|
النظام العشائري الأردني نظام ثقافي وليس بيولوجي
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 00:21
المحور:
المجتمع المدني
إن تاريخ العشيرة والقبيلة والعشائرية بوصفها مصطلح هو: في الحقيقة تاريخ الإقطاع والرأسمالية, وإن الشكل البدائي للعشائرية هو الشكل النهائي للشيوعية . وإن تلاشي العشائرية ودخول الرأسمالية يعني مجتمع برجوازي وتقاليد سياسية وإجتماعية جديدة تهدد أي نظام يعتمد على العشائرية وأريد هنا أن أضيف كلمة إضافية وهي أنني لا أنتقد النظام العشائري وإنما أحاول تفسير الظاهرة :
النظام العشائري ثقافي وليس بيولوجي يثبت ذلك من خلال مراجعة التاريخ النقدي للنقد, والتقني للآلات الذي كان غيابه مسطرا للحمة بين الناس ووجود وحضور التقنية والآلة عملت على الإستغناء عن أفراد العشيرة وكذلك سريان مفعول العملة النقدية , لأن الآلة الزراعية تعمل أكثر من كل أفراد القبيلة في اليوم الواحد .
وتقوم وزارة الداخلية الأردنية بدعم العشائرية والمحافظة عليها من التلاشي والضياع في خضم معتركات الحياة الجديدة ,والحياة العشائرية كان بها من الألفةبين الناس ما يستحق أن نرثيه اليوم بعبارات الرحمة والتحسر عليها وكانت طبيعة المصلحة بين شيخ العشيرة تتطابق مع مصلحة أدنى وأضعف فرد من أفراد العشيرة الواحدة . وكانت طبيعة النظام الإقتصادي في الأردن قبل أكثر من 70 عام تعتمد على اليد العاملة غير المأجورة والتي لا تتلقى أجرا على تعبها بل تتلقى مواد غذائية من المحصول الناتج عن العمل اليدوي الزراعي بينهم ولا أقول أن العملة النقدية كانت غائبة كليا ولكن طبيعة العمل والتعاون كان هو الذي يغيبها نوعا ما .
والعشائرية في الأردن ساهمت في تحقيق الإستقرار السياسي وأثبت هذا النظام جدواه وفعاليته بعد أن دخل النظام الأردني في أزمة سياسية في أواسط الخمسينيات مع الأحزاب السياسية التي حاولت بشكل أو بآخر إزالة الهاشميين والعائلة المالكة من الحكم في الأردن .
وقد شعر النظام الملكي أن العشائرية تظمن للنظام الملكي الإستقرار بقدر أيضا ما تضمن للشعب الأردني أيضا الإستقرار والعشائرية لا تتطلع للتغيير لأنها تعتمد في نمطها على الثبات في النظام الإجتماعي وعدم التغيير .
وبالتالي حصل بين الأردنيين والعائلة المالكة نوع من الإتفاق على بقاء العشائرية لأنها تظمن للطرفيين الإستقرار وعدم الإنجراف خلف رغبة الجماهير بالتغيير الذي ربما يأتي على الأردنيين بقليل من الفائدة مقابل كسر شوكة الحياة القديمةوإحلال الفوضه ونحن نتخوف هنا حقيقة من الفلتان الأمني نوعا ما ويتفق الجميع على أن النظام الأردني وثباته أفضل للأردنيين من التعددية السياسية في تلك الفترة وبعدها وللننظر كمثال على تشتت وتشرذم النظام الحالي في العراق كيف يسفر كل يوم عن القتل والتشريد والتعذيب للآلاف .
ونحن هنا لا نتحدث عن الإنحياز لفئة على حساب فئة ولكننا على الأقل نفسر ظاهرة علمية مفادها أن النظام العشائري سوف يزول عاجلا أم آجلا بفضل دخول أنماط جديدة من الإنماط الإقتصادية فالأنماط القديمة هي التي عززت وجود العشائرية وهي التي خلقتها ةليس شيء آخر .
