|
نعم، نناضل من أجل الاشتراكية
الاخضر القرمطي
(William Outa)
الحوار المتمدن-العدد: 2058 - 2007 / 10 / 4 - 12:21
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا يمكن الحديث/والنضال عن/ضد مناهضة الرأسمالية والامبريالية ومخلفاتهما على الصعيد المحلي والأممي من دون طرح برنامج بديل يقطع مع النموذج الاقتصادي والسياسي الحالي الذي يسم العصر (أي الرأسمالي بأشكاله المتعددة). وإن كنا لا نريد الدخول في نوع من الثنائية الجامدة لكننا لا نستطيع كاشتراكيين وماركسيين أو يساريين ثوريين عموماً إلا أن نجد في الحل الاشتراكي بديلاً عن البناء الرأسمالي المعاصر.
فهل يعني كلامي هذا أن الحل محصور في الاشتراكية كبديل إنساني معاصر؟ الجواب يحتمل النقيضين؛ لا ونعم.
لا، ليس الحل في الاشتراكية إذا اعتبرنا الاشتراكية مجرد عمليات تأميم اقتصادي على الطريقة السوفياتية والفاشية والقومية والرأسمالية حتى. فما أثبتته التجارب التاريخية وبالأخص في الأنظمة التي حملت لواء الاشتراكية أن التأميم، أي جعل الملكيات الصناعية الكبيرة والأراضي الزراعية الواسعة والمصالح الخدماتية والمؤسسات التربوية والثقافية ملكاً للدولة، لن يفضي إلى نوع من الاشتراكية تزيل الاستغلال وتضع الأساس المادي والمعنوي لعملية إلغاء الفروقات الطبقية، بل إلغاء الطبقات. التجارب تلك أنتجت مرة أخرى فئات اجتماعية جديدة مرتبطة بالدولة وبأجهزتها الرسمية ومن بينها الحزب الذي يقوم بعملية نهب واستغلال جديد للفئات التي من المفترض أن تشترك في العمل وفي المردود بشكل عادل.
لن تكون الاشتراكية بديلاً إنسانياً نطمح له إذا أعادت صناعة دولة مهيمنة على كل أوجه الحياة باعتبار أن الدولة هي القادرة على إحداث التغيير المطلوب في البناء الاجتماعي. هذا سيعيدنا إلى نموذج عبادة الدولة على الطريقة القومية وإلى سيرورة تحكم الدولة بطريقة غير مباشرة بعملية الاستغلال الداخلي عبر أجهزتها القمعية من عسكرية وإعلامية وإيديولوجية على طريقة الدولة الرأسمالية الحديثة - البريئة بالظاهر لأنها فوق الطبقات والمصالح الشخصية والطبقية لأنها الدولة الوطنية حامية المواطن بحياته وملكيته الخاصة.
الخلاصة، لن نناضل من أجل اشتراكية على النموذج الناصري أو البعثي أو الصيني أو السوفياتي أو الإسلامي (رغم الانجازات العديدة والكبيرة لهذه النماذج) لأن هذه النماذج وبعيداً عن نوايا مناضليها وشهدائها (فالجحيم مبلّط بالنوايا الطيبة) لم تستطع أو ربما لم ترد، بحكم تركيبة الفئات الاجتماعية التي حملت مشروعها، أن تقيم المجتمع (ولا أقول النظام أو الدولة) الإنساني حيث يتشارك الجميع في الإنتاج وفي عملية التوزيع العادلة. لا بل إنها أفضت في نهاية الأمر إلى ظهور عدد من الجلادين والمستبدين قمعوا شعوبهم والفئات التي يفترض أن يمثلوها أو استعاضوا عن القمع بالسرقات وتوظيف أموالهم في مشاريع رأسمالية خارجية باسم الثورة والالتزام الطبقي والحرية والوحدة والصراع الوطني إلى ما هنالك من لائحة الشعارات التي شوه مضمونها وجعل الجماهير تنظر بعين الريبة إلى كل من سيرفعها لاحقاً.
