|
النفط في العراق، من ايدي الفاشيين الى ايدي مصاصي الدم، اصحاب الشركات
فلاح علوان
الحوار المتمدن-العدد: 2050 - 2007 / 9 / 26 - 10:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان الجواب الجاهز لدى السلطات في العراق، ومعها سلطات الاحتلال والادارة الامريكية للجماهير حين تطالب بتوفير اساسيات وضروريات الحياة وسائرالخدمات واعادة البناء هو ان الارهاب وانعدام الامن يمنعان الشركات من القدوم الى العراق ومباشرة اعمالها. في نفس الوقت تتاهب شركات النفط لابرام العقود والقدوم بكل ثقلها الى " تطويرانتاج النفط" عبر قانون الاستثمار وبصيغة عقود المشاركة في الانتاج، دون ذكر للارهاب او انعدام الامن، حيث من المؤكد ان "خبراء " النفط واصحاب العقود ومعهم حاشية من المنتفعين، سيتم تجهيز حمايات لهم قد تفوق تكاليفها رواتب جيوش من العاطلين اذا تم تشغيلهم او توضيف الاموال لمشاريع تستوعب اليد العاملة المعطلة. لم يكن النفط يوما ملكا للجماهير في العراق، فطوال عقود من انتاج النفط، اي منذ مطلع القرن العشرين، سواء حين كان انتاج النفط بيد الشركات الاحتكارية او بعد تاميمه. فشركات النفط مارست نهبا للنفط بحيث لم يتحول اي جزء من عوائده الى تطوير قطاعات الانتاج والصناعة في المجتمع، ناهيك عن القطاعات الاساسية مثل التعليم، الصحة، الخدمات، الطرق، الاعمار، وظلت مستويات اجور العمال في العراق هي الادنى بين العديد من بلدان المنطقة وليس مقارنة بالاجور في اوربا والولايات المتحدة ، والعامل والكادح لم يكن يحصل على وقود تدفئة، بل ان حالات الوفيات اثر الاختناق من استنشاق الغازات المنبعثة من اشعال النار للتدفئة كان امرا معروفا وشائعا ولعقود. ولم يساهم التاميم في تحويل النفط الى وسيلة لاسعاد الجماهير وانهاء الفقر والعوز، لقد حولت السلطات المتعاقبة عوائد النفط الى مصدر لبناء ترسانة حربية، وفرض العسكرة والاستبداد على المجتمع، وهيمنة الطغمة العسكرية ممثلة الحركة القومية لعقود، وشنها الحروب الاقليمية والداخلية، وبالاجمال تحول النفط الى وسيلة لفرض سلطة الاستبداد العسكري وسياسته الدموية بوجه الجماهير، وسياسته التوسعية في المنطقة، وسعيه للتحول الى قطب في المنطقة في مواجهة الاقطاب العالمية السائدة انذاك. وعلى الرغم من تشريع قوانين مجانية التعليم او مجانية قطاع الصحة العام، وبعض الخدمات الا ان هذا لم يساهم في القضاء على الفقر او حتى تخفيف حدته، ولم تساهم العوائد الهائلة للنفط في رفع مستويات الاجور بشكل يوازي او يواكب مستوى الاسعار والتضخم، ولم يساهم في القضاء على ازمات خطيرة مثل انعدام السكن، المستوى المزري للتقاعد، الوضع التعليمي والثقافي المتدني في المناطق خارج المدن الكبيرة، وضع البيئة، الزراعة، وغيرها. لقد تم تخصيص نسب ضئيلة جدا من عوائد النفط، اقل من الحد الادنى، لحاجات الجماهير، مقابل الانفاق العسكري المخابراتي الهائل. لم يكن النفط يوما ملك الجماهير، لقد كان نصيب المواطن هو الاحاديث العاطفية عن خيرات البلد، و"اننا" نملك احتياطي نفطي هائل، ونفطنا لنا، وثروة البلد، وماشاكل. ولقد تحول الحديث عن الخيرات والوطن الى اساس للتعبئة خلال الحروب التي لم ينل المواطن جراءها سوى الخراب والموت والعوق واجيال من اليتامى والثكالى والارامل والمجانين اي