|
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (12)
جاسم الحلوائي
الحوار المتمدن-العدد: 2049 - 2007 / 9 / 25 - 12:26
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
قراءة 36 كان للمذكرات التي قدمها الحزب لقيادة الثورة في الأيام الأولى لإنتصارها، التي تطالب بمعالجة المهام الملتهبة التي تواجه الثورة ، من أجل توطيد إنتصارها وصيانة الجمهورية الفتية، الى جانب نداءات الحزب الى الجماهير، التي كانت تتحول، في ذلك الزخم الثوري الى شعارات للإجتماعات الجماهيرية والمظاهرات، والى عرائض ووفود كبيرة للمسؤولين، أثرها البالغ في تحقيق إنجازات هامة في مختلف الميادين.
فقد الغيت أغلب المراسيم التي أصدرها نوري السعيد. وأطلق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين. وأطلقت الى حدود معينة الحريات العامة والنشاطات الحزبية، وصدر قانون بتشكيل المقاومة الشعبية. وصدر بيان بشأن السياسة النفطية يلبي عدد من المطالب الوطنية. كما صدر قانون لتطهير الجهاز الحكومي وآخر لتطهير الجهاز القضائي. وشُرّع قانون الإصلاح الزراعي. وإتُخذت قرارات حازمة لتخفيض أسعار الكثير من الحاجيات التي يحتاجها الشعب كالخبز واللحوم والبانزين والخضر والفواكه. وحددت أسعار العديد من وسائل الإنتاج. وتألفت لجان لصيانة الجمهورية في مختلف المؤسسات.... الخ هذا على الصعيد الداخلى، أما على الصعيد الخارجي والعربي، فقد أعيدت العلاقات الدبلوماسية مع الإتحاد السوفيتي. وقررت الحكومة الإنسحاب من الإتحاد العربي الهاشمي. وأعلنت حكومة الثورة مقاطعة فرنسا إقتصادياً دعماُ لنضال الشعب الجزائري. وجرى التحرر من المنطقة الإسترلينية (1).
37 ومن منطلق الفهم الكلاسيكي القديم للماركسية ـ اللينينية ، كان على الحزب أن يضع نصب عينيه ضرورة تطوير الثورة الوطنية الديمقراطية والسير بها حتى نهايتها من أجل الإنتقال بها تحت قيادة الطبقة العاملة الى الثورة الإشتراكية. وقد ترسخ هذا المنطلق بالفرضية الخاطئة والقائلة بأن سمة العصر الرئيسبة هي الإنتقال من الرأسمالية الى الإشتراكية على النطاق العالمي. وإن لم يعلن الحزب عن هذه المهمة، إلا أن ذلك كان هاجسه، وجزء من آيديولوجيته التي تؤمن بالثورة المستمرة، بصرف النظر عن مدى قناعة هذا الرفيق أوذاك بهذه النظريه وطريقة فهمه لها، وعن مدى واقعية تلك المهمة في الظروف الملموسة آنذاك. وكان بودي أن أرى إشارة لذلك من الكاتب سباهي، لإن معرفة هذه الخلفية الفكرية تساعدنا على التعرف بشكل أفضل على السياسات والمواقف التي أتبعت وعلى الخلافات السياسية والفكرية التي حصلت داخل قيادة الحزب في تلك الفترة الهامة جداً من تاريخ الحزب. وهذه الخلفية الفكرية لم تكن مدرجة في الكتب الكلاسيكية فحسب، بل يمكن ملاحظتها في وثيقة داخلية صادرة عن اللجنة المركزية وقبل ثورة تموز بسنة واحدة فقط (*).
وإستناداً على تلك التعاليم فإن تطوير الثورة في الظروف التي نشأت بعد ثورة 14 تموز كان يتطلب الضغط من الأعلى، من داخل السلطة، ومن الأسفل بالنضال الجماهيري. لقد حُرم الحزب، دون سواه من أطراف الجبهة، من المساهمة في السلطة، لإستئثار البرجوازية بها ولخشيتها من القوى الراديكالية. فحرم الحزب بذلك من أحدى وسيلتي الضغط لدفع الثورة الى أمام.
