(نص المحاضرة التي ألقيت في المركز الثقافي في مدينة بانياس بالتنسيق مع فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب بتاريخ 21/10/2003 )
مساء الخير
نشكر إدارة المركز الثقافي قي بانياس لإتاحة الفرصة لنا للقاء في هذه المدينة العريقة ذات الشعب الوطني الأصيل والمعطاء .
عنوان محاضرتنا "العلم عند العرب بين النهوض والتعثر".
سنتعرف في هذه المحاضرة على دور الحضارة العربية الإسلامية في تطور العلم، وعلى ميزات النشاط العلمي، ونجري مقارنة مع تطور العلم عند الغرب علنا نجد أسباب تعثر العلم عند العرب وإمكانية تجاوز هذه المعضلة.
العلم عنصر هام وأساسي في تقدم الشعوب والأمم ، وهو أحد مقاييس رقي الأمم وتحضرها ، فبقدر ما تكون الأمة متقدمة علمياً بقدر ما يكون مستواها مرموقاً والعكس بالعكس ..
رأي ابن خلدون في حَمَلَةِ العلم :
من المفيد الإطلاع على إنتاج المفكرين والمؤرخين الذين عالجوا هذه المسألة وفي طليعتهم "عبد الرحمن ، أبو زيد ، ابن خلدون " (1332-1406م) في مقدمته الشهيرة ، التي جاء فيها : " من الغريب الواقع أنّ حَمَلة العلم في الملَّة الإسلامية أكثرهم العجم .. والسبب في ذلك أنّ الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة .. لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين ..(كانت) الأمية صفة عامة في الصحابة .."
ونظراً للتداخل الذي حصل بين العلماء العرب والعجم تحت خيمة الحكم الإسلامي ، واستخدامهم لغة واحدة ، ونهلهم العلم من مصدر واحد ، وتوحد مناطق النفوذ الإسلامي في فترة زمنية معينة تحت لواء الدولة العربية الإسلامية ؛ فقد اصطُلح على دعوة العلماء الذين قطنوا المناطق العربية والإسلامية ، واستخدموا اللغة العربية في أبحاثهم بالعلماء العرب ، والعلم الذي أنتجوه بالعلم العربي ..
يقودنا النظر في مسألة تطور البحث العلمي العربي وأسباب قصوره ، بعد ازدهار ، إلى التعرف أولاً على ميزات العلم والعاملين في مجال البحث العلمي .
ابن الهيثم وميزات البحث العلمي :
هناك من ينسب إلى روبرت ميرتين مسألة تحديد " ميزات النشاط العلمي بأربع مجموعات : العالمية (النشاط المعرفي واكتشافاته لا تتوقف على أصل الباحث العرقي أو الديني) ، والجماعية ( مكتشفات البحث العلمي ملك للأمة والعالم ) ، والتجرد عن الهوى (المطلوب من الباحث العلمي عدم التأثر بالأهواء الشخصية) ، والشك المنظم ( أي التعطيل المؤقت للأحكام والمقدسات التي وضعها الناس )" (2)
إلاّ أن أبا علي الحسن ابن الهيثم (965-1039م فلكي ورياضي من أهل البصرة . قصد القاهرة إبان الحكم الفاطمي) كان قد سبق روبرت ميرتين بقرون عدة في تحديده لخصال وميزات العمل العلمي .
حول طريقته العلمية يقول ابن الهيثم :
" إني لم أزل منذ عهد الصبا مروباً (متشككاً ) في اعتقادات الناس المختلفة وتمسك كل فرقة منهم بما تعتقده من الرأي." ( انظر ترجمة ابن الهيثم في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ).
وقد شرح ابن الهيثم الطريقة التي اتبعها في البحث قائلاً : " ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات .. ثم نرتقي بالبحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج . ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الأهواء ."
في هذه المقاطع من كلام ابن الهيثم نجد معظم المبادئ الأساسية والشروط الضرورية للتفكير العلمي ، من شك في الآراء الشائعة ورغبة في المعرفة المحضة واستناد إلى المشاهدة الحسية والمحاكمة العقلية "(3).
فإلى أي مدى تابع المشتغلون بالعلم من العرب هذه الخصائص ، التي ساعدت ابن الهيثم في وصوله إلى سبق علمي عالمي ، الذي أفاد البشرية ، ويشهد له العالم أجمع به ؟..
دور الحضارة العربية والإسلامية في تطور العلم :
يعترف جميع الباحثين الموضوعيين بدور الحضارة العربية الإسلامية ، قبل اضمحلالها بعد القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، في تطور العلم ؛ أي في إغناء مخزون المعرفة الأوروبية والعالمية ، سواء منها المنطقية أو الرياضية أو المنهجية . كما يقرّون بالأثر العظيم الذي تركه انتقال المعرفة العلمية والفلسفية ـ التي تراكمت واختزنت في الحضارة العربية الإسلامية ـ في مسار التطور الفكري الغربي ، من خلال جهود الترجمة العظيمة ..
وفي علم الفلك نبغ أبو الحسن علي ابن الشاطر الدمشقي (1375) مؤلف الاسطرلاب ، ونصر الدين الطوسي (201-1274م) ، وقطب الدين الشيرازي(1236- 1311م) علماء مدرسة مراغة في غرب إيران.(4)
كما اشتهر العرب بمخطوطاتهم التي استخدموا في كتابتها ورق البردى ، الذي تعلموا صناعته من الصينيين منذ القرن الثامن في سمرقند . ثم أقامت الدولة العربية في بغداد مصنعاً للورق في منتصف ذلك القرن ، علماً بأنّ أوروبا لم تعرف إنتاج الورق حتى سنة 1150م على يد العرب في أسبانيا ..
مؤسسات التعليم العربية الأولى :
تبين الدراسات التاريخية أن عملية التدريس ونشوء العلوم العربية الإسلامية ارتبطت بانتصار الإسلام وانتشاره ، فتطلبت قضية نشر التعاليم الدينية التنظيم وإعداد الدعاة والمبشرين .. ومع الاستفادة من تجارب الشعوب التي احتك بها المسلمون ، بقي لمسألة التعليم لديهم خصوصيتها المستمدة من منبعها الديني ، ونظراً لارتباطها بالدين الإسلامي وهيمنة الأمور الدينية على مختلف جوانب الحياة فقد انطلقت العملية التعليمية من قبل رجال الدين ، وفي المراكز الدينية ، أي من المسجد .
المسجد ؛ موطن العلم العربي الإسلامي الأول :
بدأ التعليم العربي الإسلامي في المسجد أو الجامع ، وتطور وتقدم بحيث أصبحت الدروس تشمل موضوعات في القرآن الكريم وتفسيره والحديث الشريف وشروحه .
وقد تميز التدريس في الجامع بوجوب الحصول على إذن من الخليفة أو من الحاكم للتدريس فيه .
ولما كان المسجد هو مكان التدريس ، فقد نشأت مشكلة منذ القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي تتلخص في أنّ أموراً يجب أن يعلمها الطلاب لكن لا يمكن تقديمها في المسجد . أدى حلّ هذه المعضلة إلى ظهور المكتب أو الكتّاب (المدرسة) كمؤسسة رئيسة للتعليم العالي في الحضارة العربية الإسلامية ... فقامت مدارس متعددة..
