أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل-حركة النهضة-















المزيد.....

ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل-حركة النهضة-


حزب العمال التونسي

الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 12:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


انعقد في شهر جوان المنقضي المؤتمر الثامن لحركة النهضة. وقد شدّ هذا المؤتمر اهتمام المتابعين للشأن السياسي التونسي وأثار ردود فعل مختلفة في صفحات المعارضة ("الموقف" خصوصا) وفي شبكة الأنترنيت. ويمكن القول إن قضايا ثلاثا دارت حولها مختلف التعاليق والسجالات وهذه القضايا، هي، أولا: الهوية الإيديولوجية للحركة، وثانيا: علاقة الحركة بالسلطة ومسألة "المصالحة الوطنية"، وثالثا، علاقة الحركة بالمعارضة ومسألة العمل المشترك خصوصا ضمن إطار "هيئة 18 أكتوبر". ونود العودة إلى هذه القضايا على صفحات جريدتنا.

وقبل الخوض فيها نودّ الإشارة إلى أن العمل المشترك لا يعني مطلقا، كما ذهب إلى ذلك البعض، توقف النقاشات والجدل حول هذه القضية أو تلك من القضايا الخلافية ذات الطابع الفكري أو السياسي بين الأطراف المنخرطة في ذلك العمل، بل إن النقاش والجدل ضروريان من أجل توضيح المواقف وتحديد نقاط الالتقاء ونقاط التباين علاوة على ما فيه من إثراء للساحة الفكرية والسياسية.

إن بلادنا غير معتادة، بحكم القمع والانغلاق على السجالات الفكرية والسياسية. فقد سادت عقلية قائمة إما على المجاملة أو على التوتر والقطيعة، وهذا الوضع غير طبيعي، بل إن الوضع الطبيعي هو أن تتواجد السجالات، الرصينة، والمسؤولة والهادفة، دون أن يسد ذلك الباب أمام إمكانية العمل المشترك حول ما فيه مصلحة مشتركة. فالمجاملة، ملغومة كما هو معروف، وهي تُخلّفُ آثارا سلبية يصعب إصلاحها، والتوتر، يغمض العينين كما هو معلوم أيضا على مواطن الالتقاء الممكنة ويلغيها بشكل مصطنع، أما الوضوح، فهو خير ضامن للعلاقات المبدئية ولاستمرارية العمل المشترك حين تتوفر الأرضية.

من هذا المنطلق نتطرق إلى القضايا الثلاث التي أثارها المؤتمر الثامن لـ"حركة النهضة" والتي أسالت حبرا غير قليل.

1 – حول الهوية الأيديولوجية للحركة:

جاء في البيان الختامي ما يلي:

"جدّد المؤتمرون التزام "حركة النهضة" بالهوية التي حددتها وثائقها السابقة والتي تعني الاعتماد على المرجعية الإسلامية وما يعنيه من تقيد جميع تصوراتها ومواقفها بما هو معلوم من الدين بالضرورة مضمنا في النصوص الشرعية القطعية مع التوسع في غيرها من الظنيات بالاجتهاد بشروطه المعتبرة والتمسك في ذلك بالقيم السياسية والاجتماعية العليا من حرية وشورى واحترام للخيار الشعبي وتكافل اجتماعي ومساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون أي إقصاء أو إلغاء. وهي تعتبر نفسها امتدادا لجهود الإصلاح والتجديد التي توارد عليها المصلحون والمجددون في داخل تونس وخارجها انطلاقا من منهجها الوسطي".

إن هذه الفقرة تتضمن ، كما هو واضح، موقفين متناقضين تماما. فالجزء الأول منها يعبر عن موقف أصولي يؤكد ضمنيا التمسك بالمواقف التقليدية للحركات "الإخوانية" في مجالات العقيدة والأحوال الشخصية وحقوق الإنسان ونظام الحكم وهي المواقف الرافضة للحرية والمساواة واحترام الحرمة الجسدية والديمقراطية والتي لاتجيز الاجتهاد إلا في "الظنيات" (أي في ما ليس فيه حكم)، وهي تقيّد هذا الاجتهاد بالشروط الفقهية المتعارفة التي تحدّ من حرية المجتهد. وهذا الموقف الأيديولوجي، هو موقف غلاة "الإخوان" القطبيين (نسبة إلى السيد قطب) دعاة الدولة التيوقراطية المستبدة بالناس باسم الدين والتي لا تختلف عن الأنظمة المستبدة الحالية إلا بذلك الغلاف الديني، إن لم تكن أحيانا أفظع منها كما هو الحال في السعودية أو في أفغانستان "طالبان" سابقا.