المرضى العقليين، وبروز اصناف من تجار الحروب المقتدرين الذين تحكموا بلقمة عيش المواطن في الحروب والازمات وخاصة الحصار الثقيل الذي فرضته امريكا وجوعت الجماهير طوال اعوام. لم تجن الجماهير من الثروة النفطية الهائلة سوى الافقار والحروب والالم من تبديد الثروات مقابل الحرمان الشديد. ولم تكن " معركة التاميم" اوائل السبعينات لتستمر لولا فرض التقشف على رواتب العمال والموظفين، بحيث ان معركة اعادة ملكية النفط للبرجوازية القومية المحلية دفع ثمنها العمال طوال اكثر من 9 اشهر من توفير مستلزمات واحتياطيات مالية هائلة للسلطات من رواتبهم، اي من كدحهم وتعبهم. اليوم، تعود الشركات تحت عنوان اخر هو عقود المشاركة في الانتاج، وبذريعة تطوير انتاج النفط، يجري التحضير لتسليم الشركات ما نسبته اكثر من 64% او حتى 68% من عوائد النفط، في اكبر عملية نهب منظم للثروة، وياتي العمل على تمرير مشروع القانون في وقت يواجه المجتمع القتل اليومي والتهجير والنزاعات الطائفية التي تطحن المجتمع وتفتك بالالاف، وانعدام الامن والبطالة والنقص الحاد في الخدمات والكهرباء والمستقبل المظلم الذي يلف المجتمع، بحيث تبدو قوى الجماهير المبعثرة والمشتتة غير قادرة على مواجهة المشروع وفرض ارادتها في منع الشركات من الاستيلاء على ثروة المجتمع. ان ما يسمى عقود المشاركة في الانتاج هي صيغة يجري العمل بها في نحو 12% من حقول الانتاج العالمي والتي تخص الحقول الموجودة في المناطق البحرية، اي ذات الكلفة العالية والحقول التي يجري التنقيب فيها مع المخاطرة العالية بعدم الحصول على النفط فيها، وكلاهما لا ينطبق على انتاج النفط في العراق، حيث ان كلفة الاستخراج واطئة جدا، والحقول المكتشفة غير المستخدمة موجودة بكثرة ولا تحتاج الى التنقيب. كما ان الذريعة التي يتذرع بها اصحاب المشروع من توفير رؤوس اموال لتطوير انتاج النفط، هي ذريعة لا صحة لها، حيث ان عوائد النفط في العراق تكفي لتوسيع وتطوير الانتاج دون الحاجة الى استثمار الشركات، كما ان بالامكان الاقتراض بضمان النفط في حالة الحاجة الى اموال. ان المثال الاسوأ على عقود المشاركة هو ما قامت به روسيا مع الشركات في حقول ساخالين، حيث انها تعاني الان الندم الشديد على تسليم تلك الحقول الى شركات النفط، كما ان انتاج النفط في اندونيسيا يشكل البداية التاريخية لهذا النوع من الاستثمار " عقود المشاركة في الانتاج" والذي بقي يشكل نهبا للثروة النفطية في اندونيسيا. ولم تسجل لنا الوقائع شهادة على مساهمة هذا النوع من الاستثمار في " تطوير" قطاع النفط. واجه العمال في العراق، وبخاصة عمال النفط، مشروع قانون النفط بالعديد من التجمعات والاعتصامات والاضرابات، الا ان اللهجة السائدة في الاحتجاجات هي لهجة المطالبة بالملكية " الوطنية" للنفط ومنع الشركات من الاستثمار، ولم تتجذر دعوة طبقية الى رفع خطابها بوجه دعاة القانون من جهة وانصار ابقاء النفط كثروة" وطنية" من جهة اخرى، لتطالب من جهتها بان النفط وهو ملك المجتمع فان ملكيته يجب ان تكون فعلا بايدي منتجي الثروة اي العمال انفسهم، لكي يتحول فعلا الى اداة لاسعاد الجماهير والقضاء على الفقر والحرمان. ان الملكية الاجتماعية للثروة تعني في تعبير اوضح، الاشتراكية، وان حركة القضاء على الملكية الراسمالية للثروة هي عملية