والنظام العشائري نظام ثقافي أوجدته الظروف الثقافية القديمة والأخلاقية وليس نظام بيولوجي وقرابة الدم نظرية خاطئة ليست صحيحة علميا لأن غالبية الأمهات في المجتمع العشائري غريبات ومن عشائر متعددة ينقلن صفات وراثية لأبنائهن من آبائهن وبالتالي فهذا العامل أيضا يثبت أن النظام العشائري ليس نظاما بيولوجيا ولينظر كل شخص إلى أقربائه اليوم حيث من الصعوبة أن تجد أحيانا شبها في الصورة والجوهر بين أبناء العمومة الواحدة . ولكن الذي يجعل الشبه بين أفراد العمومة هو: أن الفرد في المجتمع العشائري يكسب صفات وراثية ثقافية نتيجة تربيته وتنشأته بين أبناء عمومته
ولننظر الآن ولنقرأ طبيعة بناء النظام العشائري وأسباب قوته وضعفه :
كلما إزداد النظام ألإقتصادي الرأسمالي قوة كلما تلاشت خلفه الأشكال القديمة للنظام الإقتصادي القديم وكان النظام الإقتصادي القديم تتشكل منه مجموعة علاقات إجتماعية من أبرزها أو من أهمها النظام العشائري أو نظام العائلة الممتد أي : العشيرة أو القبيلة . وكانت طبيعة الحياة القديمة السابقة على التطور التقني تفرض على الإنسان نمطا تعاونيا بينه وبين أفراد أسرته نظرا لغياب التقنية ونظرا لغياب سريان العملة النقدية أيضا ونظرا لغياب تراكم رأس المال فقد كانت كل هذه الأشكال تفرض على الإنسان أن يعيش بمشاعات قروية .
فمثلا كانت تتم عملية حرث الأرض باليد العاملة وقوتها وكانت أيضا أعمال حصاد المزروعات تفرض على الإنسان أن يعتمد على اليد العاملة وقوتها لذلك كانت كثرة اليد العاملة هي الممول الرئيسي للإنتاج القديم السابق على دخول الآلة للحرث والحصاد فكانت تتكاثف جهود الناس مع بعضهم البعض من أجل العمل بقوة اليد العاملة وهذا عما على خلق نوع من الألفة والتكاثف وهو الذي أنشأ العشيرة والقبيلة بسبب تجمع الناس في مشاعات قروية بدائية فكانت الناس تزرع مع بعضها البعض وكذلك تحرث مع بعضها البعض ومن هذه الأمور كانت العائلة تزداد قوة بسبب انماط التعاون المختلفة بين الناس .
وكانت عملية عدم تراكم رأس المال تعمل على التقليل من حجم الأقوياء فكان الأقوياء قلة جدا مما دفع بالأقوياء القلة أن يفرضوا أنفسهم كشيوخ عشائر وليس كمستبدين وإنما كرجال يحمون أفرادج عشيرتهم من أجل عدم تفرقهم كي يضمنوا إنتاج لقمة خبزهم بمعاونة الأفراد أي الجماعات .
وكان الإنسان بشكل عام لا يعمل في السنة غير 70 يوما على أبلغ تقدير وكان يقضي باقي أيام السنة في بطالة لذلك كانت الناس ترى بعضها البعض على طول أيام السنة مما زاد من أواصرهم واواصر القربة بينهم .
ولكن بعد أن دخلت الآلة الزراعية على الحقول والبيادر الزراعية عملت هذه الآلة في الإسغناء عن اليد العاملة وفرقت الآلة بين الناس ولم تعد التجمعات العشائرية مطلوبة مما أضعف من قوة ولحمة وأواصر القرابة بين الناس فقد أصبحت الآلة هي قرابة الإنسان وليس أبناء عمومته وإستطاعت الآلة أن تعمل في يوم واحد أكثر من عمل العامل الواحد في 10 عشر سنين وعملت وتعمل الآلة في اليوم الواحد أكثر من عمل عشي رة كاملة لذلك إستغنى الإنسان عن أفراد عشيرته ليس كرها بهم ولكن زهدا بهم . فقد زهد المزارع بأبناء عمومته ولم تعد بينه وبينهم أي عوامل تعاونية وبهذا إنتقل ولاء الإنسان من ولائه لأبناء عمومته إلى ولائه للآلة الحصادة التي تحصد في اليوم الواحد أكثر مما يحصد الف 1000عامل في اليوم الواحد وبتكلفة أقل من تكلفة اليد العاملة وبدل أن يقف 100 عامل في الأراض الزراعية فقد وقف عامل أو عاملان خلف الآلة يعملون أكثر من عمل 100 عامل على الأقل .