أما الجزء الثاني من الفقرة فيتضمن موقفا "إصلاحيا" ، "تجديديا"، "اجتهاديا"، يتبنى قيما حداثية (الحرية، المساواة، احترام السيادة الشعبية، رفض الإقصاء والإلغاء، إلخ.) ويدرج الحركة في إطار حركات الإصلاح الإسلامي المعاصرة في تونس وخارجها والتي حاولت "تحديث الإسلام" لجعله متوافقا، لا متنافرا، مع المبادئ الليبرالية التي أتت بها الثورات البورجوازية في أوروبا وانبنت عليها أنظمة الحكم في هذه المنطقة، وقد تعددت مقاربات تلك الحركات واختلفت درجات جذريتها وفقا للمناخات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي ظهرت فيها، وقد عبر عنها أشخاص (مصلحون، مجددون...) أكثر مما عبرت عنها مجموعات أو تنظيمات.

وهكذا يجد القارئ نفسه أمام نزعتين أيديولوجيتين متناقضتين، الأولى جامدة، ثبوتية، رجعية، والثانية إصلاحية، تحررية. "إنها ازدواجية الخطاب"، قال البعض ممن علقوا على البيان الختامي. وهو جواب تبسيطي وسطحي، في رأينا، حتى وإن كانت ازدواجية الخطاب سمة من سمات الحركات الشعبوية، بما فيها، الحركات السياسية الدينية التي تعتمد "التقية"، أسلوبا في التعامل مع الأوضاع حتى "تتقوى" و"تتمكن". إن ما ورد في البيان يعكس في نظرنا أولا وقبل كل شيء حالة الصراع الإيديولوجي والسياسي داخل "حركة النهضة" خاصة والحركات السياسية الدينية عامة ("الإخوان" في مصر، والمغرب والأردن...). فهي يتنازعها تياران اثنان، تيار محافظ، وتيار "إصلاحي". وقد حاول البيان لملمة الخلاف أو بالأحرى التوفيق بين ذينيك التيارين حفاظا على "وحدة" الحركة وهو ما يؤكد أن الأمور ما زالت لم تنضج بعد للحسم في "حركة النهضة"، لا في هذا الاتجاه ولا في ذاك وأنه لا يمكن التكهن من الآن بمآل هذا الصراع لأنه مرتبط بموازين القوى بين الطرفين، وباستعداد كل منهما للحسم خاصة استعداد الطرف الثاني "الإصلاحي" للحسم وتحويل الحركة نهائيا، إلى حزب مدني، ذي خلفية إسلامية، وهنا بالضبط يمكن التساؤل عن نصيب القناعة من جهة ونصيب الخطاب المزدوج من جهة ثانية عند هذا الطرف، والأيام، ولا شيء غيرها (أي تطور الأحداث السياسية) هي التي ستجيب عن هذا التساؤل، وما على المرء إلا أن يتابع ويراقب ويستنتج، علما وأنه من مصلحة الحركة السياسية ككل في بلادنا وهي تواجه الاستبداد أن يكسب التيار "الإصلاحي" معركة "التحديث" و"التجديد".

