يوسف وهبه
الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 10:37
المحور:
القضية الفلسطينية
من غير المنطقي أن تمر الذكرى السابعة للانتفاضة الثانية المباركة كفرصة سنوية لملصقات جديدة، واحتفالات وطنية، وخطابات تمجد الشهداء وتطالب بإنهاء الاحتلال والحصار، وإطلاق الأسرى، وصولاً إلى التأكيد والتعهد والقسم على الاستمرار في نهج الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها، التي وحتى اللحظة، وبعد سقوط 4900 شهيد، لم نجد حولها توافقاً بين مكونات العمل الوطني الفلسطيني!!
ان تمر كل هذه السنين منذ اندلاع الانتفاضة، لهو أمر يدعو للمفخرة والشعور بالعزة، ويشكل الوقوف بوجدانية عندها دافعاً جديداً وهزة قوية لمشاعرنا الوطنية المحبطة مؤخراً. ولكن أليس الأولى أن نقف عند اول خطوة من الموضوعية والمنطق، ونحن نتأمل هذا السيل الجارف من التضحيات؟ ألم يحن الوقت بعد لوقفة ناقدة وصريحة لكل مجريات هذه الانتفاضة بعملها الإبداعي، ومنجزاتها، وتأثيراتها ونتائجها، تماماً كالوقوف أمام تعثراتها وإخفاقاتها وسلبياتها، والدروس التي من المفترض أن تُستقى منها على الصعد السياسية والوطنية والعسكرية والجماهيرية والاقتصادية من حصارات وتداعيات كافة؟
لا يمكن للمراقب لانتفاضة الأقصى إلا ان يعود بالذاكرة والتأمل إلى حدث الانتفاضة المباركة الأولى، انتفاضة الحجر. في مقارنة فورية وضرورية للأسباب والمجريات والأساليب والنتائج. ليدرك ومن اللحظة الأولى تلك الاختلافات الشاسعة بين الانتفاضتين من كل النواحي. على الأقل يمكننا القول أن انتفاضة شعبنا الأولى أنجزت فيما انجزته تكريس الوحدة الوطنية بشكل فاعل وحقيقي على أرض المعركة، بينما كانت الانتفاضة الثانية ـ بشكل او بآخر ـ طريقاً وعراً أوصلتنا حتى الان إلى تقسيم الوطن وازدواجية السلطة وخرق كل الخطوط الحمر واولها حرمة الدم الفلسطيني.
الانتفاضة الأولى كانت ربما سبيلاً لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية من ناحية تقوية موقفها امام العالم، لتكون عامل قوة وضغط وتأثير في المعركة النضالية والتفاوضية التي أفضت إلى اوسلو وتأسيس أول كيان فلسطيني على أرض الوطن. انتفاضة الأقصى، ونتيجةً لكثير من الاعتبارات السلبية التي ساهم فيها الكثير من متعاطي الشأن الوطني والسياسي والميداني، اعادت هذا الكيان ـ رغم محدوديته ـ عقوداً إلى الوراء، وكرست الاحتلال بشرعية الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب، خاصة مع تزامنها مع حدث 11 أيلول التاريخي.
ومن هنا لا بد من الوقوف ملياً امام الأسباب التي جعلت من انتفاضة الأقصى عامل ضغط وإحراج في كثير من المواقع والفترات على مشروعنا الوطني الفلسطيني. والمشكلة حقاً أن أي صوت ناقد أو رؤية منطقية حاولت أن ترى النور في سبيل تصويب مسار الانتفاضة، كانت تجد اتهاماتٍ معلّبةً ومصحوبة بكمٍّ هائل من الشعارات لتقتلها وهي في المهد. فكل من طالب بضرورة الاتفاق على أهداف الانتفاضة، بات بنظر الكثيرين متآمراً على المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، وصارت الانتفاضة بحد ذاتها هدفاً وغاية لا وسيلة وأسلوباً. وباتت بحكم القداسة بحيث يحرم التجرؤ على العمل على تصويب مسارها أو نقدها. وسمعنا أصواتاً تحدثت عن عسكرة الانتفاضة. وكثير ممن سمع تلك الأصوات، لم تتح له الفرصة الكافية ليتعرف بشكل علمي على معنى العسكرة، وما يقصده المنتقد لها في رؤيته في منهجة العمل الانتفاضي ككل، بحيث تكون العسكرة آلية عمل تنطلق جنباً إلى جنب مع باقي الآليات الجماهيرية والسياسية والإعلامية، فتخبو حيناً وتتصاعد احياناً، وتحسن اختيار المكان والزمان، بحيث يكون مردودها ايجابياً على الانتفاضة وأهدافها، بدلاً من ان تكون سبباً رئيسياً في كثير من الأحيان في تجريدها من مشروعيتها، وبالتالي خفض سقف تأثيراتها خاصة على الرأي العام العالمي، والإرادة الدولية.
