أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - إبراهيم عبد العزيز - زفاف علي















المزيد.....

زفاف علي


إبراهيم عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 633 - 2003 / 10 / 26 - 05:32
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



قدر لي بالأمس القريب، أن أنال شرف الحضور والمشاركة في زفاف "علي" على عروسه فلسطين، علي مصطفى أبو طه، الذي استشهد مؤخراً مع هابي سليمان عياش، هذان الشابان اليانعان اللذان زفا الأربعاء الماضي إلى عروسهما فلسطين على أرض رفح قلعة الجنوب الصامدة.
رغم عملي في مجال الصحافة لعدة سنوات خلت، وعاصرت سقوط آلاف الشهداء في الانتفاضة الفلسطينية الأولى المباركة، واستشهد قسم منهم بين يدي، حيث كان عملنا في ذلك الوقت يتجاوز حدود التغطية الصحفية، وكان الجانب الإنساني والمصلحة الوطنية تسمو على المصلحة الشخصية، فكنا نعمل مضمدي جراح ومساعدي مسعفين وإن احتاج الأمر عمال اجتماعيين نخفف مصاب أهل الشهداء. فهذه أول مرة يتاح لي شرف حضور زفاف شهداء من أوله إلى آخره، لربما لصلة القربى التي تربطني بالشهيد "علي"  لكن قدر الله وما شاء فعل، ففي ليلة الثلاثاء وبالضبط على الساعة الحادية عشرة ونصف، تلقيت اتصالاً هاتفياً يبلغني أن "علي" ابن خالي، وهو أيضاً ابن عمتي استشهد. وهنا استيقظت من غفوة عقل أو شطحان ذاكرة، فقد مر علي بحكم عملي كصحفي اسم  "علي" بين أسماء الشهداء ولم أعر ذلك أي انتباه، لربما لكثرة الأسماء التي أتداولها يومياً،  وخاصة الذين سقطوا في الأيام الأخيرة، جراء التصعيد الشاروني بحق أبناء شعبنا، وتزايد وتيرة المجازر، ولربما راودتني فكرة أنه يمكن أن يكون مجرد تشابه أسماء.
قصدت رفح صبيحة الأربعاء بعد ليل طويل مر علي، لم أذق خلاله طعم النوم، وأنا أفكر كيف سألقى "علي"، والدته وإخوانه، خاصة وأنهم كانوا قد زفوا قبل حوالي السنة والنصف عروساً أخرى لفلسطين طفلة ابنة أربعة أعوام، الطفلة "ريهام" أبو طه ابنة أخ "علي" وعندما وصلت إلى منزل علي، أبلغوني أنهم أخذوه إلى مسجد العودة للصلاة عليه، وهناك على باب المسجد كان العشرات والمئات من المقاومين المدججين بالسلاح، الأمر الذي جعلني ابتهل إلى الله أن يمر حفل الزفاف على خير، وأسأل الله أن يعمي قلوب العملاء، الخونة والجواسيس، وأن لا يصبح هؤلاء المقاومين صيداً سهلاً لقوات الاحتلال وفرصة لتصفيتهم.
رؤية هذا الكم من المقاومين ومن كافة فصائل العمل الوطني، والتي كانت  الأعلام التي يرفعونها إلى جانب علم فلسطين وكذا الشارات التي على رؤوسهم، تدل على التنظيمات والجهات التي ينتمون إليها، فحمدت الله أن الجميع اتفقوا على عمل واحد، وبعد الصلاة على روح "علي" ورفيقه "هابي"، بدأ الحلم يتلاشى فأصبح موكب العرس العسكري، الذي كانت تتقدمه ثلة من حرس الشرف، موكبان وتفرق الجمع إلى جمعان والحبل على الجرار وأصبح كل يغني على ليلاه.
بعد أن انتهت مراسم الزفاف وبالتحديد وأنا في الخيمة المخصصة لهذه المناسبة، "خيمة العزاء" كما يسميها البعض، واسميها أنا "خيمة الزفاف"، وقفت مع أخوة علي وأعمامه وكل محبيه، لا تقبل التهاني معهم بزفاف أخيهم على عروسه فلسطين، أخذت المشاعر والإحساس تتضارب في داخلي، إحساس بالسعادة لزفاف علي، فبرقيات التهنئة وأكاليل الورود التي حملت تواقيع جميع  فصائل العمل الوطني دون استثناء، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكذا مشاركة أهالي شهداء سابقين سبقوا  "علي" و"هابي" على طريق الاستشهاد، أثلجت صدري، إلا أن المرارة والشعور بالأسى أبت أن تفارقني، بسبب إصرار التنظيمات على الشرزمة وانتهاج سياسة الاستقطاب.