عزم الحزب، كما يشير سباهي، أن يمد نفوذه بين الجماهير، ويعمل على تعبئتها في مختلف مواقعها، ويستخدم هذا النفوذ للمساهمة في الضغط من الأسفل، عبر الضغط الجماهيري. وكانت خطته التنظيمية في هذا الشأن تقوم على ركيزتين: الأولى توسيع القاعدة الحزبية، والثانية تنظيم أوسع الجماهير في المنظمات الديمقراطية الجماهيرية. وقد جرت العمليتان في آن واحد. وحقق الحزب نجاحا باهراً في كلا المجالين. وساعد في تحقيق ذلك النجاح التحاق عدد كبير من كوادر الحزب وأعضائه، الذين تحرروا من السجون والمعتقلات بالعمل الحزبي، وكان بينهم العديد ممن كانوا يشغلون مراكز قيادية في الحزب قبل سجنهم. وأتخذت جملة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز التنظيم الحزبي، وفي مقدمتها تشكيل لجنة التنظيم المركزي (لتم) بإقتراح من سلام عادل، كما يذكر ذلك بهاء الدين نوري، الذي أصبح أول سكرتير لها، في مذكراته. وإستمر وجود مثل هذه اللجنة في الحزب حتى يومنا هذا.
وكان إنجاز الحزب في العمل الجماهيري الديمقراطي، كما يشير سباهي، كبيراً. لقد كانت الجماهير تقبل على التنظيم من أي لون كان. ففي ظل النهوض الثوري الفريد الذي جاءت به ثورة 14 تموز، كان الناس ينتابهم الفرح عندما يلتقوا بعضهم ببعض، و يتوحدوا في الدفاع عن حقوقهم. وكان الحزب الشيوعي مؤهلاً أكثر من غيره لإستثمار هذا الوضع الجديد بحكم خبرته الطويلة في هذا الشأن. فقد كان لديه منظمات في مختلف ميادين العمل الجماهيري. وكانت تعمل سراً ولديها برامجها وأنظمتها الداخلية. وهكذا جرى تعبئة الجماهير وتنظيمها في المنظمات الديمقراطية، كنقابات العمال والنقابات المهنية وإتحادات الطلبة ورابطة المرأة والجمعيات الفلاحية، بحيث لم تعد هناك فئة في المجتمع بمنأى عن تشكيل إتحادها الخاص. لقد قدر عدد الذين إنضموا الى هذه المنظمات بما يقارب المليون مواطن، بينهم ربع مليون عامل نقابي منظم في النقابات، ونصف مليون فلاح معبأ في الجمعيات الفلاحية، وهو رقم كبير بالنسبة لعدد نفوس العراق يوم ذاك، إذ لم يزد على ستة ملايين و330 الفاً (2).
كما يشير سباهي كذلك، الى أن الحاجة الى تنظيم وتعزيز الدفاع عن الجمهورية تجاه الأخطار التى راحت تهددها أثر تحركات الإمبرياليين وبلدان حلف بغداد، قد دفعت الحزب الشيوعي الى التأكيد في بياناته ومذكراته الأولى الى أهمية تسليح الشعب وتأليف فرق المقاومة الشعبية. وباشر الحزب الى فتح مكاتب لتسجيل المتطوعين. وحصل حول هذا الأمر خلاف بين العسكريين وقد حسم الخلاف لصالح تأسيسها، وصدر بذلك قانون المقاومة الشعبية في الأول من آب 1958. وقد وجه الحزب الشيوعي العراقي في 6 آب 1958 نداءاً الى الشعب دعاه فيه الى الإنخراط في المقاومة الشعبية، وكان الإقبال عليها كبيراً.
لقد دار حديث كثير حول النشاط الذي مارسته فرق المقاومة الشعبية لاحقاً، وإختلفت التقييمات بشأنها. ومع أن ما قيل عنها من جانب خصوم الحزب لم يكن دقيقاً دائماً، ولا يخلو من المبالغة وحتى الإفتراء أحيانا، وقد دس عليها أحياناً أخرى، إلا أن المرء لا يمكن أن يعفيها من التجاوزات التى أقدمت عليها، وبعضها بتشجيع من قيادة السلطة ذاتها أو بعلمها على الأقل (3).