إن "حزب العدالة والتنمية" التركي بقيادة "أردوغان وغول" قد تحول، أو يكاد، إلى حزب برجوازي ليبرالي محافظ (ذي خلفية إسلامية) لأنه مرتبط ارتباطا عضويا بمصالح فئات واسعة من البرجوازية التركية التي تريده أن يكون مدافعا عن مصالحها الأساسية، ولا يهمها كثيرا، قطع يد السارق، أو رجم الزاني والزانية أو لباس الخمار بقدر ما يهمها أولا وقبل كل شيء الانخراط في الاتحاد الأوروبي بما يتيحه لها من مجالات لاستثمار رساميلها وتلقي المساعدات لتطوير البنية التحتية للبلاد وتصدير البضائع، لذلك نراها تقدم التنازلات للبرجوازية الأوروبية لتقبلها: قبول العلمانية، والتداول على السلطة، وإلغاء حكم الإعدام، وعدم فرض الخمار وترك الحانات مفتوحة، والتعامل مع الأكراد بشيء من المرونة، إلخ. وهذا الوضع لا تعيشه "حركة النهضة" وبعض الحركات "الإخوانية" الأخرى التي ما تزال حركات "هلامية" نسبيا، قاعدتها الاجتماعية "متحركة" و"غير مستقرة". وهو ما يصبغ برنامجها بكثير من الضبابية والتناقض.

2 – العلاقة بالسلطة: التصالح مع الاستبداد أم النضال ضده؟

أما في خصوص النقطة الثانية وهي العلاقة بالسلطة فإن ما أثار الجدال هو تركيز البيان مرة أخرى على موضوع "المصالحة الوطنية" أي المصالحة بين نظام الحكم من جهة والحركة من جهة أخرى. وكما هو معلوم وكما ورد في البيان ذاته، فليست هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها "حركة النهضة" هذه المسألة. فقد سبق أن أثيرت في مؤتمري 1995 و2001. ويذكر البيان "أن الفهم الذي تعتمده الحركة للمصالحة لا يعني سياسة الاحتواء، استمرارا لسياسة الاستئصال، وهو يؤكد على بسط قواعد للعمل الوطني التي تقوم على الاعتراف المتبادل واحترام الحقوق الأساسية للمواطنة من حرية التعبير والإعلام والتنظم والتدرج بالحياة السياسية على نهج التغيير والإصلاح الديمقراطي". ولكن البيان، بعد أن يطرح شعار "المصالحة الوطنية" وتمسك الحركة به، سرعان ما يستدرك ليلاحظ أن الحركة رغم أنها جعلت من تلك المصالحة مبدأ يقودها في سلوكها السياسي، فإن مساعيها لم تجد صدى وتعاملا مناسبا من السلطة التي إما تجاهلت دعواتها أو ردّت عليها بالرفض، كما حصل في جويلية 2005، إثر الدعوة التي وجهتها إلى السلطة للحوار و"طي صفحة الماضي" فما كان من بن علي إلا أن ردّ في خطاب رسمي بمناسبة ذكرى إعلان "الجمهورية" (25 جويلية 2005) بأن لا حوار مع "المتطرفين".

إن استمرار "حركة النهضة" في رفع شعار "المصالحة الوطنية" المشروطة إن صحّ القول، يستدعي منا إبداء بعض الملاحظات. الأولى تتمثل في أن "الحركة" توجد بها أطراف، إن لم نقل تيارا يدفع دفعا في اتجاه التصالح مع الدكتاتورية "لإنهاء محنة المعتقلين السياسيين والمغتربين" وإيجاد صيغة تعامل تسمح لـ"الإسلاميين" بشكل من أشكال التواجد، ولا ينظر هذا التيار بعين الرضى إلى تقارب الحركة مع التيار اليساري، بل إنه يعتبر أن نظام بن علي "أقرب إليه" من هذا التيار. هذا من جهة ومن جهة أخرى فمن الواضح أن "الحركة" تحاول، من خلال الدعوة إلى المصالحة الظهور في عيون المراقبين السياسيين، في الداخل والخارج بمظهر الحركة المعتدلة، المادة يدها إلى نظام الحكم، بينما هو الذي يرفض ويمانع. وأخيرا وليس آخرا فإن "حركة النهضة"، وهذا هو الأهم، تعتقد أنه بإمكانها تحقيق أهدافها من خلال الاندماج في النظام القائم، بعد إصلاحه، أي بعد أن يقبل بها (الاعتراف المتبادل كما جاء في البيان) وبحقها في التداول على تصريف شؤون طبقة البورجوازية (الكمبرادور).

