صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 2058 - 2007 / 10 / 4 - 08:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ببراءة الحملان وسكون الماء الذي "يجري تحت التبن", تجري مؤامرة يقودها 100 برلماني عراقي الى تجريد البرلمان من مهمته الأساسية في اصدار القرارات حول مصير الشعب العراقي، وتسليمها الى الشركة المتعهدة لأدامة اجهزة التصويت الإلكترونية في قاعة الجمعية الوطنية!
لايمكن قراءة الأخبار المتداولة حول تقديم اعضاء من البرلمان طلباً بإقرار التصويت السري فيما يتعلق بقرارات البرلمان العامة وقراءة التعليقات الملازمة لها عن التصويت الإلكتروني السري من قبل ناقلي الخبر من البرلمانيين إلا بهذا الشكل الخطير.($) ($$) ($$$)
تأتي هذه الأخبار مرفقة بإستحسان كبير حول ضرورة التصويت السري لـ "تفعيل" البرلمان و "التحرر من الأطر التقليدية" و "ضغط الكتل السياسية" و "سيتيح للنائب التصويت لما فيه مصلحة البلد"...وعن " الخلفية الثقافية والاجتماعية واراء الناخبين" ....
هل كان البرلمانيون يصوتون حتى الآن بالضد من "مصلحة البلد" وبخلاف "آراء الناخبين"؟ وكيف يدفعهم التصويت العلني الى ذلك وينقذهم التصويت السري منه؟ هل ان مصلحة البلد صارت مكروهة الى درجة ان النائب لايستطيع ان يصوت لصالحها علنيا؟
المثير للشكوك والريبة ايضاً ان الداعين للتصويت السري اتخذوا صفة ناقلي خبر فقط، واشاروا الى محاسن "الإقتراح" دون ان يشيروا الى نقطة واحدة من مساوئه وهي كثيرة وهائلة الحجم فكيف نجحوا في ابعاد عيونهم عنها؟
لقد كتبت يوماً مقالة تشمل العديد من الحيل الديمقراطية المتوقعة لتمرير قانون النفط وهي الحيل المعروفة في تعامل قوى الضغط حين تريد تمرير قانون سيء السمعة في البلدان الديمقراطية (*) لكن لم يخطر على بالي ان يصل الأمر الى هذه المؤامرة الشيطانية التي تستهدف الإلغاء الفعلي للبرلمان, على الأقل لحين تمرير مجموعة القوانين الخطيرة الحالية. ولست ملاماً في ذلك لأني لم اسمع بمثل هذه الوقاحة من قبل ولا توقعتها, لكن من الواضح ان ما يمكن للعراق اكثر بكثير مما يمكن لغيره من حيل بسبب ظروف الإحتلال وقلة خبرة الناس وممثليها في مواجهة الأحاييل.
الموضوع كله مؤامرة خطيرة تتكون من جزئين: الاول اقرار التصويت السري على القوانين كممارسة اعتيادية للبرلمان، والثاني اقرار استعمال الأجهزة الألكترونية لتنفيذ هذا التصويت السري.
وقد تم امتداح الجزء الأول بعبارات ملفقة وغامضة واكاذيب عديدة لعل اهمها: اولاً التوكيد على استعمال التصويت السري في كل او معظم برلمانات العالم بشكل طبيعي وعام, وثانياً انه دستوري تنص عليه احدى مواد الدستور العراقي. والنقطتين ملفقتين بشكل كبير وقد تم تحوير الحقائق وتأويلها لتناسب هذا الطرح.
لكننا في هذه المناقشة سنركز على الجزء الثاني لخطورته الشديدة والمباشرة مع وعد بالعودة الى مناقشة الأكاذيب والمناورات اللفظية للجزء الأول في مقالة اخرى غداً او بعد غد.
التصويت السري الإلكتروني يعني ببساطة تسليم إئتمان نتيجة التصويت، بثقة عمياء وانتفاء اية طريقة للفحص، الى الشركة التي صنعت الجهاز الإلكتروني لحساب الأصوات ونقلها الى الجهة المخولة بالنظر اليها, وهي هيئة رئاسة البرلمان في هذه الحالة. هذه الهيئة سترى ما تريد هذه الشركة ان تراه الهيئة, بغض النظر عن كون ذلك ممثلاً صحيحاً لنتائج التصويت او حتى مشابها لها.
وكل ما تريده الشركة, او اي شخص ذو معرفة الكترونية يتاح له ان يخترق البرلمان, يمكن ان يكون مبرمجاُ مسبقاً, كما يمكن ان يصل الى اجهزة البرلمان الإلكترونية بواسطة جهاز ارسال (ريموت) ولن تكون هناك اية طريقة لفحص مصداقية هذه النتائج!
