محمد الفقيه البصري اسم كان على لسان جل المغاربة على امتداد عقود من الزمن، لا يمكن الحديث عن التاريخ السياسي و النضالي بالمغرب دون ذكر محمد الفقيه البصري. انه المقاوم و رجل السياسة، كان يمتلك جملة من أسرار تاريخ مغرب الاستقلال و دواليب العمل السري المسلح. انه اسم كبير في سجل الحركة الوطنية بالمغرب، تحدى كل العواصف و كل الاكراهات و الضغوطات و لم يقبل أي مساومة، و لم تثنه الاعتقالات و الأحكام الغيابية عن مسيرته الكفاحية و لم ينل منه التعذيب و لا الحكم بالإعدام و لا الغربة و لا النفي ألقسري.
ظلت مسيرته مليئة بالمواقف ذات البعد المغاربي و القومي و التحرري.
قضى 30 سنة في المنفى، و كان ذاكرو من تفاصيل الكفاح و بذلك شكل اسما من أسماء التجربة الكفاحية المغربية.
كان مقتنعا حتى النخاع بضرورة أن تكون الدولة في خدمة المجتمع و ليس العكس.
و محمد الفقيه البصري هو أحد أبناء قرية أكدز الواقعة بين الأطالس الثلاثة الصغير و المتوسط و الكبير، انخرط في المقاومة منذ ريعان شبابه، واجه ذنب الاستعمار الباشا التهامي الكلاوي بمراكش و صعد إلى الجبل للمقاومة بعد عزل الملك محمد الخامس و نفيه إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر. اعتقل سنة 1954 و اقتيد إلى السجن المركزي بمدينة القنيطرة لإعدامه إلا أنه تمكن من الفرار رفقة ثلة من رفاقه.
عمل على إقناع جيش التحرير بالشمال بالاستمرار في المقاومة حتى جلاء آخر جندي فرنسي أو اسباني و تحرير الصحراء و موريتانيا لاستكمال الوحدة الترابية للبلاد و دعم الثورة الجزائرية المسلحة إلى أن تحقق استقلالها كشرط لتحقيق وحدة المغرب العربي. و بعد الاستقلال، الذي لم يرض عنه محمد الفقيه البصري، الذي قال لرفاقه آنذاك سيرجعنا الاستقلال كما أبرم إلى السجن.
و جاءت مرحلة أفقير السوداء التي سعت إلى تفكيك جيش التحرير ولو بالتصفيات الجسدية و إيداع المقاومين و رموزه بالسجون و المعتقلات السرية. آنذاك اضطر محمد الفقيه البصري إلى ترك المغرب و كان ذلك سنة 1966 حيث توجه إلى باريس، ثم انتقل إلى دمشق و الجزائر و ليبيا وغيرها، آنذاك أدرك خيانات أصدقاء الأمس في أبشع صورها.
لقد فارقنا مؤخرا هذا المقاوم تاركا ورائه سيرة مليئة بالمواقف التي كانت على الدوام تستشرف مستقبل المغرب العربي الكبير.