ثم ظهرت مؤسسة أخرى هي المكتب أو الكتاب . وانتشرت هذه المؤسسات في أنحاء العالم الإسلامي في أوقات مختلفة . ويمكن التمييز بين هذين النوعين من المؤسسات : المكتب والكتّاب من حيث سن روادهما والمنهاج المعتمد في كل منهما ، فالمكتب يدخله التلميذ في سن تتراوح بين الخامسة والسابعة ، أما الكتّاب فيُنقل إليه ( أو يدخله أصلاً ) في سن العاشرة.
كان يدرس غالباً الفقه في الكتّاب . لأنّ الفقه وتفرعاته هو الذي يتيح لمن ينهي هذه المدرسة / الكلية أو هذا الجامع /الكلية أن يجد عملاً في وظائف الدولة غالباً وفي التعليم . وقد كانت هذه المدارس يدرس فيها إما مذهب واحد أو اثنان أو ثلاثة .
المدرسة النظامية :
كانت تلك المدارس تسمى من قبل النظامية . ذلك أن قيام المدرسة ( الكلية ) النظامية كان على يد نظام الملك الوزير السلجوقي الكبير (410- 485/1018- 1092)
وانتشرت المدارس النظامية غرباً في بلاد الشام ودخلت مصر وشمال أفريقيا على يد يوسف بن أيوب صلاح الدين الأيوبي (523-589هـ /1138-1193م) ؛ كما أنّها لم تبق حكراً على المذهب السني ، أو على تعليم مذهب واحد فوجدت المدارس أحادية المذهب أو ثنائته أو ثلاثيته ، وحتى درست فيما بعد المذاهب الأربع في مدرسة واحدة .
المجالس
عرفت البلاد التي حكمها الفاطميون (297-567هـ /909-1171م) وخاصة القاهرة عدداً من المؤسسات التعليمية عرفت بالأسماء التالية : دار الحكمة ( دار العلم ) ، ومجالس الحكمة ، وخزانة الكتب الفاطمية . وكلها كانت تعقد فيها حلقات تلقى فيها دروس ، على أيدي شيوخ المعرفة في المذهب الشيعي الفاطمي ، وكان القصد الأول إعداد الدعاة الماهرين .. كانت خزانة الكتب من أغنى المكتبات التي أقيمت في العالم الإسلامي ..
جامعات إسلامية :
لقد ميزت ثلاثة جوامع نفسها ، فأصبحت تلقى فيها الدروس على مستوى أعلى من الكلية بحيث يحسبها المؤرخون " جامعات إسلامية " وهي : الأزهر في القاهرة ، والزيتونة في تونس ، والقرويين في فاس ، وهذه جميعها كانت في المناطق التي تغلب فيها المذاهب السنية ، وتميزت النجف الأشرف بأنّها تحوي مؤسسات للفقه الشيعي .." (5 )
ونظراً لنشوء مذاهب فقهية تحكم تصورات الناس الذين يعتنقونها ، فقد تخصصت كل مدرسة من المدارس بالمذهب السائد في قطاع عملها من المذاهب الأربعة : الشافعي والحنبلي والحنفي والمالكي ، ونادراً ما يُدرس أكثر من مذهب واحد في المدرسة الواحدة ، كما بينا سابقاً . ولم يسمح بتدريس أي تشريع آخر غير الشرع الإسلامي كالقانون اليوناني أو الروماني ...
هذا ما دفع التعليم والتربية العربية نحو الخصوصية الدينية ، وتحولت المدارس إلى مؤسسات انتقائية تقبل التلاميذ التابعين لمذهب من المذاهب دون المذاهب الأخرى . مما أعاق مبدأ " الشمولية العلمية " .
.. علماً بأنّ الطبيعة المؤسسية للجامعات بالذات ( وهي الكيانات المستقلة ذاتياً من الناحية القانونية ) هي التي أعطتها قوتها الدافعة في الغرب وميزتها عن المدارس العربية الإسلامية ، كما سنبين لاحقاً ، إذ حلّ فيها الفرد المقيد محل الهيئات المستقلة ، إذ كان الشيخ ( المدرس ـ شخص بمفرده ) يمنح الإجازة للدارسين ، وليس هيئة أو الدولة بعكس أوروبا .
الطب :
جاء في مقدمة ابن خلدون " .. وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين جالينوس." (6)
ومن المعروف تاريخياً أنّ كتاب " القانون في الطب " لابن سينا كان من أوائل الكتب التي طبعت بأصله حوالي سنة 1593 م في روما ، وذلك بعد فترة وجيزة من دخول الطباعة إلى أوروبا .
بنيت المستشفيات في البلاد العربية ، أو ما عرف بالبيمارستانات ؛ وهي مستشفيات تتكون من عدة أقسام : جناح للرجال وآخر للنساء ، ومقاصر للجراحة وأخرى للأمراض الداخلية وسواها لأمراض العين . وكان للمجانين مقاصير مقتطعة منه . بالإضافة إلى مقصورة كبيرة (صيدلية) تحفظ فيها الأدوية على اختلاف أنواعها .. ويتألف فريق القائمين على البيمارستان من الطبيب وكحال (للعيون ) وصيدلي خبير بمزج الأدوية وممرضون وممرضات وخدم ، وعلى رأس هؤلاء الناظر .
وأصبحت البيمارستانات مراكز لتعليم الطب والتدريب فيه والاهتمام بالصيدلة .
وقد تميز تدريس الطب بشيء من الحرية وعدم خضوعه لرقابة الدولة ، في كثير من الأحيان .
وكان ابن علي الدخوار ، أحد كبار المدرسين والأطباء ، يعلم الطب في بيته. وهذه هي التي عرفت بالمدرسة الدخوارية ، والتي كانت لا تزال قائمة على تعليم الطب في القرن الثامن هـ / الرابع عشر م." (7)
علم الفلك العربي
يعدُّ المرصد شكلاً من أشكال المؤسسات العلمية في الإسلام . أُسس مرصد مراغة سنة 1259 في جنوب تبريز ( غرب إيران ) ، وكان بذلك قمة ما وصله علم الفلك في الإسلام والعالم . ويبدو أنّ هذا المرصد قد أُسس تحت مظلة أحكام الوقف ، تحت إدارة الباحث الديني والعالم نصير الدين الطوسي .. وقد تم تحطيم عدد من المراصد الأخرى بسبب ما قيل عن ارتباطها بالتنجيم والتنبؤ بعلم الغيب الذي لا أحد يعلم به إلاّ الله .. يرى الكثيرون الهدف الأكبر وراء إنشاء مرصد مراغة كان تنجيمياً .(8)
لقد حقق العرب إنجازات هامة في علم الفلك ، تثير الإعجاب إلى حد يدعو للتساؤل عن السبب الذي منعهم من اتخاذ الخطوة الأخيرة باتجاه الثورة العلمية الحديثة ، فالنماذج التي وضعها ابن الشاطر كررها أو قلدها كوبيرنيكوس . (9) مما يدل على أنّ الفتح الذي مهّد لعلم الفلك الحديث قد أنجزه العرب في خرائطهم ونماذجهم المعروفة لقرون قبل الأوروبيين ، لكن علم الفلك الحديث ذاته لم يصل عندهم إلى ذروته لعجزهم عن اتخاذ الخطوة الحاسمة المتمثلة في وضع هذه النماذج في الإطار الجديد الذي يضع الشمس في المركز ، وهو الأمر الذي جرؤ كوبيرنيكوس على فعله . في الوقت الذي ظلّ فيه العرب ، بضغط من السلفيين ، حتى القرن التاسع عشر يؤكدون ثبات الأرض وفساد أي شكل من أشكال مركزية الشمس .. في هذا المجال يمكن القول أنّ العلماء العرب لم يأخذوا بمبدأ الشك ولم يستطيعوا التحرر من التصورات المحدودة للكون .. وأخذ العلم العربي يتدهور .
