غياث نعيسة
الحوار المتمدن-العدد: 2058 - 2007 / 10 / 4 - 12:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"انهم لا يقبلون أي شكل من اشكال الخضوع ، و كالنمور لا يخشون مهاجمة السماء"
اسماعيل كاداري،رواية" طبول المطر"
يفترض ان تكون قد اصيبت الحكومة السورية ، ومشاركيها الرأي من النخب السورية ، بصدمة مع صدور تقرير يؤكد هراء الادعاء بان احد أهم اسباب ارتفاع الاسعار وسياسة رفع الدعم عن المواد الاساسية هو تواجد اكثر من مليون ونصف لاجئ عراقي على الاراضي السورية ، والصدمة أتت من ان مصدر التكذيب ليس سوىعراب السياسات النيو ليبرالية للحكومة السورية أي صندوق النقد الدولي نفسه الذي جاء في تقريره أن " الانتعاش الاقتصادي منذ عام 2004 اكتسب زخماَ مستفيداَ من اللاجئين العراقيين ووفرة السيولة في منطقة الخليج" وأكد التقرير " أن اللاجئين في سوريا فيما يعتقد يعيشون أساساَ على مدخراتهم والانفاق العراقي في سوريا على السلع والخدمات والموجودات مثل العقارات يعادل 3،7 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 2006". وفقدت الحكومة بذلك -الى حد ما- حجة ارادت التلاعب بها ساعدت على خلق جو من"العنصرية" يسمح لها بتمرير سياسات لا اجتماعية شرسة.اما الحجة الثانية ،التي تبرر بها هذه السياسات النيوليبرالية، فهي حديثها الممجوج عن المقاطعة والتهديدات التي تتعرض لها سورية ، لأن هذه الحجة تتهاوى لوحدها لسبب مباشر وبسيط هو ان متطلبات مواجهة هذه التهديدات انما تتطلب سياسات مغايرة تماماَ لتلك التي تقوم بها الحكومة السورية وعلى كافة الصعد.
نيوليبرالية متوحشة
والحال ، فقد تنطح ، مرة اخرى، السيد الدردري لاعلان "خطة لتخفيض الدعم" وخاصة عن المشتقات النفطية".وقد اثارت هذه الخطة الحكومية ، بمجرد الاعلان عنها ، الى ارتفاع مذهل في اسعار كافة المواد المعيشية الاساسية وليس فقط النفطية. وان اضطرت الحكومة الى الاعلان عن تراجعها "مؤقتاَ" عن خطتها هذه ،خشية ردود فعل جماهيرية بدأت تباشيرها الأولى، الا انها - برأينا - حققت احد الاهداف الذي سعت اليها وهو تحقيق رفع اسعار المواد المعيشية ، تحت غطاء تراجعها المزعوم عن "دعمها" للمشتقات النفطية. انها سياسة رفع الفزاعة عن امر ما لتمرير امر أخر.
وكما قالت احدى المواطنات في صحيفة رسمية "الله يرحم أيام زمان ، فاليوم تغيب الشمس على سعر وتشرق على سعر اخر" اغلى. (تشرين 4-9-2007).
ووصلت الازمة الى حد انه صدرت اصوات في الصحافة الرسمية تقر بما هو معروف ، أي ان سبب الازمة هو " وقوع الحكومة تحت ضغط الافكار الليبرالية" (الثورة، 5-9-2007). وصرخت بعضها الأخر: "من يعيد هذا الوحش الى عقاله؟" . في حين ارتفعت اسعار بعض المواد المعيشية الى اكثر من 500 في المئة.
هذه الازمة المتفاقمة والطاحنة التي تمس اساسا الطبقات الشعبية تحمل في طياتها نذر انتفاضات جماهيرية .وقد دفعت بشائرها الأولى ببعض الاحزاب الحليفة للحكومة بان تحذر من أن " أسلوب المعالجة بالصدمة قد ثبت ، في أكثر من مكان، مدى ضرره بل وخطورته" ، طبعاَ دون ان تنسى هذه القوى الانتهازية ان تؤكد في الوقت نفسه رفضها "بالطبع كل اشكال المزايدة والشعبوية غير المسؤولة" (النور 29-8-2007).
لا ريب بان سياسات الحكومة السورية تقوم على مبدأ أساسي هو ان الطبقات المطالبة بدفع فاتورة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية هي دوماَ الطبقات المأجورة والمفقرة. و هي باستمرار قيامها بذلك انما تعمق من "فرز المجتمع الى طبقتين: فقراء محرومين وأغنياء متخمين"(الكفاح العربي ، 1-9-2007). انها باختصار : حكومة الرأسماليين و الاغنياء.
نهوض نضالات الجماهير المفقرة
"كشر الوحش عن انيابه" ، هذا ماقالته احدى الصحف الرسمية، لان الهجوم الحكومي على الطبقات المأجورة والفقيرة ، لم يكتف بالاعتداء على قوت حياتها من خلال غلاء المعيشة وتدهور الاجور ،وحرمانها من حرية و وسائل التعبير عن مطالبها ، بل انه وصل حتى الى حرمانها من مأواها وسكنها البائس في ما يسمى بأحزمة الفقر.
