد والعمال الكهربائيين والميكانيكيين والأطباء والمسعفين وعمال الفنادق ومراكز المعلومات والصيادلة والممرضين والعربجية... والجدير بالذكر أن الكثير من هذه التحركات قد أحدثت تغييراً ايجابياً في أوضاع العمال، الأمر الذي يؤكد أن "الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي لإحداث التغيير وأنه قانون اجتماعي موضوعي، لم يخلقه العقل البشري، إنما أحس به واكتشفه، لوجوده المتعين والمؤثر في الحياة الاجتماعية، وقد تلمسه الإنسان منذ بداية التقسيم الطبقي البسيط للعمل، والذي تطور إلى فقر وجوع وعوز واستغلال، وبدرجات متفاوتة، كل ذلك نشأ مع التباين في امتلاك واستغلال أدوات الإنتاج، وتوزيع العمل والتخصص، وانقسام الناس إلى مالكين لأدوات الإنتاج وعبيد لا يملكون غير قوة عملهم أو لا يملكون شيئا على الإطلاق."
بعض الإضرابات التي أدت إلى تحقيق المطالب:
أضرب عمال مصنع "وبريات سمنود" والبالغ عددهم 1300 عامل وطالبوا ببدل الوجبة الغذائية، وانتهت مفاوضات العمال مع رئيس مجلس إدارة الشركة عن طريق الجهات الأمنية إلى الموافقة على منح العمال ذلك البدل.
اضرب 1900 عامل من "غزل ميت عمر" اعتراضاً على سياسات رئيس مجلس الإدارة، كما رفضوا إعلان نتيجة انتخابات اللجنة النقابية بالتزكية في أكتوبر الماضي حيث قادوا العمال وقدموا شكاوى اعتراضية على هذا المسلك ونجح العمال في استصدار قرار من الوزيرة وقتها بإرجاء انتخابات اللجنة إلى الانتخابات التكميلية، وتم تعيين لجنة إدارية مؤقتة يرأسها رئيس اللجنة النقابية السابقة والمرضى عنه من رئيس مجلس إدارة الشركة.
كما نجح إضراب عمال شركة نسيج زفتى التابع لشركة الدلتا للغزل والنسيج حيث صدر منشور وجاء فيه موافقة الشركة على صرف منحة بقيمة 45 يوم على أن يتم الصرف خلال أربعة أيام.
ونجحت إدارة شركة القاهرة للدواجن في مفاوضاتها مع العمال حيث حضر هذه المفاوضات جميع العمال بالإضافة لممثل النقابة العامة للصناعات الغذائية واللجنة النقابية للعاملين بالشركة، وعرض العضو المنتدب ونائب رئيس مجلس إدارة الشركة الذي كان يمثل الشركة في المفاوضات أن الشركة تدرس مطالب العمال وأنها ليس لديها مانع في الاستجابة لهذه المطالب.
كما نجح السائقون في السكك الحديدية في مفاوضات التشريك الطبي وحصلوا على الأساسي والعلاوات وأجر يوم كامل و80 %من مكافأة الكيلومترات، بدلا من 60% وهو العرض الذي قدمته الوزارة قبل ذلك.
يلاحظ أنه لا فرق بين عامل في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي أو القطاع الخاص. وأن مظالم الحكومة من خلال ما تسنه من قوانين تستهدف في المقام الأول تهميش دور العمال واقتطاع المزيد من حقوقهم لصالح طبقة من أصحاب الأعمال ولم يكن غريباً والحال كذلك أن تتمثل خسائر الحركة العمالية عن تلك الفترة في فصل أكثر من 50 ألف عامل من الشركات التي تجرأ عمالها علي الاحتجاج والاعتصام والإضراب ضد محاولات تنفيذ سياسة الحكومة... تلك السياسة راح ضحيتها خلال تلك الفترة 26 عاملا قاموا بالانتحار بعد أن تدنت أجورهم وسقطوا تحت خط الفقر وأصبحوا عاجزين عن توفير متطلبات أسرهم الأساسية. بالإضافة إلى لعديد من الأشخاص الذين قضوا أو أدخلوا إلى المستشفى بعد إضرابهم عن الطعام. هذا بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من العمال الذين يسقطون من جراء ظروف العمل السيئة بين مصاب وقتيل، ومن جراء الإجراءات القمعية التي يمارسها رجال الأمن.
إيران
تشهد إيران بين الحين والآخر إضرابات واعتصامات عمالية، كان أهمها إضراب العمال وسائقي الحافلات التابعة لـ"شركة واحد" الحكومية التي تتولى النقل والمواصلات المدنية في طهران وسائر المحافظات الإيرانية.
وقد أدى هذا إلى سلسلة إضرابات دعت إليها نقابة العاملين في الشركة في العام 2006. شُلت المواصلات في العاصمة الإيرانية وتم اعتقال وطرد الكثير من العاملين في الشركة. ولا يزال يرزح زعماء نقابة شغيلة "شركة واحد" في سجن ايفين بطهران.
الإمارات العربية المتحدة
تعتبر أوضاع العمال في دول أخرى أفضل حالا ففي الإمارات العربية المتحدة اليوم ترتفع نداءات الاستغاثة نظرا لتردي الأوضاع الاقتصادية وسوء ظروف المعيشة والعمل.
فالأبراج والأبنية الضخمة والأسواق لن تمنعك من رؤية المعاناة اليومية التي يعيشها آلاف العمال من الطبقات الفقيرة وقد عبر هؤلاء عن ذلك في سلسلة من الإضرابات قاموا بها خلال 2006.
