مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 10:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ماركس الديمقراطي
لكن إذا كان عليك أن تتناول نسخة 1895 من هذا الخطاب فستواجهك مقدمة جديدة من أنجلز . فيها يقوم بإخبارنا :
"إن شكل الصراع في عام 1848 هو باطل اليوم في كل جوانبه" .
لماذا ؟ ببساطة :
"لأنهم ( العمال الألمان ) قدموا خدمة أخرى كبيرة لقضيتهم....لقد زودوا رفاقهم في كل البلدان بسلاح جديد , و هو أحد أكثرها قوة , عندما أظهروا لهم كيف يمكنهم الاستفادة من حق التصويت الكلي" .
إنه يقتبس من ماركس كيف أن الانتخاب قد ) :12)
"تحول بأيديهم من وسيلة للخداع , و هي كذلك بالفعل , إلى أداة للانعتاق"
"نحن لسنا مجانين لنترك أنفسنا و نندفع إلى قتال الشوارع كي نسعدهم ( البرجوازيون )" .
هذا ما قاله أنجلز في 1895 .
لكن في نقد ماركس لبرنامج غوتا عام 1869 و في رسالة الاثنين إلى بيبل عام 1879 فإنهما يهاجمان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بقسوة لدعمه الانتخابات البرلمانية :
"لا يمكننا لذلك أن نتعاون مع الأشخاص الذين يعلنون علنا أن العمال جاهلين أكثر مما ينبغي ليقوموا بتحرير أنفسهم" .
هل أنت مشوش الآن ؟ عليك أن تكون كذلك في الحقيقة . إن ماركس و أنجلز متساوقان ( في كتاباتهما عن الدولة ) مثل بيان حزب العمال و في عدة مراحل يبدوان تماما مثل بيان كهذا . لقد عالجنا ماركس الديمقراطي , الشيوعي , المدافع عن سيطرة العمال و ماركس نصير الديمقراطية التمثيلية . إن الدولة بالنسبة لماركس و أنجلز لم تكن سوى اللجنة التنفيذية لطبقة ما . عندما تذهب الرأسمالية ستذهب الدولة كذلك .
"تخلص من الرأسمالية و ستسقط الدولة من تلقاء نفسها" .
هكذا قال أنجلز في ( عن السلطة 1872 ) .
لقد كان على خطأ على نحو دراماتيكي . كما سنرى أن غموض ماركس و أنجلز في هذا الموضوع ينبع من مشاكل أعمق . في الحقيقة هناك معضلات كبرى في مفهومهم العام عن الاشتراكية .
ما هي الاشتراكية ؟
إن الجواب الأناركي على هذا السؤال هو أن الاشتراكية هي , في الأساس , يجب أن تكون عن الحرية . مجتمع يدار جماعيا لزيادة عدد الفرص المتاحة للأفراد إلى الحد الأقصى . مجتمع يقوم على تلبية حاجات و مطالب الأغلبية و ليس فقط منفعة الأقلية مع مشاركة كاملة على كل المستويات .
إن الثورة عمل واعي يقوم به العمال لتحرير أنفسهم من إكراه المجتمع الطبقي . إنه عمل ذاتي .
هناك تناقض أساسي في الماركسية بين الذاتي و الموضوعي . (13) . تمر الإنسانية حسب ماركس بمجموعة من مراحل تاريخية متمايزة استنادا إلى مستويات متزايدة من الإنتاج . من المؤكد أنه صحيح أن مستوى الإنتاج في مجتمع ما يحدد نطاق الاحتمالات المتاحة لأولئك الذين يحاولون تغييره . لكن ماركس يميل إلى اختصار كل التطور البشري في هذه القضية . تماما كما سقطت الإقطاعية لصالح قيام الرأسمالية , فستستبدل الرأسمالية بالاشتراكية . إنه يهمل أو يقلل من أهمية متغيرات أخرى مثل دور المؤسسات السياسية , الثقافة , الإيديولوجيا و الأفراد . بالنسبة لماركس كل هذه الأشياء "الذاتية" مشترطة تماما ب"الظروف الموضوعية" للتطور الاقتصادي .
تظهر المؤسسات الاجتماعية و السياسية و تسقط بسبب قدرتها أو عدم قدرتها على تحسين حياة أهلها ماديا . إن كل نظام جديد يظهر لأنه يقوم بعمل أفضل في تحسين الإنتاج من النظام الأقدم . إن الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية يبدو بالنسبة إليه حتميا كالانتقال من العبودية إلى الإقطاع . هنا يقع ماركس في الخطأ . لأنه لأول مرة في التاريخ يتطلب الانتقال من نظام اجتماعي إلى آخر مشاركة الجماهير . إن الرأسمالية , كالإقطاعية و كل النظم التي سبقتها , تتضمن بالفعل بذور القضاء عليها في أنها تخلق حفاري قبرها : الطبقة العاملة . لكن ماركس في معظم أعماله الأخيرة يذهب أبعد من ذلك و يشير إلى أن موت الرأسمالية حتمي :
"سيستبدل الإنتاج الرأسمالي بقسوة قانون طبيعي نفيها هي بالذات..." .