وبدل إلغاء الفروقات الطبقية(على الأقل) ظهرت طبقات جديدة أنتجت استقطاباً مفزعاً، وبدل الأممية الاشتراكية (أو حتى الوحدة القومية الواسعة) ظهرت القومية الضيقة والانعزالية والقومجية والإلحاق القسري والدفاع عن الوطن (تلك الأكذوبة الطنانة)، وبحجة مقاومة (ثم مناهضة ثم ممانعة ثم... مهادنة ثم استسلام طوعي "واقعي" و "ضروري") الامبريالية والاستعمار والاستكبار العالمي الشيطاني تم زج الألوف من المذنبين قسراً في أقبية غوانتنامو وأبو غريب الأنظمة التقدمية، وأصبح الحزب "الطليعي" "الثوري" "الديمقراطي" مجرد حفنة من رجال الأمن المخابراتيين "المجاهدين" و"الملتزمين" بمحاربة الخونة والمرتدين و"المتبرجزين" والمغامرين أو الانتهازيين أو اليمينيين الإصلاحيين الليبراليين أو الزمر اليسارية المتطرفة المارقة عميلة الصهيونية والدعاية اليهودية ووكالات المخابرات الغربية...
ما قدمناه أعلاه ليس سوى صورة ملخصة جدًا من تجارب حملت لواء الاشتراكية ودافعت عن مصالح العمال والفلاحين وعن حق تقرير المصير. إنها صورة قاتمة جداً لن نتفاجأ بما خلّفته بعد سقوطها من ظهور حركات عدمية وظلاميات دينية وشوفينية وفاشية عصرية و"ما بعد-حداثية" استولت على وعي وتطلعات الجماهير والفئات الشعبية وخدّرتها بشعارات جديدة تنتج حروباً ذات مستقبل وأهداف مجهولة، تعيد إنتاج أفكار ورؤى وأساطير واهمة تعيش جنباً إلى جنب مع آخر تقنيات العصر في الاتصالات والصناعات والخدمات، في عصر يعيش استقطاباً طبقياً حاداً وتقسيماً دولياً جديداً للعمل يعيد إحياء نظريات مالتوسية تنتظر مخلصها الآخروي.
ولكن، وفي ظل هذا الواقع المر هل ما زال هناك مجال للحديث عن بديل إنساني عالمي اشتراكي؟ هل هناك نتيجة للنضالات التي يقوم بها مئات الآلاف من المناضلين حول العالم من أجل هذا البديل؟ أم أن كل النضالات ستذهب سدى لتنام في أروقة البيروقراطية والدولة المستبدة للقرن الحادي والعشرين؟ أليس من الأجدى لنا كاشتراكيين أن نكون "واقعيين" بعض الشيء ونتخلى ولو مؤقتاً عن مشروعنا باعتبار أن الظروف الموضوعية غير مؤاتية لطرح الاشتراكية كحل، وبالتالي علينا وضع الاشتراكية في خانة الأحلام والمشاريع الطوباوية والنضال حالياً من أجل رأسمالية أكثر عدالة أو من أجل مشاريع أخرى تطرح نفسها كبديل (كالمشروع الإسلامي)؟
لن أكون متطرفاً أو حالماً إذا اعتبرت أن المجال ما زال مفتوحًا أمام المشروع الاشتراكي كحل أكثر من ممكن ومن ضروري. ودفاعي عن الاشتراكية يستند إلى الحجج التالية:
1 - إن الاشتراكية بما تعنيه من قيم وبرامج مؤسسة على إلغاء الطبقات والفروقات والتمايزات الاجتماعية والسياسية وبما تعنيه من مناهضة العنصرية القومية والجنسية، ما زالت رغم الهجمات الليبرالية الاقتصادية والأصوليات الدينية تلاقي صدى واسعاً حول العالم ولو تلونت بإيديولوجيات ذات طابع قومي أو ديني تحرري. إن حلم التوزيع العادل للثروات والتشارك بإنتاج السلع والتمتع بخيرات الأرض بشكل عادل، والاختيار الحر للوظيفة ورسم مستقبل أفضل على الصعيد الفردي والجماعي والتفتح الإبداعي للملكات الفنية والفكرية للإنسان ما زال أملاً وهدفاً للأكثرية الساحقة من أبناء البشر، بالأخص بعد التجارب الفاشلة التي أنتجتها الرأسمالية وسياسات البنك الدولي وبعض فشل مشاريع الإسلام السياسي.