38 عند قيام الثورة كان يقود الحزب سلام عادل سكرتير اللجنة المركزية، وجمال الحيدري وعامر عبد الله، وكان الثلاثة يؤلفون المكتب السياسي للجنة المركزية. وكان عامر عبد الله في خارج البلاد يومها (حوالي سنة واحدة) وعاد بعد إندلاع الثورة بأربعة أيام. والى جانب هؤلاء الثلاثة، كانت اللجنة المركزية تتكون من صالح دكله ومحمد صالح العبلي (وكان يومها يدرس في موسكو) وثابت حبيب العاني، وجورج تلو، ورحيم شريف وعزيز الشيخ وعطشان الإزيرجاوي، وناصر عبود. وهادي هاشم وصالح الرازقي ( وكلاهما كانا معتقلين). والى جانب هؤلاء كان هناك الأعضاء المرشحون وهما حسين سلطان وحمزة سلمان وكلاهما كانا أيضاً معتقلين حين إنتصرت الثورة. وعندما أطلق سراح السجناء السياسيين ضُم بهاء الدين نوري الى المكتب السياسي، كما ضُم الى اللجنة المركزية بعدئذ، كل من عزيز محمد وكريم أحمد وزكي خيري ومحمد حسين أبو العيس وسلام الناصري.
في اوائل ايلول عقدت اللجنة المركزية إجتماعاً تناولت فيه الوضع السياسي بشكل أولي، وإتخذت قرارات لتحسين الوضع القيادي، وأيدت قرار المكتب السياسي القاضي بعقد إجتماع موسع للجنة المركزية. وعقد الموسع في نفس الشهر. قدم فيه سكرتير اللجنة المركزية الرفيق سلام عادل عرضاً سياسياًً وتنظيمياً وصدرعن الإجتماع تقريراً وزع على شبكة الكادر الحزبي. لم تبرًز أهمية هذه الوثيقة كما ينبغي، أو جرى إبراز جانب منها وإهمال جوانب أخرى لدى الباحثين في تاريخ الحزب، بمن فيهم الرفيق سباهي والرفيقان زكي وسعاد خيري، وقد نشرت ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، موجزاً ضافيا للتقرير في كتابهما الموسوم "سلام عادل ـ سيرة مناضل". رسمت هذه الوثيقة، بعد أن حللت الوضع السياسي العالمي والعربي والداخلي، النهج السياسي والفكري والتنظيمي للحزب. وكانت الوثيقة مرشدا للحزب في السنة الأولى من الثورة. وهي السنة التي وصلت فيه قوة الحزب حداً لم يصله في تاريخه المديد، لا سابقاً ولا لاحقاً.
فعلى الصعيد السياسي طرحت الوثيقة المهمات الكبرى، على حد تعبير الوثيقة، التي تجابه الحزب والحركة الوطنية. وقد لخصها سباهي على النحو التالي: "صيانة الجمهورية وإنسحاب العراق من ميثاق بغداد والإتفاقيات الإستعمارية الأخرى. وإطلاق الحريات الديمقراطية، حرية التنظيم الحزبي والنقابي والإجتماعي، وحرية النشر والصحافة. وإحترام الحقوق القومية للشعب الكردي. والقضاء على الإستغلال شبه الإقطاعي في الريف، ومصادرة أراضي الخونة من الإقطاعيين وكبار الملاكين الذين ثبت ويثبت تعاونهم مع الإستعمار وتآمرهم على البلاد، وتوزيعها ، مع الأراضي الأميرية الصرفة والمنهوبة، على الفلاحين. وتحديد ملكية الأرض تحديداً يضمن مصالح الفلاحين وصغار المالكين. وتحسين أوضاع الطبقة العاملة وحمايتها من البطالة. وإلغاء الضرائب غير العادلة. والعمل على توثيق الروابط مع البلدان العربية المتحررة، والعمل لإنضمام العراق الى إتحاد الجمهورية العربية المتحدة واليمن. وأخيراً العمل لتقوية التضامن مع قوى الحرية والسلم في العالم" (4) .