ثانيا: ولكن ما هي حظوظ شعار "المصالحة" الذي تطرحه "حركة النهضة" من النجاح؟ وهل هو يعبر عن إمكانية واقعية اليوم؟ إن المصالحة مع نظام بن علي معناها التصالح مع الاستبداد، وهذا وهْمٌ لأن نظام بن علي لا يقبل بأن يقاسمه أي طرف الحكم، بل إنه لا يقبل إلا الديكور، وهو ما من شأنه أن يطيل في عمر الاستبداد ويعطيه أنفاسا جديدة ويضعف حركة المعارضة ويؤجل تمتع الشعب التونسي بحقوقه الأساسية. وفي أفضــل الحالات فإن مصالحة الاستبداد لن تقود إلا إلى اتخاذ إجراءات محدودة، كتلك التي حصلت بعد 7 نوفمبر 1987، لا تمس أسس الاستبداد وسرعان ما يقع التراجع فيها.

ولكن قد يقال إن "حركة النهضة" وضعت شروطا للمصالحة. فأي معنى لهذه الشروط؟ وهل يمكن مطالبة الدكتاتورية بأن تمقرط نفسها؟ أليس ذلك وهما أيضا. فقد بينت التجربة التونسية أن نظام الحكم يرفض كل إصلاح وحتى الفترات التي تظاهر فيها بـ"التراجع" و"التنازل" فمن أجل إعادة الهجوم لاستعادة ما فرط فيه من مساحات لفائدة المعارضة والشعب. هذا لا ينطبق على الدكتاتورية في تونس فحسب، بل على كل الدكتاتوريات فهي لا تسقط إلا إذا أسقطت، ولا تتراجع إلا إذا أجبرت على ذلك.

وليس أدل على ما نقول من أن نظام بن علي تجاهل كل الدعوات التي أطلقتها "حركة النهضة" من أجل "المصالحة" أو ردّ عليها بالرفض (خطاب بن علي في 25 جويلية 2005). وهو يمعن اليوم في المنع والقمع ويشدد القبضة على المجتمع ويستغل ضعف المعارضة السياسية والمدنية من جهة وضعف الحركة الاجتماعية من جهة ثانية لتكريس الرئاسة مدى الحياة وفرض الحكم الفردي المطلق على الشعب لتونسي للحفاظ على مصالح الأقلية المحلية الفاسدة والشركات والمؤسسات الأجنبية التي تنهب البلاد.

لذلك فإن ما يطرح حقا من أجل تغيير الواقع وتحسين حالة الشعب والبلاد ليس اللهث وراء "مصالحة وطنية" مستحيلة أو "حث السلطة على الانخراط في نهج إصلاحٍ" هي ترفضه أصلا لتناقضه مع مصالحها، بل النضال ضد الاستبداد من أجل وضع حد له، وربما يؤدي هذا النضال في مرحلة من المراحل إلى تراجع الدكتاتورية، وتقديمها لبعض التنازلات، ولكن حتى في هذه الحالة فإن المطروح، لن يكون في رأينا، مدّ اليد إليها، والتصالح معها، من أجل التمديد في أنفاسها، بل استغلال كل تنازل تقوم به لتشديد الخناق عليها والإسراع برحيلها.

3 – العلاقة بالمعارضة:

أما النقطة الأخيرة، وهي تهم العلاقة بالمعارضة فقد جاء في البيان أن المؤتمرين "أكدوا على ضرورة العمل المشترك من أجل تحقيق الانفتاح السيــاسي والتنمية الديمقراطية مع كل قوى المعارضة الجادة". ويضيف البيان :" ويتأكد العمل المشترك على وجه الخصوص مع هيئة 18 أكتوبر، مع هيئة 18 أكتوبر مع التوصية يدعم هذه الهيئة في اتجاه التخلص من العراقيل الداخلية التي قد تشوش على حسن سيرها ودوام التآمها". وما من شك في أن هذا الموقف يعكس أيضا الخلاف القائم في "حركة النهضة" حول العمل المشترك داخل هيئة 18 أكتوبر ومع كافة أطراف المعارضة السياسية والمدنية.

