|
هيئة الإحياء والتحديث الحضاري في بابل...عولمة الذات المصغّرة
كامل القيّم
الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 12:23
المحور:
الصحافة والاعلام
في الوقت الذي تعصف بالمتلقي المحلي (ثقافات كونية ) متغايرة الرموز والطرق والاستمالات ، وبتواتر كثيف، جعل من طاولة المدرك التاريخي والمعرفي يميل الى التهميش، وربما الى الرفض في حالة استمرار الكسل والاستاتيكية التي ابتليت بها قنوات الثقافة الرسمية وغير الرسمية ، فالرموز ومعطيات التأثير الوافدة أضعفت الوطني ، ثم المحلي ، ثم الشخصي ، الى الحد الذي نقترب من ان نعيش في ظل محركات وأجندات تشوبها الغربة أكثر من ملمح المتعارف . وهكذا غدا ميدان التأثير كم هائل من الصور والخطابات والرسائل، تنهال فضائياَ على متلقينا الذي لا ُيلحق بما يجري ، ادراكاً وتفسيراً ، وفي وسط تلك الزحمة المعرفية والتراكم ( يُغيّب الوعي ) ويتخذ جنسية معرفية أخرى ، دون شفاعة للتاريخ او لما نُحت له من قيم في طفولته المدرسية . وقد كشفت المعطيات والدراسات عن هذا المشهد المتزايد ، على توسّع الفرقة والجفاء عن المحلي المقدس ، وخاصة للأجيال الحالية ، وكان – بحسب تلك التصورات - لابد من البحث عن مأوى مرجعي لمواجهة قصف العقول والنفوس بتقانة الألوان وتصدير مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة .والتي يدفع أثمانها في الغالب الشعوب والمجتمعات والأقليات المثقلة والمدججة بالموروث والعُمق الحضاري والتاريخي . وتَعُّد خارطة العودة الى الداخل – الموروث ، المحلي – قد نالت الرجع ليس فقط في المجتمعات النامية، بل وحتى الدول مصدرة العولمة وصانعة أدواتها كفرنسا وكندا واليابان والبرازيل. وعلى ذلك فان المأوى الآمن لثبات الهوية والذات الثقافية يتراوح بين بُعدين أساسين : الأول من خلال مرجعيات كبرى ( معتقد ..قومية ..دين ...وطن ) والثاني يتعلق بـ ( طائفة ، جماعة ، بيئة ، مجتمع محلي ..الخ ) وهكذا . وتاكيداً مما ذكرنا نرى الكثير من منافذ الركون الى إحياء التراث والمقدس، قد زادت وتيرته في السنين الأخيرة من عمر العولمة وامتلاء الفضاء بالميديا ، فانبثقت عشرات الجمعيات والهيئات في أوربا وأمريكا الجنوبية تنادي بالرجوع الى إحياء التقاليد والوقائع والرموز الشخصية ، حينما كانت مزدهرة قبل قرون من الزمان ، باعتبارها ملاذا ينضوي به الإنسان من التغريب الحضاري واتساع أسواق صنّاع الثقافات .ومثلها في الدول والمدن العربية والإسلامية التي رأت ان الحل يكمن في عناق الموروث والعمل على إحياءه جميلاً بهياً . وبما إن( فيحاءنا) قامت عليها اعتى الحضارات وأغناها حراكاً ، ارض حمورابي، وصدقة والمطّهر، فلابد من دفاعات ، ولابد من أفق جديد لهذا الركون وهذا القبول بما يأتي ، فلدينا كل الرموز ، ولدينا كل ما يصنع روائع وجُرعات تنشيط لأجيالنا وأطفالنا ففي كل متر شخوص ، وفي كل متر رموز ...فعلينا ان نحيي وعلينا ان نستجمع وننظم كل تلك الرائعات. فعلى مستوى العراق نحن نفترض ان لكل مدينة أحبائها ، ونحن أحباء الحلة ، شكلّنا هيئة سميناها ( هيئة الإحياء والتحديث الحضاري ) لتكن خير مثال لإحياء تراث وحضارة مدن العراق ، الذي أتعبه القهر الثقافي والتاريخي ، وجهل أولويات القرار لاستشراف المستقبل وصنع إبطاله . وكنا قد وضعنا تساؤلات وافتراضات : ماذا نريد كهيئة أن نحي ونشيع ؟ ما أولوياتنا لاستنهاض الذات الثقافية لمدينة الحلة ؟ ما آلياتنا؟ قنواتنا الأساسية ؟ تساؤلات عدة تجري في ثناياها حوارات ومناقشات يومية ؟ ايماناً منا بالمهمة والطوق الذي بأعناقنا . وإذا كان تشكيل هيئة الإحياء والتحديث في مدينة الحلة قد انطلق من منطلق المسؤولية التاريخية والثقافية والأخلاقية نحو المدينة اولاً ، وثانياً عما تفرضه بنية انسياب المعطيات الثقافية والمعرفية من إبعاد وتأثيرات وافدة ، تكادُ ان تُغرق وتلوث وتستبيح روائع وجهود أجيال قرون ، استباحة النسيان والتهميش والتخريب الثقافي ، وعلينا وفق هذا وذاك ان نفرق بين البُعدين ، ليس أن نرفض الجديد الجميل ، وليس ان نغلق الأبواب على نواميس الحداثة وبهائها ، بقدر ما نبني عوامل ثبات وإسناد (لذاتنا الثقافية ) بيئة ومضمون وأعلام ، ومن ثم نتجول بلا خوف او خشية من روافد الآخر ، غربياً كان ام شرقياً . ومن منطلق البعدين المذكورين وبالتعاون مع جهة حكومية ساندة وضعنا سيناريو محدد لما يجري ( وسط فوضى الوافد الجديد) وفوضى التخريب والجهل الجمالي والبيئي ، ليس لوضع بدائل عن المنظر الثقافي او المفكر الاجتماعي او الديني ، الذي هو حتماً يطابقنا في النية والأهداف وربما الآليات ، لذا جرى ان تعمل الهيئة على وفق محاور أساسية رئيسة منها : 1-إحياء الموروث الاجتماعي والثقافي لمدينة الحلة ، من خلال آليات مختلفة ، وتقديم البعض منه بأفق معاصر، يشوبه الجمال والوضوح ، كأحد أدوات التحفيز المعرفي والحضاري لأبناء المدينة . 2- اقتراح تشكيلات جمالية وفنية ، مستوحاة من شخصيات ووقائع الحلة قديماً وحديثاً تأخذ أبعاد تربوية ووطنية وثقافية . 3- توفير او إعادة ترميز النتاج الفكري والتاريخي لمدينة الحلة برموز جمالية معاصرة ( نحت ، مكتبات ، دراسات ، تسميات ، صور ، وثائق ، مؤتمرات ....الخ ). 4- متابعة ومراقبة كل ما يستجد بيئياً وجمالياً ، ورفض كل ما يعمل على تشويه صورة المدينة من خلال صلاحيات النظام الداخلي للهيئة . 5- إصدار المطبوعات التي تحتضن وتكشف الوقائع التاريخية والثقافية ، وتشجيع العطاء والمنجز الثقافي والعمل على إشاعته عبر قنوات الاتصال المختلفة . 6- إعداد التوصيات والمقترحات للدوائر الحكومية فيما يخص المناطق الأثرية والتاريخية ، والعمل على ان تكون المدينة منطقة إنتاج وتصدير متعدد للنتاج الفكري والثقافي والجمالي . وفي ظل أجواء مساعدة تارة ، ومعرقلة تارة أخرى، استطاعت هيئتنا ان تستكمل خطوات لابأس بها من هذه المحاور ، تلك المحاور التي تستلزم المزيد المزيد من التعاون والتآزر ، عوناً وتشجيعاً ومشاركة ، فنحن في خطوتنا الأولى ، وهي الأصعب. فهيئة الإحياء والتحديث عولمة مصغرة للجميع ، عراقيين ، مغتربين ، أبناء مدينة، كبار المتعلمين، بسطاء ، لافرق فيما يفيد الغاية ...فأي كلمة ، وأية إضافة تنير ما تراكم خلال القرون التسعة لعمر الفيحاء ، فالجميع مدعون ان يسهموا في إعادة بناء ( ذات الحلة الثقافية ) بافق منظم ومسؤول ، سواءً ما نحته الأجداد ام ما نعاصره الآن، فكله حلي ...فتلك إحدى مصدات عولمة الآخر . ولنعمل ونجدد للحلة ما لم تزدان به غيرها. د.كامل القيّم / جامعة بابل
#كامل_القيّم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعلام الدولي ...على خطى العولمة ...الحلقة الثانية
-
من تاريخ الصحافة العراقية
-
الإعلام الدولي ...على خطى العولمة
-
ثقافة البحث العلمي في دوائر الدولة.....الى ابن؟
-
الماكنة الدعائية الامريكية في العراق....رؤية في ادوات التاثي
...
-
دور الإعلام والعلاقات العامة في تدعيم الاحتلال الأمريكي للعر
...
-
قناة الحلة الفضائية.... وفق رؤية اكاديمية مفترضة...
-
البحث العلمي...بين المعرفة ..و التفكير المنظم
-
من تاريخ الصحافة العراقية /صحف الحلة ومجلاتها الجزء الثاني
-
من تاريخ الصحافة العراقية / صحف مدينة الحلة ومجلاتها
-
الفضائيات العراقية .... نحو هوية علمية جديدة
-
البحث العلمي ومشتركات الظواهر العلمية
-
الإعلام.... ولغة الحوار عبر الصورة التلفاز انموذجاً
-
من اجل رؤية جديدة لدراسة علم الاتصال والاعلام
-
العولمة وأدواتها في الاختراق الإعلامي
-
الصحافة النسوية في العراق
-
المحتوى الاعلامي ومنهج تحليل المضمون
-
التلقي الاعلامي ...ابعاده النفسية والاجتماعية
-
البناء الاتصالي للبحث العلمي واهدافه
-
عصر المعلومات والمعرفة ووسائل الاعلام
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|