أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - جذور الحرية في المجتمع المدني















المزيد.....

جذور الحرية في المجتمع المدني


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 2053 - 2007 / 9 / 29 - 09:01
المحور: المجتمع المدني
    


«متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.» موقف شهير للخليفة الثاني عمر بن الخطاب ألقاه في وجه واليه على مصر آنذاك عمرو بن العاص لتذهب هذه المقولة مثلاً بقي حتى اليوم معبراً عن مفهوم الحرية في الإسلام، ورابطاً وبشكل مبدئي حرية الفرد بمجرد ولادته.

يتناقض هذا الموقف مع رؤية الفيلسوف الإنجليزي سير روبرت فيلمر في القرن السابع عشر عندما اعتبر انه ما من إنسان يولد حراً وإنما يكون خاضعاً للسلطة الأبوية لوالده الذي ورثها بدوره عن الأب الأول آدم، والذي استمدها هو الآخر من سلطة الرب الذي منحه إياها بموجب تفويض منحه إياه لحكم هذا العالم، إذ لا حرية طبيعية للإنسان، لا في ظل أسرته ولامجتمعه ولا دولته، وإنما هناك سلسلة من التبعيات التي تقيده بمجرد ولادته، فهو تابع لأبيه «أسرته»، كما أن أسرته تتبع المحيط الاجتماعي، الذي يخضع بدوره لسلطة الملك الذي ورث شرعية السلطة عن الملك الأول للبشرية وهو آدم بموجب ما أعطاه الرب من تفيض إلهي. وهكذا ومن خلال التسلسل المنطقي توصل فيلمر إلى أن سلطة الأب في الأسرة، وسلطة الملك في الدولة، إنما هي امتداد وراثي لسلطة الله في الكون.

على الجهة الأخرى، كان هناك لمواطن فيلمر الفيلسوف جون لوك رأي آخر عندما اعتبر طرح فيلمر تملقاً سافراً للملك تشارلز الثالث آنذاك من خلال منحه الشرعية الإلهية المطلقة، الأمر الذي اعتبره لوك بمثابة رخصة مفتوحة للاستبداد. وقد قام جون لوك بالتفريق بين الحرية الطبيعية والحرية الاجتماعية. عندما افترض أن الإنسان في ظل الطور الطبيعي للبشرية، يكون خاضعاً لسلطة القانون الطبيعية لا غيرها، وأن لا سلطة لشخص على آخر مادام ملتزماً بقانون الطبيعة من حيث عدم الاعتداء على الآخرين أو على المصادر الطبيعية باعتبارها موارد الأرزاق والمقدرات. وأن الناس متساوون في الحقوق والامتيازات، إلا إذا فضل الله واحداً منهم بإرادته «ربما في إشارة منه إلى الأنبياء والقديسين». كما اعتبر أن الأفراد في ظل الطور الطبيعي مسؤولون عن الحفاظ على الحالة الطبيعية للكون. أما في حالة انتهاك القانون الطبيعي، فقد اعتبر لوك أن سلطة القضاء والعقاب من حق كل فرد ضمن الطور الطبيعي وذلك بما يمليه عليه ضميره وقانون الطبيعة، وبما يتناسب مع الجرم المرتكب. فالضمير ضمن الحالة الطبيعية هو مصدر التشريع والسلطة.

سيتطور الطور الطبيعي، والرأي لايزال لجون لوك، إلى طور أكثر تقدماً، وذلك بتزايد أعداد البشر المنضوين تحته حيث سينتقل الناس إلى حالة الطور الاجتماعي أو ما أطلق عليه لوك تسمية «المجتمع المدني» الذي يتنازل فيه كل فرد من أفراد هذا المجتمع عن سلطته الطبيعية في القضاء والعقاب لصالح مجموع الأفراد حيث يقوم هذا المجتمع بدوره بإنابة أحد أفراده ليضع في يده سلطة القضاء والعقاب ويتفق المجموع على تسمية قائد لهم قد يكون ملكاً أو قيصراً أو ما شابه ذلك يتم اختياره على أساس رأي الأغلبية «الانتخاب»، وتكون مرجعية الأحكام هي ما يتوافق عليه المجموع من أحكام العقد الاجتماعي الذي يخضع له المجموع ويكون المخول الوحيد في تغييره وتعديله تبعاً لمقتضيات المصلحة العامة، ووفقاً للإرادة الحصرية لأغلبية المجتمع الذي ويحسب لوك ستجتمع سلطتي القضاء والعقاب في يد الملك إلى أن يقتضي تطور الأمور الفصل بين السلطتين فإنه سيتم استحداث منصبي القاضي والشرطي «السلطة القضائية والسلطة التنفيذية» وعندئذ يكون المجتمع المدني قد انتقل إلى طور الدولة، وقد أصبح هذا التصور عن النشأة الطبيعية للدول بحسب افكار لوك هو الأب الشرعي للنظام الديمقراطي الليبرالي الحديث منذ أن اعتنقته الثورة الفرنسية من خلال مفكريها وأهمهم فولتير، وبعد أن تبناها بحذافيرها إعلان الاستقلال الامريكي إبان تأسيس الدولة الأمريكية الحديثة.