ولعل تجربة القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى تعتبر من أسمى وأنجح الإنجازات فيها كونها كانت الأساس في تحويل أبسط أنشطة الانتفاضة كرشق الحجارة وإشعال الإطارات وإلقاء المولوتوف، إلى اعمال ذات مردود ايجابي كبير على صعيد سير الانتفاضة نفسها تجاه تحقيق الهداف المرسومة لها، او على صعيد المعركة الإعلامية المؤثرة عربياً وعالمياً. ما زالت صور الأطفال من راشقي الحجارة تسكن الذاكرة، والعالمية منها بالأخص، كونها المعنية في تحريك المواقف الداعمة رسمياً وشعبياً. هذه التجربة افتقرت إليها الانتفاضة الثانية، وخضعت لمزاجية الفصائل والتشكيلات، وهي مزاجية مبعثها المصلحة الحزبية الضيقة، التي وضعت نفسها في مقدمة الأهداف غير المعلنة للانتفاضة، مستغلة أهدافها الكبرى المعلنة للتسلق على هامات الشهداء وتضحيات الشعب، لإيجاد مساحة كافية من السيطرة والقدرة على التأثير على مسار القضية الفلسطينية، بطريقة تفتح لها الأفق للحصول على أكبر حصة ممكنة من المكاسب التي يمكن تحقيقها.
إن العام السابع للانتفاضة الثانية قد طوي على حدث أسود مزلزل في تاريخنا الفلسطيني، وهو الانقلاب في غزة. أليس من حق المراقبين، خاصة أولئك الذين رفعوا الصوت سابقاً بالنقد لكثير من حيثيات الانتفاضة، أن يربطوا هذا الحدث المأساوي بتلك التجاوزات التي سبق تبريرها بردود فعل عكسية اتهامية تشكيكية تخوينية؟؟ ألم تكن العسكرة اللامحدودة للانتفاضة سبباً أساسياً ومباشراً في خلق مراكز قوى مسلحة مصحوبة بحالة فلتان أمني ممنهج، تنفذ بقوة السلاح أجنداتها الخاصة تحت العنوان العريض للانتفاضة وأهدافها الوطنية الكبرى؟؟ أليس الوقت مناسباً حتى الآن لمراجعة الكثير من الاعمال الانتفاضية والمواقف السياسية المعلنة التي شكلت بشكل أو بآخر عامل دعم وقوة للعدو وأعطته شرعية محاربة الإرهاب، واكسبته التعاطف العالمي في الوقت الذي خسرناه بشكل شبه تام، وبتنا ندور في فلك محاور الشر الإرهابية حسب التصنيفات الأمريكية؟؟ ألا يقودنا هذا كله إلى استنتاج مفاده أن القيّمين على تلك الأعمال ومراكز القوى، كانت مصلحتهم الأساسية في عدم تكرار تجربة القيادة الوطنية الموحدة، فباتت مواقفهم وسلوكهم تعود بالمردود للكسب الفصائلي الذي ينشدونه لهم، وتصب نقمة وخسائر سياسية وإعلامية وميدانية على القيادة الفلسطينية التي هي في وجه العاصفة الدولية!!
إن طرح كل هذه التساؤلات لا يصب إطلاقاً في خانة تقزيم ظاهرة الانتفاضة المباركة، وإنجازاتها وكل التضحيات المبذولة فيها ولكنه حاجة ملحة لإعادة التقييم، والخروج من دائرة التسليم بالأمور على حالها، وتغطيتها ببعض الرماد، فلا بد لنا في هذا الوقت العصيب والمنعطف المصيري، ان نستقي الدروس والعبر في كافة مجالات عملنا السياسية والجماهيرية والعسكرية.
#يوسف_وهبه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