تدخل رجال الدين في المسائل العلمية :
أعطت طبيعة الحكم الإسلامي ، والصيغة الأيديولوجية المعتمدة ، الحكام السياسيين قدرة على تقرير نوعية الأحكام الشرعية التي تناسب نظام حكمهم ـ ويمكن تعميم تلك الحالة على آلية الحكم اللاحقة في هذه المنطقة ـ إذ أنه واستناداً على صيغ الشريعة ، لم تطور الإجراءات القانونية أو الصيغ الملزمة التي تسمح بمساءلة الأمير أو السلطة التنفيذية عن أفعال تخالف القانون . وقد مارست السلطة القضائية المكونة من العلماء وظائفها على مر التاريخ الإسلامي بموجب تفويض من السلطة التنفيذية ، ولذا كانت خاضعة لها .
ظهرت في القرن الثالث عشر والرابع عشر شخصيات دينية قوية ، استطاعت باستغلال مراكزها الدينية أن تخيف الحكام وتجبرهم على التمسك بالمواقف الدينية ( تجاه العلوم الطبيعية ) فالشيخ ابن الصالح لم يسمح لدمشقي أن يدرس المنطق والفلسفة .. ومارس الفيلسوف الإسلامي والسلفي الكبير ابن تيمية (1328) نشاطه الاجتماعي والعلني باسم الدين وذهب مع أصحابه إلى الدكاكين المحلية وأفرغوا منها زجاجات الخمر وكسروها .(10)
ولم يحصل استقلال بين ممارسة العلم وشغل الوظائف الشرعية والدينية عند العلماء العرب ؛ فقد شغل الفلكي العربي العظيم ابن الشاطر (القرن الرابع عشر) مهمة مؤقت الجامع الأموي . وكان الفيلسوف ابن رشد قاضياً في قرطبة وأشبيلية على سبيل المثال .
ومن ميزات الحياة الفكرية الإسلامية في العصر الوسيط ، وجود هوة سحيقة تفصل العامة ( الذين لم يتبحروا في عالم المعرفة ) والمتعلمين ، مما دفع الفلاسفة ، وعلى رأسهم ابن رشد ، إلى الدعوة لاستعمال شكل من أشكال التعبير للعامة ، وآخر للخاصة ، واعتماد مبدأ التكتم لأنّ المواطنين العاديين ( العامة ) غير قادرين على فهم حقائق الفلسفة العليا . أو على فهم "المعنى الداخلي" للنصوص القرآنية . مما لا شك فيه أنّ هذه الأساليب تتنافى وخليقة العلم التي تنشد الإيجاز والوضوح في العبارة والتوصل إلى معايير الشمولية والجماعية
كلّ ذلك لم يساعد في "تجنس" أو تبييء العلم (أي اكتسابه الهوية المحلية) ..
مناهج وطرق التدريس ومنح الإجازات العربية :
لم يكن هناك منهاج موحد في جميع المدارس العربية الإسلامية ، بل يعتمد البرنامج التدريسي على معرفة الشيخ المدرس ..
يمكن تقسيم المواضيع التي كانت تدرس في المدارس العربية إلى علوم أساسية وعلوم مساعدة ؛ تضم العلوم الأساسية : القرآن وتفسيره الأحاديث النبوية ، جمعها وروايتها ، سير رواة الحديث والصحابة ، أصول الدين ، أصول الفقه ، تراث المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه الدارس ، ثم يدخل في الاختلافات القائمة ضمن مذهبه وبين مذهبه والمذاهب الأخرى وينتهي الأمر بالجدل .
أما العلوم المساعدة فتضم المواد التالية : البيان ، والبلاغة ، والنحو ، المعاجم ، الاشتقاق ، الصرف ، الوزن والقافية والعروض ، تاريخ القبائل ، الحساب لتحديد الإرث الشرعي ، الفلك لتدقيق مواعيد الصلاة والجهات ، علوم الطب .
"طورت المدارس كذلك إلى جانب استنساخ المواد الفقهية وحفظها ، طريقة في المجادلة يطلب فيها من التلاميذ تنمية قدرتهم على إيجاد "المسائل الخلافية" ويرى بعض الباحثين أنّ هذا هو أصل المنهج المدرسي scholastic في الإسلام (وربما في الغرب)... وأدى إدخال طريقة الجدل المسماة بالتعليقة ( التعليق على تعاليم الشيخ ) إلى دعم المذهب الشرعي القائم وليس إلى تنظيم جديد للمفاهيم والمبادئ .(11)
تطورت الصوفية والجدل في السياق الأوروبي لتبدع المنهج الديالكتيكي الذي يمتاز بالدينامية . أما في الإسلام ، حيث أصبح الجدل أساساً للتعليقة ومصدراً لتصيد الاستنتاجات التي تقزّم وتفضح عيوب الشخصية والأفكار التي يتم انتقادها مهما كان مستواها ومركزها .
وأصبح منهج الجدل الإسلامي والتعليقة مصدراً للعداوة بين الأطراف المتجادلة ، كما حصل بين الغزالي وشيخه الجويني نتيجة التعليقة الثانية التي أعدها الغزالي حول أعمال شيخه . فقد روي أنّ الشيخ قال بعد أن قرأ التعليقة : "أحرقتني حياً . أما كان بإمكانك الانتظار حتى أموت ".
لم توجد هيئة تدريسية خاصة بالتدريس أو الامتحان . وارتبطت طريقة منح الشهادات (الإجازة ) في المدارس ـ أي السماح بنقل المعلومات التي تلقاها التلميذ ، ولا سيما الكتب ـ ارتبطت بنسخ كتاب معين أو مجموعة من الأحاديث النبوية ، أو أقوال وردت عن الصحابة .
إنّ دراسة الحساب والفلك في المدارس العربية الإسلامية كانت لأغراض وغايات شرعية دينية ، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك سقفاً لهاً ، أما دراسة العلوم الأخرى غير الواردة في التصنيف أعلاه فكانت تجلب المآسي على أصحابها ، فمن يتميز على سبيل المثال بمعرفة علوم اليونان يصبح هدفاً للفقهاء السلفيين يصدرون الفتاوى ضده .
ظهور العلم الحديث وتأسيس الجامعات والمناهج العلمية في الغرب :
يعدّ بعض المؤرخين انتشار مرض الطاعون أو ما سمي بـ" الوباء الأسود " أو "الموت الأسود " في أوروبا ، في الفترة ما بين منتصف القرن الرابع عشر الميلادي ، وحتى المنتصف الثاني من القرن الخامس عشر ، والذي قضى على ملايين البشر ، نقطة تحول رئيسية في تطور العقل الأوروبي .. أثر ذلك على تطور أوروبا و مقاربة العلم فيها .
