|
أمن أجل هذا تطرد المرأة من رحمة الله
حسناء القنيعير
الحوار المتمدن-العدد: 2049 - 2007 / 9 / 25 - 10:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما يتوقف الكاتب عن الكتابة فترة قد تطول وقد تقصر بسبب سفره في إجازته السنوية، تتزاحم الأفكار في ذهنه ولا تنفك عن استفزازه لتحريضه على الكتابة والرجوع عما عزم عليه من عدم الانشغال بما يفسد عليه لذة الاستمتاع بالإجازة ليعود أكثر نشاطا وقدرة على ممارسة كل ما لديه من أعمال، لكن بعض الأفكار تبدو أكثر إلحاحا من غيرها ربما لرسوخها في الذهن، وربما لأن الكاتب يحاول إبعاد كل ما يشغله ذهنيا فتبقى هي الأكثر حضورا وإصرارا، ومن هذه الأفكار فكرة لعن المرأة في بعض الأحاديث، هذا الموضوع كان وما يزال يشغلني وكلما أردت الكتابة فيه تراجعت بسبب رسوخ هذا المفهوم في الأذهان وتقديسه بدرجة تفتح على الكاتب جبهات أولئك الذين اعتادوا على عدم إعمال عقولهم في النص ومقارنته بما جاء في القرآن وخصوصا لجهة عدم تعارضه معه، ثم التأكد من سند الحديث ومتنه .
ومن هذه الأحاديث حديث (لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والفالجة والمتفلجة المغيرات لخلق الله) . وقد ذكر الأستاذ يوسف أبا الخيل في صحيفة الرياض(الثلاثاء 11سبتمبر 2007، ص 7) بأن هذا الحديث "موقوف على ابن مسعود نفسه، وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أن الإمام مسلم ساق في صحيحه ضمن روايته للحديث قصة اعتراض امرأة من بني أسد تدعى أم يعقوب على ابن مسعود بقولها (ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله) فقال (وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله) فقالت المرأة (لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته) فقال ابن مسعود (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال تعالى (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)" ثم يعقب الأستاذ يوسف بقوله : "وهذه القصة توضح أن الحديث لم يكن من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان الأمر كذلك لما سمح ابن مسعود للمرأة بمناقشته في أمر نهى عنه من لا ينطق عن الهوى، بالإضافة إلى أنه لو كان مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم لما تجرأت المرأة - التي وصفها الخبر بأنها قارئة للقرآن - على الأخذ والرد بشأنه مع ابن مسعود رضي الله عنه" . انتهى
ولقد وجدت هذا الحديث في موقع وزارة الشؤون الإسلامية موقوفا على ابن مسعود ومن أراد معرفة المزيد عنه فليرجع للموقع، ولست هنا بصدد مناقشة نسبة الحديث للرسول ومدى صحة النسبة من عدمها فما ذكره الأستاذ يوسف لا يحتاج زيادة، لكن هذا الحديث قد حوته المناهج التعليمية ولم يتساءل أحد منا يوما عن صحة هذه النسبة ؛ لأن المناهج حسبما يقال تتحرى ولا تدرس من أحاديث الرسول إلا ما كانت نسبته إليه صحيحة ! ومما يثير العجب أن كثيرا ممن يتصدون للفتوى في شؤون المرأة يذكرون هذا الحديث منسوبا للرسول صلى الله عليه وسلم، أفلا يعلمون أنه حديث موقوف على ابن مسعود؟ ثم ألا يوجد مجال لإعمال العقل في حديث كهذا؟ ثم أليس من سبيل لتفكيك هذا النوع من الخطاب الذي يعد خطابا مغلقا يقوم على التلقين والاستظهار والإذعان والامتثال والترديد والتقديس؟ ثم كيف نوفق بين هذا الحديث الذي يتعلق بزينة المرأة وتجملها وبين آيات اللعن في القرآن؟ وكيف نوفق بين هذا الحديث وبين الأحاديث والآيات التي تتحدث عن رحمة الله بعباده؟ والحديث الذي ينص على "أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن عمل يدخلني الجنة، قال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم" . وقوله صلى الله عليه وسلم "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء".
