|
هل انتفت الحاجة إلى المذهبية الدينية ؟!!!
سميرة الشبلي
الحوار المتمدن-العدد: 2063 - 2007 / 10 / 9 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال مطروح على طاوله نقاش هادئ واعلم إن البعض قد يمتعض من تساؤلي هذا والحقيقة فكرت كثيرا وإنا اتسائل اليوم عن جدوى المذهبية وبالتالي جدوى وجود المرجعية الدينية ! ليس من طبعي التراجع على كل حال ..ولكن ليؤخذ كلامي من باب أننا لم نعد نريد أن تجمعنا المذاهب بناس لتفرقنا عن آخرين. فبعد أن باتت المذاهب الدينية ومرجعياتها بعيدة عن أصولها التي نبتت عليها أصبحت عبئا وأثرت الانشقاقات والخلافات و الانسلاخات المتتابعة لتبدو ملامح المذهبية تتبعثر تاركة لغة اخرى تصول وتجول وسط لغة العنف والرصاص والتى لم ينجو منها الرموز والشخصيات الدينية باختلاف اتجاهاتها بل طالتها جميعا على حد سواء ..وأصبحنا نعيش زمن المؤامرات بل وحتى الانقلابات الدينية بعد ان أصبحت المذهبية مسالة حسابيه ودكتاتورية مستترة لا تخلو من حب التفرد وعادات الاستبداد بل إنها قد تأخذ اجتهاداتها الشخصية سكينا على رقاب المقلدين الذين أصبحوا عبيدا لأطروحاتها الدينية وأيدلوجياتها الباطلة. فالحاجة الى المذهبية تأتت لعوامل إصلاحية اجتماعية أخذت في منظورها الحاجة الروحية إلى المرجع . واذا نعيش ألان فى خضم التوتر المذهبي الذى يرى فيه البعض قوة المذهب طاغية على قوة وصوت العقل فهى في الواقع تعيش مرحلة التضاؤل والانحسار والاندثار فلم تترك من قالبها القديم الروحي والتربوي الاصلاحى سوى الاسم فشتان بين لغة العقل والمنطق ولغة الثار والانتقام والتخبط بين منبر الخطبة وكرسي السيادة ! فحين يتكلم العراقيون عن المذهبية تستشعر الامتعاض مما سببته من حالة نفور حتى من رمزيتها .لان احتواء المذهبية الدينية لفكرة التعصب وانجرارها الغير محسوب أودى بها إلى الانزلاق فى هاوية العنف وثقافة المليشيات وفلسفة التحزب الديني لتقود مقلديها قهقريا إلى الخلف وان تعيش حالة النكوص الفكرى وتجعلهم وسط عقدة من التناقض بين مؤسسة الدين والنظام الحزبي السلطوي.. كما ان ضمور الفكر المذهبي وعجز المذهبية الدينية عن محاكاة الواقع الفعلي وتداخلها بالنظام السياسي لتصبح جزء منه وتخليها عن واجبها الديني الاخلاقى والدعوي الاصلاحى وخلط أوراقها بأوراق العملية السياسية اذا ما اخذنا العراق انموذجا لتصبح مقلدة للنموذج الايرانى ومتارجحة بين الدين والسياسة ففى دولة متعددة الاطياف مثل العراق تثير المذهبية المتصلة بالنظام السياسي ضغينة المذاهب الاخرى وامتعاضها وخاصة فيما يتصل بالقرارات السياسية المصيرية وتشريع القوانين وحقوق الأقليات الدينية ولعل ابسط مثال يجد فيه العراقيون انفسهم فى حيرة منه هو رؤيه هلال رمضان او اول شهر محرم وغيرها من المغالطات التى اثبتت ان المذهبية تفرقنا ولا توحدنا ناهيك عن الفترة والمخاض الطويل الذى تطلبه كتابة الدستور العراقى والذى لازال بين المد والجزر وقابل للحذف والشطب وحسب مزاجيات الكتل السياسية وارتباطاتها...وبالاضافة الى ذلك ظهور الزعامات الدينية وانشقاقها عن بعضها البعض تحت ظل المرجع او المذهب الدينى الواحد لتخلق اطيافا متنازعة بالاضافة الى تقييدها للنظام السياسي الذى لن ينفك من الانجرار على أهوائها واجتهاداتها ونزاعاتها . وقد يرى البعض ان المذهبية يجب ان تقتصر بافكارها على جهود الفكر الاصلاحى والاجتهاد والدعوة الى الوحدة ونبذ الفرقه وانشاء المدارس الإصلاحية لتصحيح الكم الهائل من الأخطاء المتراكمة والإدخالات الغريبة والهجينة الى مفردات العلاقة التى تربط الفرد بالدين والناجمة عن تخلف المذاهب الدينية وهذا الراي سيقابله الكثيرين بالامتعاض من حيث يرون ان المرجعيات الدينية هى فوق الجميع وتسموا بفكرها عن الخطأ بل هى من يقود الناس الى الصوب ضمنهم قمم السلطة ونحن هنا نتسائل ماجدوى وجود نظام سياسي اذا؟؟ اليس مايحدث فى العراق هى صورة مموهة لولاية الفقيه الايرانيه الغير معلنه ولا خلاف ان اى من المذهبين السنى والشيعى فى العراق يسعيان الى اقامة خلافة اسلامية تحت عنوانين مختلفين والتى تبلورت فى اعلان الدويلات الاسلامية هنا وهناك متأتية كرد فعل مذهبي انجر البعض ورائه بل ان البعض اصابه (عمى الالوان المذهبي) لينشا الفكر التقسيمى الطائفي والذى نظرت له المرجعيات الدينية بكافة اطيافها ربما لكونها فقدت دورها الاصلاحى والتزمت خطها السياسي كما اسلفنا .فمن يجادل في ايران لن يجادل فى مسألة ان العراق اصبح ورقة لعب سلمتها السياسات المذهبية بيد- ايران- المحاور الاول امام طاولة الاميركى فى تقرر مصير العراق رغم ان لاغبار على ان ايران لاتتبع مصلحة مذهبية شيعية بقدر مصلحة قومية ايرانية .. كما ان تدخل الفكر السلفى براعيه الخليجي الاول ادخل العراق فى محنة التكفير للاخر والقتل ولتصبح شوارع العراق واجساد العراقيين اهدافا للاجساد المتحللة ذات الفكر التكفيري والشعار الجهادى المحشورة بالبارود والمطوقة بالاحزمة الناسفة وال تى ان تى , وليصبح الفرد العراقي هدفا للقاح الافكار السرطانية الهمجية المغايرة والحرب الاهليه وفوبيا الشوارع وفوضى عارمة وصدامات طائفية. وقليل جدا نلمح الفتاوى الصريحة وكثير جدا ما نسمع ونلتمس احيانا من الفتاوى الغير معلنة والمبطنة حول نقطة معينة وتفاوتها فى تعريف الوجود الاميركى فى العراق او مايتعلق بالاتفاق الصريح على كلمة التحرير او الاحتلال او المقاومة او حتى شرعية الجهاد وهى مفردات جدلية لا تزال المراجع خجلة وتلتزم تجاهها عفافا صامتا,, لنعود طبعا هنا الى النقطة التى بدانا منها وهى ارتباطها بالخط السياسي وهذا الوضع اصبح عاما على مايبدو فى واقعنا الاسلامى وغير خفى ما تتناوله خطب الفقيه الايرانى والمؤسسة الدينية الفاعلة التى تلرتبط بها كل مفاصل ايران وغير بعيد منها الازهر كمؤسسة دينية بعد ان سيطرت الدوله عليه وافقدته الكثير من السطوة ليصبح مقيدا وليتراجع دور الأزهر الشريف في التقريب بين المذاهب المختلفة وهو عائد إلى ما وصفوه بسيطرة الدولة والمؤامرات الداخلية والخارجية والذى وصفه الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر جمال قطب بتساؤله قائلا "هل تأخر الأزهر أم حُجب؟" معتبرا أن "سيطرة الدولة على الأزهر أفقدته الكثير من مكانته لدى المسلمين" ووصف الأمر بأنه خطير للغاية، مشيرا إلى أنه "يطاح بخريجي الأزهر، ويتم تعيين خطباء منتدبين يكونون طوع وزير الأوقاف"، قائلا :حينها سيقرأ الخطيب الفتاوى كما أوردها الوزير وأمن الدولة وليس كما يجب أن تقرأ من خلال قواعد الأصول والإفتاء". وفى العراق اصبح الائمة والشيوخ على المنابر يلقون خطبهم السياسية ويروجون لمشاريعهم وتكتلاتهم الحزبية مستغلين التشويش الفكري وحالة التهميش والتمزق الروحي للعراقيين والذي يدفع بالعراقيين للتواجد فى المساجد لاداء صلواتهم تقربا الى الله وليس الى النظام السياسي نجد ان القنوات الفضائية ووسائل الاعلام تركز على خطب صلوات ألجمعه لتقوم بمقارناتها بين هذه الطائفة وتلك وليستمع المواطن خلال الخطب الى قرارات الكتل والأحزاب السياسية وتجيه هنا حالة الاندفاع الروحى والدينى للفرد لصالح الطائفة او الحزب او الكتلة وان التزمت بعض المرجعيات لغة العفاف الديني واتخذت سبيل السريه فى ممارسة فكرها فى الخفاء ..