" ذهب بعضهم إلى أنّ انتشار المرض ناتج عن الأوضاع الخاصة بالنجوم إذ ذاك . وقال غيرهم أنّ اليهود هم السبب ، فكان ذلك مدعاة إلى ملاحقتهم وتقتيل الكثيرين منهم . وادعى آخرون أن الفسق المنتشر بين الرهبان هو الذي جرّ هذا البلاء .
ليس المهم أنّ البشر عجزوا في ذلك العصر عن اكتشاف سبب الوباء . فستبقى تظهر أمراض لن يعرف البشر أسبابها وعلاجها مباشرة . ولكن المهم أنّ الأوروبيين في القرن الرابع عشر لم يكونوا يسيرون في الطريق الصحيح الذي يمكن أن يوصلهم إلى معرفة السبب. إنهم كانوا يكتفون بإرجاع الحوادث إلى الإرادة الغيبية التي لا سبيل لنا إلى إدراكها ، أو يحكمون عليها بالاستناد إلى أقوال القدماء الذين لم يكونوا يعرفونها ، عوضاً عن أن يلاحظوا هذه الحوادث بأنفسهم ملاحظة دقيقة، منظمة، ويستنبطوا منها النتائج الصحيحة."(12) ولم يستطع الأوروبيون معالجة سبل تقدمهم وتطورهم حتى امتلكوا طرق البحث العلمي السليم وأخذوا بها .
نظرية كوبرنيكوس :
ثم جاءت النقلة العلمية الجبارة ـ كما مرّ معنا سابقاً ـ على يد العالم البولوني كوبرنيكوس الذي ألف كتاباً في ( تطورات الأجرام السماوية ) بعد أن قضى عشرين عاماً يدرس حركات الكواكب حتى تبين له أنّ نظرية بطليموس في الأفلاك ليست صحيحة ، فقال إنّ الاختلافات الظاهرة في حركات السيارات هي نتيجة طبيعية لحركة الأرض ، وأنّ جميع الحسابات عن حركات الكواكب تبقى صحيحة إذا اعتبرنا الشمس مركز العالم وقلنا إنّ الأرض والسيارات الأخرى تدور حولها . وقد تردد كوبرنيكوس اثنتي عشر سنة قبل أن يطبع كتابه خوفاً من اتهامه بالزندقة . ولكنه قرر أخيراً نشره فظهر في سنة 1543 م قبل وفاة المؤلف بعدة أيام فقط .
ظلّ كوبرنيكوس في زوايا النسيان مدة نصف قرن إلى أن انتبه إليه ثلاثة علماء من أمم مختلفة هم: (تيخو براهة) الدانيماركي ويوهان كبلر الألماني وغاليلو غاليلي الإيطالي.(13)
الجامعات الأوروبية
ترافقت الاكتشافات العلمية والنقلة نحو العلم الحديث مع ظهور الجامعات في أوروبا ، وتمتع تلك الجامعات بالاستقلال القانوني وبالكثير من الحقوق والامتيازات القانونية . انبثقت أغلب الجامعات عن الكنيسة ، وبعضها نشأ بشكل مستقل عن المؤسسة الدينية ، إلاّ أنّها لم تتجاهل التعاليم الدينية المسيحية ، كجامعة بولونيا في إيطاليا على سبيل المثال .
يمكن إيجاز نقاط اختلاف الجامعة الأوروبية عن المدارس العربية الإسلامية في عدد من الأمور التنظيمية والمنهجية أهمها : الشكل المؤسساتي والنظام الإداري المعتمد على التنظيم القانوني المستقل عن الدين ، ، والمناهج ذات المنحى الفلسفي والميتافيزيقي وأسلوب الحفظ ، وطريقة الامتحان ومنح الشهادات من قبل هيئة التدريب .
كان للصفة المؤسساتية الخاصة بالجامعات الأوروبية أهمية كبرى ، لأنّ هذه الميزة أثرت في مسار التعليم والتنظيم داخل مؤسسات التعليم العالي .. فصفة المؤسسة تتجاوز الأشخاص سواء أكانوا أعضاء مجالس الإدارة ، أو مديرين ..
أما بالنسبة للمناهج فقد كانت العلوم الطبيعية أساس التعليم الجامعي القروسطي ومحوره ، وغدت أعمال ارسطو الخاصة بالعلوم الطبيعية جزءاً مهماً من أجزاء الفلسفة الثلاثة في المنهاج الدراسي للجامعة ، وهي "الفلسفة الطبيعية " و "في السماء " و " في الخلق والفساد" و "في النفس" و "الآثار العلوية" و "الأعمال الصغرى عن الأشياء الطبيعية" بالإضافة إلى كتبه في علم الأحياء مثل"من تاريخ الحيوانات" و"أجزاء الحيوانات" و"خلق الحيوانات"(14).
وقد درست هذه الكتب العلمية إلى جانب الفنون السبعة الحرة ، أي الثالوث ( النحو والبلاغة والمنطق ) والرابوع ( الحساب والهندسة والفلك والموسيقى) واندمج الرابوع في الفلسفة الطبيعية وتوسع مداه فحل الجدل والفلسفة محل الفنون الحرة الأخرى (15)
ونشطت الترجمة بشكل لم يسبق له مثيل وشملت نقل التراثين اليوناني والعربي إلى أوروبا وأتاحت الحصول على أعمال ارسطو وشرحه ، إلى جانب الأعمال الأساسية الأخرى اليونانية والعربية في فترة لا تكاد تبلغ القرن الواحد ، وبذلت هذه الجهود في أسبانيا وصقلية وشمال إيطاليا ..
علاقة أم العلوم ( الفلسفة) العربية والأوروبية بعلوم الشريعة والدين
بما أنّ الوقف هو الوسيلة الشرعية الوحيدة أو الشكل التنظيمي الوحيد المتاح في الإسلام للقيام بالأعمال الخدمية ، فقد ارتبط تنفيذ تلك الأعمال بشرط ألا تستخدم لأي غرض يتنافى أو يتعارض مع الإسلام نصاً وروحاً . وهكذا عندما بدأت حركة إنشاء المدارس العربية الإسلامية (الكليات) ، في القرن الحادي عشر ، استبعدت منها الفلسفة واللاهوت والعلوم الطبيعية .