وليست قليلة العدد مناطق تجمع الطبقات المفقرة المسماة باحزمة الفقر ، كما انها ليست حكرا على العاصمة فقط . بل انها تعني جميع المدن السورية وهي - وفق تقرير رسمي - تقدر ب (120) "حزام" وتقدر مساحتها باكثر من 63 بالمئة من المساحة العمرانية.
وقامت الحكومة بعملها هذا بحماس نادر ، فقد شهد العامين الماضيين ، وبشكل أخص هذا العام، تسارع لعمليات هدم الاحياء الفقيرة ، بحجة انها "احياء عشوائية" لصالح المقاولين العقاريين وغيرهم من الفاسدين.
ولكن مايثير اهتمامنا في هذا السياق هو المقاومة الجماهيرية التي برزت في مواجهة هذه السياسات الفظة للحكومة. وشهدت البلاد ، ما لم تشهده منذ زمن طويل، مواجهات بين قوى الامن والجماهير المحتجة بالمئات على تدمير منازلها. فقد اصيب واعتقل العشرات من المواطنين في هذه النضالات التي حدثت في منطقة المعصرانية في حلب او قرية المزرعة قرب حمص(شهري اب/اغسطس وايلول/سبتمبر 2007 )، وقد قام المئات من مواطني الاخيرة (600 مواطن)باعتصام امام قصر الروضة في دمشق لاسماع صوتهم. وكان قد سبقها قبل عام (ايلول/سبتمبر 2006) تظاهرات وصدامات أخرى مع قوى الامن في مسكن الديماس في دمشق ..
وترافقت هذه النضالات ايضا في شهر اب/اغسطس من هذا العام مع اضراب سائقي السرفيس في قطنا وخان الشيخ.
لقد كان متوقعاَ تنامي النضالات الجماهيرية كرد على تسارع السياسات اللاجتماعية للحكومة ، لكن ما تزال هذه النضالات يانعة ومتفرقة، لم يستفد أي منها من خبرات النضالات الاخرى. ولم تستطع الجماهير المشاركة فيها بعد من اكتشاف اشكال التنسيق والمتابعة لها. واذا كان يفسر هذا افتقار ذاكرتها لنضالات سابقة ودروسها ،من جهة. مع غياب لقوى سياسية تنخرط فيها وتدعمها وتوحد فيما بينها، من جهة أخرى. الا ان مما لا ريب فيه ان الجماهير المناضلة دفاعاَ عن مصالحها وقوت عيشها وكرامتها وفي مراكمتها للخبرات من خلال نضالاتها المتعددة ستكتشف بنفسها افضل الاشكال لنضالاتها وتوفير وسائل نجاحها.
وهذا التنامي للنضالات محكوم بالازدهار ،ولن تتوقف المقاومة الجماهيرية للسياسات النيوليبرالية للحكومة المتزايدة الشراسة . هذه النضالات الجماهيرية برزت في المدن ، ويبدو انها ستكون ذو طابع مديني عموماَ ، وخصوصاَ اذا عرفنا(وفق دراسة للامم المتحدة) ان ثلثي سكان المعمورة- وليس سوريا فحسب- اصبحوا من سكان المدن واحيائها. كما نتوقع تنوع النضالات الجماهيرية القادمة التي تنهض على مطالب مباشرة لكل من المأجورين والمفقرين والعاطلين عن العمل ومهمشي المدن ....
ولأننا نرى ان الجماهير لا تنطلق في نضالاتها سلفاَ على اساس برامج سياسية"معلبة" وجاهزة ، بل من اجل مطالب "اصلاحية" ديمقراطية واقتصادية واجتماعية ،ولكي يتم النفاذ من حالة الاحباط السياسي والعملي التي تتجلى بميل عام لاختزال العمل النضالي في برامج "انشائية" تفتقر للحياة لانها لا تقتصر فحسب على( النضال) "في المرحلة الراهنة من اجل تحسين المستوى المعيشي للجماهير الشعبية" ، بل بالاخص ، لانها بدون ادنى نشاط ملموس في هذا الخصوص.
لذلك ، فان وجود يسار اشتراكي نضالي يرتكز على التراث الماركسي الثوري ، وان كان في صيغته الاولى الدعاوية ، يصبح مهمة ملحة وضرورية ، من اجل الانخراط في هذه النضالات الجماهيرية وتقييم دروسها وتعميقها.
ان خطوة عملية واحدة على هذا الدرب هي افضل من مائة برنامج كهذا .
وعلى سؤال الصحيفة الحكومية من "يعيد هذا الوحش الكاسر الى عقاله؟" ، فان جوابنا هو: ان النضالات الجماهيرية وحدها هي القادرة على ذلك.
1 ت1/اكتوبر 2007
#غياث_نعيسة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