حسن جميل الحريس
الحوار المتمدن-العدد: 2058 - 2007 / 10 / 4 - 01:05
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
بعدما استشار أبو محمود زوجته رمى برجائه على حكم جاره أبو سندان يسأله خطبة ولده البكر محمود على كريمته عفاف متوسلاً , فأجابه جاره راضياً بعرضه قائلاً له :
- أبو سندان : يسعدني أن أسقي حرثي من جبّ نسلك الطاهر .
فما طالت خطوبتهما سوى أسابيع عدة حتى عرجا على سريرهما الطاهر بوثاق الله وشريعته وسنة من ختم به رسالاته السماوية , كان محمود سعيداً جداً بزواجه إذ خلع عن نفسه ثوب العذارى وصار يتوضأ من منهل زواجه المقدس حتى أيقن أن زوجته وشيكة على وضع بكرها ( كامل ) فأقام على شرف قدومه مائدة عظيمة ذهبت بكنوز لحمها إلى خوابي بطون من شهدها من أقاربه ومعارفه الذين باركوا له وأجزلوا عليه هداياهم ورجائهم المفعم , ولكن دهره كشّر عن أنيابه فوقع سعده بيد قابلة غبية جاهلة رمت به في لحد مومياء حاضرة شاهدة , إذ كانت بشرة ابنه / كامل / صفراء منذ أن وقع مولوداً بين يديها , وقد عزف عن لبن أمه خمسة أيام متواصلة برتم واحد يفصلها عن بعضها البعض بصرخات ألمه الغامضة , كان ألمه غريباً وفظيعاً جداً , وكلما عادته تلك الفرية القابلة كانت تقول لأمه :
- القابلة الجاهلة : لا تقلقي يا ابنتي فقد رأيت مثل حالته مواليد كثر ...واسألي عني فأنا / أم جدبان / ولي باع طويل في القبالة واسمي معروف ومشهور بين الرعية .... ولعلمك .. أنني أنا من ولد على يديّ هاتين أعظم مشاهير عصرنا الحاضر من أصحاب العلم والطب والسا سة وكذا وكذا .... وحالة ولدك ليست بغريبة عني إنما ميّزه الله عن غيره من البشر بأن ولدتيه وعلى وجهه بشارة خير كأنها برقع ملائكي غلفّ محياه فبات عصياً على حسد كل البشر ... كيف لا واسمه كامل كحال وصفه وسيكون له من بركة يديّ شأناً عظيماً مستقبلاً ... وسيكون إن شاء الله سيداً في قومه وعزيزاً مباركاً ...
وساءت حالة كامل أكثر وأكثر رغم كثرة مرات زيارة تلك القابلة الغادرة حتى أتت إليه بزيارتها الأخيرة بوصفة سحرية متحضرّة , إذ قالت لأمه :
- أم جدبان : يبدو أن برقع ولدك من النوع الذي يحتاج إلى علاج ميكانيكي أكثر من علاجه دوائياً لإن حال لونه الأزرق حالياً يدل على أنه لم يستجب لنوعية علاجنا لهذا أريدك أن تأخذي عني هذه الوصفة السحرية :
هذه قبضة ملح صخري خشن .. لا تفرطي عقدها بل ضعيها هكذا كما هي على سطح ليف قنبٍّ نافر مقزز بعض الشيء ... وافركي بها جسم ولدك جيداً حتى ينزف دمه من كل مواضعه .... ثم طيّبيه بعدها بماء فاتر ممزوج به ست حبات أرز قصيرة نصف مسلوقة ومخلوط معها أربع نقاط ماء ورد ذابل إضافة لنقطتين ماء من سوسنة برية فتية .... واحبسي دمه النازف بعجينة مؤلفة من ضرس مسك قاسٍ تم تليينه بقطرات سكر ناعم .... وإياك إياك أن تخطئي بمقادير ما اسلفته لك !!! حتى تشاهدي بعينيك تخضّب لون بشرته لتستحيل حمراء متوهجة .... عندها أنعشيه بمسحوق لوز مطحون منثور على صحن لبن رائب ليس بعفن .... إن مصير ولدك كله رهن بفعل يدك .