قد تنطلق اليوم وقد تتاخر، وهذا رهن بتطور وتوسع تيار اشتراكي في قلب الطبقة العاملة. لقد شهدت العديد من البلدان عملية تاميم، او منع الشركات من الاستثمار من قبل العديد من التيارات القومية والتي وصلت الى السلطة في بلدانها، ويجري الان في فنزويلا على سبيل المثال، وبقيادة السلطة عملية تاميمات واسعة ليس في قطاع النفط بل في العديد من القطاعات، ولكن هذا ليس بعد الملكية الاجتماعية للثروة, اي الاشتراكية العمالية، انها نوع من الاصلاحات الوطنية في مواجهة الاحتكارات ولم تتحول بدرجة كبيرة الى اساس لرفاه الجماهير، انها تدخل في اطار تقوية الحكومات القومية المناهضة للعولمة والنموذج الامريكي. على الرغم من كل نواقص الحركة العمالية المناهضة لقانون النفط في العراق، الا انها تشكل مواجهة للسلطات ولسياسة الاحتلال، وانها قابلة للتطور، وان نقدها هنا هو من مواقع تيار رافض لقانون النفط اصلا ساعيا الى تجذر حركة اجتماعية واسعة يكون العمال محورها وقادتها، باتجاه تحويل الملكية الاجتماعية للنفط وليس فقط احباط القانون. ان احباط مشروع القانون هو خطوة اساسية لابد منها لفرض ارادة العمال، من جانب، ومن جانب اخر يمكن فرض العديد من الاصلاحات على السلطات في حال منع الشركات من الاستحواذ والهيمنة على مصدر الثروة الهائل، النفط. والخلاصة، ان هذه الحركة هي في مضمونها حركة احتجاجية ضد سياسة الادارة الامريكية اي ضد الاحتلال، من خلال الوقوف بوجه المشروع الاقتصادي للاحتلال والادارة الامريكية,لأن تحويل ملكية النفط الى الشركات وخاصة الامريكية، هي الوجه الاقتصادي للاحتلال. على الناشطين العماليين وجميع القوى المناهضة لقانون النفط، الوقوف مع الحركة القائمة ضد مشروع القانون، والعمل على تطوير تيار عمالي اشتراكي داخل هذه الحركة. فلاح علوان. رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق
#فلاح_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول رسالة الرفيق ريبوار احمد الى اتحاد المجالس والنقابات الع
...
-
اطلقنا حملة اسقاط مشروع قانون النفط... ما هو ضمان الانتصار؟
...
-
توضيحات بصدد ما يشاع حول اتحاد المجالس والنقابات العمالية في
...
-
افتتاحية العدد 14 من المجالس العمالية
-
نداء ..... احباط مشروع قانون النفط والغاز مسؤولية الجماهير
-
فلاح علوان للحوار المتمدن.. اهم اسباب التدهور والخراب الذي ي
...
-
حركة العاملين في القطاع الحكومي. مواجهة للسياسات العامة للسل
...
-
اقرار مشرع الفيدرالية .... تحويل الحرب الطائفية الى حرب اباد
...
-
عن العمال الذين يقودون مفارز حماية الاحياء السكنية
-
رغم المذابح اليومية لا ينسون معاداة الاشتراكية للحظة
-
بيان الاول من ايار.. يوم العمال العالمي
-
رسالة تضامن مع جماهير النيبال
-
الحركة العمالية العالمية بحاجة الى مشروع عالمي فوري
-
إنهاء الاحتلال والأوضاع المأساوية في العراق مهمتنا نحن العما
...
-
ندين اعتداء السلطات المصرية على الناشطين في مصر ندين ونقف بش
...
-
نداء الى عمال النفط في البصرة
-
نداء حول استمرار خرق الحريات النقابية في العراق
-
الأوضاع الراهنة ودور العمال في رسم المصير السياسي للمجتمع
-
مؤتمر عمان للنقابات صراع اقطاب
-
محاضرة لفلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|