اسمحوا لي ان ادخل البرلمان لمدة ساعتين في منتصف الليل، واقطع الأسلاك الموصلة الى لوحة عرض النتائج واضع دائرة كهربائية بسيطة ترسل لي تلك النتائج (السرية!) ومن ثم ارسل لها، بلحظة واحدة, كيف تحور تلك النتائج لتصبح كما اريد, وسيكون مصيرالعراق تحت يدي: قانون النفط, هل نصالح البعث, وهل نسلمه وزارة الداخلية, قانون انتخابات المحافظات, كيف توزع الواردات المالية, هل نقبل القواعد العسكرية الأمريكية, هل نوافق على الدخول في حلف الناتو...وأي قانون مستقبلي سيتم التصويت عليه سرياً الكترونياً ويمر من خلال جهازي الصغير هذا! ولزيادة التمويه سأطلب من لجنة برلمانية فحص النظام الألكتروني للتأكد من سلامته, ولن تستطيع ان تعرف شيئاً وستجد كل شيء على مايرام! اعطوني ساعتين وسأعطيكم برلماناً يصوت حسب الطلب!
ليخبرني عباس البياتي عن واحدة من الدول الديمقراطية الكثيرة التي ادعى ان برلمانها يستعمل مثل هذا النظام للتصويت على قراراته العامة وله مني جائزة كبرى، او ليتوقف عن الكذب!
في جميع دول الغرب الديمقراطية يدور حالياً صراع متزايد بين الحكومات وبين منظمات مدنية تشكك بمصداقية استعمال الحاسبات في التصويت في الإنتخابات العامة (وليس قرارات البرلمان) وتطالب بإلغائها. وفي هولندا تقوم بذلك مؤسسة (Stichting Wij vertrouwen stemcomputers niet ) (مؤسسة نحن لانثق بحاسبات التصويت) ويمكن لمن يستطيع قراءة الهولندية متابعة نشاطهم المثير للإهتمام على موقعهم: (%)
وقد اثاروا عدة اشكالات واضطروا الحكومة الى التخلي عن استعمال الحاسبات في التصويت في بعض المناطق, كما اثبتوا عملياً امكانية التجسس عن بعد على مثل هذه الأجهزة لمعرفة المصوتين على حزب معين (وكان الحزب الديمقراطي المسيحي في تلك الحالة) باستخدام بعض مواصفات حروف اسمه, والتقاط الإشارات التي ترسلها الحاسبات.
ان مثل هذا النشاط قد اضطر بعض الحكومات الى الغاء مثل هذا التصويت في بعض الأقاليم وخسارة كمية كبيرة من الحاسبات التي خزنت لفترة دون جدوى.
من المتوقع ان تستعمل مثل هذه الحيل بإقتصاد لكي لا ثير الشكوك فتتم الإستفادة منها في القوانين الخطيرة فقط, وان يتم ذلك بأقل تعديل في الأصوات يكفي لتغيير النتيجة, وان يتم تقبل خسارة بعض المرات للتعتيم.
يمكنك عزيزي القارئ ان تتصفح اثار هذه المعركة الشرسة بين الديمقراطية ومحاولات اغتيالها بهذه الطريقة على الروابط العديدة في اسفل المقالة, والمؤشرة بالعلامة (#) وهي بالإنكليزية. الروابط تتحدث عن اجهزة التصويت الإلكتروني المستعلمة في الإنتاخابات العامة وليس التصويت في البرلمان, فيبدو ان احداً لم يتوقع ان يمكن تمرير مثل هذه الطريقة السهلة المضحكة المبكية، لسرقة حق اصدار القرارات في الدول البرلمانية، غير العراق.
انها ببساطة كما يقول المثل العراقي " أمّن البزون شحمة" ومثلما هو من الحمق ان تترك "شحمة" بشكل امانة لدى القطة وتتوقع منها ان لاتأكلها, فمن الحمق ان تعرض التصويت لقرارات خطيرة للتزوير السهل وتتوقع ان تمر بسلام. ان التزام مثل هذه الطريقة تعني ان البرلمان وافق على اغماض عينه ريثما يمرر قانون معين أو يرفض قانون اخر. فإذا كان التصويت السري المؤمّن من التزوير يضع ستاراً بين النواب وبين الناس يتيح للنواب ان يقولوا عكس وعودهم الإنتخابية, ويدّعون لاحقاً عكس ما صوتوا دون ان يتمكن احد من اثبات شيء، فأن التصويت السري الألكتروني يتيح حتى تغيير النتائج ان لم ينفع غطاء التصويت السري في تغييرها.
التصويت السري يتيح للكذابين من البرلمانيين بيع صوتهم لرشوة دون التعرض للخجل، اما الإلكتروني فيتيح تزوير صوت حتى من لايرتشي!
