|
ماهو الوحي، ولمن يوحي الإله؟
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2053 - 2007 / 9 / 29 - 09:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كلمة "وحي" هي مصدر الفعل "وحى"، وعندما نقول "وحى إلى فلان" نعني أنه أشار إليه أو أرسل إليه رسولاً. و"أوحى إليه أو وحى إليه كلاماً" تعني: كلمه سراً أو كلمه بما يخفيه عن غيره. و "أوحى الله في قلبه كذا" تعني: ألهمه إياه (المنجد في اللغة والإعلام، دار المشرق، بيروت). فإذاً الوحي يدور حول وصايا أو أفكار سرية أو رسل يرسلهم طرف آخر برسائل سرية لا يريد الراسل أن يطلع عليها بقية الناس، وإلا لأذاعها الراسل علناً. وكلمة الوحي ومشتقاتها تتكرر في القرآن في أكثر من خمس وعشرين آية، فماذا يقصد القرآن بالوحي، وهل الوحي حقيقة أم أفكار يتخيلها أشخاص طبيعتهم قابلة للإيحاء؟ فإن موسى وهو أول رسول أتى برسالة سماوية معروفة لنا لم يقل إن الإله يهوه أوحى إليه، إنما قال إن الإله يهوه تكلم معه مباشرة ثم أعطاه الألواح المكتوبة. وعندما جاء يسوع (عيسى) قال لنا حواريوه إن الأب الذي في السماء كشف له العلم Revealed to him والمسيحيون يعتبرون ما جاء في الإنجيل هو Revelation أي علم كشفه الرب إلى يسوع. ولم يبين لنا الإنجيل كيفية هذا الكشف. ثم جاء الإسلام وزعم محمد أن الملاك جبريل ينزل إليه بالوحي. فكان محمد أول من استعمل هذه الكلمة التي تكررت مراراً في القرآن. ولنبدأ من أول قصة الخلق، كما يرويها القرآن. يقول القرآن (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) (فصلت، 11-12). فحديثة مع الأرض والسماء لا بد أنه كان نوعاً من الوحي السري لأنه من غير المعقول أن نتخيل أن الله جلس على عرشه ثم قال بصوت مسموع للأرض والسماء: أتيا إليّ. فالله لا يمكن أن يتكلم بصوت مسوع مع جماد. فإذاً كلام الله مع الأرض والسماء كان نوعاً من الوحي أو الإلهام، وفهمته الأرض والسماء واستجابتا. كيف فهمته الأرض وهي جماد، لا يهمنا الآن. وأصلاً لم تكن هناك حاجة لله ليتحدث إلى الجماد لأنه إذا أراد شيئاً أن يقول له "كن" فيكون. فكان بإمكانه ان يتخيل شكل الأرض والسماء ثم يقول "كن" فتكونان. ولكن ليثبت لنا القرآن أن الله يوحي للجماد، قال (وأوحى في كل سماء أمرها). يعني أخبر كل سماء، في رسالة سرية، أنه سوف يخلق فيها نجوماً وكواكباً وملائكة وشياطين، وفهمته السموات وقبلت. ثم لزيادة التوكيد لعباده بأنه قد أوحى إلى الأرض، أخبرنا أنه سوف يجعل الأرض تؤكد ذلك بنفسها، فقال (إذا زُلزلت الأرضُ زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان مالها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها) (الزلزلة 1-5). وهذا توكيد بأن الله يوحي إلى الجماد رسائل سرية لا يطلع عليها غيرها. وبعد أن خلق الله الأرض والسماء، خلق الأنفس من حيوان وإنسان، فكان لا بد أن يوحي لهذه الأنفس لأن الرسل لم يكونوا قد أتوا بعد (إذا استثنينا آدم). فقال لنا الله بعد أن أقسم بالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض (والشمسِ وضحاها. والقمرِ إذا تلاها. والنهارِ إذا جلاها. والليلِ إذا يغشاها. والسماءِ وما بناها. والأرضِ وما طحاها. ونفسٍِ وما سواها. فألهمهما فجورها وتقواها) (الشمس 1-8). وكما ذكرت في تعريف الوحي فإن الإلهام نوع من الوحي السري يصل إلى القلب مباشرة. فإذاً الله قد أوحى لكل نفسٍ خلقها رسالة