لقد أبدت بعض أطراف الحركة ترددا إن لم نقل رفضا للنهج الذي تسير عليه "هيئة 18 أكتوبر" في ما يخص الحوار حول القضايا الخلافية، خصوصا بعد صدور "إعلان 8 مارس حول حقوق المرأة"، فهذه الأطراف تريد الاكتفاء بالعمل المشترك حول المطالب الثلاثة التي تحرك حولها المضربون عن الطعام والتي شكلت أرضية قامت عليها الهيئة، وتجنب الخوض في المسائل المدرجة في أرضية "المنتدى" وهي المساواة بين الجنسين وحرية الضمير والمعتقد وحقوق الإنسان (الحرمة الجسدية) وعلاقة الدين بالدولة والهوية، إلخ. ولم يتردد البعض من اعتبار النقاش حول هذه المسائل بمثابة "الملاحقة الفكرية" لـ"حركة النهضة" بعد أن كانت ضحية لـ" ملاحقة أمنية".

وهنا لا بد من توضيح أن إدراج المسائل المذكورة للنقاش في إطار "المنتدى" لم يفرض على أحد، بل كان محل اتفاق بين كافة الأطراف المكونة لهيئة 18 أكتوبر. بما فيها ممثلو التيار الإسلامي. وكان الهدف من ذلك هو السعي إلى تطوير أرضية "الهيئة" لتتحول من أرضية للتحرك حول بعض المطالب المتصلة بالحرية إلى أرضية عامة لمواجهة الاستبداد والدكتاتورية وإرساء أسس نظام ديمقراطي جديد تتعايش في ظله كل الأطراف دون أن ينفي ذلك الاختلاف، والاختلاف موجود يشمل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما يشمل الخيارات السياسية التي تتجاوز ذلك الحد الأدنى.

إن هذا التمشّي الذي قابلته أطراف يسارية وعلمانية بالتشكيك والرفض انطلاقا من عدم الثقـة بالإسلاميين المتهمين بـ"ازدواجية الخطاب"، هو الذي احترزت منه أطراف من "حركة النهضة" أيضا، وقد تحول هذا الاحتراز، بعد صدور "إعلان 8 مارس" إلى تبرم ورفض. وليس خافيا أن ما يفسر سلوك هذه الأطراف من البداية، هو أنها لا تريد الخوض في المسائل المذكورة حتى لا تضطر إلى الإفصاح عن موقفها منها وهو موقف يعارض مبادئ المساواة بين الجنسين وحرية العقيدة والتخلي عن تطبيق الحدود (لما فيها من انتهاك للحرمة الجسدية) والفصل بين الدين والسياسية فهي تريد الاستفادة من النضال المشترك حول المطالب الثلاثة المكونة لأرضية "الهيئة" مع الحفاظ على مواقفها التقليدية من المسائل المتبقية.

ومن الملاحظ أن هذه الأطراف تحاول تبرير موقفها زاعمة أن الموقف من هذه المسائل يندرج ضمن "خصوصية" أو "هوية" كل طرف وأن الخوض فيها يعني المساس بتلك الخصوصية أو الهوية الفكرية، كما يعني "ضرب الوحدة وبث التفرقة". فما من شك أن لكل تنظيم من التنظيمات المشاركة في "هيئة 18 أكتوبر" هويته الفكرية والسياسية، وأن ما من أحد مطالب بتغييرها. ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الهدف من العمل المشترك، ومن الحوار الذي انطلق هو تأسيس "هوية دنيا مشتركة"، "هوية ديمقراطية دنيا" من أجل النضال معا ضد الدكتاتورية وضمان شروط التعايش لاحقا. وتلك الهوية المشتركة لا يمكن أن تقوم إلا على جملة المبادئ التي تشكل الحد الأدنى الغير قابل للتصرف، والتي بدون الاتفاق عليها، يصبح العمل المشترك صعبا إن لم نقل مستحيلا.