وجرى التمييز بين العلوم الإسلامية وعلوم الأولين . ومن أهم المسائل التي شغلت المفكرين الإسلاميين مسألة ما إذا كان العالم مخلوقاً أو قديماً ، وما إذا كان الله يدرك الخصوصيات أو الكليات ، وإن كان الإنسان مسيراً أم مخيراً ، وما إذا كان هناك بعث جسدي، وهو ما أنكره الفلاسفة وأكده بعض العلماء المسلمين . وساد اعتقاد بأن البحث الفلسفي اليوناني في تركيزه الشديد على بعض الأفكار الميتافيزيقية خاصة كان يتعارض والمعتقدات الإسلامية ، فالتصور الكوني في الإسلام كان يتعارض مع كثير من معتقدات الفلسفة اليونانية ، خاصة أفكار ارسطو الفلسفية التي تقول بقدم العالم وأنّه خالد أزلي ، تلك الأفكار التي تتعارض بشكل أساسي مع المسيحية والنظرة الإسلامية ، ولم تكد أعمال ارسطو وتعاليمه تترجم إلى العربية وأخذ العرب يكتشفون ما انطوت عليه هذه التعاليم حتى حصلت مجابهة قوية . وكانت النتيجة أن أخذ المترجمون العرب للأعمال الفلسفية اليونانية ينتقون ما يترجمون وما لا يترجمون ـ فمالوا مثلاً للتراث الغيبي الأفلاطوني الذي وجده كثير من الفلاسفة المسلمين متفقاً مع مشاعرهم ، وأهملوا أعمالاً أخرى لأفلاطون تتعارض والتراث القرآني .. وانتشرت حالات حرق الكتب . هذا لم يمنع عدداً من الفقهاء من إتقان بعض علوم الأولين .. وكان الفقهاء والمتكلمون والفلاسفة أهم الفئات من بين الجماعات البارزة فكرياً . وأدى ذلك إلى نشوء الفلسفة الإسلامية وولادة اللاهوت الإسلامي (أو علم الكلام ) أي علم الدين أو المجادلة الذي حاول إثبات المبادئ الدينية باستخدام الوسائل الفلسفية . وكانت حركة المعتزلة أو من يدعون بالعقليين الإسلاميين أقدم هذه الحركات اللاهوتية وأهمها . لكن المعتزلة هزموا بعد عدد من الانتصارات المبكرة، بحيث تعرض علم الكلام نفسه للنقد الشديد على يد التقليديين .
هاجم ابن قدامة علم الكلام في القرن الثالث عشر بقوله : "ما من أحد درس علم الكلام إلاّ أصيب بفساد في عقله " . جعلت بنية الفكر والعواطف في الإسلام في القرون الوسطى ( جعلت ) طلب العلوم العقلية وعلوم الأولين أمراً يثير الشكوك ، إذ قللت من احترام الدارس للشريعة . فهوجمت الفلسفة باعتبارها من "العلوم الملعونة" "الحكمة المشوبة بالإلحاد " ، وقل احترام الناس لمن يدرس الفلسفة أو ينشرها في العالم العربي الإسلامي ، وإن حظي فيلسوف بارز على احترام عامة الناس فإنّ ذلك بسبب حاجة الناس لعلوم الطب التي اشتهر بها ، لكن ذلك لا يمنع مهاجمة آرائه الفلسفية التي قد تكلفه السجن وحتى حياته .
... لكن الأوروبيين خلافاً للمسلمين لم يرجموا الفلسفة ويستبعدوها من مدارسهم وجامعاتهم ، بل تعاملوا بحكمة معها وجعلوها في صلب المنهاج الدراسي الجامعي . وكانت النتيجة ، كما لاحظنا من قبل ، إدخال مادة الفلسفة العقلية والطبيعية والأخلاقية في المنهاج الدراسي ، ومن ثم منح الفلسفة ( بما في ذلك الفلسفة الطبيعية ) استقلالها الذاتي ضمن الجامعة ، وهذا ما لم تحصل عليه مؤسسات التعليم العالي العربية الإسلامية . مما أصاب العلوم العربية بنكسة كبيرة وفقدانها لفرصة ذهبية لم تعوض حتى الآن .
أثر سيادة القانون ونظام المؤسسات في الغرب على تطور العلم الحديث :
يؤكد العديد من الباحثين والمؤرخين أنّ ظهور القانون في أوروبا كان من ثمار "الصراع الذي حصل في أوائل القرن الثاني عشر في أوروبا بين الكنيسة والدولة حول مسألة تقليد المناصب في الكنيسة أو ما يسمى التنصيب أو الترسيم . فقد استمر الإمبراطور بتقليد بعض من يرشح لمناصب في الكنيسة (الخاتم والعصا) حتى حرمها البابا غريغوري السابع ..
وفي حوالي عام 1120 م " أعلنت السلطة البابوية في الكنيسة تحررها من سيطرة الدول ، وتخلصها من التدخل في تعيين رجال الدين وإدارة شؤونهم . كسبت الثورة البابوية الصراع .. كانت معركة فكرية وقانونية . أنتجت أول نظام قانوني شمولي هو القانون الكنسي (قوانين الكنيسة لـ غريشن 1140) ، وكبحت البابوية من جماح التدخلات من خارج الكنيسة .. وقيدت في الواقع امتيازات السلطات الدنيوية ، بوضعها نظام قانوني جديد .. وخلقت بذلك " أول نظام قانوني غربي حديث " . كما أدى هذا التعديل الثوري " إلى مولد الدولة الغربية الحديثة ـ التي كان المثال الأول عليها هو الكنيسة نفسها (وليس الدولة العلمانية) ـ مع ما في ذلك من مفارقة مارست الكنيسة منذ ذلك التاريخ فصاعداً كل الوظائف القانونية للدولة الحديثة . طبقت لنفسها قوانينها ونظامها الهرمي وحكم البابا من خلال ممثليه .
وأقامت مثالاً تحتذيه الحكومات الدنيوية لتنظيم أمورها وتأسيس محاكمها واختيار موظفيها ، وتنفيذ قوانينها من أجل أن تحكم في حقولها السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وقد مهد انفصال البابوية عن السلطة الدنيوية لتطور البنى القانونية الدنيوية المماثلة وشجع عليه . وبينما كانت السلطة البابوية تميل إلى توسيع مجال عملها والتأكيد على سيطرتها على مساحات واسعة من الأمور المدنية والعائلية ، كالزواج والعائلة والإرث والطلاق وما إلى ذلك، فإنّ سلطة السيطرة على هذه الأمور كانت تستند إلى العرف والقانون الروماني أكثر من استنادها إلى الأوامر الكتابية (نسبة إلى الكتاب المقدس ) . وهذا هو السبب الذي جعل السلطة البابوية مضطرة فيما بعد للتنازل عنها للسلطات الدنيوية . وتضمن القانون الكنسي أموراً دينية دنيوية ..." (16)
بهذا الشكل أنتج المشتغلون بالقانون الكنسي نظاماً قانونياً جديداً ، وقاد ذلك إلى علم القانون بوصفه حقلاً معرفياً مستقلاً يحقق شروطاً منهجية معينة .. وإلى المنطق القائم على مبدأ سلطة العقل وشرعيته ..
وفي الوقت الذي نودي في الغرب بمبدأ سلطة العقل وشرعيته ، وأكد فيه حكام الغرب وحماتهم عن حقهم في أن يكونوا مصدر التشريع .. ولم تسمح المدارس الإسلامية بتدريس أية مادة في القانون غير الشريعة الإسلامية .. وبينما ارتبطت معالجة القضايا القانونية في الغرب بآراء المحامين ، فقد ارتبطت معالجتها في العالم العربي بالفتاوى التي اختلفت من شخص لآخر ، وهكذا يطلب المسلم أحكاماً بديلة لمسائل شرعية من أكثر من فقيه ..
وأسست الاصلاحات القانونية لأفكار سياسية جديدة مثل الحكومة الدستورية ، والموافقة على القرارات السياسية ، والحق في التمثيل السياسي والقانوني ، والقدرة على التقاضي ، والولاية القانونية ، بل حتى سلطة التشريع المستقلة ومهد ذلك للثورة العلمية والإصلاح الديني ..
