بسم الله الرحمن الرحيم
{ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباُ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } سورة الحجرات الآية 13
{ ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين }
سورة الروم الآية 22 صدق الله العظيم
مقدمة :
خلق الله عز وجل الأرض وبث عليها الخلق ليكونوا سكانها ونزل كل قوم أينما شاءوا ومع مرور الزمن ازدادت تلك الشريحة السكانية وبدء الإنسان يتطور من مرحلة إلى أخرى ويتأقلم رويداً رويدا بالوضع الجديد واتخذ بعد ذلك كل قوم أرضاً صارت حدودها نهاية مملكته ولكن الطمع الفطري في الإنسان دفع بالأقوى أن يغتصب أرض غيره بل لم يتوانى عن سلب كل ممتلكات الضعيف وقاتل البشر ولازالوا يقاتلون على الأرض والماء والكلأ وعلى سبل العيش الرغيد بكل أشكالها فدمرت حضارات وشيدت حضارات على أنقاض حضارات حيث القوية صارت تلعن سافل التي قبلها فتصهر أبناء تلك الأمة في بوتقته وتأخذ كل تراثه وحضارته ولا تتردد أبداً أن تمحيه عن وجه الخليقة إن لزم الأمر معلناً بذلك قيام إمبراطوريته ومملكته والتي شيدت على أرواح الآخرين.
إن الكورد والأرمن والآشوريين والكلدانيين ....الخ أقوام عاشت وتعيش في المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة والتي كانت تسمى بميزوبوتاميا واحتدمت بين تلك الأمم صراعات وحروب طويلة دمرت بسببها معظم تراثها وأوابدها وحضارتها العريقة والسحيقة في عمق التاريخ البشري لن نأتي ونحاسب البشر الذين كانوا قبلنا على تلك الحقبة من الزمن بل ليس من حقنا أن نقول لماذا كنتم تحاربون بعضكم البعض لأن شيء مثل هذا هاجر ودخل دفتر الأيام وصارت تروى كقصص للبطولة والشجاعة أو لبيان غبن وجبن وأحقاد بعضها على بعض فتطورت الحياة وبدء تنهار إمبراطوريات كانت حاكمة للشرق بأسره وتحولت يوماً بعد أخر إلى آثار نراها اليوم وتحكي لنا قصة الحضارة وجبروت القوي وتسلطه على الضعيف.
من المعروف تاريخياً بأن الكورد كانوا خير جيران لمجاوريهم من الأمم والشعوب الأخرى ولم يحارب الكورد أية أمة أخرى طغياناً وبطشاً عليها اللهم إذا تعرضوا لحروب أو كوارث من دول الجوار بل كانوا سباقون إلى السلم والخير لكل الأمم المجاورة لهم وتربطهم بتلك الأمم روابط متينة ليست وليدة يوم وليلة بل هي امتداد لماضي سحيق ولا توجد حضارة إلا وأخذت من مناهل غيرها من الحضارات وكل ذلك صب على بعضه وصنعت منه الحضارة الإنسانية منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا .
قليلة هي المعلومات عن القضية الكوردية.. خاصة في ظل غياب وسائل إعلام كوردية فعالة ويقتصر الأمر على مبادرات المستشرقين والباحثين وخصوصا الأكاديميين الروس والألمان والإنجليز والأكراد أنفسهم. الشعب الكوردي شعب منسي قلما يتذكره العالم إلا في المناسبات أما البحوث التي تصدر بمعرفة الدول التي تتقاسم كوردستان فقلما كانت منصفة أو مجردة بل كانت في أكثر الأحيان تهدف الى تشويه الحقيقة وخلط الأمور لغاية معلومة.فكوردستان وبكل بساطة في التعريف بقعة من الأرض تقع في قارة آسيا شمال غربي إيران وشمال العراق وجنوب شرق تركيا وشمال شرق سوريا وبعض أجزاء أرمينيا وتخضع كردستان حاليا لحكومات تلك الدول. أما الكورد أو الأكراد فهم امة تسكن هذه البقعة وكوردستان تشكل لهم الوطن التاريخي والجغرافي.ويتكلم الأكراد لغتهم بلهجتين رئيسيتين هما الكرمانجية والسورانية وهناك لهجات اقل أهمية. كانت الأمة الكوردية تدين سابقا بعقيدة الزردشتية والتي كانت سائدة أيضا في بلاد فارس وبعد انتشار الديانة المسيحية آمن قسم قليل منهم بها وبعد ظهور الإسلام والغزوات والفتوحات الإسلامية اعتنق الأكراد الدين الاسلامي والآن يكاد يكون جميع الأكراد مسلمون وأكثريتهم على المذهب السني وبضعة ملايين منهم على المذهب الشيعي, واختفت الديانة الزردشتية ما عدا بعض الطقوس البسيطة التي فقدت معناها الديني وبقيت كطقوس احتفالية وقومية فقط.