قامت عفاف على وصفة تلك الحمقاء فهلك ولدها وصمت عن بكائه ليس من باب شفائه من مرضه بل لأن قدره أخذ منحى آخر , وصار مثل رضيع الأنعام يحرث سوار أمه دون جلبة صبحاً وعشياً , وفرك ظهره على حضن أمه حولين كاملين ولم تظهر عليه علامات الحبو مثلما هو معتاد عليه عند أقرانه , فذهب به أبوه عند مشعوذ آخر يرجوه ليبارك له ولده ويخلصّه من محنته العاتية , ومرت سنة وفوقها شهور عدة ولم يشفى كامل من علتّه المستعصية , إذ لم يحبو مثلما حال كل الأطفال بنهاية سنتهم الأولى بل لم ينطق أبداً سوى حرفين هما / دا .. كا / رغم كثرة وصفات شيخ تشحيم الخيط والبكرة , فقد ذهبت بمهب الريح مثلما أتت بل وزادت فوق عثرته الجارفة حمل صخرة ثقيلة قاسية , فأتت عيادته الأخيرة بمشورة قاصمة , إذ عثر شيخ الوزة التائهة على وصفة ناجعة تشفي كامل من توأمته الصابرة , فقال لمحمود :
- الشيخ زعفران : يا بني .. لاحظت أن علاجنا كله الذي استعملناه على مدى حولين كان رؤوفاً ليناً ولهذا لم يعطينا نتيجة حسنة .... وقد حان أوان الحزم في اختيار طريقة أخرى تكون أكثر صلابة وقوة وفائدة .... هذا حجر الصوان مبارك أتيت به من مرقد مقام شيخنا الزاهد / إقحوان / رحمه الله ..... لقد سبقنا إلى رحمة مولاه قبل أربعمائة عام .... أسألك أن تفتت هذا الحجر ليصبح ذرات ناعمة ثم انقعه في دلو ماء عشرة أيام متواصلة وفي زاوية معتمة ... وبعدها خذ بيمينك غرفتين من مائه وامسح بهما وجه ولدك جيداً ... ثم اسقه منه ثلاثة أوساق مثلمة قزمة شريطة ألا يمس الماء صدره نهائياً كي لا يفقد بركة أثره ... وبعد أن يجفّ ماء الدلو خذ عصابة قماش خضراء واحصر بها ذرارى ماتبقى من حجرنا المبارك ... ثم افرك بها جسده كله وإياك أن تنسى أن تزيد في شدة فركك على مواضع ذكورته النائمة ... بل زد عليها عندما تأتي على مقعد صلبه عساه ينتعش وينتفض واقفاً ويمشي مباشرة دون أن يمر بمرحلة حبوه الغائبة ... وابقى على هذه الحال حتى يزول أثر حجرنا نهائياً أو يزول لون عصابتك الأخضر ويستحيل لونها لتصبح سوداء كالحة .... واعلم .. أن ولدك سيصبح بعد هذا صلباً قاسياً مثلما حال من عالجته بهذه سابقاً ... ونظراً لصلابة حجرنا سيحمل ولدك بيديه صولجان عزّ وسلطان وقوة ... اذهب من فورك فقد صار علاج ولدك بين يديك فعالاً حياً .
أتى محمود إلى خليلته وقاما على وصفة ذاك الحائز على جائزة / السنابل تصنع رجال التوابل للتطبيع مع العلوج في ساحات التنابل / فسقط كامل بين أيديهما مغشياً عليه , فأسعفاه إلى مشفى أطفال قريب من مسكنهما , وبعدما تم اسعافه جزئياً , جلس طبيب إسعافه مع محمود ليسأله عن قصة ولده السريرية , فأخذ محمود يسرد أحداث مصيبة ولده منذ ولادته وهو يجهش متألماً باكياً فأجابه الطبيب بلوعة حازمة قائلاً له :
- الطبيب : لقد قضيت على مصير ولدك بفعل يدك ... كانت علامات اصابته لحظة ولادته تشير إلى أن مرضه حينها كان فقر دم من والدته التي لم تحسن تغذيتها جيداً أثناء حملها به , وذاك هو سبب لون بشرته الصفراء وهومعروف بيننا جيداً باسم / اليرقان الولادي / وتلك حالة منتشرة جداً بين مواليد مثله ... وعلاجها سهل جداً في أيامها الأولى ليست كما أتيت عليه أنت من ملح وليف قنّب وحجر صوان بل كانت بمقادير مدروسة من مادة دوائية اسمها / فينوباربيتال / مع نظام غدائي خاص بها لأيام عدة يشفى بعدها وليدك .... أما الآن ... فقد أتى اليرقان الولادي على دماغ ولدك وصارت وظائفه في مهب الريح وهو ما ندعوه بمرض / نقص الروح الدماغي الحسي والحركي / ... إن المادة الكبدية الصفراء التي كانت تتجول في دمه عند ولادته هي سبب اصفرار لون بشرته وقد وقفت تلك المادة كسد منيع بوجه تغذية خلايا دماغه مما أدى لتخريبها لاحقاً ... ويؤسفني أن أخبرك أن ولدك صار معوقاً .... وأنه عندما يبلغ عمره سن العاشرة فإنه سيتصرف وكأنه وليد عمره شهراً واحداً فقط ... أي أن كل ملكاته الفكرية لن تتناسب إطلاقاً مع تطور حالته الجسدية إذ سيكون جسده كبيراً وشبه طبيعي ولكن تفكيره سيكون مثل تفكير ولد صغير لم يتجاوز عمره سنتين ليس إلا ... فضلاً من أنه سيتناول طيلة حياته علاجاً مؤلفاً من أدوية عدة أهمها / فيلنابسين المضاد لنوبات الصرع إضافة للفينوباربيتال المنوّم والمهدىء كلياً عدا عن أدوية مرافقة أخرى / أعانك الله على بلواك وفرّج همّك .
