|
سوسيولوجية الفعل الانتخابي: قراءة في جدوى الانتخابات بالمغرب
عبد العزيز فجال
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 02:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- هل يمكن أن نرهن تقرير مصير البلاد أو ما يسمى مجازا ب "الانتقال الديمقراطي" بانتخابات لم يشارك فيها سوى أقل من ثلث الكتلة الناخبة؟ - هل يمكن أن نراهن على هذه الانتخابات لتغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للرعية؟ - هل يمكن أن نفهم أن مقاطعة 80 في المائة من الكتلة الناخبة هي إعلان صارخ عن بداية نهاية مصداقية "الأحزاب" الانتخابية؟ - هل يمكن اعتبار الأحزاب الانتخابية التي حصلت على بعض الأصوات هي أحزاب تعبر عن نبع المجتمع وهمومه وانشغالاته، أم أنها تمثل النقيض الآخر للمجتمع الرافض؟ - لماذا يسوق النظام وأحزابه لصفة العزوف عن المشاركة في الانتخابات عوض "المقاطعة"؟ وما الفرق بين العزوف والمقاطعة؟ وأخيرا، لماذا هذه الانتخابات إذا كانت الحكومة والبرلمان في النسق السياسي المغربي خارج دائرة القرار السياسي؟ هل هو إعلان صريح لقطيعة بنيوية بين المجتمع والدولة وأحزابها ؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة، لكنها تطرح في العمق هيمنة "المقدس السياسي"(حكومة الظل أو البلاط، وزارات السيادة، لجن ملكية...) الذي يعيق ويشل عملية الانتقال الديمقراطي ويجعل العلاقات الاجتماعية والسياسية تأخذ طابعا أبويا سلطويا. فالحقيقة التي لا مراء فيها، والتي حسمت فيها النسبة الضئيلة للمشاركة، هي أن الرعية غير عابئة وغير مكترثة مطلقا بما يحاك في مطبخ السلطان. وسواء فاز الحزب الأزرق أو الحزب الأحمر أو الأصفر، فالأمران سيان، لأن القرار برمته يمتلكه فاعل آخر هو الملك. إذن، لماذا يحاول جل الفاعلين، الغير الفاعلين سياسيا، التلاعب وتمويه حقيقة من يمتلك السلطة ومن يقرر؟ لماذا ،إذن، كل مرة يجب أن نذكر بهاته البديهيات حتى أصبحت ثقيلة على الفهم؟ (أنظر مقالنا الأخير، الانتخابات المغربية أو السياحة المترفة للأحزاب السياسية، نفس الموقع ). الواقع، أن التنظير "الحزبي" الانتهازي الآن ينفي كل معطيات الواقع وحاجات المجتمع في اتجاه تغليط الرأي العام الرافض لكل تمويه وإغراء وثرثرة زائدة. إن تبرير أخطاء الماضي باسم التوافق والمصالحة، وكأننا في حرب، بدون طرح أي بديل سياسي في الأفق يعتبر قمة الاستهتار واللامبالاة في حق شعب صبور، كان دائما هو السباق إلى المباركة والولاء والبيعة... الآن أصبحت الأمور واضحة، حكومة ستمثل أقل من 20 في المائة من المغاربة، أغلبهم باع ذمته ببعض الأشياء.. وقبل أن نتحدث عن مصداقية أو نزاهة أي انتخابات، لابد من إثارة عدة إشكالات وقضايا ترتبط بالمناخ أو البيئة التي تجرى فيها هاته الانتخابات، وكذا السياق العام لآليات اشتغال السلطة أو الحكم، فضلا عن درجة وعي المجتمع ووجود دولة الحق والقانون وسيادة مبادئ المواطنة والمساواة والحرية. لأن حقوق الفرد لا تنفصل عن حريته، أي اختياره. وكلما انتقصت هذه الحقوق إلا وتضاءلت حريته. وهذا ما يفسر استشراء ظاهرة استعمال المال وشراء الذمم. وعلى أية حال، لا يمكن الحديث عن لعبة الانتخابات بمعزل عن وجود نظام ديمقراطي، فالانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، كما تعي جل الوكالات "الحزبية". الانتخابات هي آلية للتعبير عن سيادة الشعب، ووسيلة أو أداة لقياس درجة ولاء وقبول الشعب لجهة حزبية معينة أو لبرنامج معين، لا تستقيم إلا بوجود ضوابط أساسية وضرورية منها؛ وجود بيئة ديمقراطية، مبدأ فصل السلط، خضوع جميع المؤسسات لمراقبة ممثلي الشعب في البرلمان، حكومة مسؤولة أمام البرلمان... بعد المقاطعة التي شهدتها الانتخابات الأخيرة، تعالت أصوات "النخبة" الانتهازية لتبرير نكسة 07 شتنبر، تارة باسم التوقيت الغير المناسب، وتارة باسم عدم ملائمة التقطيع الانتخابي أو تعقد نمط الاقتراع.. وهذه التبريرات تنم عن احتقار وضيع للمغاربة، أو بعبارة أصح أن النسبة الضئيلة للمشاركة لا تجد تفسيرها في المقاطعة، وإنما في انشغال الرعية ببعض الأمور الدنيوية كالدخول المدرسي والإعداد لشهر رمضان... إلى