و في العام الحالي ما زالت هذه الأصوات ترتفع لتؤكد على اتساع الهوة بين القلة التي تمتلك أغلبية رؤوس الأموال وبين الجماهير العمالية المناضلة في ظل ظروف عمل اقل ما يقال فيها أنها قاسية.
وهذه نماذج من الرسائل الإليكترونية التي تصل إلى موقع التجمع اليساري من أجل التغيير من عمّال الإمارات:
أعمل لدى مؤسسة منذ سنة وشهرين، ولم أتسلم راتبي منذ أكثر من سبعه أشهر، وكنت أجهل قانون العمل وما هي حقوقي لدى الكفيل. فقبل أن آتي إلى هنا أخذ منى الكفيل صاحب المؤسسة 6000 آلاف درهم (1600 دولار) بدافع دفع التامين ومصاريف الإقامة، ورغم ذلك أتيت وعملت معه. وبعد الشهر الأول لم أتسلم الراتب وكذلك الشهر الثاني وعندما بدأت أطالب تحجج بعدم صرف الشيك لدى الشركة واضطررت إلى الصبر وشهر يجر شهر وكنت آخذ منه مصاريف فقط وعندما أصررت على أخذ راتبي، أخذت الحجج تتزايد وأخيراً ذهبت إلى مكتب العمل وهناك كانت المفاجأة. وجدت بلاغاً باسمي بأني هارب من الكفيل رغم أني كنت أعمل معه وجدت البلاغ بتاريخ قديم، منذ حوالي 5 شهور، وقدمت شكوى لكن فات الأوان.
***
أنا اعمل في شركه خاصة في دبي في مجال المقاولات في قسم تكييف والتبريد المركزي. قدمت إلى الشركة على متن الطائرة على حسابي الخاص، وبعد ثلاث شهور أخذت أول راتب لي. وبعدها بفترة سألت عن موضوع الفيزا وأخبروني إنهم سوف يخصمونها علي والمبلغ هو 2500 درهم + 300 درهم للبطاقة الطبية. لا أعرف كيف اشتكي عليهم من دون أن أحرم من العمل أو أضر نفسي. ماذا أفعل لأترك الشركة وراتبي 1500 درهم (400 دولار) ويخصمون منه 250 درهم كل شهر؟
***
نحن من موظفي إحدى الشركات الأهلية (الرسمية) المتعاملة مع شركات النفط (تكرير). نحن نعمل، وكما تعرفون في أجواء غير صحية وتؤثر علينا بصورة مباشرة وغير مباشرة. ومع هذا نعاني من قلة الرواتب الممنوحة لنا بالإضافة إلى عدم الاهتمام بنا من ناحية السكن والمأكل. نرجو المسؤولين حفظهم الله مراعاة حالتنا، مع التقدير.
***
أنا أشتغل بشركة خاصة في دولة الإمارات في أبو ظبي بالتحديد بمهنة سكرتير في أحد مشاريع الشركة. منذ سنة وست شهور، طلبت زيادة، رفضوا مرتين بدون أي أسباب رغم أن قانون وزارة العمل ينص على أنه من حق الموظف زيادة راتب كل عام على الأقل. ثانياً، العقد بيني وبين الشركة ينص على هذا الأساس.
البحرين
في عيد العمال من هذا العام خرجت أول مسيرة عمالية مصرح لها رسمياً في تاريخ البحرين منذ 33 عاماً. وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لمشاركة النواب والضغط عليهم في حل المشكلات العالقة، ليس في الموضوعات المتصلة بالعمال فحسب، بل وقضايا أخرى بملفاتها المختلفة ذات الصلة بقانون أمن الدولة..
مطالب العمال لا تختلف عما كانت عليه في الفترات السابقة مثل: تحسن الأجور، ومحاربة البطالة، واستجابة الدولة لتأسيس نقابات حرة في القطاعين الخاص والعام، وكذلك إفساح المجال للعناصر الوطنية في مؤسسات الدولة من دون تمييز طائفي، بل على أسس المواطنة الحقّة.
الأردن
في الأردن كان من آخر التحركات إضراب 26 عامل عن الطعام في وزارتي الزراعة والأشغال وإدخالهم إلى المستشفى بعد عدم الاستجابة لمطالبهم المتمثلة بتأمين صحي أو راتب دائم. ويطالب عمال اليومية بوفاء الحكومة بوعودها والتزاماتها التي تم الاتفاق عليها سابقاً خاصة فيما يتعلق بتحويل ثلثهم إلى الراتب المقطوع. وأعلن نحو مائتي عامل من هؤلاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام في يوم العمال العالمي إلى أن تستجيب الحكومة لمطالبهم.
ويأتي إضراب هؤلاء العمال عن الطعام بعد سلسة اعتصامات قاموا بها أمام مجلس النواب مطالبين بتحويلهم إلى الفئة الرابعة وزيادة رواتبهم ومنحهم علاوات سنوية.
من خلال ما سبق لا بد أن نستنتج أن هموم العمال واحدة رغم اختلاف أوطانهم وانتماءاتهم الجغرافية والسياسية وأن الصراع الطبقي يتزايد بتزايد الفروق الطبقية والاستغلال والفقر.
فتحية إلى العمال في عيدهم وتحية إلى نضالاتهم المستمرة من اجل عالم أفضل.
#هبة_عباني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمال إيران بين مطرقة القمع وسندان الاتهام بالخيانة
المزيد.....
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
وزارة المالية بالجزائر توضح حقيقة زيادة 15% على رواتب المتقا
...
-
اصابة مدير مستشفى كمال عدوان وعدد من العاملين بقصف مسيّرات ا
...
-
مراسلنا: إصابة مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية وعدد من
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|