ظل الكورد مئات السنين يدفعون ضريبة غيرهم من الأمم والشعوب بل ومنهم من قامت دولهم على حساب شتاته وتشرذمه وعدم الإقرار بحقوق الشعب الكوردي في حقه بتقرير مصيره و عدم الاعتراف بما يميزه من خصوصية قومية وثقافية وتاريخية ومحاولة صهر ه بالشعوب الأخرى التي تحتله واعتباره جزءا من أمة تلك الدول وهو ما رفضة الشعب الكوردي وتمسك بحقه في الوجود على أرضه التي وجد عليها منذ الاف السنين. هذا فضلا عن وجود عوامل أخرى وأهمها العامل الدولي الذي تجاهل حقوق الكورد فبعد ان أقرت معاهدة سيفر لعام 1920 بحقهم في ان تكون لهم دولة مستقلة,عاد الاستعمار البريطاني ونكث ببنود المعاهدة من خلال معاهدة لوزان عام 1923 التي حرمتهم من هذا الحق مما شكل نكسة لطموح الكورد في التمتع باستقلال وطنهم كوردستان أسوة بباقي الشعوب المجاورة إلا أنهم لم يستسلموا للقدر و إنما ظلوا في نضال مستمر بين مد وجزر.
يطلق القومويون العرب العنان للسانهم بأن يسموا الرقعة الأرضية الشاسعة من الخليج إلى المحيط بالوطن العربي ويورثون هذه الأفكار والأقوال للأجيال التي تليهم ويعلمونهم بأنهم أصحاب الأرض الحقيقيين دون أن يعترفوا أو حتى يلمحوا يتلميحة صغيرة بوجود أقوام غيرهم تعيش على يابستها وأنهم يجاورون أقواماً وأمماً هم أقدم من العرب والتاريخ ثبت ويثبت ذلك من خلال المكتشفات الأثرية وبقايا أوابد تلك الأمم .
لكن يبقى القوموي مصراً على كلامه ومعنداً في موقفه فلا يقبل مجرد النقاش في مسألة مثل هذه إن التاريخ الذي درسناه في كتبنا المدرسية والتي تعلمناها في المدارس العربية علمتنا أن شبه الجزيرة العربية هي الموطن الأصلي والوحيد للعرب وأما تواجد العرب اليوم في بلاد الشام والرافدين ( ميزوبوتاميا ) والمغرب وبلاد النيل هم بالأصل عرب هاجروا منذ ألاف السنين إلى تلك البلاد واستوطنوا فيها وكأن تلك البلاد لم يكن فيها أحد بل كانت سائبة فأنقض العرب عليها وحولوها من أراضي جرداء قاحلة إلى إمارات وممالك ودول عربية.
إن الإصرار والتمسك برأي كالذي عليه حال بعض القومويون العرب ملحين أن هذه الأرض الشاسعة هي وطن للعرب فقط فهذا قول ينافي العقل والمنطق فالعرب وحسب مقياسهم يملكون فقط الجزيرة العربية وفعلاً لم نرى ولم نسمع عن أي منشق في كل الجزيرة العربية يريد إعلان دولة مستقلة أو يطالب بحقوق قومية اغتصبتها السلطة العربية الحاكمة ولم يطالب الكورد والآشوريون أو الأرمن أو الأمازيغ أو حتى البربر والأقباط بدولهم في الجزيرة العربية والتمسك بفكر قوموي معند لا يمكن السكوت عليه فلا بد من القوميات الأخرى أن تعمل وتكادح وتحارب في سبيل أن تخرج إلى النور وتأخذ حقها في العيش كغيرها من الأمم التي تعيش على سطح هذه الأرض .