ومع دخول الآلة وتطور الحياة الصناعية دخلت العملة النقدية وأصبحت أجرا مشاعا بين العمال وتحول العمل من العمل بالسخرة إلى العمل بالعملة النقدية وقد تحول بذلك ولاء الإنسان من الولاء للأهل والأقارب إلى الولاء للعملة النقدية وأصبحت الحياة لا تعني مجموعة قيم أخلاقية يمجدها الإنسان بل أصبحت قيم يمجدها الدينار ...والدولار ...والإسترليني ...والدرهم ... إن النظام العشائري الأردني وغيره ليس نظاما بيولوجيا مما سبق ذكره ويتضح أنه نظام ثقافي نتيجة ظروف إقتصادية وكلما كانت العشيرة ضعيفة كلما عرفنا أن أفرادها يتجهون للمجتمع المدني أكثر من إتجاههم للعشائرية وتكون العشائرية قوية كلما قل بها وجود الرأسماليين وكلما إزداد أفراد العشيرة قوة مالية كلما شقوا عصى الطاعة على شيوخهم الذين كانوا يكننون لهم الولاء والطاعة ولذلك فإن وجود عوامل إقتصادية جديدة تخلق نمطا جديدا من أنماط الحياة تتلاشى معها الإشكال القديمة وأنماطها . وبالمثال على ذلك : نجد أن الفرد الذي يقوى ماليا تصبح لديه رغبة بالحصول على إمتيازات عشائرية وبالنتيجة فإن العشائرية تضعف نتيجة التنافس بين أفرادها على قيادة العشائرية علما أنهم لا ينوون تفكيك العشائرية وإنما إظهار أنفسهم ولكن نتائج التنافس تفكك العشيرة إلى أقسام وأفخاذ وعائلات وتضيع كلمة الرجل المسن ويقل إحترامها وتظهر زمر شبابية جديدة تطالب بحقها بقيادة العشيرة وهذا كله يضعف العشيرة . إذن الظروف الإقتصادية الجديدة وأيضا إنتقال الأفراد للعمل في الموسسات والقطاعات الحكومية الجديدة بدل العمل بأعمال تقليدية قديمة قد نقلت ولاء الفرد من العشيرة إلى الوضيفة الجديدة . ولا ننسى أن ضغوطات العمل اليوم وتراجع البطالة ومحاربتها هي من مفسدات العشائرية فالعشائرية تقويهاإزدياد أيام البطالة التي تجعل من الفرد العشائري جالس على باب داره في وجه جاره وجها لوجه مما يزيد الأواصر بينهما أما تراجع أيام البطالة فهي لا تكفل للفرد التفرغ لمحادثة جيرانه والإنسان الذي يعمل في الإسبوع الواحد طيلة أيام الإسبوع لا يكون لديه وقت كاف لمتابعة الناس ومعاشرتهم وبالتالي تقل عوامل المودة بينه وبين أفراد عشيرته .
إن العشائرية في الأردن تنقرض اليوم أيضا بفضل عوامل دعمها أيضا فعوامل دعم العشيرة اليوم هي من مفسداتها وحصول أفراد منها على إمتيازات مالية تجعل الأقوياء يتعددون وتعدد الأقوياء يخلق التنافس والتنافس يولد الكراهية والكراهية تزج الناس في خلافات والخلافات تشق العشيرة أفخاذا وأقساما .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرزق ليس على ألله والفقيه المسلم لا يعرف ماذا يريد!
-
الزكاة لا تكفر عن خطيئة المسلم والله ليس شيوعيا
-
أحبك..
-
البقاء للشعب وشرب القهوة
-
الثقافة ترفع من مستوى الشعب
-
رساله لقرائي حول بعض كتاباتي
-
ما هو التطور الإجتماعي ؟
-
التطور الثاني
-
الدين والعقل
-
الشرق الجديد
-
التحول في التركيبة الإجتماعية
-
الإسلام هوالجناح العسكري اليميني للزعماء العرب
-
حياتنا في رمضان
-
الشيوعية قادمة
-
الزعماء العرب في مواجهة الديمقراطية
-
سعر التكلفة +الربح الوسطي في السوق الماركسي
-
العلمانية هي الحل :في العراق ولبنان وفلسطين !
-
الرحالة كارل ماركس
-
حياة الناس تتجه للتغيير والحكام والملوك العرب يقمعون التغيير
-
المرأة مثل الإعلان تجدد نفسها بالتكرار
المزيد.....
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|