نوضح. لا يمكن للمرء أن يقول لك: لا تجادلني في موقفي الذي لا يقبل المساواة بين الجنسين، ولا في موقفي المنافي لحرية العقيدة، أو المنادي بتطبيق الحدود أو الذي يدعو إلى إقامة دولة دينية، تحكم باسم الله... لأنك تجادلني في هويتي!!! فإذا كانت هذه المواقف هي التي تتأسس عليها هويتك فمعناه أن هويتك استبدادية، غير ديمقراطية وأنه لا يمكننا أن نعمل أو نتعايش مع بعضنا البعض !! إن ما نريده هو أن يكون لنا "هوية دنيا مشتركة" في "هيئة 18 أكتوبر" وخارجها قائمة على الإيمان بالحريات والمساواة بين الجنسين والسيادة الشعبية في إطــار سلطة مدنية. وإذا كان النقاش حول هذه المسائل "يفرق" فمعنى ذلك أننا لا نتفق حتى حول هذا الأدنى، وأننا "متفرقون" أصلا، وليس النقاش هو سبب "فرقتنا"!! لذلك فإننا مدعوون في "هيئة 18 أكتوبر" لمواصلة الحوار. وإذا كانت الأطراف غير الإسلامية (اليسارية، الليبرالية، القومية) مطالبة باحترام تمش هادئ ورصين لا يقفز على واقع كل طرف، فإن "النهضويين" المقتنعين بأهمية العمل المشترك وضرورته مطالبون من جهتهم بأن لا يخضعوا للضغوط المسلطة عليهم سواء من داخل حركتهم أو من محيطها التونسي والخارجي وأن يمضوا في الحوار لتأسيس حالة جديدة في تونس تخدم مصلحة كل القوى الحية.

خاتمة

خلاصة القول إن المؤتمر الثامن لـ"حركة النهضة" لم يكن مؤتمر الحسم في اتجاه تبني الخيار الديمقراطي بشكل واضح، ولكنه كان مؤتمرا متجها إلى داخل الحركة، إلى لملمة صفوفها، وتجميع مختلف أطرافها بتناقضاتهم المختلفة. وقد يقول قائل من الحركة ذاتها "إننا حركة فيها تنوع واختلاف وهي تحتضن كل التيارات وفي ذلك علامة صحة"، وهذا في الواقع غير صحيح، فالتنوع والاختلاف عامل حيوي داخل اي حزب أو حركة حين يكون قائما على الاتفاق على الحدود الدنيا، ولكن أن يتعايش المؤمن بالحرية والديمقراطية إلى جانب من يؤمن بالاستبداد في نفس الحزب أو الحركة فذلك ما لا يدل على علامة صحية، بل إنه يرمز إلى أن الطرف الأول لم يحزم أمره للحسم وهو يتردد في تبني الخيار الديمقراطي والقطع مع جذور الاستبداد.

ومهما يكن من أمر فإن تقدّم العمل المشترك مرهون بأن تجدّ كل الأطراف في تبني الأرضية الدنيا لهذا العمل والدفاع عنها بتماسك، وأن لا تتعرض للانتكاس في أول منعرج، وهو ما لا يريده كل من هو جاد في مقاومته للاستبداد.




#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم اجتماعي جديد: تحديات جديدة ورهانات متجددة
- جوان: شهر المنع والقمع
- في تقييم المؤتمر 21 للاتحاد العام التونسي للشغل
- ملاحظات حول وثيقة -مشروع أرضية لليسار
- التعددية النقابية في تونس: قراءة في الوثائق التأسيسية ل-الجا ...
- إضرابات ناجحة في التعليم:المعلمون والأساتذة يدقّون نواقيس ال ...
- بمناسبة عيد العمال العالمي:بيان
- مؤتمر اتحاد الشغل بالمنستير: وكادت المفاجأة الكبرى أن تحدث!
- الطبقة العاملة الثورية وحقوق الإنسان
- أحداث حمام الشط - سليمان: فشل الاستبداد في توفير الأمن والاس ...
- قولوا الحقيقة للشعب !
- ماذا تعرف عن العلمانية ؟ 4
- خطاب 7 نوفمبر: لا تنتظروا تغييرا...فكل شيء على ما يرام
- حملة أمنية واسعة على -المتحجبات
- الحق في الشغل، حق مقدس
- الجبهة الوطنية ضرورة ملحة في مواجهة الهجمة الامبريالية والصه ...
- البابا يمنح تفويضا دينيا لسياسة بوش العدوانية
- بعد مرور 50 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية: المساواة القا ...
- سنة سياسية جديدة بمشاكل قديمة
- الإجرام ملازم للنظام الرأسمالي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل-حركة النهضة-