خلقت الترتيبات المؤسسية الجديدة ونمو مؤسسات المجتمع المدني في أوروبا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر مناخاً لم يكن بالإمكان تصوره في العالم العربي والإسلامي، مناخاً تجري فيه الدراسة الطليقة والنقاش العلني للفلسفة والعلوم الطبيعية في مؤسسات الدولة المعترف بها قانونياً .
ومهدت كل هذه المقدمات إلى مفهوم الحرية الأكاديمية...
في مفهوم الحرية الأكاديمية
الحرية الأكاديمية هي اعتراف السلطة الحاكمة ( الدينية أو المدنية ) بالاستقلال الذاتي للمؤسسات التعليمية (الإدارة الذاتية ، تنظيم الكليات ، إقامة محاكم داخلية خاصة بالجامعات) ، والاعتراف كذلك بالامتيازات الخاصة التي يتمتع بها الأساتذة والطلبة والعاملون فيها مثل : حرية السفر والتنقل بأمان .. وحدود الحرية الأكاديمية هي أن تمارس بمسؤولية ، وعدم استغلالها بغرض الدعاية والتضليل ، والتدخل في حرية الآخرين .. واحترام القوانين الموضوعة لخدمة مطبقيها ..
في بحث كانط حول الكليات الجامعية ، وهو آخر كتاباته نشرت عام 1798 ، يرى أن الخلاف بين كليتي الفلسفة واللاهوت أو الفلسفة والحقوق ، لا ينبغي اعتباره خلافاً بين المفكر والدولة ، ذلك أنّ من شأن المفكر أو الفيلسوف أن يراجع أو يقيم أطروحات الكليات الأخرى سعياً للوصول إلى الحقيقة ؛ وذلك يخدم في المحصلة النهائية مصلحة الدولة . فالذي يراه كانط أنّ حرية البحث ضرورة للعقل البشري من أجل أن يتقدم ، وهو قد يصطدم في بحثه بالسلطات السياسية والسلطات الدينية . وهنا يكون عليه أن يجد مخرجاً يُبقي على البحث الفلسفي الحر من أجل التقدم وتربية الشعب ، دونما خروج عن نظام الدولة .(18)
وأول ما يتبادر إلى الذهن سؤال حول كيفية تعامل المؤسسات العلمية العربية مع مفهوم الحرية الأكاديمية ، وهل يستطيع العلم أن يتطور من دونها ؟! هذا ما يقودنا إلى البحث في واقع المؤسسات العلمية العربية في العصر الحديث .
آلية تطور البحث العلمي في العالم العربي في العصر الحديث
في النصف الأول من القرن العشرين نشأت بعض الجامعات في عدد من الدول العربية كمصر وسوريا ولبنان ، وتأثرت بالأنموذج الغربي ، الذي تميز بتمتع أعضاء الهيئة التعليمية بحرية وصلاحية واسعتين في إدارة الجامعة ، وفي عمليتي التدريس والبحث العلمي.
و تمتع أغلب تلك الجامعات العربية بالاستقلال النسبي عن الصراعات السياسية ، وإن ظلت تتلقى معونات من الدولة .. واتفق على أن تكون الصبغة العلمانية هي التي تحكم العمل الجامعي ..
هذا لا يعني أنّه تم التخلص نهائياً من مسألة التدخل الخارجي في الشؤون الجامعية ، بل استمر التدخل في العمل الجامعي بهذا الشكل أو ذاك ، الذي تجلت أوضح صوره في المحاولات المتتابعة لإبعاد الدكتور طه حسين عن كلية الآداب ، وكانت المرة الأولى في عام 1926 بعد أن ظهر كتابه في الشعر الجاهلي . وقد فشلت هذه المحاولة بفضل القضاء المصري المستنير ، والمرة الأخرى عام 1932 حين رفض طه حسين وكان عميداً لكلية الآداب ، أن يمنح الدكتوراه الفخرية لبعض السياسيين ومنهم إسماعيل صدقي رئيس الحكومة آنذاك ، فما كان من حلمي عيسى ، وزير المعارف ، إلاّ أن نقل طه حسين من الجامعة إلى وظيفة في بديوان الوزارة ، وقد حاول أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد مدير الجامعة ، أن يقنع الوزير ورئيس الوزارة بالعدول عن هذا القرار ، فلما خاب مسعاه قدم استقالته وترك الجامعة إلى أن استقالت حكومة صدقي ..
كما أنّ الدول العربية لم تراع تقليد عدم التدخل في العمل الجامعي بعد الاستقلال ، وخاصة بعد وصول أنظمة جديدة إلى الحكم وحصول تغيرات سياسية فيها ، في ستينيات القرن الماضي ، التي تأثرت بالأنموذج السوفيتيي في التعليم العالي ، فربطت جامعاتها ومؤسسات التعليم العالي الأخرى بوزارة للتعليم العالي وذلك من أجل ضمان إشراف الدولة على التعليم العالي في مستويات التخطيط والإدارة والتدريس والبحث العلمي ، وكان من نتائج ذلك أن أصبحت مؤسسات التعليم العالي في هذه الدول توجّه من الخارج ، وضعفت مجالسها الأكاديمية والإدارية في التأثير في مسيرتها العلمية وتطويرها . إذ اعتبرت تلك الأنظمة السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني كافة بما فيها المدرسة والجامعة هي إحدى أولوياتها لضمان الاستقرار السياسي لصالحها .
واستخدمت الأنظمة الجديدة معايير تمييز مزدوجة في التعامل مع الأساتذة بمحاباة الأنصار والتضييق على المعارضين بالفصل أو المنع من الترقي ، والاعتقال خصوصاً لأصحاب الرأي من الأساتذة المختصين في البحث . كما حصل على سبيل المثال في عام 1954 بعد حل الأحزاب وتعطيل البرلمان وإلغاء الدستور في مصر ، فقد تم فصل 42 من أساتذة الجامعة في القاهرة ممن وقعوا على " وثيقة الدفاع عن الديموقراطية " من الاتجاهات السياسية كافة . وفي عام 1981 نقل السادات 60 من الأساتذة من مناصبهم إلى أعمال أخرى، لأنّهم اختلفوا مع اتجاهات النظام بصدد السلام مع إسرائيل(21 ) . وإذا تابعنا أخذ أمثلة من دول عربية أخرى فإنّ القائمة ستطول ..