أصيب محمود بحالة إغماء من شدة حزنه على ولده البكر فقد حلّ عليه القهر والألم من هول ما سمع ولم يبقَ قدره كما اشتهى إذ غار منه فحجب عنه أيام سعادته كلها وصار يكره زوجته عفاف مقدّراً أنها هي السبب في مصيبة ولده رغم علمه الأكيد بأنها أكثر حزناً منه على ولدها , إلى أن نطحت راقصة شقراء جدار حزنه فدوّنت همساتها في ديوان أذنه ودعته لملهاها الليلي ليرّوح عن نفسه وينسى مصيبته وإن ليلة واحدة , فغدا كمن قطع لحم كتفه ليتطهّر من لدغة بعوضة طورها قصير الأجل , فنبت على لسانه حرث رذيلة وقحة بكلمات وضيعة بذيئة شتت جوامع أخلاقه وأصله ونثرتها على صوامع حثالة العفن , وبات كريم النسب والحسب نديماً لكأس خمرته الحالمة الغاشمة فنسي عمله وواجباته وجعل حياته من فعل يده في فاقة مستعرة لم يكن يخمد شررها ويسكت عويل فاهها الفاغر إلا معونة والديه الطاهرين الراضيان بحكم الله وقدره والشاكران له للأبد , وبدا حال ولدهما المعوق غير مستقر نهائياً ولا يرضى عنه أحد , فهو لا يستطيع أن يأكل بمفرده بل كان يتغوط على نفسه كثيراً عدا عن بلل ثيابه من شلال لعابه المنهمر دائماً , مع أن عالمه كله محصور بسريره الخشبي الذي لا يزيد ارتفاعه عن متر واحد يماثل في قياسه طوله وعرضه أيضاً , وقد اعتادت أمه عفاف على إطعامه من يديها حتى إن شبع وفرغت من ذلك كانت تنزع عنه ملابسه كلها ثم تطرحه على ظهره لتقوم على تنظيفه بقطعة قماش مبللة بماء فاتر مخلوط بمادة مطهرة معطرة تدلك بها أنحاء جسده كله دون أن تستثني منه عضواً واحداً , وذلك كله من غير تأفف منها أو نظرة حساب للزمن , وشكل جسده تطور ليدخل في ملامح هيئة من يصاب بمثل هذا المرض إذ كان بليهاً لا يعرف من أبجدية النطق سوى حرفين فقط / دا , كا / هما كل مصطلحات معرفته لعالمه من حوله فإن سألته أمه :
- هل أنت جائع ؟؟ أجابها / دا /
- هل أنت متألم ؟؟ / دا/ ..... أأنت حزين أم سعيد ؟؟/ دا / .... أتريد أن تلعب ؟؟ / دا / ... تريد أن تتغوط ؟؟ / دا / .... هل هل هل هل ؟؟؟ / دا .. دا ... دا ..... دا .../
إنه عالم / الدا والكا / المظلم الظالم للأبد !!!! لا يشوبه بادرة أمل ولا يهمه إن كان جميلاً أو قبيحاً أو عاش في زمن لم ولن يرضى أن يكون فيه أبداً ؟؟!!!!!!! ربما عالمه أفضل من عالمنا من حيث لا نعلم نظامه أو رتمه فهو في شر بلية بالنسبة لنا لإننا لا نستطيع أن نعرف ماهية تركيبته أو على أقل تقدير لا نملك مقياساً حقيقياً يفيدنا بأن عالمنا أفضل من عالمه سيما وأننا كلنا من صنيعة خلق الرحمن الواحد الأحد ورضينا بذلك الأمر بكامل إرادتنا دون أن نتوجه لأحد مهما شأنه علا بالرفض أو التأفف على من وجد بيننا بإرادة الله الرحيم الصمد ؟؟؟