إن تسمية دول مثل العراق وسورية ومصر وليبيا والمغرب والجزائر بدول عربية لقول يعني أن تقضي وتنفي وجود قوميات وشعوب أخرى هي بالأصل صاحبة الأرض وسكانها الأصليين ولكن لاعتبارات دولية ومخططات الدول العظمى التي احتلت الشرق وتقاسمتها فيما بينها أدت بذلك إلى ضمور قوميات وبزوغ أخرى واستقلال دول وانهيار أخر فالعراق يحتوي عشرات القوميات الأخرى من غير العرب فالكورد والأرمن والتركمان والآشوريين و ...الخ قوميات تعيش قبل العرب في العراق وأتت الأمة العربية وبنت حضارتها على أنقاض حضارات تلك الأمم ولم تكتفي بذلك بل تريد أن يسحقون من على سطحها ويعلنون إن بيننا أناس ليسوا عرباً يريدون أن يسلخوا أجزاءً من الدولة العربية والتي حتى اسمها ليس عربياً أما في سورية فلا وجود لأي قومية أخرى ماعدا العربية وكأنهم أمة من سلالة صافية لم يختلطوا ولم يتزاوجوا مع أي أمم أو شعوب أخرى أما الأمم الأخرى كالكورد والتركمان والشركس والآشوريين دخلاء عليهم ولا بد من استئصال وإجتثاث جذورهم أما في مصر فالأقباط لا حول لهم ولا قوة أما الأمازيغ والبربر في المغرب والجزائر فبدئوا قليلاً بالتنفس والذي كتم عنهم ذلك منذ مئات السنين فأنسوهم لغتهم وتاريخهم وحضارتهم كل ذلك بيد الجبروت القوموي العربي .
أعتقد بأن المصطلحات الجغرافية قد وضعت من قبل المؤرخين والرحالة والجغرافيين وليس لي ولكم علاقة بذلك وهذا المصطلح ( كوردستان ) ليس الوحيد الذي تم تسميته اعتمادا" على جنس أو عرق أغلبية السكان في المنطقة المراد تسميتها فيطلق على الأراضي المحصورة والممتدة من المحيط الى الخليج مصطلح الوطن العربي رغم وجود الملايين من الكورد والامازيغ والترك والافارقة والاقباط والآشوريون عليها، كما يطلق تسمية تركيا على أراضي الأناضول رغم وجود الملايين من الكورد والعرب واللاز عليها ويطلق على أرمينيا هذا الاسم رغم وجود الكورد والترك فيها والكروات قومية ولكن تم إطلاق اسمهم على دولتهم رغم وجود قوميات أخرى بجانبهم كالصرب والبوسنيين وغيرهم.
ليس للأكراد أو الأرمن أو الأمازيغ ذنب أن حضارة الأمة العربية بنيت على أوابد حضارتهم أما مطالبتهم بحقوقهم القومية والسياسية والاجتماعية والثقافية فهي أمور بديهية لا يمكن النقاش عليها لقوة حقهم في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم فهم أمم كالأمم الأخرى خلقها الله وجعل لها خصوصية تتميز بها و مثيلاتها من الأمم فلماذا تنزعون منا حقاً وهبه الله عز وجل إلينا هم أمم يحتاجون إلى التمتع بشخصيتهم وقوميتهم المفقودة والمأخوذة عنوة ولم الحق بعد ذلك أن يقرروا العيش مع الأمم الني تحكمهم أو ينفصلون عنها أو يتحدون معها في إتحادات فدرالية أو غيرها وأكرر لا ذنب لهم بأنهم ولدوا أكراداً أو أمازيغ أو آشوريين وليسوا فرساً ولا تركاً ولا عربا.