وبعد إفراغ الجامعات من الكادر القديم أخذت تلك الدول تعمل جاهدة لخلق جهاز تدريسي جديد من الأنصار والموالين ، وساعدها في ذلك فتح جامعات الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية مجاناً أمام كوادر الدول المستقلة حديثاً وخاصة التي سميت بالتقدمية ومنحها لهم شهادات الدكتوراه بكثافة ، وأحياناً من دون جدارة ، بحجة خلق كادر مؤمن بالاشتراكية يقطع الطريق أمام التبعية للغرب الرأسمالي .. ومن الضروري الاستدراك هنا والإشادة بالدور الذي لعبته الدول الاشتراكية في نشر العلم في العالم ، ولكن المسألة التي يجب التوقف عندها ملياً هي آلية الاستفادة من تلك الكوادر وهل فعلاً فسح المجال أمامها للعمل العلمي ، أم وضعت أمامها مهام أخرى لا علاقة لها بالعلم ولا بالبحث العلمي ، وأصبحت جزءاً من آلية صممت لخدمة الأنظمة والحكام وليس العلم والبحث العلمي .. .. وأصبح أغلب هؤلاء الأساتذة ( الدكاترة ) الأنصار والموالين يشكلون هيئات التدريس في الجامعات ، الخاضعة لإرادة خارجية .. يستغلون مناصبهم ودروسهم للدعاية السياسية لمصلحة حزب ما .. وفي نفس الوقت تجد عدداً من الطلبة ذوي التوجهات السياسية المناوئة يتصدون لأساتذتهم الذي يلقون دروساً وأفكاراً مناوئة لقناعاتهم السياسية .. ويأخذ هذا السجال منحى تناحرياً ضيق الأفق ، لا منحى الحوار العلمي المتحضر ، يزداد من خلاله كل طرف انغلاقاً وتعصباً ومناصرة وموالية لرأيه .. إن عرض هذه الصورة لا يعني الدعوة إلى إلغاء التباين في الآراء، بل أن تأخذ طابعاً علمياً حضارياً يخدم في نتيجته عملية التقدم العلمي ، وليس تسليم الحقيقة سلفاً لطرف معين ، والجمود والتقوقع وإلغاء الآخر ، حتى ولو استدعى ذلك إعادة كتابة التاريخ والعلوم من وجهة نظر حزبية جديدة .. كما تبين قرارات مؤتمرات العديد من الأحزاب في الوطن العربي ، والهيئات ومراكز البحوث والاتحادات والمجلات والصحف التي أنشأتها لهذه الغاية ..
ولما كانت أهم شروط الإبداع العلمي هي الشك والاستقلالية والحرية فإنّ الكوادر الموالية ولاء أعمى تفقد شروط البحث العلمي منذ نشأتها ، فالموالي المتعصب لا يمكن بأي حال أن يكون عالماً ولا مبدعاً ..
وفي نفس الوقت فإنّ المبدعين لا يرضون لأنفسهم أن يكونوا موالين ، فيُستبعدون من العملية العلمية إما طواعية أو إكراهاً .. هكذا أخذت تفرغ الجامعات والمعاهد العربية من العلماء وتبقى مكاناً لتفريخ الأنصار الموالين و" المصفقين في الأرض " ، وليس لإنتاج العلم ، مما ينعكس على العلم والمجتمع ككل ..
ونظراً لتابعية المؤسسات العلمية التامة في البلدان العربية إلى الأنظمة ، فإنّ الأخيرة تتحكم فيهما كما تشاء ، وتستخدم حتى لقمة عيش الأساتذة والباحثين العلميين وسيلة لإخضاعهم لإرادتها .. وهكذا يصبح كلّ نشاطهم ، مهما صغر شأنه أو كبر ، كمسألة المساهمة في الندوات والملتقيات العلمية في الداخل والخارج حكراً على الأنصار الموالين الذي يكون أغلبهم غير مستعد لها ، مما يجعل الفائدة منها تقتصر على المنحة المادية التي يتلقاها المشارك .. وتبقى مسألة الفائدة العلمية في آخر المطاف .. وبمعنى آخر يعم نظام فساد " الدولة الأمنية " على الجامعات ومراكز البحوث ويكبلها .. ويزيدها تخلفاً بالإضافة إلى التخلف الكبير والمقصود أحياناً في توفر التجهيزات اللازمة لمصلحة الباحثين ، فتجد الكثير من الكليات تفتقر إلى المخابر وحتى الاتصال بالشبكات المعلوماتية ( الانترنيت ) ومراكز البحوث بحجج أمنية مختلفة .. هذا بالإضافة إلى الأرقام المالية الهزيلة التي تخصص للبحث العملي في العالم العربي ، والتي مع هزالها يذهب أغلبها إن لم يكن جميعها في طرق أخرى بعيدة عن العلم والبحث العلمي ضمن آلية الفساد الكرنفالية السائدة ..
ولمزيد من الإيضاح حول الحالة الراهنة للجامعات العربية نستشهد بآراء أحد أهم العاملين في هذا الحقل الدكتور طيب تيزيني الذي يرى بأنّه " حصل حصار للجامعات العربية ذو أبعاد ثلاثة : حصار السلطة السياسية ، وحصار السلطة الأمنية ، وحصار الخراب الاقتصادي .
فعلى الصعيد الأول ، جرى إنهاء الاستقلال العلمي للجامعة بإرغامها على الاندراج في بنية السلطة السياسية القائمة ، بحيث لا تتم تسمية رئيس لها أو رئيس قسم من أقستمها أو عميد كلية من كلياتها إلاّ بموافقة من سلطات عليا تبني قراراتها بناء على موازين قواها وأتباعها ، بعيداً عن الاحتكام إلى مبادئ وروائز علمية وأخلاقية وأيديولوجية ..
أما على الصعيد الثاني المتصل بحصار السلطة الأمنية العربية فيلاحظ أنّ الأجهزة الأمنية أخذت تخترق الجميع لتجعل منهم رجالها وأعوانها الذين يجدون وحدتهم فيها وصراعاتهم خارجها ..
وفي هذا وذاك يعاني الطلبة من أبالسة موظفين في سبيل اضطهادهم ، سواء في الامتحانات أم في الحياة الجامعية العامة . لقد ارتفعت "تسعيرات" النجاح في الامتحانات العامة وحلقات البحوث . وهذه التسعيرات تتخذ صيغاً متعددة ومفتوحة ، يبرز منها المال والجسد والوجاهات والولاءلت والبعثات الخ.. وإذا وضعنا هذا كله في اعتبارنا وأضفنا إليه ما يحدث من تراجع المناهج الجامعية ، وفي سياسات القبول الجامعي ومن غياب حتى الآن الأهداف الجامعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والعلمية ، فإننا حالئذ نجد أنفسنا أمام هياكل جامعية لا تملك من مسوغاتها الاجتماعية والعلمية إلاّ النزر القليل ، وعلى نحو لا يؤدي إلى خلق حالة عميقة من البحث العلمي والتنوير . "(22)
هكذا تفرغ العملية العلمية من محتواها إدارياً وتنظيمياً ، وتصبح عقيمة . ولإخراجها من هذا النفق لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تحررها والمجتمع من القيود المكبلة ، وتطلق حريتها النقدية والأكاديمية كشرط لا غنى عنه لأي تطور وتقدم .. ومما لا شك فيه أنّ الحرية الأكاديمية ترتبط بالمناخ الاجتماعي السياسي الذي تعمل فيه .. كما ترتبط بعوامل ذاتية وبنيوية أخرى ، تتجلى بوضوح عند مقارنة الممهدات المساعدة لتطور العلم في الغرب والكابحه له في عالمنا العربي ..
بدلاً من الخاتمة
* نكرر حقيقة أنّ العقل العربي كأي عقل بشري يمتلك كلّ مؤهلات الاكتشافات العلمية وتطويرها .. والعقل العربي ، كما بينا ، لم يعان من نواقص في استيعاب واكتشاف العلوم الأساسية ، ولم ينقصه الخيال النظري .. وتمتعت الحضارة العربية الإسلامية بميزات فكرية رافقتها عبر ماضيها الأدبي والعلمي ، وكان من المنطقي أن يتوقع من منجزاتها الفكرية في المستقبل أن تبّز منجزات الغرب .. وخير برهان على ذلك أنّ أساس عصر المعلوماتية يرتكز على علم الخوارزميات العربي..
