|
الأخ الحنفي : الشمس لا يحجبها الغربال .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 12:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اسمح لي أيها الأخ المحترم أن أنبهك إلى أن إلصاق التهم بمن يخالفك الرأي في التحليل عملية بئيسة لا تجدي ، سواء في حجب الحقيقة أو شطبها . كما أنها أسلوب بائد درج عليه من كانوا يحسبون على النضال ، أو قل اليسراويين /المتياسرين الذين تعوزهم الجرأة والشجاعة على مواجهة خصومهم أو رفاقهم بغرض التشهير وتصفية الحساب . وأعتقد جازما أني لستُ خصمك ولا رفيقك في حزب الطليعة حتى تحتاج لاستعمال سلاح بائد وبئيس في الرد على وجهة نظري . إننا إزاء حدث يستدعي قدرا من الموضوعية في التعامل معه تحليلا وتفسيرا ، دون إسقاطات أو تحريفات . ذلك أن الأمر لا يتعلق بالتنقيص من قدر مناضل أكن له كل التقدير والاحترام ، وأعني به السيد أحمد بنجلون ـ ولا حتى بالتشفي والشماتة ، كما جاء في مقالتك . بل إن قرار المشاركة في الانتخابات الذي اتخذه حزب الطليعة من بعد طول مقاطعة ، يستحق كل تنويه من حيث كونه دليل ديناميكية فكرية وإيديولوجية داخل الحزب . ومجتمعنا بحاجة إلى هذه الديناميكية التي تكسر الجمود وتسرع من وتيرة التغيير . ولا شك أن حزب الطليعة لم يغير موقفه من المقاطعة إلى المشاركة في الانتخابات إلا لما رصد مؤشرات مشجعة على التغيير . وهذا في حد ذاته عنصر إيجابي ، لأنه يفتح الفرصة أمام المناضلين لاختبار مواقفهم وتنظيراتهم حول المجتمع والقوى أو العوامل المؤثرة فيه . إذ المجتمع المثالي والمنسجم لا يوجد إلا في مخيلة "المناضلين" الذين يقولون ما لا يفعلون ، أو يتخذون من المقاهي عروشا للتنظير الذي لا يصمد عند أول خطوة على أرض الواقع . والالتزام بالمادية التاريخية كمنهج في تحليل الظواهر الاجتماعية يتنافى ووضعية "القواعد من المناضلين" الذين يتعاملون في تنظيراتهم مع واقع كما يتخيلونه لا كما يعيشه المواطنون . فالشعارات لا تصنع مجتمعا ولا تغير واقعا إلا إذا تحولت إلى قوة مادية بفعل الارتباط بالواقع والفعل من داخله . والانتخابات هي مجال له محدداته والعوامل المؤثرة فيه ، تختلف عن غيرها من مجالات اشتغال المجتمع المدني . ومن يتجاهل منطق الأشياء يعيش مرارة المفارقات . وكمثال على هذا نجد مناضلي اليسار الجذري ، بمن فيهم مناضلو حزب الطليعة ، هم الأكثر نشاطا وفعالية في جمعيات المجتمع المدني ، لدرجة أنهم استطاعوا تعبئة شرائح اجتماعية واسعة ضد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة . وهذا عمل رائع وفعال . لكنهم يعجزون تماما عن تعبئة نفس الشرائح للتصويت على مرشحي اليسار وبرامجهم الانتخابية . وهذه حقا مفارقة . إذ كيف ينجح اليسار في إقناع المواطنين ببرنامجه النضالي ـ الحقوقي والاجتماعي ـ ويفشل في التعبئة لبرنامجه الانتخابي ؟ إذن المسألة تحتاج إلى دراسة وتحليل . وفي هذا الإطار جاءت مقالتي التي هي محاولة لتفسير حدث انتخابي اعتمدت فيه أسلوب المقارنة علها تكون أجدى في الفهم والتفسير . فنتائج الاقتراع بدائرة الرحامنة شكلت حدثا فريدا على مستويات عدة أبرزها : أ ـ نسبة المشاركة التي ظلت متدنية في عموم الدوائر الانتخابية ، وتناولها المهتمون والباحثون كمؤشر عن العزوف السياسي والسخط الشعبي من أداء الأحزاب والحكومة والبرلمان . بينما في دائرة الرحامنة خرجت عن السياق العام بارتفاعها إلى مستويات قياسية . الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن السبب أو الأسباب . أليس مواطنو الرحامنة يتداعون بالسخط والعزوف لما يتداعى له عموم الشعب المغربي ؟ ب ـ نسبة الأصوات المحصل عليها ، وهي نسبة جد مرتفعة بلغت 72,13 من مجموع الأصوات المعبر عنها أي ما مجموعه 41256 صوت. وهذه النسبة تبعث على التساؤل حول قدرة المرشحين على التنافس ، وهل جميعهم فقراء كادحون ؟ وهل يوجد ما يدعم الاتهام الذي ساقه الحنفي من كون فؤاد علي الهمة استعمل المال في شراء الذمم ؟ ج ـ نسبة الفوز التي حققتها لائحة الهمة والتي بلغت مائة بالمائة من المقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة . وهي نسبة لم تحققها أية لائحة على مستوى التراب الوطني . فهل كل ناخبي دائرة الرحامنة الذين أدلوا بأصواتهم لفائدة لائحة "التراكتور" باعوا ذممهم ؟ لفهم هذا الحدث ـ وأنا الذي لم تطأ قدماي أرض الرحامنة ولا تعرفت على فؤاد علي الهمة ـ حاولت مقاربة الحدث من زوايا غير تلك التي ركز عليها الحنفي وكل المتشبعين بالأيديولوجيا الصماء . وطبعا كانت المقارنة بين نموذجين متباينين إيديولوجيا ، سياسيا ، اجتماعيا أنجع في تلمس عناصر الإجابة عن الأسئلة التي أثارها الحدث الانتخابي بدائرة الرحامنة . ولم أجد ـ حسب اجتهادي المتواضع ـ جدوى كبيرة في المقارنة بين الهمة ومنافسيه اليساريين داخل تراب نفس الدائرة ، لسبب بسيط هو غياب التكافؤ إن لم أقل انعدامه . بمعنى أن المنافسين لا يمثلون رمزية ذات إشعاع وطني كما يمثلها مثلا أحمد بنجلون . واختياري لهذه الشخصية إنما كان لاعتبار الرمزية النضالية والإيديولوجية التي تحظى بها مقابل رمزية مغايرة ونقيضة للتي يمثلها شخص الهمة . والمغايرة والتباين والتناقض عكستها حتى النتائج المحصل عليها . بحيث حصل مرشح دائرة الرباط المحيط أحمد بن جلون على 666 صوتا ،أي بنسبة 1.52 ، مقابل نسبة 72,13 لفائدة الهمة . وبناء على هذه المعطيات استنتجت التالي : 1ـ أن التصويت الإيديولوجي في تراجع وانحصار . إذ رغم أن أحمد بن جلون هو شقيق المناضل عمر بن جلون الذي ناضل واستشهد من أجل الدفاع عن قضايا البسطاء والمحرومين ، فإن القرابة الدموية والقناعة الإيديولوجية لم تقنعا عموم الناخبين بالتصويت لفائدة مرشح حزب الطليعة . 2 ـ أن الرهان على الشعارات والمبادئ لإقناع الناخبين أو استمالتهم ، رهان خاسر . إذ لو أن الأمر يتوقف فعلا على الشعارات والمبادئ لكان السيد ين جلون ولائحته على رأس الفائزين بالعضوية في البرلمان وبثقة الناخبين . 3 ـ أن التاريخ النضالي للشخص أو للحزب لم يعد القيمة الرئيسية التي على أساسها يتم اختيار مرشح دون غيره . 4 ـ أن معارضة النظام أو مواجهته لم تعد "أصلا تجاريا" يضمن الربح السياسي لذوي الأصول الراديكالية أو لفروعهم . إذن نحن أمام مرحلة جديدة تتسم بأفول العامل الإيديولوجي لصالح العوامل المادية . حيث تبلور وعي لدى المواطن المغربي أن زمن الراديكالية في المواقف والأهداف قد ولى . ولا أعتقد أن في هذا التحليل مسا بمصداقية السيد بنجلون ولا تنقيصا من قدره . أما ما يتعلق بالترشيح النضالي الذي زعم السيد الحنفي أنه كان الدافع الرئيسي ليخوض السيد بنجلون تجربة الانتخابات ، فلا أشاطره الرأي تماما . وحجتي في هذا أن السيد بنجلون ظل مصرا على الترشح في دائرة المحيط ضد محمد الساسي الذي بين حزبيهما تحالف على خوض غمار الانتخابات بلوائح مشتركة . ومن حق أي مواطن أن يتساءل عن سبب رفض بنجلون والساسي ـ وهما المناضلان والحليفان ـ التنازل لفائدة أحدهما . ألم يكونا يمثلان برنامجا انتخابيا موحدا ؟ ألم يكونا يواجهان خصوما مشتركين ؟ ألم تكن لهما أطماع في انتزاع مقعد نيابي ؟ ألم تكن نتيجة 1,52 إزاء 72,13 مستفزة ومحيرة ومقلقة ؟ الأخ الحنفي : إن الحقيقة تجرح ولا تقتل . والتذكير بكون حزب الطليعة يحتل المرتبة الأخيرة حسب النتائج المحصل عليها في اقتراع 7 سبتمبر 2007 ، ليس حقدا على الحزب ولا تشفيا فيه . بل مساهمة في فهم وتحليل الواقع الذي أفرز هذه النتائج . وأنا شخصيا على يقين من أن علاقة الصداقة مع الملك لعبت دورا حاسما في فوز لائحة فؤاد علي الهمة . وفي ذلك دلالة تستدعي الاعتبار . أما اتهاماتك الرخيصة لي بما أترفع عن ذكره فلا تليق بمناضل حر نزيه كلفته قيم النضال والتضحية غاليا .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنهجية الديمقراطية كل لا يتجزأ .
-
فوز الهمة وفشل بن جلون أية دلالة ؟
-
بين إدريسين يتشكل المغرب الجديد
-
الأوصياء على الدين أول من يخرق تعاليمه.
-
تداول الأدوار أم تغيير المواقف؟
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(2)
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(1)
-
هل يمكن أن يصير العثماني أردوغان المغرب ؟
-
هل ستكون الأحزاب في الموعد الذي حدده الملك ؟
-
حوار لفائدة موقع إسلام أون لاين
-
لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب
-
بريطانيا تذوق السم الذي طبخته
-
العدل والإحسان تداري عن الفضيحة بادعاء الفضيلة
-
أوهام المراهنة على التحالف أو الإدماج السياسي لجماعة العدل و
...
-
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
-
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطة
-
هيئات العلماء ومسئولية الانخراط في حركة الإصلاح الشامل .
-
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية.
-
العيب في ثقافة البداوة وليس في بول الإبل
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|