وطبعا تتناثر وتتنوع اشكال الخطب ولهجة الخطاب وشدته وهى نتجت عن تشضى المرجعيات وتعددها وتعدد المدارس الفكرية المذهبية والتى نشا اغلبها من صراع مذهبي –سياسي- يقوم على مصالح او التى نتجت عن أثار الثقافات الدخيلة المتوالية فى التداخل مع عالمنا الاسلامى خلال الاحتلالات المتتابعة فلا تكاد بلدننا تلتقط انفاسها اثر احتلال حتى يرزح احتلال جديد يفقدها القدرة على التبصر حتى فى جدوى المذهب . ونسمع هذه الايام عن تفعيل الحوار الدينى المذاهب والذى اتى على شكل محاولات يائسة محدودة لاتتوائم مع شدة الصدع كان اهمها تفعيل دور الازهر فى معالجة الفتنة المذهبية وهى نأى عن المرض المذهبي الذى وصل الى العظم وطرق باب الحوار المذهبي من الخارج دون جس الورم من الداخل واتى ذلك على غرار حوار الحضارات الذى أصبح اسهل برغم انه يثير تساؤلا هنا فإذا كنا لا نستطيع ان ندعو لحوار دينى حضاري فيما بيننا فكيف سندعو لحوار حضاري بيننا وبين العالم وهو دليل على ان الوضع وصل الى حالة من التأزم والعجز واللاجدوى . يمتعض العراقي اذا ما سأله احد عن طائفته وهذا ما يسمعه العراقي اليوم فى كل مكان يحل فيه حتى ان استمارات التعيين وأوراق الانتساب الى الجيش او الشرطة او الدوائر الحكومية باتت تحوى حقلا يشار فيه الى المذهب وهو دق على الوتر الطائفي المسيس وبرأيي هى من إسقاطات وافرازات مرحلة تراجع المذهبية اذا ان العودة للتدين حالة متلازمة قديمة والكثير اخذ بالعودة لأصول السنة والقران حتى ان البعض وصل فية الحال الى التشكيك بالكثير من الفتاوى ناهيك عن الاحاديث والشروحات فالفرد المؤمن لم يعد قادرا على تحمل ثقل المذهب وهذا يشابه الحال الذى كان سائدا فى اميركا وبريطانيا فى العهد الفكتورى في 1837 -1901 حيث اشتهر الفكر الكنسي الطاغى وهو العصر الذى سيطرت فيه الكنيسة على النظام السياسي ولاجتماعى والعلمى وتسلطت حتى على المفردات اليومية فى حياة الفرد فالفكتورية كانت متحالفة مع الكنسية البروتستانتية تحالفا وثيقا وثقيلا فى مجتمع ذو نزعات تعددية مما قاد الى حالة التشضى والانقسامات التى نتج عنها ولادة جيل اخر بعيد عن القيم القديمة لاندثار المفكرين الإصلاحيين واقتصاره على طقوس الفرد المعتاده التى يمارسها مع هذا نجحت تلك المجتمعات فى بناء النظام الاجتماعى المتحضر بعد ان شعرت بانتفاء الحاجة الى المذهبية او العودة للتدين بالشكل ألقسري الشاذ التي تولد رد فعل مغاير في النفس البشرية . وفى مجتمع(امة) متعددة الأطياف مثل العراق تبرز المذهبية اليوم على انها العداء للاخر وليس فهم الاخر او تقبل الاخر كما هو وقد ساعدت الضروف التى مر بها العراق على احتواء الفكر المذهبي المتناقض واذا ما عدنا الى زمن الدولة العثمانية وماسبقها من قيام دويلات طائفية وانظمة اتسمت بالتطرف الدينى او التعصب لمذهب معين ولايكاد تاريخ العراق يشهد حالة من الاستقرار المذهبي الا انه تحول فى بعض الفترات الى شعور عاطفى كامن تجاه الفئة بعيدا عن النوازع السلطوية بل كانت المذهبية فى فترات نشوء مدارسها فى عداء مع السلطة كما حدث فى العصر الاموى والعباسي والفترات التى تلتها حتى سقوط بغداد. عكس مايحدث اليوم حيث تسوق سياسات وايدلوجيات الحزب او السلطة عبر منبر الخطيب. هنا اعود للتساؤل من جديد ..هل انتفت الحاجة الى المذهبية فى ظل نظام سياسي يطل من منبر الجمعه ..هل ثمة مسوغ لوجود مرجعية دينية تعجز عن توحيد طيفها الواحد ..اليس الاجدى بالزعامات المذهبية التخلى عن دورها الممل والحضور العلنى بعد ان سئمنا لعبة خلط الاوراق بين الدين والسياسة ولعبة خلع العمامة التى يمارسها البعض بين لباس رجل الدين و ربطة العنق والبدلات الانيقة ..؟!!
سميرة الشبلي اعلامية عراقية القاهرة
#سميرة_الشبلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|