فهل المرأة التي تقوم بكل هذه الأركان والفروض والواجبات لا تدخل الجنة إذا كانت تتنمص أو تضع خصلات تصل بها شعرها أو ترسم حاجبيها بالوشم؟
تجول كل هذه الأسئلة في ذهني كلما رأيت وجوه كثير من السيدات والفتيات اللاتي يتجملن بطريقة أو أكثر مما ورد لعن صاحبته في الحديث، ويزيد استغرابي كلما تذكرت أن اللعن في اللغة كما جاء عن الطبري "لعنهم أقصاهم وأبعدهم، واللعن الإبعاد والطرد من رحمة الله" فهل تطرد مسلمة ما من رحمة الله لمجرد أنها أزالت بضع شعيرات من حاجبيها أو رسمت وشما على جسدها أو وضعت توصيلة لشعرها وما إلى ذلك من وسائل التجميل التي شاعت في أيامنا هذه .؟ وكيف يسوغ ذلك فيما لو كانت أولئك النسوة مسلمات مؤمنات بالله وبرسله غير مشركات مقيمات أركان الإسلام وواصلات رحمهن؟ فكيف يطرد ن من رحمته لمجرد أنهن تجملن بزينة لا تدخل في نطاق الشرك أو كبائر الإثم والفواحش؟ ثم أين من يستشهدون بهذا الحديث من قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) 48النساء؟ ثم أين هؤلاء من رحمة الله بعباده؟ يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بسبي فرأى فيه امرأة تحمل طفلا لها وقد ألصقته بصدرها، فقال لأصحابه أتظنون هذه ملقية ولدها في النار.؟ فقالوا لا يا رسول الله، فقال والله إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها ! فالرسول عندما أراد أن يبين مقدار رحمة الله بعباده أتى بشاهد حي وهو الأم التي يدرك كل الخلق أنها أكثر الناس عطفا وشفقة ورحمة بوليدها، وهي الأم التي عندما أراد الله سبحانه أن يبين مقدار هول يوم القيامة وصفه بأنه اليوم الذي تلهو فيه كل مرضعة عما أرضعت ! أي إن الأم التي لا يلهيها شيء في الدنيا عن بنيها لفرط رحمتها بهم، تلهو عنهم يوم القيامة دلالة على عظم هول ذلك اليوم !! ومع هذا فالله أرحم بعباده منها بوليدها، فهل يدخل الله النساء في النار عقابا على تلك الممارسات التي لا تضر أحدا ولا تؤثر في عقيدة المسلمة وليست من الإثم الذي عرّفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" فتلكم الزينة لا تخفى على أحد ويراها كل الناس مما يخرجها من حيز الإثم .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولا يمكن أن يأتي بما يتعارض مع القرآن الكريم، ولو كان فيما تتزين به النساء مما ورد في الحديث إثم كبير لما أجازه بعض الفقهاء عندما يكون من أجل التزين للزوج ! فهل تلعن إذا تزينت لنفسها ولا تلعن إذا تزينت لزوجها؟ وهل يجيزونه لو كانوا متأكدين من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قامت به؟
لقد بحثت في القرآن الكريم عن الآيات التي جاء فيها اللعن، فوجدت إحدى وأربعين آية ورد فيها اللعن بمختلف اشتقاقاته، وجاء على النحو التالي :
1- إبليس (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) 78سورة ص، (لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) 118النساء .
2- الكافرون (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) 64الأحزاب، ومنهم الذين كفروا بعد إيمانهم (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم بالبينات والله لا يهدي القوم الظالمين، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) 86و 87آل عمران، ومنهم أيضا الذين كفروا وماتوا وهم كفار (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله) 161البقرة، كذا الذين كفروا من بني إسرائيل (لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) 78المائدة .
3- الذين يؤذون الله ورسوله (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) 57الأحزاب .
4- أصحاب السبت (فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت) 47النساء .
5- الذين نقضوا ميثاقهم من بني إسرائيل (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية) 13المائدة .
6- اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة (وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) 63المائدة .
7- الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من اليهود (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا .... ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) 46النساء .
8- الذين كذبوا موسى وعيسى (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون) 88البقرة
9- قوم هود (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود) 60هود .
10- فرعون وقومه (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود، وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) 98و 99هود (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) 42القصص .
11- الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) 51و 52النساء .
12- الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) 159البقرة .
13- الذي يقتل مؤمنا متعمدا (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما) 93النساء .
14- المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) 6الفتح .
15- الظالمون (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) 52غافر .
16- الكاذبون (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) 61آل عمران .
17- الذين ينقضون عهد الله والمقطعون أرحامهم والمفسدون في الأرض (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) 25الرعد .
18- الذين يرمون المحصنات (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة) 23النور .
ويتضح من الآيات السابقة أن عدد من لعنوا بلغ حوالي ثماني عشرة فئة، وكلهم قاموا بأعمال شنيعة تتعلق بالكفر والشرك بالله ومخالفة أوامره وتكذيب الرسل وإيذاء الله ورسوله، وبعض تلك الأعمال تطال الآخرين كالإفساد في الأرض وتقطيع الأرحام وقتل النفس التي حرم الله قتلها وقذف المحصنات . وعندما نقارن ما تقوم به المرأة من تزيين لنفسها عن طريق النمص أو الوشم أو توصيل الشعر أو تفليج الأسنان، نجدها أمورا لا ترقى إلى مستوى الأعمال التي لعن الله أصحابها لما فيها من سوء وفحش وإثم، مما يدل على وجود خلل في مفهوم اللعن في هذا الحديث، فربما كانت تلك الزينة من الأمور المكروهة التي قد يكون النبي عليه السلام نهى عنها لما يترتب على بعضها من تدليس أو خداع وغش، لكنه وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين لا يصدق عاقل أنه يلعن امرأة لمجرد أنها أرادت أن تتجمل بزينة مباحة تجلب لها السرور والرضا عن النفس والزهو بها لاسيما المرأة التي لم تؤت نصيبا من جمال فطري وحلاوة ورقة، فتعمد إلى تحسين ما تشعر أنه بحاجة إلى تحسين عبر نمص الحاجبين أو رسمهما بالوشم أو تنعيم الشعر، وغير ذلك من أساليب التجمل التي صارت شائعة في مجتمعنا وتقبل عليها معظم النساء، أما تنفير الفتيات من تهذيب الحاجبين مما يجعلهن يلجأن إلى تحديدهما باللون الأسود وما زاد عن الحد ينزعن لونه بواسطة الأوكسجين فيبدو الوسط أسودَ والأطراف شقراءَ، فإنه تشويه لخلق الله خصوصا بعد أن تسود جذور ما تم تشقيره فيصبح الوجه مقززا لفرط ما فيه من تشويه لخلق الله .
لقد أدت إشكالية عدم إعمال العقل في بعض الروايات إلى وضع الدين في قالب جامد يتنافى مع كونه الدين الأكثر دينامية وقابلية للتطور في تاريخ البشرية، إضافة إلى افتقار الفكر الإسلامي لمنهج مقارن لفحص الأحاديث الموقوفة والضعيفة ومقارنتها بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة دكتورة حسناء القنيعير
#حسناء_القنيعير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|