جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2061 - 2007 / 10 / 7 - 12:43
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
(الحيوانات مساوية لبعضها البعض ولا يجوز أن يقتل حيوان حيوان آخر)
في الوقت الذي نظمت به الماركسية والشيوعية العلاقة بين المنتج والمستهلك وبين العامل والآلة ورب العمل , أهملت الشيوعية ترتيب العلاقة بينها وبين بعضها البعض...بين قادة الثورة وطبقات المجتمع والحاكم والمحكوم حتى أننا أحيانا حينما نسمع عن ثراء بعض الشيوعيين نتخيل دوما أن مناداتنا بالشيوعية أو الماركسية عاد علينا حلما يوتوبيا خياليل يستعصي على الواقع ترتيبه في صور إجتماعية إدرامية ونقف ونحن مشدودوا الآذان لنرى أمامنا كومة كبيرة من الشيوعيين يركبون سيارات ومركبات فارهة ومكلفة جدا ألأمر الذي يدفعنا لأن نتصور أعمالا تراجيدية مخلوطة بمشاهد كوميدية عن حياة الشعوب التي شاركت في الثورات .
وكذلك الرأسمالية لم تستطع أن تنظم العلاقة بين العامل ورب العمل , أو تحمي الطبقة الوسطى من التدهور أمام تراكم رأس المال وتزايد قاعدة الفقراء , ولم تستطع حتى الآن أن تجد وسيلة تضبط بها سعر تكلفة الصناعات وبيعها على حسب كلفتها مع إضافة أرباح مناسبة للرأسمالي صاحب العمل وكل ذلك يجعلنا في تناقظ أمام شكل العلاقة المستقبلية التي من الممكن للرأسمالية أن تصل عندها للشيوعية وتقبل بها ومن ثم تنهار عن بكرة إبيها .
كل ما ذكرناه هو الذي كان يزعج( جورج أوريل) وليس بالضرورة صاحب هذا المقال عن :
وإنه من الضروري معرفته أنه ليس كل من يدعي في ثورته بمبادىء شيوعية أن يكون شيوعيا أو كما يقولون ليس كل ما يلمع ذهبا ,ومن اللازم لك عزيزي القارىء معرفته أن كل الثورات على مدى التاريخ الطويل للإنسان كانت تحمل مبادىء ثورية إشتراكية ولا توجد ثورة شعبية أو غير شعبية إلا وكانت مبادؤها إشتركية أهمها توزيع الثروات بشكل عادل أو ليس من الجدير لك معرفته قبل الدخول على القصة أن:
كلمة الثورة والثروة مشتقات من بعضهن البعض.
فقد كانت الثورات تقوم من أجل تعديل نظام التوزيع فأصبحوا يقولون ثروة...ثورة ...وربما أنني مخطىء .
وفي قصة (جورج أوريل-1903-1950م) حاول أن يبرز شكل العلاقة الغير منظمة بين الثوار الماركسيين واللينينيين , أو بين قادة الثورات التاريخية بشكل عام , وإذا كان هكسلي الأديب قد أفزعه مستقبل الجنس البشري فإن جورج أوريل قد أفزعه أيضا ترتيب العلاقة بين الثوار , وبالرغم من أنه كان محظوظا جدا في حياته غير أنه كان يدعي أنه سيىء الحظ ومن الممكن لك عزيزي القارىء أن تقرأ أو أن تستمع لجورج أوريل وهو يتحدث في علم التاريخ وهو يخطأ جدا في ألأرقام والحسابات ومن الممكن لك أن تستمع له في كل مجالات العلوم الإنسانية دون أن يتقن واحدة منها على ألأقل.
ولكنه أبدع عملا أدبيا جميلا جدا في إسلوب تعبيره وإنتقائه للكلمات وأظن أن هذا هو الشرط اللازم لنجاح الأديب الذي يعبر في إسلوبه بطريقة يسرق بها عقول قرائه ومعجبيه فكم من ألأدباء يتحدث اليوم عن معضلة إجتماعية دون أن يؤثر بمستمعيه ....إلخ
وإما جورج أوريل قد أثر بمستمعيه وقرائه على مستوى منقطع النظير فكتب قصة مزرعة الحيوان قبل وفاته بخمسة أعوام فقد نشرها عام 1945م ونالت شهرة واسعة جعلتنا نعتبره واحدا من الأدباء العالميين حيث أنه خلق قصة في 90 صفحة ألهب بها مشاعر الناس وأفزعت الشيوعيين وفرح بها الرأسماليون وفرح بها الرأسماليون كما فرح الشيوعييون بماركس وأفزعت الشيوعيين كما أفزع ماركس الرأسماليين, وتناقلها الأطفال في المدارس والبيوت لأنها جرت على لسان الحيوانات والقصة بإختصار شديد كالتالي:
قررت الحيوانات الأليفة والضعيفة الثورة على سيدها الإقطاعي ونظمت لذلك نفسها على هذا الأساس كي تتخلص من بطش سيدها القاسي , وتولت الخنازير اللعينة قيادة الثورة ورفعت مبادىء إشتراكية لذلك وإنتصرت لنفسها وللحيوانات الأليفة وغير الأليفة ووضعت بعد نجاح الثورة دستورا من مبادىء قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين ومن أهمها المادتين الأخيرتين :
(الحيوانات متساوية أمام بعضها البعض )
(لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر)
وبعد أن عاشت الحيوانات في سلام دائم طالبت الخنازير بحصتها الكاملة من حليب جميع الحيوانات وكذلك طالبت بالتفاح واستأثرت به لنفسها من دون الحيوانات الأخرى وأجبرت الحيوانات على قبول هذه المطالب وسكتت الحيوانات على مضض.
