منذ سنوات وفي صفوف حركتنا الوطنية الكردية "السورية" تذمرمن البطء الذي عليه العمل السياسي، والأسئلة المطروحة كثيرة لدرجة أن القيادات منهمكة في إعداد متاريس البيانات والبيانات المعاكسة التي يمكن أن تختفي وراءها إذا ما حدث هجوم شامل عليها من القواعد ومن أنصارالتنظيمات والجماهيرالشعبية المتعطشة لمعرفة الموقع الحقيقي لهذه القيادات وسط معركة " الإصلاح والتغيير" التي تشهدها البلاد في المرحلة الأخيرة.
وسط هذه الزوابع التي تعصف بخيم الأحزاب الكردية العديدة المتناثرة على سفوح السياسة السورية غير الرسمية تناثر خيم "الكوجر" الأكراد والتي لها جميعا لون رمادي قاتم تظهر مبادرات مختلفة الأشكال ومتنوعة الألوان ترسم بعضها لوحات يشع منها الأمل ويصدرعنها ما يمكن اعتباره الصوت المنبعث من الجماهير ومن بعضها الآخريخرج صوت نشاز سئمته آذان الشعب الكردي ...
من المبادرات الهامة ما يدعو للوحدة الوطنية ذات النهج القومي الوطني الذي يجمع الكل في إطار "حركة وطنية كردية"، مستخدما لذلك سلاح "البارزانيزم" نسبة إلى الزعيم الكردي الخالد مصطفى البارزاني الذي يعتبر في أعين الأمة الكردية الأب الروحي للكفاح التحرري الكردي، في الوقت الذي يدرك هؤلاء الذين يطرحون مثل هذه الطروحات أن السبب الحقيقي الكامن وراء فشل عدة محاولات توحيدية في الحركة الكردية هو رفض بعضهم قبول "البارزانيزم" ، بل من هؤلاء من كان يرفض بنفسه ذلك الاتجاه بحجة أنه "يساري وله علاقات كفاحية أممية مع اليسار العربي" لايمكن له التضحية بها من أجل "تمرد قومي لاأمل فيه وتقوده قيادة رجعية موالية لأمريكا والصهيونية"...
ومن الدعوات التي يأمل أصحابها من خلال طرحها انجازشيء ما لشعبهم هي الدعوة لتوحيد الفصائل "الأكثر جرأة على تسيير المظاهرات المتفق فيها على محدودية المشاركة الجماهيرية وعلى عدم رفع اللافتات ومكبرات الصوت أو مايثير غضب السلطان" وبرأيهم أن هذه الفصائل التي تأخذ مواقعها في "الخندق الأول" للنضال التحرري الكردي قادرة على جذب الجماهير وانتباه الرأي العام العالمي وتقليل عدد التنظيمات المتواجدة على الساحة، متناسين أن هذه الفصائل منخرطة في "تحالف" أو "جبهة" منذ سنين طويلة لم تجلب سوى مزيد من الانشقاقات والتراجعات، ولن تكون وحدتهم التنظيمية المتحمسين لها أكثر قوة من تلك التحالفات والجبهات، مادام ليس هناك من جديد في التفكيرالسياسي للقوى المتوحدة، ونعني بذلك فكر"التغييروالتجديد" الذي بدونه لايمكن القول بأن شيئا قد تحقق، ومن يضمن أن لا تنفصل هذه التنظيمات عن بعضها مرة أخرى إذا ما تضاربت مصالح قياداتها التي ستتشرذم داخل التنظيم الموحد، لأن الوحدة ستكون على أساس الاتفاق والمساومات على عدد المقاعد والمراكز والمناصب وليس على أساس إحداث تغيير نوعي في البنية السياسية والتنظيمية، وتجربة الوحدة التنظيمية هذه نعرفها منذ قيام أول محاولة توحيدية بين "اليمين" و " اليسار" الكردي في عام 1970، تلك المحاولة المعروفة بإسم "المؤتمر الوطني الأول" الذي جرى عقده في ناوبردان في جنوب كوردستان تحت رعاية الزعيم الخالد مصطفى البارزاني وحزبه الديموقراطي الكردستاني.. وفشلت تلك المحاولة لأن القيادتين لم تتخليا عن مطامحمها في التحكم بالحزب الموحد ، وتمكنتا بقرارات فوقية من تحقيق الانشطار ثانية... والخلافات القديمة لاتزال مؤججة ومن بينها مدى قبول بعض الأطراف ل"البارزانيزم" التي يؤمن بها بعضهم الآخر..