متى سنظل نردد ألف مرة، أن التمويه والافتراء من مثل: إحداث اللجن وجمعيات "دابا" وإقامة الندوات العوجاء، لم يعد يصلح لمعالجة الوضع الفاسد. فالرعية، بالرغم من عدم امتلاك مواطنتها، متشبثة بأن يكون لها موقف اتجاه هذا الوضع الفاسد. لذلك، يجب أن تكف ما نسميه ب "النخبة" عن الحديث عن العزوف عوض المقاطعة. لأن الحديث عن العزوف هو استصغار وإهانة لهذه الفئة. فالمقاطعة تعبر عن موقف إزاء الوضع السياسي العام، عكس العزوف الذي يعني اللامبالاة أو التقصير دون التحلي بمبدأ أو موقف معين . وهذا ما تنبهت إليه كوفمان ويتس، من مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، حيث صرحت أن ضعف نسبة الإقبال يعكس ما ينتاب المغاربة من شكوك كثيرة اتجاه البرلمان والانتخابات. وقالت في نفس السياق: "إذا أراد الملك أن يمنح الديمقراطية في المغرب مغزى أكبر وكسب اهتمام المواطنين ومشاركتهم، عليه أن يمنح سلطة أكبر للبرلمان وتقييد سلطاته". أحيانا، نتعجب من تصريحات بعض المحزبين، كالتصريح الذي أدلى به أحدهم في ندوة نظمتها إحدى الجرائد أخيرا حول " المغرب بعد انتخابات 2007" ، أن 36 في المائة الذين لم يشاركوا في الانتخابات وجهوا رسالة مباشرة للملك، لأنه بيده كل شيء. وهذا يعني حسب فهمه، أن البرلمان والحكومة غير موجودة. وهو ما ذهب إليه، أحد الفقهاء/الشعراء الذي لم يحالفه الحظ في الاحتفاظ بمقعده المريح في الانتخابات الأخيرة، ومن كثرة خيبته وسخطه، صرح لإحدى الجرائد، وهو من طلب هذا التصريح، وكأنه يفضح سرا، أن أهم أسباب "العزوف" عن المشاركة السياسية هو هيمنة المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات. أما الكاتب الأول لحزبه، فصرح بدون خجل أن المغاربة لم يستجيبوا لنداء الملك الداعي للمشاركة في الانتخابات، وكأنه بذلك يقدم خدمة للنظام لمعاقبة الرعية .. فالعزوف عن التصويت بهذا المعنى، ظاهرة عادية وظرفية يمكن معالجتها من خلال التأطير والدعاية أو حتى عن طريق الإكراه واستعمال المال... أما المقاطعة فهي تجسيد لقناعات ومواقف ترتبط بالحمولة الاديولوجية والسياسية للناخب وموقفه من المؤسسة التشريعية والحكومة ككل. أثناء متابعتنا لأطوار الانتخابات التي مرت في 07 شتنبر الماضي، وخلال الحملة العشوائية لأحد الأحزاب الانتخابية، سأل أحد المرشحين أحد الشيوخ الذي بدا جالسا يراقب بفضول هذا الضجيج المفتعل، ماذا تطلب منا كبرلمانيين أن نفعل؟ فأجابه الشيخ بهدوء وبدون تفكير: "أن تكون أيامنا كلها انتخابات، حتى نأكل ونشرب على مذاقنا". أعتقد أن الوعي الجمعي بلغ درجة عالية من النضج والالتزام لدرجة أن تمثل الانتخابات في المخيال الشعبي المغربي أضحى رديفا للمواسم والحفلات.
أغلبية الرعية تعتبر الانتخابات حفلات موسمية، تكثر فيها الموائد وتعم النعمة والرواج والمال الوفير ويشتغل فيه الجميع. شخصيا، ما زلت إلى اليوم، أي بعد نكسة الأحزاب الانتخابية ليوم 07 شتنبر، لم أفهم جدوى الحديث عن التناوب في ظل وجود وزارات السيادة، خاصة وأن الحقائب التي تمثلها ( الأمانة العامة للحكومة، وزارة العدل، وزارة الخارجية، وزارة الداخلية والأمن ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) هي عصب الحكومة ككل. هذه الوزارات هي خارج دائرة الانتخابات وخارج أي منطق أو أية "منهجية ديمقراطية"، لأنها تدخل ضمن اختصاصات الملك، وبالتالي فهي تنهل من التراتبية الدستورية والإدارية الصادرة عن المؤسسة الملكية. بعد كل هذا، هل يمكن لأحزاب "شخباط شخابيط، لخباط لخبيط" أن تقنع أي ديمقراطي في على وجه البسيطة، أو أي كوكب آخر، أننا نعيش ما يسمى ب "الانتقال الديمقراطي". إذا كان مفهوم الديمقراطية مقترنا فقط بحكومة شكلية وبرلمان بدون اختصاصات، فإنني أفضل ديكتاتورية مطلقة، على الأقل يمكننا توفير الكثير من المال والجهد والتقليص من التجاوزات الحزبية الضيقة، وكذا المحسوبية والزبونية...
#عبد_العزيز_فجال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات المغربية أو السياحة المترفة للأحزاب السياسية
-
دعوة لمقاطعة الاحزاب السيسية المغربية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|