يتضج من خلال هذه القراءة، أن الديمقراطية ليست هي الوجه الآخر للحرية، وإنما هي قيد عليها وأن الديمقراطية الليبرالية الحديثة لم توجد إلا لأجل تقنين الحق الطبيعي المطلق للفرد في ممارسة السلطة الأمر الذي قاد إلى التساؤل عن مدى وماهية وحدود حق الفرد في الحرية ومن أين يبدأ وأين ينتهي وما هي مجالاته وأين تتوقف حدوده وهكذا ليصل الجدل تلقائياً وفي سياق تاريخي إلى الولوج إلى منطقة ومنطق حقوق الإنسان، التي بقيت بين أخذ ورد حتى عام 1948، عندما أقرت منظمة الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يتكون من ثلاثين بنداً تنص على تحديد الملامح العامة للحرية الفردية في المسائل المتعلقة بالممارسات الشخصية وما يتصل بكل من المعتقد والانتماء والتفكير والتعبير والسفر والصحة وما إلى ذلك من أفكار تضمنها الميثاق العام للمنظمة الدولية وأصبح لزاماً على جميع الدول الراغبة في الانضواء تحت لواء المنظمة الدولية أن تعلن اعترافها الصريح بهذه المبادئ والالتزام الكامل بها، وهكذا اصبحت مبادئ حقوق الإنسان ملمحاً آخر من ملامح الدولة الليبرالية الحديثة، وقد أخذ هذا الثالوث الليبرالي المقدس منذ ذلك اليوم يصبح لازمة من لوازم الاصلاح والحرية، وأصبح كثير منا ينادي بتطبيقه، إما بوعي أو بدونه عما تنطوي عليه من جوهر ومحتوى.

كلما زاد حجم المجتمع وتشابكت بنود العقد الاجتماعي فيه تراكمت القيود الاجتماعية على أفراده، وبالتالي تصاعدت حاجتهم ومطالبتهم بالحريات العامة، وبحسب الفيلسوف الألماني شتاينر، فإن الحريات الاجتماعية تتوزع على أفراد المجتمع بحسب نظرية الأواني المستطرقة، باعتبار أن كمية الحرية ثابتة في كل المجتمعات، وأن ما يتغير بين مجتمع وآخر، هو نسبة توزيعها بين أفراد المجتمع، بمعنى أن حصة كل فرد من الحرية إنما تكون على حساب حصة فرد آخر، فكلما ازدادت كمية الحرية المتاحة لشخص أو فئة ما، تتناقص بالضرورة الكمية المتاحة لغيره، وإذا تركزت الحريات العامة أو معظمها في يد شخص أو مجموعة بعينها، فإن هذا يقتضي اضمحلالها أو انعدامها لدى مجموع أفراد الشعب، وهذه هي ملامح أنظمة الحكم الشمولية أو الديكتاتورية في ما يشبه سلطة الأب في الأسرة، قد تعود هذه النتيجة بالمجتمع إلى المربع الأول، وإلى السلطة السماوية التي وصفها روبرت فيلمر، مع الفارق أن السلطة هنا لا تستمد شرعيتها من السماء، ولكن من مصادر جديدة للشرعية، كشرعية الثورة او شرعية التحرير أو شرعية الوحدة إلى آخره.

مؤخراً، أطلق المفكر اللبناني ناصيف نصار تنظيراً جديداً لمفهوم الحرية، فقد رأى أن هناك حرية سلبية وأخرى إيجابية، وأن الحرية السلبية تتعلق بمساحة ومقدار الحرية المتاحة للشخص ليمارس فيها السلطة بحسب ما يراه مناسباً وقد تكون هذه المساحة هي نفسه أو أسرته أو المؤسسة التي يديرها أو غير ذلك، أما كونها سلبية فمرتبط بكونها حرية ممنوحة من طرف ثالث ذي سلطة أعلى يجوز أن يكون المجتمع أو القبيلة أو الحكومة أو مجلس الإدارة على سبيل المثال. ويبدو ظاهريا أن هذا النوع من الحرية قد يكون مدخلا إلى التفرد والمركزية التي تؤدي ربما إلى التسلط والديكتاتورية حيث لا حدود واضحة لهذه الحرية إلا ما يراه الشخص الممارس لها مناسبا.

أما الحرية الإيجابية، فتتعلق بمصدر السلطة التي تملي على الشخص قراراته وتصرفاته وحريته في قبول أو رفض بعضها أو كلها برضاه الشخصي وأن يتحمل وحده تبعات هذا الرفض أو القبول. مثل ما نرى من تمسك النساء بارتداء الحجاب في ظل دولة أو مجتمع يرفضه ولا يقره، بغض النظر عن الأسباب والاعتبارات، متحملات برضا تام تبعات هذا الرفض من قبيل عدم الحصول على عمل أو تعرضهن بسببه للتمييز ويتمسكن به باعتباره خيارهن الحر المسؤول.

غني عن الذكر أن المناداة بالحرية والسعي في سبيلها إنما ينبثق من رحم الاستبداد والظلم، فليس من المألوف أن فردا أو جماعة تحيا ضمن طور طبيعي لمجتمع معين كهؤلاء المنخرطين في مجتمعات قبلية مفتوحة أو ضمن منظومات اجتماعية بدائية بسيطة قد وقف مطالبا بالحرية. فهؤلاء يمارسون حريتهم كما يحلو لهم وعلى أكمل وجه، وبطريقة يحسدهم عليها بالتأكيد حتى أهالي سكاندينافيا الذين يعتبرون أكثر مجتمعات الأرض تحررا. وعلى قاعدة «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى» نجد أنه لا ينادي بالحرية إلا من يعاني من الاستبداد. وللحديث صلة تقبلوا إلى حينها خالص المودة!




#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمار الحرية في المجتمع العربي
- وماذا بعد فقدان الذاكرة؟
- سقوط زيتونة !
- هل كان يجب أن تموت بدور؟
- الإنسان والغريزة والأخلاق
- نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟
- قلبي للبيع
- فلسطين .. بين الموت والحياة
- إعدام صدام .. إحياء ميت
- تهويمة العيد والعام الجديد
- المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه


المزيد.....




- الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف ...
- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - جذور الحرية في المجتمع المدني