( رأس المال , المجلد الأول , ص 837 )
أبعد من ذلك , يذهب في نفس الفصل إلى أن يصف الرأسمالية على أنها :
"تقوم بالفعل عمليا على إنتاج مشترك" .
أو كما وصفها في غروندريسيه ( ملاحظات عن رأس المال ) :
"بعد نقطة محددة , فإن تطور قوى الإنتاج يصبح عائقا أمام رأس المال" و إن "تدميره العنيف" سيجري "كشرط لحمايته" .
إن هذا حتمية خالصة . إنها تستبعد الدور المركزي للناس في تغيير قدرهم . إنها تستبعد العمال , كأفراد مفكرين و فاعلين , من مركز المنصة . إنها تتجاهل البذور الحقيقية التي يمكنها أن تتفتح في الثورة : العمال . إذا كان سقوط الرأسمالية متأصلا في تطورها الخاص لذا لا توجد أية حاجة للنضال ضدها . إذا كانت زيادة الإنتاج هي المفتاح فلماذا لا نعمل بصورة أكثر اجتهادا لنسرع في تحقيقها ؟
في الحقيقة ان الرأسمالية , تاريخيا , مع زيادة إنتاجيتها تسير ببطء شديد نحو الزوال . عوضا عن ذلك أصبحت أكثر مركزية و بيروقراطية , مع قيام الدولة بدور متزايد . لذا فإن النمر قد غير آثاره قليلا . لكن الرأسمالية الاحتكارية اليوم لا يوجد أي تشابه بينها و بين الاشتراكية أكثر من رأسمالية المؤسسة الحرة من أيام ماركس .
هذه الفكرة أخذت و وسعت من قبل لينين الذي اعتقد أن :
"الاشتراكية هي رأسمالية الدولة الاحتكارية و قد أجبرت على خدمة مصالح الشعب بأكمله و عند هذا الحد توقفت عن أن تكون رأسمالية الدولة الاحتكارية" .(14)
كما سبق أن قلت فإن هذا هو تماما نقيض الاشتراكية . إن الاشتراكية هي عن الحرية و المشاركة الجماعية , و ليست أية ديكتاتورية بيروقراطية أو رأسمالية دولة .
إن باكونين جيد خاصة فيما يتعلق بموضوع الاشتراكية "العلمية" :
"يصنع التاريخ , ليس من قبل الأفراد المجردين لكن من قبل الأفراد الفاعلين , الأحياء و العابرين" (15)
لقد عارض فكرة العلماء السياسيين الذين يقودون البشرية رغما عن أنفها نحو ديكتاتورية متنورة :
"ما أبشر به هو , إلى حد معين , ثورة الحياة ضد العلم , أو على الأصح حكومة العلم , و ليس أن نقضي على العلم , فهذا سيكون خيانة كبرى للبشرية , و لكن لوضعه في نصابه بحيث لا يمكنه أن يغادره مرة أخرى"
مما يستحق الإشارة , كي نكون منصفين , أن ماركس الشاب قد أخذ بعين الاعتبار العامل الذاتي خاصة في مخطوطات 1844 الاقتصادية و الفلسفية حيث أعلن أن الشكل السياسي للقضاء على الملكية الخاصة سيكون "انعتاقا إنسانيا شاملا" .
لكن الكتابات الأخيرة لماركس و أنجلز ركزت أكثر فأكثر على نتاج التطور الرأسمالي و أقل فأقل على كيف يمكن كسب العمال إلى الثورة . هذا بالاشتراك مع التقدير الأعمى للسلطة ( انظر الاقتباس الأول ) قاد الماركسية إلى أن تكون الوصفة الكبرى لديكتاتورية استهلالية حتى بافتراض أفضل نوايا الكاتبين .
إن الأفكار السياسية لماركس و أنجلز ( بغض النظر عن تحليلهما الاقتصادي الرائع للرأسمالية ) هي غامضة و متناقضة . حتى في أحسن أحوالهما لم يتمكنا من الاقتراب من عمق و وضوح مفهوم باكونين عن الاشتراكية .
(11) الثورة , حكومة العامل الذاتية و كل ذلك
(12) مقدمة لبرنامج حزب العمال الفرنسي ( 1880 )
(13) الظروف الموضوعية هي تلك التي لا يمتلك الفرد أية سيطرة عليها . على سبيل المثال أن تمطر غدا أو لا . يمكن للمرء على أية حال أن يتخذ قراره الذاتي بإحضار مظلته .
(14) لينين , الأعمال المختارة , المجلد 25 , الصفحة 358
(15) كلا الاقتباسين من الله و الدولة 1872
نقلا عن http://www.wsm.ie/story/178
ترجمة : مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