وظهر مؤخرا تنظيم جديد على الساحة الكردية السورية على أنقاض ما كان يسمى بحزب العمال الكردستاني الذي كانت له قواعد قوية جدا في كردستان سوريا، وذلك لعدة أسباب ذاتية وموضوعية منها أن النظام البعثي المتحكم برقاب الشعب السوري كان يدعم هذا الحزب لأهداف استراتيجية وتكتيكية تتعلق بتحرير لواء الاسكندرونة المغتصب وبالحصول على ما تراه سوريا حقا لها في مياه الفرات الذي تغتصبه تركيا بسلسلة من السدود العملاقة وبهدف استغلال ذلك الحزب للتخلص من ازعاجات الحركة الوطنية الكردية إلى درجة أن وصل الأمر إلى حد أن زعيم حزب العمال الكردستاني أصدر كتابا تنازل فيه عن الجزء السوري من كردستان المجزأة وادعى بأن الكرد مهاجرون، بل أتراك، جاؤوا إلى سوريا من الشمال ومهمته هي إعادتهم إلى بلادهم وهو يقوم بواجبه في ذلك المجال.. وحقيقة فإنه زج بأكثر من 4000 كردي سوري في معارك طاحنة ضد الحزبين الكبيرين في جنوب كوردستان وضد الجيش التركي، وعندما هدأت الحرب وأعتقل وتنازل عن كل الأهداف السامية للشعب الكردي أصيب تنظيمه بالشلل في سوريا، إلى أن صدر الأمر من جديد بتشكيل حزب من بقايا هذا التنظيم "الفولاذي!!" شبيه بحزب "كادك" الذي يدعو إلى ترسيخ ديموقراطية "آتاتورك" مع منح الكرد كمواطنين في تركيا حقوقهم الثقافية التي لم ينكرها آتاتورك نظريا في حياته.
طبعا يحلو لمؤسس هذا الحزب الذي يحمل إسم "حزب الاتحاد الديموقراطي السوري" أن يسمي نفسه حزبا كرديا، ذلك لأن أنصاره وأعضاءه أكراد وشعاره هو " من أجل سورية ديموقراطية وكردستان حر" ، والغريب كيف يمكن أن يوفق هؤلاء بين "سورية ديموقراطية وكردستان حر" ، وما المقصود بهذا الشعار؟! .. في أول ظهور لممثليه على برنامج ميديا تف ولأكثر من ساعتين لم يتضح للمراقبين السياسيين شيء بعد، سوى أن هذا التنظيم سيبنى على أساس "الإرث العظيم" لتضحيات حزب العمال الكردستاني وعلى أساس الولاء التام لأفكار"قائد الأمة العظيم، الرئيس الأبدي عبد الله أوجلان" الذي وضع "مانيفستو الحضارة الديموقراطية" وعلى أساس الدعم اللامحدود له من قبل إعلام حزب العمال الكردستاني، أما أنه سيتحول حقا من تنظيم "فولاذي" إلى حركة مؤمنة بالديموقراطية وبالوحدة الوطنية لتراب سورية فهذا ما لم يتمكن ممثلوه من شرحه أو تنظيره بشكل يفهمه الشعب... وهناك سمات لهذا التنظيم الجديد لايمكن لها أن تغيب عن الذهن ، منها الضرب على وتر أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي لا يجهل أحد بأنه ضحى بعبد الله أوجلان والشعب الكردي مقابل عدم تعرض بلاده لغزو تركي وأن جميع مشاريع التعريب العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي في كردستان سوريا قد استمرت في عهده ولاتزال مستمرة في عهد نجله الدكتور بشار الأسد.
إن مظاهرالتبريك والتهاني بولادة هذا الحزب لاتستطيع إخفاء حقيقة أنه تنظيم مبرمج تمت الموافقة على تأسيسه من قبل قيادة حزب العمال المختفية في جبال كوردستان والتي تصدر أوامرها حتى بالتصفيات الجسدية لكل من يعارض مواقفها أو يحاول الخروج على أوامرها.
إنني لا أريد هنا الطعن في وطنية المؤسسين لهذا التنظيم أو اتهامهم بالتبعية لزعيمهم الذي لاينكراستعداده للتعامل التام مع الدولة التركية وتنفيذ ما تراه مناسبا في كل المجالات، ومن حق أي جماعة أن تؤسس تنظيما حسب مفاهيمها وعقائدها، وهذا حق طبيعي للإنسان في مجتمع ديموقراطي، ولكنني أوضح فقط ما أراه ضروريا وهاما في مرحلة المخاض العسير الذي تمر به حركتنا الوطنية الكردية في كردستان سوريا. وأرى بأن كل المشاكل العالقة بين القوى الكردية يمكن أن تحل بالحوار الهادىء والنقاش المتكافىء الفرص، بل هذا ضروري من أجل بناء "سورية ديموقراطية حرة وحديثة" أوكما يقول بعض الإخوة المعارضين "سوريا لكل السوريين".. وصدرونا مفتوحة للنقاش والحوارمع كل الأطراف والقوى ما لم تحاول أن تفرض علينا آراءها بالقوة والقسر، فهذا ما لم تتمكن السلطة التوتاليتارية نفسها مع شعبنا منذ أن استولى البعث على الحكم في عام 1963.