لنعلم ان الديمقراطية نظام مبني على اساس من عدم الثقة: فلقد اكتشف البشر منذ القديم ان من البلاهة تسليم ثقة عمياء الى صانعي قرارهم من السياسيين فسحبوا ثقتهم منهم حرصوا على مراقبتهم ومحاسبتهم ومتابعة كل خطوة من خطواتهم والإنتباه الى زيادة سلطتهم لكي لا تعبر الحدود التي يمكن فيها تغييرهم متى ما شاء الناس, فأصروا على ابقاء سلطة انتخابهم وتغييرهم بيدهم واسموا ذلك ديمقراطية. الدكتاتورية اسبق من الديمقراطية زمناً لكن الناس تضررت منها فاستعادة السلطة بيدها بعد تجارب طويلة مريرة بررت وثبتت عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم. وفي هذا يقول ديموزثينس من مدينة الديمقراطية التأريخية اثينا القديمة :
"هناك صمام امان معروف عموماً للحكماء، وهو مفيد ومؤمن للجميع, ولكن بشكل خاص للديمقراطية في وجه الطغيان. ماهو؟ الريبة!
هذه المسألة يجب ان لاتمر دون مقاومة واحتجاج تكفي لإسقاطها، ويجب ان لا يكرر الخطأ الكبير في "التساهل" الذي جرى الإنتخابات السابقة حيث بقيت اوراق التصويت في "عهدة" جهات معينة اشهراً بحجة "التدقيق"، في حين تعلن نتائج الإنتخابات في كل العالم تقريباً، من متقدم ومتخلف، خلال ساعات او حتى دقائق بعد إغلاق اخر الصناديق.
لذا ادعو قراءي من هنا, الى النظر الى هذا الأمر الخطير بجدية كبيرة فهو يتيح لمن يريد، الغاء مؤقت للبرلمان والديمقراطية في كل قرار خطير, وكلما دعت الحاجة الى ذلك. ولذا ادعو الى تنظيم احتجاج عليه لايقل عن احتجاجات قانون النفط، فهذا اخطر حتى من قانون النفط لأنه سيسلم قانون النفط واعادة البعث وقوانين إنتخابات المحافظات وأي قرار خطير اخر في المستقبل الى الشركات الأمريكية لتقررها بواسطة "الريموت" بينما ينشغل البرلمانيون بحركات تصويت تمثيلية لايستطيعون التحقق من نتائجها.
التصويت السري تدمير لمتابعة الشعب لقرارات مندوبيه، اما الإلكتروني فالغاء تام للبرلمان! الأول يعرّض الديمقراطية للفساد وينهي ثقة الناس بممثليهم واهتمامهم بما يجري، والثاني يلغي الديمقراطية وقت ما يشاء. الأول يقضي على بقية الديمقراطية خلال وقت قصير، والثاني يقضي عليها فوراً.
النواب الـ 100 ونيف الذين طالبوا قبل بضعة ايام بالتصويت السري إنما يطالبون بما سيخرب "اللعبة" الديمقراطية بلا شك،لتناسب محدودية شجاعتهم العامة والأدبية، حسب ما يستنتج من كلامهم نفسه.
صحيح ان ليس لإنسان ان يطالب اخر بما هو فوق طاقته، لكن ليس لهذا الآخر ايضاً ان يطالب بأن تغير قوانين اللعبة بما قد يخربها، فقط لأجل ان تناسب محدودية طاقته. من حقه فقط ان يعتذر ليتيح المجال لغيره للمحاولة
لتبذل الجهود، وترتفع الأصوات، كما ارتفعت عالية لرفض قانون النفط ورفض تقسيم العراق, للوقوف بوجه هذه المؤامرة الجديدة، ولنعمل بكل قوة ليس فقط لرفض مسخرة التصويت الإلكتروني السري في البرلمان، انما ايضاً لرفض التصويت السري برمته. ليدافع الشعب عن حقه في الرؤية!
(المقالة التالية ستناقش مشكلة واكاذيب التصويت السري بشكل عام, وتأتي خلال يومين)
http://www.wijvertrouwenstemcomputersniet.nl (%)
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=102838 (*)
($) اكثر من 100 عضو يريدون التصويت السري على جميع المقترحات ومشروعات القوانين والقرارات
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=49906
($$) أكثر من 100 نائب في البرلمان يطالبون بالتصويت السرى
http://irakna.com/index.php?option=com_content&task=view&id=5521&Itemid=1
($$$) النجيفي : التصويت السري سيفعل عمل البرلمان
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=50256
(#) رئيس شركة كان يحاول بيع حاسبات تصويت في اوهايو اخبر الجمهوريين من خلال رسالة حول جمع الدعم, انه "حريص على مساعدة اوهايو على تقديم اصوات ناخبيها الى الرئيس في العام القادم" (بالإنكليزية)
http://www.commondreams.org/headlines03/0828-08.htm
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