إنّ أحد وجوه مشكلة تعثر العلم العربي يتعلق ببناء المؤسسات المستقلة والتي تتمتع بحريات النقد والشك والإبداع . فالتجرد والشك المنظم هي من أهم أركان البحث العلمي . إنّ أي اكتشاف علمي جديد لا بد أن يستند على الشك ونقد القديم ، فتطور العلم سيتعارض مع المصالح والمعتقدات القائمة خاصة التي تدعي الكمال وامتلاك الحقيقة، سواء كانت مبنية على أسس دينية، أو سياسية، أو اجتماعي،ة أو علمية، لأنّ العقلية العلمية تتصف بالشك وعدم التسليم بثبات الأمور على حالها .. ويعد الأخذ بهذا المبدأ الذي يعد من أركان البحث العلمي المبني من أهم الثورات التي عرفها العقل والفكر الإنساني .. وهذا ما افتقدته المجتمعات العربية فالمدارس كما بينا كانت تتبع للمذاهب الفقهية التي يديرها الشيخ وليس المؤسسة ، أو إلى النظام السياسي الذي يؤمن بحقائق ثابتة تلغي الآخر . في الوقت الذي يجب فيه من الفاعلين في الحقل المعرفي أن لا يكون لهم لون محدد ولا تشوبهم شائبة بسبب انتمائهم إلى مجموعات مختلفة : مجتمعية أو عرقية أو دينية أو مذهبية ، أو حزبية.. هكذا ظلّت قيم البحث المجرد والشك المنظم غريبة منبوذة في أوساط النخبة من المفكرين العرب الذين عملوا في الحقل المعرفي .. وترادفت فكرة الخلق والإبداع بشكل عام مع الضلالة ، إن لم نقل الزندقة . وأهم الخطوات التي تساعد العلم العربي في استعادة منهج تطوره السليم ، هي التخلص من تلك المعوقات ضمن بيئة اقتصادية اجتماعية سياسية سليمة ، تقود إلى مؤسسة علمية جديدة تتمتع بالحرية الأكاديمية والحماية القانونية، محررة من عقد الخوف من السلطان وطرق الافتاء المتخلفة التي تبيح دم العلماء على الرغم من مخالفة ذلك لجميع الشرائع السماوية..
كما أنّه من الضروري دراسة تأثير عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي على مسيرة العلم وتطوره . إنّ اعتماد المجتمعات العربية الإسلامية على الإنتاج الزراعي والواقع المناخي الملائم ، وتقبل العيش في حدود الاكتفاء الدنيا ، لم يضع أمام العرب نفس التحديات التي انتصبت أمام المجتمعات الأوروبية وساهمت في الانتقال إلى مرحلة التصنيع والثورة الصناعية التي تعد من دعائم تطور العلم والبحث العلمي ، إنّ التطور الاقتصادي الاجتماعي يدفع مسألة البحث العلمي قدماً إلى الأمام ، أما المجتمعات الاستهلاكية فلا توجد فيها البيئة المناسبة لتقدم العلوم . وإن لم تأخذ البلدان العربية بسبيل التقدم الصناعي، والتكامل الاقتصادي العربي، فكل حديث عن التقدم العلمي يبقى دون جدوى . وببساطة نقول من أولويات تطور العلم ربطه بالاقتصاد ، وتحويل العلم إلى فائدة يلمس الإنسان ضرورتها وفضلها .
ومما لاشك فيه أنّ أي بلد عربي ينشد التقدم العلمي عليه تدارك تلك السلبيات ، بعيداً عن الخوف والقوانين الاستثنائية الطارئة ، وخلق المناخ الديموقراطي الحر السليم للتطور السياسي والاقتصادي الاجتماعي والتقدم العلمي المبني على أسس مؤسسية حقيقية لا استعراضية أو كرنفالية ، وما لم نأخذ بالأسس الصحيحة للتقدم العلمي ستضيع أموالنا والجهود المبذولة هباء ، وسنبقى نجتر الإنجازات والانتصارات حتى يتقايأنا التاريخ ..
إنّ امتلاك العرب للمنهج العلمي السليم في كافة المناحي السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، هو السبيل الصحيح لانتصارهم في صراعهم التاريخي مع الصهيونية، وتحرير الأراضي العربية المحتلة وإحقاق حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته المستقلة، وليتبوأ العرب مكانتهم اللائقة بين الأمم المتحضرة.
ـــــــــــ
(1) مقدمة ابن خلدون ـ دار القلم ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الرابعة 1981 ص 543
(2) ـ فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ تأليف : توبي أ. هف ـ ترجمة د. محمد عصفور . ـ الكويت ـ العدد /260 التاريخ آب / أغسطس 2000م ص39
لمزيد من المعلومات انظر : Merton , in the Sociology of Science , p. 268-277
(3) كامل عياد ـ مقالات مختارة ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1994 ص478
(4) فجر العلم الحديث ـ تأليف : توبي أ. هف ـ ترجمة د. محمد عصفور . عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد /260 التاريخ آب / أغسطس 2000م ص203
(5) نقولا زيادة ـ مجلة " العربي " ـ العدد 516 ـ نوفمبر 2001 ص 56- 61
(6) مقدمة ابن خلدون ـ دار القلم ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الرابعة 1981 ص493
(7) نقولا زيادة ـ مجلة " العربي " ـ العدد 517 ـ ديسمبر 2001ص 52- 57
(8) فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد/260 التاريخ آب/ أغسطس 2000م ص204 . لمزيد من المعلومات انظر Sayili , The Observatory , p.202
(9) نفس المصدر ص203
(10) نفس المصدر ص206
(11) نفس المصدر ص 179-180 لمزيد من المعلومات انظر :
Makdisi , The Rise of Colleges , pp. 106-151
(12) كامل عياد ـ مقالات مختارة ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1994 ـ تحرير وتقديم ـ محمد كامل الخطيب . ص 474
(13) نفس المصدر . ص 479
(14) فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد/260 التاريخ آب/ أغسطس 2000م ص210 . لمزيد من المعلومات انظر : Grant , Science and the Medieval University p.69
(15) فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد/260 التاريخ آب/ أغسطس 2000م ص210 . لمزيد من المعلومات انظر
Paul Abelson , The Seven Liberal Arts , reprint (New York : Russell and Russell , 1965 )
(16) فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد/260 التاريخ آب/ أغسطس 2000م ص137-154 .
(17) نفس المصدر ص123-124 . لمزيد من المعلومات انظر :
Stiefel , The Intellectual Revolution , p.3
(18) حسن حنفي " الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط " ـ الفكر العربي 1981ص233
(19) انظر The Encyclopedia Americana , vol . 1 , pp. 66-67
(20) انظر ب . ديكنسون ، العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث . ترجمة شعبة اليونسكو . سلسلة عالم المعرفة : 112 الكويت 1987 ص188
(21) منى مكرم عبيد ـ الحريات الأكاديمية في مصر ـ المستقبل العربي ـ العدد 12/1994ص 97
(22) محمد عابد الجابري ـ بنية العقل العربي ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت 1990 ص12
(23) د. طيب تيزيني ـ من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني ـ دار جفرا ـ دمشق ـ حمص ـ 2001 ص 126-129
بانياس الثلاثاء 21/10/2003