نظرة سريعة على ما لحق بإسرائيل من خسائر يظهر مدى قوة الانتفاضة ومدى الحاجة لكي تستمر.
بعد ثلاث سنوات ونيف من الانتفاضة يواصل شعب فلسطين في المدن والقرى والمخيمات الدفاع عن كرامة العرب، ويرد الصاع صاعين للاحتلال، ويصد العدوان بالصمود الأسطوري، وبأجساد الأبناء من الشباب والشابات والرجال والنساء والأطفال والعجزة، وبقوة الإرادة وروح المقاومة العالية التي لازالت مزروعة في قلوب أبطال المقاومة الفلسطينية.
فبعد ثلاث سنوات من الانتفاضة ومن الاجتياح والحصار والمذابح والمجازر، شعب فلسطين يقاوم ويحسب الأيام بالجثامين والساعات بالجرحى والدقائق بالأشجار المقتلعة والأمتار من الأراضي المجروفة، شعب فلسطين يحسب زمن الأمة بأعداد البيوت التي تدمر وتنسف، ويسير إلى الأمام لا يلتفت الى الوراء، يواصل حملة الدفاع عن أرض الوطن، ويواجه بقوته المحدودة وسلاحه البدائي وأيمان الفدائي، قوة الصهيونية المتوحشة، يقاوم ويواصل جهاده ليشكل مع المقاومة العراقية الشعلة العربية المنيرة في زمن الاحتلال الأمريكي الصهيوني لبلاد العرب.
وتقف جماهير قطاع غزة وقفة عز وفخار وهي تقاوم بطش شارون وجيشه المهزوم بالرغم من كثافة الهجوم و حجم الخسائر الفلسطينية الكبير والفادح، خاصة في الممتلكات وبين السكان المدنيين،لأن الاحتلال الذي يقتل الصغار والكبار ولا يفرق بين مدني وعسكري ويحتكر دور الضحية منذ المحرقة النازية وحتى بزوغ فجر العمليات الأستشهادية، هذا الاحتلال لا بد أنه زائل ولا بد له أن ينقرض مثلما انقرضت النازية.
ففي عالم اليوم لا يوجد مكان للنظريات العنصرية، وللوحوش الصهيونية، وبالرغم من ظلام المرحلة الحالية وتفوق الصهيونية على العقلانية العالمية بسبب أللاعقلانية والعنصرية الأمريكية الملاصقة للأيدولوجيا الصهيونية السياسية الدينية العرقية، فان الزمان القريب هو زمان الشعب الفلسطيني وحريته واستقلاله، زمان سيكون لفرط عقد الاحتلال وزوال واندثار الاستيطان وعودة المستوطنين من حيث أتوا أو الى الجحيم الذي ينتظرهم في حال بقوا على أرض الشعب الفلسطيني المغتصبة.
أما جدار الفصل العنصري الذي يطوق الفلسطينيين ويعزلهم عن بعضهم البعض، كما كان جدار برلين سابقا، هذا الجدار الذي يتم بناؤه على أراضي الفلسطينيين والذي يسلب مساحة كبيرة من الأراضي التي تعود ملكيتها لهم، ويطوق ويعزل بعض المدن والقرى والبلدات الفلسطينية مثل قلقيلية وجيوس وغيرهما من الأماكن، هذا الجدار هو النتيجة الطبيعية لاتفاقية أوسلو التي جاءت ببنتوستان الفلسطينية، تماما كما كان الأمر مع تجربة الابرتهايد في جنوب إفريقيا حيث المعازل التي كان يوضع فيها السود أصحاب الأرض و سكان البلاد الأصليين.
إن الوضع الحالي في فلسطين هو نتاج طبيعي لمنطق الاحتلال العنصري الذي لا يقبل بأقل من سيطرته وهيمنته على الطرف الآخر الذي يريده مستعبدا وتابعا بشكل كامل لإرادته، فعندما تم توقيع إعلان المبادئ بين القيادة المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كان الاتفاق يلبي مصلحة إسرائيلية، لأن إسرائيل استعملت الاتفاقية مطية لتعزيز الاستيطان وسلب ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وكان النهج الإسرائيلي يعبر عن عقيدة ورؤى صهيونية لا تفرط بما يسمونه ارض إسرائيل ومصلحة الشعب اليهودي، لذا تم اللجوء من قبل إسرائيل الى "تكتيك كولونيالي كلاسيكي عندما حاولت إسرائيل استبدال السيطرة المباشرة بسيطرة غير مباشرة" كما وصفها الراحل الكبير ادوارد سعيد في معرض رفضه لاتفاقية أوسلو.