2 - التحولات المستمرة في عدد من دول العالم للسير في طريق الاشتراكية الإنسانية الجديدة، كالذي نشاهده في أميركا اللاتينية بالأخص (حيث عاد غيفارا من جديد) وفي نيبال وبعض الدول الآسيوية، كرد لا بد منه على الأزمات التي ولدتها الرأسمالية والامبريالية في هذه البلدان. بالإضافة إلى ظهور حركات اشتراكية وشيوعية ويسارية في أوروبا الغربية بدأت تطرح نفسها كطموح بديل بوجه الرأسمالية المتعولمة.
3 - الحركة الدولية المناهضة للعولمة الرأسمالية والتي أصبحت تستقطب الملايين من البشر حول العالم، ورغم ما يعتري هذه الحركة الأممية من نواقص في طرح البرامج وأساليب النضال، إلا أنها تشكل حالة جديدة أممية عابرة للقوميات والأعراق والأديان والانتماءات الفكرية تنصهر في سبيل النضال ضد لا إنسانية الرأسمالية أينما وجدت وضد ما تنتهجه من سلب واستغلال وقمع ودمار بيئي خطير.
4 - إن الاشتراكية كتجربة إنسانية مجتمعية تتنوع ولا تزول. لقد سقطت تجربة اشتراكية في قرن معين، ولكن التاريخ لن يعيد نفسه فهو لا يعرف التوقف، وديالكيتك الحياة لا بد أن يُخرج من أحشاء الرأسمالية و يحفر قبرها، كما خرجت الرأسمالية من أحشاء الإقطاعية. والنظرة هذه ليست حتمية اقتصادية أو غيبية بل هي إمكانية موجودة دائماً في انتظار من يخرجها إلى حيز الوجود المتحقق إذا تسلح بالنظرة النقدية والثورية المتجددة والمتماشية مع تطلبات ومشاكل العصر.
الاشتراكية الإنسانية التي نبغي تحقيقها ليست عقيدة أو ديناً أرضياً محفوظٌ في نصوص مقدسة وضعها منظرون وملهمون، وليست بحاجة إلى التطبيق على طريقة كن فيكن، بل هي تنشأ وتتعدل و"تتغربل" يومياً بفاعلية إنسانية واعية ونقدية علمية، في ضوء المستجدات والتجارب والتراكمات التاريخية الجديدة.
إن التاريخ لن يضع جانباً ايجابيات الاشتراكية وقيمها وأهدافها التي ناضل الملايين من أجلها، ولكنه من جهة أخرى لن يعيد إنتاج ما يسيء لها. فهو سيشهد تنوعات وتبدلات في مسار التطبيق الاشتراكي، وقد يشهد سقوطات، فالمضامين الاشتراكية لا بد أن تختلف مع اختلاف الزمان والمكان.
من هنا فالاشتراكية الجديدة لعصرنا الحالي ستنهل من إيجابيات التجارب المنهارة كما ستستفيد من كل ما طورته البشرية من آليات في الممارسات السياسية والاقتصادية الأكثر ديمقراطية وحرية (عودة إلى مفاهيم الديمقراطية المباشرة القاعدية - الإدارة الذاتية للمؤسسات المنتجة كما في التجارب الاشتراكية في أميركا اللاتينية وأوروبا الغربية - العودة إلى مفهوم السوفيات كصيغة لسلطة بديلة - التعاون مع منظمات حقوق الإنسان والبيئة وحركات مناهضة العنصرية والتمييز...).
إن التجارب الاشتراكية التي تقوم الآن والتي ستقوم في المستقبل بجهود الملايين إن كان لها أن تستمر عليها أن ترمي في مزبلة التاريخ صيغ أساءت لتاريخها: الحزب الواحد القائد، الدولة التسلطية، البيروقراطية، قمع الحريات الفردية، منع الرأي المغاير والمختلف، تشويه حقوق الإنسان، عبادة الشخصية مقابل قمع الفردية لتذويبها في الجماعة....
إن توق ملايين من البشر حول العالم لبناء الاشتراكية الإنسانية الأممية هو ما سيجعلنا في لبنان والوطن العربي وفي كل أنحاء العالم نستبشر خيراً في أن الاشتراكية ستعود، وبالطبع لن تكون نسخة على اشتراكية القرن العشرين.
#الاخضر_القرمطي (هاشتاغ)
William_Outa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|