علي أبو طه وهابي عيش، سقطا شهيدين في عملية عسكرية واحدة، واستشهدا برصاص عدو واحد في نفس الوقت والمكان، خلال قيامهما بعمل واحد، اتفقا عليه سوياً، لكن مشيئة التنظيمات وإصرارها على انتهاج ظاهرة الاستقطاب شاءت أن يفترق علي عن رفيقه هابي، فتفرق كل منهما في مكان، وانشق موكب عرسهما إلى موكبين. أه ثم أه يا ليت الأمر توقف عند هذا الحد، ففي نهاية اليوم وفي طريق عودتي إلى غزة، مرت بنا السيارة وسط مخيم النصيرات، هذا المخيم الذي ودع يومها 7 شهداء من خيرة أبناء شعبنا، سقطوا في غارة حاقدة شنتها طائرات الـ ف 16 الإسرائيلية على مدنيين عزل، وكانت هذه هي الغارة الخامسة في ذلك اليوم، تمنيت أنني لم أمر في هذه الطريق حتى لا أرى ما هالني بيوت فرح- لم أعد أعرف ما يمكنني أن أسميها، فقد أصبح الأمر عندي سيان، سبعة شهداء سقطوا بصاروخ واحد، وبوقت واحد أصبح ذووهم شيعاً وأحزاباً وكأن أبناءهم لم يسقطوا فداء وطن واحد ودفاعاً عن مصالح وطنية واحدة في وجه عدو واحد.
خيمات العزاء أو الفرح في النصيرات لم تكن تبتعد الواحدة عن الأخرى متر أو مترين، وهنا تذكرت قول الحق تعالى: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون*  إن الله يحب الذي يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص). فالعدو الصهيوني، يواصل سياسة مبرمجة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، بهدف تركيع هذا الشعب الصامد المرابط. والتنظيمات تتشدق بالوحدة الوطنية، شعاراً ولا تبذل أي جهد، من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية كممارسة على الأرض وليس كشعار، وأن توجه كافة ضرباتها نحو العدو بكل قوة وتترك الجدل حول تبني الشهداء والعمليات، درءاً للفتنة والمشاكل.
يمر الشعب الفلسطيني بمرحلة حساسة وحرجة من تاريخه، ولا شك في أن أي شق في وحدة الصف الفلسطيني، سيفتح الباب واسعاً أمام إسرائيل لتحقيق مراميها في تحويل الصراع إلى فلسطيني- فلسطيني، بما يمكنها من تنفيذ كل مخططاتها التي أخفقت في تحقيقها طوال السنوات الماضية. الأمر الذي يستوجب من جميع القوى الفلسطينية، سواء كانت في السلطة أو في المعارضة وقفة صادقة مع النفس، واستيعاب اللحظة السياسية الراهنة، وتوحيد جهودها ومواقفها لتفويت هذه الاستهدافات وإفشالها، وذلك بتحقيق أقصى قدر ممكن من التوافق السياسي والميداني.
 يخطئ أي فصيل فلسطيني،  كائناً من كان، إذا اعتقد أنه يستطيع أن يدير الصراع مع إسرائيل من خلال رؤية سياسية خاصة به، وأن برامجه السياسية ورؤيته هي الزاوية الوحيدة والناجعة لإدارة الصراع.  ويجب على الجميع أن يأخذوا بالحسبان ظروف الصراع المعقدة، وأن يقدم الجميع التنازلات لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني، وإعلان موقف سياسي بعيد عن التشنج وردات الفعل الانفعالية، وهذا يمكن تحقيقه فقط من خلال قيادة موحدة، تتفق على الأقل مبدئيًا على برنامج سياسي مؤقت، لحين إجراء انتخابات سياسية عامة،  تتولى القيادة المنبثقة عنها اعتماد ستراتيجية نضالية تحظى بموافقة جميع القوى السياسية.فمن الضروري جداً، والملحّ أكثر من أي وقت مضى، أن يتم التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي على أساس عدم انفراد أي طرف بممارسة استراتيجيته الخاصة، مما يمزق الوحدة الوطنية، مما يمهد لضعف أوانهيار للجبهة الداخلية.. ويجب التعامل مع هذه القضية على أساس الاستفادة من إنجازات الصمود الشعبي العظيم وتحويلها إلى حقائق سياسية، والتحلي بالرؤية الدقيقة للواقع المحلي والتوازنات الدولية، وإبراز قضيتنا كقضية شعب في مواجهة احتلال ظالم، وليس كمسألة  صراع وقتال بين جيوش وقوى عسكرية متكافئة.
• كاتب وصحافي فلسطيني
غزة 25 تشرين الأول / أكتوبر 2003



#إبراهيم_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمصلحة من -الفيتو-؟
- هل ستقع الإدارة الأميركية في الفخ الإسرائيلي؟
- هل أضاعت الرباعية الفرصة الأخيرة؟
- صحوة ضمير أم سحابة صيف سرعان ما تتلاشى؟
- -أبو عمار- إلى القدس
- حوزير بتشوفاة
- رؤية سياسية وقيادة موحدة


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - إبراهيم عبد العزيز - زفاف علي