وقد كانت الاتفاقية خطأً فلسطينيا استراتيجيا لأن الذين اشرفوا عليها من الجانب الفلسطيني أبدوا عدم فهم و قلة معرفة وجهل بالطرف الإسرائيلي، لذا سرعان ما تبين لاحقا أنهم وقعوا أو أُوقعوا في مصيدة كانت معدة لهم، لكنهم يرفضون الاعتراف بهزيمتهم وفشلهم، كما أنهم لا يريدون التنحي جانبا وترك المكان للقيادة الوطنية التي اثبت صحة مواقفها، ومنها كذلك من هم من القيادة التاريخية التي احترمت نفسها ولازالت تفعل ذلك، أضف أليها بعض ا لقيادات الشابة الجديدة صاحبة التأثير في المجتمع الفلسطيني والنظرة الثاقبة بالأمور، فقد أثبتت موهبة وقدرة وحنكة في العمل السياسي والوطني.
إن حصاد ثلاث سنوات من الانتفاضة يجعلنا نتوقف عند هؤلاء البشر الذين لازالوا يتعاملون مع الشعب وكأنه قطيع من البقر، ولازالوا يتآمرون ويتفاهمون على حقوقه، ورغم أن هذا التجاهل والتآمر على الشعب، إلا أنه لازال مصنعا للعطاء والبذل والفداء.
كأن التضحيات الفلسطينية خصصت لهؤلاء كي يقوموا بتقديمها لقمة سائغة للاحتلال، فبعد هذه السنوات الثلاث من عمر الانتفاضة أصبح من الضروري الالتفات للبيت الداخلي وإعادة صياغته وصيانته من جديد، لأن القيادة التي التزمت نهج أوسلو وسلام الشجعان أثبت فشلها وعدم قدرتها على حماية الشعب والأرض والوطن والحقوق والقضية.
لذا لا بد من تغيير جذري في الساحة الفلسطينية يبدأ من الدعوة لعقد مؤتمر فلسطيني موسع لكل اللاجئين الفلسطيني من أجل انتخاب ممثلين عنهم يتحدثون باسمهم ويدافعون عن حقوقهم.
ثم بالعودة لإطار منظمة التحرير الفلسطينية عبر تفعيله وإعادة بناؤه بشكل جبهوي عريض يضم كل التيارات الفلسطينية الوطنية والقومية والإسلامية، وذلك ضمن برنامج الوفاق الوطني والحد الأدنى من الاتفاق، ليكون منبرا وممثلا للشعب الفلسطيني بكل تطلعاته وليكون الجهة الفعلية التي تستطيع محاسبة السلطة وأركانها والفصائل وقادتها، بالإضافة للذين اعتادوا التصرف على كيفهم وحسب مزاجهم، وكذلك كل من يتصرف خارج الإرادة الفلسطينية والإجماع الفلسطيني.
بالرغم من الخسائر الفلسطينية الكبيرة في ثلاث سنوات ونيّف من عمر الانتفاضة إلا أن خسائر الطرف الصهيوني أيضا كانت كبيرة، وحصاد المقاومة والانتفاضة كان شاملا، فنظرة سريعة على ما لحق بإسرائيل من خسائر يظهر مدى قوة الانتفاضة ومدى حاجتها لاستمرار المقاومة.
حصاد 3 أعوام الانتفاضة :
- قتل ما يزيد عن 830 اسرائيلي عسكري ومدني
- إغلاق 66% من المنشآت السياحية
- تراجع إيرادات السياحة 6.5 مليار دولار لتصل إلى 500 مليون
- الخسائر اليومية فى دولة الكيان الصهيوني الناتجة عن الانتفاضة بلغت 20 مليون دولار وهذا يوازي 10 أضعاف الخسائر الفلسطينية
- 50% من سكان المستوطنات هربوا إلى خارج البلاد، اي ما يعادل 250 ألف شخص
- واحد من ثلاثة من الاسرائيليين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الانتفاضة والعمليات الاستشهادية
- قتل وزير السياحة الاسرائيلي والمسؤول الأول في مخابرات إسرائيل فى بيت لحم ومسؤول البحرية السابق للكيان الصهيوني في عملية حيفا "هنادي جرادات" الاستشهادية الأخيرة
- انخفاض حركة البيع والشراء بنسبة 65% (34 مليار دولار).
- عجز الميزانية إلى 14.26 مليار .
"هذه البيانات والإحصاءات من البنك المركزي الإسرائيلي ونقلا عن جريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية".
بعد هذه النظرة أعلاه لا بد لنا أن نقول أنه لا بد من استمرار الانتفاضة والمقاومة كخيار فلسطيني مقابل حالة الابرتهايد والاحتلال الصهيوني العنصري لفلسطين، وكذلك مقابل التحالف الأمريكي الصهيوني الذي يريد تدمير قضية فلسطين وتغييب حقوق شعب فلسطين بعدما عجزوا عن شطب الشعب الفلسطيني ومقاومته العادلة، بالرغم من احتلالهم العراق وفرض سيطرتهم وسلطانهم على الأنظمة والحكومات العربية.