بعد هذا كله لابد من التحدث عن الفكرة التي طرحناها في عام 2000 التي تقوم على أساس: إعادة إحياء بارتي ديموقراطي كردستاني سوريا الذي تأسس لأول مرة عام 1957 كإطار قومي وطني غير آيديولوجي وضم ممثلي مختلف الفئات والجهات القومية والدينية واليسارية وتعرض لاضطهاد تعسفي ساحق تسبب في تغيير إسمه إلى الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي) ومن ثم تعرض إلى انشقاق خطير، وانشطارات متتالية إلى أن بلغ عددها في يوم من الأيام إلى خمسة عشر مجموعة صغيرة.. وظهرت عندها خلافات كبيرة على الشرعية والأولوية وأسلوب النضال والمراكز والعمل التحالفي أوالجبهوي والعلاقة مع النظام والمعارضة السورية، إضافة إلى الخلافات الآيديولوجية، والتدخلات المستمرة من قبل النظام في شؤون الحركة الكردية ودعمه حزب العمال الكردستاني في مواجهتها، وما إلى هنالك من مشاكل لاتعد ولاتحصى.. وبدأ هذا البارتي نشاطه في خارج البلاد وسط احتقان سياسي ويأس كبير في الأجواء المحيطة ورفض مطلق من قبل فصائل الحركة المتحاربة والمتحالفة على حد سواء، إلى درجة رفض بعضهم القبول بهذه الفكرة ومحاولتهم الدائبة لانهاء العمل بهذا الاتجاه وكيل التهم والشتائم.. إلا أن بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا (البارتي الأم) الذي أدرك واقع الشعب الكردي في سوريا وواقع الحركة الوطنية الكردية ودرس خلافاتها بموضوعية وتأني واستخلص منها العبر والدروس قد استمرعلى نهجه الملتزم بثوابت الحركة التحررية الكردية، دون تنظيم هرمي تقليدي وبروح من المسؤولية القومية، واضعا نصب أعينه هدفين مرحليين لابد منهما للسير قدما نحوالأمام، ألا وهما: تحقيق استقلالية الحركة بشكل تام وتوفيرالديموقراطية في صفوفها بصورة ملموسة وعملية. ومن خلال ذلك توصل إلى إقامة تحالف مع بعض القوى السورية الأخرى تحت إسم " التحالف من أجل سورية ديموقراطية" الذي يهدف إلى تغيير النظام الشمولي في البلاد وإقامة نظام ديموقراطي دستوري يلغي فكرة "الجمهورية الوراثية" ويزيل كل ما جثم على شعب السوري من مخلفات العهد البعثي، دون إفراط أو تفريط بالحقوق والواجبات التي يجب أن يتمتع بها المواطنون جميعا بشكل متكافىء، ودون التفريط بالحق القويم للشعب الكردي بما فيه حق الحكم الذاتي لكردستان سوريا وتثبيت ذلك في دستور البلاد، بحيث يتم التوافق بين الحل الوطني السوري والطموح القومي الكردي، وبحيث يطمئن كل المواطنين السوريين إلى أن الشعب الكردي في كردستان سوريا يعتبر نفسه جزءا من الكيان السوري الموحد، ليزداد الشعبان العربي والكردي تآلفا وتماسكا وتضامنا ويشاركهما في أبناء وبنات سائرالأقليات القومية والدينية التي تعيش في البلاد، من تركمان ودروز وآشوريين وأرمن وسريان وشراكس ويهود وغيرهم...
والآن نرى بأن الأفكارالتي طرحها هذا الحزب قد صارت على كل لسان داخل فصائل الحركة الكردية وحولها، ويكتب عنها المثقفون من كل الاتجاهات، وهذا يعني بأن ما طرحناه كان يعبرعن حقيقة ما في صدرالشعب الكردي، ولأن الوحدة الحقيقة لا يمكن إلا أن تأتي من خلال حل كل التنظيمات وإعادة صهرها ومزجها حتى تتخلص الحركة من عقلية التشرذم المقيتة، والطريق الذي رسمناه من أجل الوحدة هو طريق إعادة الشرعية للجميع، تحقيق الديموقراطية في العمل الحزبي، رفض الهرمية الشكلية في التنظيم، صون ثوابت الحركة التحررية الكردية، تحديد معالم النظام الديموقراطي، التغييرلا الإصلاح، تحديد الحقوق القومية العادلة للشعب الكردي بتبني شعار "الديموقراطية لسوريا والحكم الذاتي لكردستان سوريا"، وما إلى هنالك من أفكار وطروحات تفيد في إجراء تحديث وتجديد في فكر وممارسة الحركة الوطنية الكردية.
وأخيرا لابد من الاعتراف بأن خطواتنا بطيئة وعملنا ضعيف وأعداؤنا كثيرون وامكاناتنا بسيطة، ونؤمن بأن غيرالله غير معصوم، ولكننا على الطريق الصحيح ، وهذا ما يشجعنا ويمنحنا القوة والأمل........