فضلاً عن حجم رأسه الصغير النافر عن حجم جسده النحيل المتطاول نسبياً إذ لم تتعثر سمة مرضه بأن تظهر على طرفيه السفليين قوسين كهلالين متقابلين عجزا عن حمله جزئياً , وبانت علامات نقص الروح في دماغه فعزف عن ألعابه التي يعرفها أقرانه ليس لأنه يكرهها إنما لكونها لا تعني له شيئاً , فشكل الدمى مهما اختلف نوعها أو لونها أو خصائصها غير وارد أن تترك أثرها في معرفته الفكرية لإنه من أصل تكوينه فقد مادة الإدراك الأساسية المطلوبة لمعرفتنا الإنسانية , إلا لعبة واحدة فقط لفتت نظره وكانت هي كل عالمه بل هي صديقته المفضلة رغم كونها مؤلفة من كرات خشبية خشنة تم دكها وجمعها عشوائياً في خيط صوفي أحمر لتأخذ شكل سبحة ملونة , كان يداعبها ويحدثها ب/ دا وكا / وهو يظن أنها تعرف مقاصده لهذا كانت هي الوحيدة التي شاركته سريره المعروف بعالمه المحدود جداً , كانت أمه تعتصر ألماً كل لحظة تستر بها عورته بحفائض خاصة كانوا يأتون بها من مستودعات طبية متخصصة بصنعها وبيعها ....
ومضت سبع سنين عجاف على عفاف وزوجها وصار في سنبلة ولدهما ثمرة جنسية ناضجة , إذ قامت بما اعتادت عليه ونزعت ثياب ولدها فظهر عليها دون إدراك منه حصان طروادة بين يديها , لقد حاصر عفافها فسقطت مغشية عليها , بينما كامل كان يلاعب سبحته دون أن يكترث لأمرها فاستعادت وعيها وهرعت إلى جده وجدته تصرخ باكية تخبرهما :
- إن..إنه ه ه ....
- جده : ما بك يا ابنتي ؟ هل حدث مكروه لكامل ؟!
- عفاف / ينهمر شلال دمعها / : كامل ... صار كامل بالغاً و.... يا الله يا الله .... صار ..
أتاه جده فرأه يلعب مع سبحته يدللها / كا ... كا / فرأى ما رأته هي فتلعثمت كلماته في فمه ولاكها بمرارة ثم صاح قائلاً :
- رحمتك يا ربي وسعت كل شيْ .... لقد نضج حمله وعقله ما زال غائباً !!!
ثم عاد إليها وأخذ يهدأ من روعها فقال لها :
- هذا حكم ربك ياابنتي .. ولا راد لقضائه إلا هو .. فاصبري على قدرك وسيجزيك ربك خيراً
- عفاف : ولكنه صار الآن رجلاً وأنا أمه ... فكيف لي أن أرى سوأته هكذا ؟؟ أنا أمه .. أمه ... هل تعي ماذا أن تكشف أم على عورة ابنها حين يكون رجلاً ؟!!
- جدته : لله الأمر فيما أمر ... أسألك يا الهي أن ترأف بها وبنا ؟
- عفاف : أترين ياأمي ماذا حلّ بي ؟؟ كنت أحتمل كل شيء قانعة بحكم ربي وأما الآن فأنا .... ما أنا فاعلة ؟؟ أرشديني أرجوك !!
- جدته : كان الله في عونك يا ابنتي ... مصيبتك عظيمة جداً
- عفاف : احتملت أنه معوق ولم يساعدني عليه أحد ... حتى أبوه صار نديم خمارات وملاهي ونسينا ولم أترك ولدي أبداً ... أما الآن ؟؟ كيف سأصبر على ما صار عليه ؟؟ بستان نسله انتصب ناضجاً !!
...... يتبع ..... يتبع
#حسن_جميل_الحريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