سرية تؤطر فيها الفجور والتقوى. وبالطبع، لأن الرسالة سرية، فلا يمكن لنفس أن تحدث بها الأخرى، ولكن عليها أن تتصرف حسب الفجور والتقوى المبرمجة في قلبها. ثم جاء نوحٌ، كأول رسول معروف لنا بعد آدم، فقال القرآن (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) (المؤمنون 27). فهذه رسالة سرية أخرى أوحى بها الله إلى نوح الذي ظل ينجر ويصنع المركب دون أن يخبر قومه بالسر، ولذلك كان قومه يضحكون عليه عندما يرونه يبني مركباً على اليابسة وبعيداً من الماء. وحتى أهله لم يكونوا يعرفون ذلك السر لدرجة أن ابنه رفض أن يركب معهم المركب لأنه اعتقد أن الأمر طاريء وسوف يستطيع أن ينجو من الماء إذا طلع على جبل أو تسلق شجرةً. وبما أن نوحَ كان نبياً، فقد نفهم أن يكون الله قد أوحى له بأن أرسل إليه جبريل بالرسالة السرية، ولكن نعجز عن فهم الطريقة التي أوحى بها إلى كل الأنفس، خاصةً الحيوانات التي أخبرها أن تأتي إلى سفينة نوح. فهل ياتُرى أرسل جبريل لكل نفس من الحيوانات أم ألهمها عن طريق الإرادة، أي الإيحاء، كما يحدث في التنويم المغنطيسي؟ ثم وُلد موسى، وكان الفرعون في أثره، فأوحى الله إلى أم موسى (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خِفتِ عليه فالقيه في اليم) (القصص 7). وبما أن الرسالة سرية فلم يُجهر الله بالقول لها كيلا يسمعه فرعون فيعرف السر. ومن غير المحتمل أن يكون قد أرسل إليها جبريل لأنه لا يرسل جبريل إلا للرسل والأنبياء، فلا بد أنه ألهمها في نومها أو في يقظتها عن طريق الإيحاء. ويظهر أن الإيحاء المباشر يلعب دوراً كبيراً لا يقل عن الدور الذي يلعبه جبريل. وتوكيداً لذلك يقول الله لموسى (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) (طه 38). وعبارة "ما يوحى" توحي بأن هناك شيئاً أو أشياء معينة يوحيها الله، ولكنها تغيب عنا لأنه لم يفصح عنها. ثم يخبرنا القرآن (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين) (يونس 87). وبهذه الآية أدخلنا القرآن، كماأدخل كبار المفسرين، في دوامة. فهو كان قد أخبرنا أن هارون كانت مهمته أن يشد من أزر موسى الذي كانت بلسانه عقدةٌ تجعل كلامه غير واضح. وقد طلب موسى من الله أن يحل تلك العقدة من لسانه وأن يرسل معه هارون وزيراً (وأحلل عقدةً من لساني. يفقهون قولي. واجعل لي وزيراً من أهلي. هارون أخي. أشدد به أزري. ,اشركه في أمري) (طه 27-32). فهارون لم يكن رسولاً وإنما وزيراً لموسى. ومع ذلك أوحى له الله. ورغم أن الرسالة سرية، فقد أخبر جبريل بها موسى وهارون. وماذا قال لهما؟ هنا يظهر اضطراب المفسرين. فحسب الظاهر من الآية أن الله قال لهما أبنوا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوها تتجه نحو القبلة، أي القدس. ولكن المشكلة هي أن بني إسرائيل كانوا عبيدا وأيدي عاملة في المزارع وقد عاشوا في مصر ما يقرب من ثلاثمائة سنة قبل أن يأتي موسى لينقذهم من العبودية. فلا بد أن أغلب الأرض الصالحة للبناء قد بنى عليها المصلايون أنفسهم، فمن أين يجد موسى المال والأرض ليبني لقومه بيوتاً متجهة نحو القدس؟ قال بعض كبار المفسرين إن الفرعون كان قد أمر بكسر كل مساجد وكنائس بني إسرائيل، فأمر الله موسى أن يبني لهم مساجد جديدة تكون قبلتها القدس. فإذا كان هذا هو الحال، فهل من المعقول أن يسمح لهم الفرعون ببناء كنائس جديدة. ولهذا السبب قال المفسرون الآخرون إن الله أمر موسى أن يبني لبني إسرائيل بيوتاً مرصوصة في مقابلة بعضها البعض، ويجعل تلك البيوت قبلة بني إسرائيل. ولا أعتقد أن فرعون كان سوف يسمح لهم بذلك، وأحوالهم المادية كانت سيئة جداً بدليل أن نساءهم كن يستلفن الزينة من المصريات في المناسبات التي تدعو إلى الاحتفال. وعندما عبر بنو إسرائيل البحر أمرهم هارون أن يصهروا كل الذهب الذي كان بحوزتهم لأنه كان مستعاراً من النساء المصريات. فكل الظروف كانت تمنع بناء تلك البيوت، ولا شك أن الله كان يعلم ذلك، فماهي الحكمة من هذا الوحي الذي لا يمكن تنفيذه؟ وعندما اجتمع السحرة أوحى الله إلى موسى أن يلقي عصاه (وأوحينا إلى موسى أن القِ عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) (الأعراف 117). ولا بد أن الوحي هنا كان عن طريق جبريل رغم أن المفسرين لم يخبرونا أن موسى أغمى عليه عندما نزل عليه جبريل كما كان يغمى على محمد من هول المناسبة. ولا نعلم لماذا احتاج موسى لهذا الوحي ليخبره أن عصاه يمكن أن تصير ثعباناً يقتل ثعابين السحرة، فقد رأى موسى من قبل عندما كان في مدين وأراد الله أن يبعثة رسولاً، وسأله الله عن الشيء الذي بيمينه (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى. قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى) (طه 18-20). فموسى يعلم ما تستطيع عصاه أن تفعل. وبعد أن قطع بنو إسرائيل البحر قطّعهم الله اثنتي عشرة قبيلة، أي أسباطاً (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم) (الأعراف 160). إلى هنا والأمر واضح، فقد أرسل الله رسالة سرية إلى موسى ليضرب الحجر فيسقي قومه. ولكن هذا الوضوح يختفي عندما نقرأ (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحَ والنبيينَ من بعده وأوحينا إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحقَ ويعقوبَ والأسباط) (النساء 163). نفهم من هذا أن طريقة الوحي الذي أتى محمد هي نفس طريقة الوحي الذي أتى بقية النبيين وكذلك الأسباط، أي عن طريق جبريل الذي كان يأتي بالوحي لمحمد. فكيف أوحى الله إلى الاثني عشرة قبيلة اليهودية؟ هل أرسل جبريل لكل رئيس قبيلة وطلب منه نشر الرسالة السرية أم أرسل جبريل لكل شخص بمفرده، خاصةً أنهم شعب الله المختار، أم أرسل إلى كل قبيلة رسولاً لم يذكره لنا وأوحى إلى الرسول الذي بدوره أوحى إلى الأسباط؟ ثم ينتقل بنا الوحي إلى زكريا عندما كان في المحراب وبشره الملاك بيحيى (قال ربي اجعل لي آيةً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سوياً. فخرج على قومه من المحرلب فأوحى لهم أن سبحوا بكرةً وعشيا) (مريم 11). فهذا الرجل الذي تقادمت به السنين والذي بشره الملك بأنه سوف يُرزق ابناً، طلب من ربه آية أو معجزة يريها قومه حتى يصدقوا أن ذلك العجوز يمكن أن ينجب صبياً، فكان الجواب أن يصوم عن الكلام ثلاث ليالٍ سويا. ولذلك عندما خرج من المحراب والفرحة تملأ جوانبه، لم يستطع أن يخبر قومه بالرسالة السرية تلك، فأوحى لهم أن يسبحوا باسم الله. وحتى هذه اللحظة كان الوحي يأتي من الله عن طريق الملائكة أو إلهاماً مباشراً إلى القلب، ولكن كيف أوحى زكريا إلى قومه؟ حاص المفسرون وباصوا في شرح هذا الوحي. يقول القرطبي (قال الكلبي وقتادة وابن منبه: أوحى إليهم تعني أشار إليهم. أما مجاهد فقال: كتب على الأرض. وقال عكرمة: كتب في كتاب والوحي في كلام العرب تعني الكتابة) انتهى. وقد رأينا تعريف المنجد للوحي، وليس فيه أي شيء عن الكتابة. ولكن المفسرين قد اعتادوا أن يقولوا "كانت العرب تقول كذا" كلما صعب عليهم التفسير. فزكريا لم يلهم قومه ولم يرسل إليهم ملاكاً ليوحي لهم. فهل من المعقول أن يكون قد كتب لهم في الرمل إذ لم يكن الورق أو الصحائف معروفة في تلك البقعة وفي ذلك التاريخ؟ وحتى لو كتب لهم في الرمل لأنه مأمور ألا يتكلم لمدة ثلاث ليالٍ، فالأمر الذي أمرهم به وهو التسبيح بكرةً وعشية، هو غير الوحي الذي أتى زكريا. فالطريقة التي أوحى لهم بها غير مقنعة إطلاقاً. ثم ينتقل الوحي إلى يوسف عندما ألقاه إخوته في اليم وهو طفل صغير (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) (يوسف 15). فهذا الطفل الذي كان محاطاً بإخوته العشرة وهم يحاولون رميه في البئر، لا يمكن أن يكون قد أتاه جبريل لأنه أولا: سوف يخيفه، وثانياً: سوف يشعر أخوته بجبريل أو يرونه ويعرفون أن أخاهم نبيُ، وهم يعرفون النبوة لأن أباهم كان نبياً. فالوحي إلى يوسف لابد أنه كان عن طريق الإلهام في القلب. ولكن يوسف كان طفلاً يكاد يموت من الخوف والبكاء وإخوانه يهمون برميه في البئر وهو متشبث بأطرافها، فهل الرسالة التي كان يحتاجها من الله هي أنه سوف ينبيء أخوانه بفعلتهم هذه في المستقبل وهم لا يشعرون؟ ألم تكن رسالة تطمئنه مثل (لا تخف يا يوسف فإنك من الناجين) مثلاً، تكون أفضل من الرسالة التي استلمها؟ ثم لماذا الاستعجال بمثل هذه الرسالة ويوسف مازال طفلاً ولن يحدث ما حملته الرسالة إلا بعد سنين عدة؟ وهل يوحي الله للأطفال الذين لم يبلغوا الرشد ولم يتكلفوا؟ فالتكليف الديني لا يكون إلا بعد البلوغ. ثم ينتقل الوحي إلى محمد، وقد وصفت لنا كتب السيرة كيف أن الوحي كان يأتيه عن طريق جبريل وكان محمد يغمى عليه ويرتعش ويعرق من هول الحضور الملائكي. ويقول لنا القرآن (كذلك أرسلناك في أمةٍ قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو وعليه توكلت وإليه متاب) (الرعد 30). فالقصة هنا أوضح. جبريل يأتي بالرسالة السرية ومحمد يتلوها – في أغلب الأحوال – على أمته. فلماذا إذاً السرية ما دام محمد مأموراً أن يبلغ ما يوحى إليه إلى قومه (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (المائدة 67). ألم يكن الأفضل أن يكلمه بصوت مسموع حتى يسمع الناس الآيات القرآنية وهي تنزل على محمد فيكون إيمانهم أسرع؟ وعلى كلٍ فإن الوحي المحمدي قد يكون غامضاً في بعض الأحيان، فالقرآن يقول لمحمد (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) (النحل 123). فملة إبراهيم التي أمره ربه باتباعها غير معروفة لأي شخص، ولا حتى لمحمد نفسه. كل ما نعرف عنها هو أن إبراهيم لم يكن مشركاً. فهل من المعقول أن يوحي الله لنبي وحياً مبهماً مثل هذا؟ فهذا الوحي لا يختلف عن نصيحتي، مثلاً، لسياسي ببلد ديمقراطي، فأقول له: اتبع طريقة الرئيس نيكسون، فإنه كان سياسياً محنكاً. ولكن ماهي طريقة نيكسون؟ وسوف افترض هنا أننا نتغاضى عن فضيحة وترجيت والتجسس. ثم يتدرج القرآن في الوحي فيقول (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تعرف ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى 52). فالوحي هنا تغير من الرسالة السرية أو الإلهام إلى روحٍ. ولا أحد يعلم ما هي الروح. وعندما سأل العرب محمد عن الروح، جاء الرد القرآني (يسألونك عن الروح قل الروحَ من أمر ربي). ولهذا اضطربت أقوال المفسرين. يقول القرطبي (روحاً، أي نبوة، قاله ابن عباس. الحسن وقتادة قالوا: رحمةً من عندنا. السدي قال: وحياً. والكلبي قال: كتاباً. والربيع قال: هو جبريل. والضحاك قال: هو القرآن وسماه روحاً لأن فيه حياةً من موت الجهل) انتهى. وطبعاً لم يكن محمد وقتها قد شرح لهم هذا الروح الذي أوحاه له الله. فنعلم من هذه الآية أن الوحي قد يتخذ أشكالاً متغايرة. ولذلك يقول لنا القرآن (فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم 10). فعليه لا يمكننا تحديد نوعية و وسيلة الوحي. ثم يقول القرآن لمحمد (ولئن شئنا لنذهب بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) (الإسراء 86). فإذا كان الوحي هوالقرآن فقط، ومحمد أخبر به أصحابه ساعة نزوله، وأصبح متداولاً بين الناس وحفظوه في الصدور، كيف يُعقل أن يذهب به الله من ذاكرة كل الناس حتى لا يجد محمد من يشهد له بأن الله أوحى له هذا القرآن؟ ولا يكتفي القرآن بكل هذه الأنواع من الوحي، فيقول لمحمد (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) (النحل 68). وحتماً لم يرسل الله جبريل ليخبر النحل كيف وأين تتخذ بيوتها، فالوحي هنا كان عن طريق الإلهام، ولكن لأن النحل لم يكن له نبي، كان لابد لله أن يُلهم كل نحلة على وجه الأرض حتى تتبرمج جميع أنواع النحل بطريقة وأمكنة بناء بيوتها. ولا ندري لماذا اختار الله النحل ليخبر محمد عن الوحي الذي أوحاه لهم، فهناك مليارات الأنواع من الحشرات، وكلها يحتاج إلى مساكن في أماكن مختلفة، فلا بد أن الله قد أوحى لكل حشرة من جميع أنواع الحشرات كيف وأين تبني مسكنها، وكذلك البكتريا والفيروسات وغيرها. يالها من مهمة عويصة ويظهر جلياً تخبط من كتبوا القرآن في هذه الآية (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحَ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحقَ ويعقوبَ والأسباط وعيسى وأيوبً ويونسً وهارونً وسليمانً وآتينا داود زبورَ) (النساء 163). فأولاً: يظهر أن الله لم يوحِ إلى النبيين قبل نوح لأنه قال "والنبيين من بعده". وثانياً: ليس هناك أي ترتيب في تسلسل الأنبياء الزمني، فهم قدموا وآخروا في الأنبياء كما يحلو لهم. وثالثاً: أين موسى في هذه السلسلة من الإيحاء؟ فموسى هو أكثر نبي ذُكر في القرآن، وأغلب القصص عن موسى وبني إسرائيل، ومع ذلك سقط اسمه من الأنبياء والرسل الذين أوحى إليهم، كما سقط الذين قبل نوح. وخلاصة القول أن موضوع الوحي الإلهي موضوع يشوبه الغموض والاضطراب في معناه وفي محتواه وفي طريقة إيصاله إلى الأشخاص الموحى لهم. وهذا الاضطراب يجعل الإيمان بالوحي أمراً شائكاً.
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رمضان والتخبط في التشريع
-
حوار الأديان وحوار الطرشان
-
حرب الفتاوى تكشف زئبقية الإسلام
-
التعذيب في الإسلام
-
نزهة مع الصحابة
-
لولا كلمةٌ سبقت
-
الإسلام أكبر نكبة أصابت العرب
-
رجال الدين يفسدون الدولة
-
ما أبشعه من إله يذبح الأطفال
-
أطباء خانوا مهنتهم
-
البغض في الله
-
عندما نقتال العقل من أجل النقل
-
بلطجية الأزهر ورضاع الكبير
-
فتاوى تحض على الجهل
-
الإعجاز غير العلمي
-
التجارة الرابحة والمسابقات الدائرية
-
الأمل يتضاءل مع انتشار فضائيات السحر
-
التحديات الحضارية للأمة الإسلامية
-
المؤتمرات الإسلامية وطواحين الهواء
-
هل يعتذر المسلمون ؟
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|