وبعد فترة طالبت الخنازير بإمتيازات جديدة وحقوق مدنية جديدة : وهي أن تبقى مراقبا عاما للحيوانات وهي تعمل وأن تبقى الخنازير بلا عمل لأن وضيفتها المراقبة لا ألعمل , وبدأت الحيوانات في المزرعة تتذمر من حياة الخنازير وإسلوب عيشها على أكتاف الحيوانات الأخرى .
وبدأت تشعر أنها عادت إلى سابق عهدها بعد أن كان سيدها الإقطاعي يستبد بها أصبحت الخنازير قادة الثورة تستبد بالشعب الذي شاركها الثورة بأنيابه ومخالبه وسمومه وقرونه وتحمل الحمير وصبرها .
وفي نفس الوقت شعرت الخنازير بتذمر الحيوانات فقامت بتعديلات جديدة على الدستور في أهم مادتين رئيستين أخيرتين من دستور الحيوانات وهما :
الأولى :(جميع وكل الحيوانات متساوية أمام بعضها ) فقد تم تعديل هذه المادة للصيغة التالية :
(كل الحيوانات مساوية لبعضها البعض غير أن بعض الحيوانات أكثر مساواة من بعض الحيوانات ).
والمادة الثانية من الدستور والتي تم عليها التعديل فقد كانت صيغتها كالتالي:
(لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر )...
وقد تم تعديلها على هذا النمط :
(لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر بدون سبب) .
وهذا يعني أن قادة الثورة قد تنصلوا لمبادئهم وحملوا المعاول والسكاكين وقتلوا كل من يعترض على سياسة الخنازير التي تأكل وتشرب من دون تعب على حساب تعب وإرهاق الحيوانات الصغيرة وتحجيم الكبيرة منها والتقليل من أهميتها .
********************************************************
إنه من الممكن لنا وقد جاء دورنا للتحدث أن نقول أن القصة أفزعت المجتمع الشيوعي أو قادة الشيوعية وقد إستقبلتها الشعوب التي كانت محكومة تحت سلطة الشيوعيين بقليل من الرضى وأحيانا بكثير من الرضى غير أن القادة أفزعتهم جدا وحاول أغلبية الشيوعيين توجيه ما بها من نقد لاذع لهم حاولوا تمريره للرأسماليين وتوجيهه لهم ونقل الكرة من ملعبهم لملعب الرأسماليين .
أما الدول المتحالفة مع الرأسماليين فقد درسوها للطلاب في المدارس والجامعات الرأسمالية , وقد رد الشيوعييون على مسألة ثراء الخنازير بمبررات أحيانا مقنعة وهي أن ثراؤهم لم يكن وليس ذات قيمة بمقابل ثراء الألوف وعطش وجوع الملايين .
وإن جوع الحيوانات وتعبها وراحة الخنازير هو أمر طبيعي لمن يدير شؤن البلاد وعلقوا على ذلك أن الثورة التي أرادتها الخنازير ما هي غير ثورة وعصيان مدني يراد به الإطالحة بالشيوعية وإعادة ديكتاتورية الإقطاعي ورأس المال , وإنه يجب أن تكون هنالك تعديلات على الدستور يقتل بها كل من يحاول الإطاحة بالثورة التي ناظلت من أجل العمال والحرفيين .
وإن ثراء بعض الشيوعيين ليس شيئا مهما مقابل ثراء الألوف ولم يعترف النقاد الشيوعيون والإشتراكيون العلمييون من أن الشيوعية أخطأت وأهملت تنظيم العلاقة بين قادتها وزعمائها وفآت الشعب وأن الشيوعية لم تهمل هذه العلاقة بنما أوضح الليبرالييون في نقدهم للقصة من أن الثوار في المزرعة والخنازير لم يكن يشغلهم غير الإطاحة بالنظام الحاكم مهما كان إتجاهه ولهذا أهملوا ترتيب شكل العلاقة بين الخنازير والحيوانات أي بين قادة الثورة وزعماء الإصلاح من جهة وبين الشعوب المحكومة من جهة أخرى .
والقصة في المناسبة لها أصل في الأدب العربي في ( رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ...الرساله رقم 52) من الأدب العباسي
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