يشير التقرير عند تطرقه الى إطلاق الحريات الديمقراطية الى مايلي: "وتهيئة الظروف الديمقراطية اللازمة لإنتخاب مجلس تأسيسي على أساس التصويت العام السري المتساوي المباشر، ومن أجل وضع دستور ديمقراطي للبلاد...الخ" (5). إنني أعتقد بأنه كان من الضروري جدا أن يذكر سباهي هذه المهمة الخطيرة. اما زكي وسعاد خيري فلم يشيرا إطلاقاً لا لهذه المهمة ولا لأية مهمة أخرى من تلك التي أوجزها سباهي، عند تناولهما وثيقة ايلول في كتابهما "دراسة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، بما في ذلك الخطوط العريضة لإصلاح زراعي جذري!؟
39 يتوقف سباهي في التقرير عند نقطة يعتبرها، وهو على حق، جوهرية، تتعلق بطبيعة السلطة والموقف منها، فيذكر ما يلي:
ــ يلاحظ (التقرير)إنها "سلطة برجوازية وطنية ثورية تمثل مختلف فئات البرجوازية الصغيرة والوسطى والكبيرة. إنها لاتمثل كافة القوى الوطنية. ومن هنا نجد التناقض بين واقع أن القوى القائدة للحركة الوطنية والمساهمة فيها هي قوى العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والبرجوازية الوطنية ويبن واقع أن القوى التى أخذت بيدها زمام السلطة إثر ثورة 14 تموز هي البرجوازية الصغيرة والبرجوازية الوطنية".
"إن هذا التناقض هو السبب الرئيسي الذي يؤدي الى إيجاد وتعميق الخلافات داخل الحركة الوطنية ذاتها بين الأحزاب والفئات الوطنية. ومن الخطأ إعتبار هذا الوضع ـ وجود هذا التناقض ـ أمراً طبيعياً. كما لايصح الإستسلام له والوقوف مكتوفي الأيدي تجاهه، إنه يمس صميم الإتجاه الوطني الشعبي السليم لجمهوريتنا الفتية. إن بإمكاننا، بالإستناد على تعبئة الجماهير، تخفيف هذا التناقض ومن ثم إزالته الى حد بعيد".
"إن مهمة صيانة الجمهورية وضمان تقدمها وقيادتها ليست ملقاة على عاتق الحكومة وحدها، ولا على عاتق البرجوازية وحدها، إنها مهمة كل القوى الوطنية. فالقوى الوطنية التى تعاونت بالأمس في النضال ضد الحكم الرجعي البائد هي التي يمكن ويجب أن تتعاون اليوم أيضاً لأجل صيانة الجمهورية وتطويرها وقيادتها" (6).
ويعلق سباهي على موقف الحزب من السلطة بالآتي " يعيدنا التقرير هنا الى الإستنتاجات التي توصل اليها الكونفرنس الثاني. فبينما كان هذا الأخير قد طرح مهمة إسناد الحكومة التي تجيء بها الثورة، طالما هي تسعى الى تحقيق المهمات المطروحة وتحترم إرادة الشعب، دون إشتراط مشاركة الحزب الشيوعي فيها، ويكتفي بالضغط والنقد. في حين يطرح الإجتماع الموسع أن هناك تناقضاً ومن الخطأ إعتباره أمراً طبيعياً ولا يصح الإستسلام له" وأضيف الى مايقوله سباهي بأن الحزب طرح حلاً صريحاً للتناقض وهو المساهمة في قيادة الجمهورية. فقد جاء في تقرير الإجتماع الموسع ما يلي: "فالقوى الوطنية التى تعاونت بالأمس في النضال ضد الحكم الرجعي البائد هي التي يمكن ويجب أن تتعاون اليوم أيضاً لأجل صيانة الجمهورية وتطويرها وقيادتها"، فالتناقض واضح بين الموقفين والموقف الأخير هو تصحيح، بمنطق زمانه، للموقف الذي ورد في تقرير الكونفرنس. وهذا التناقض بين موقفين سياسيين مختلفين لا علاقة له بأساليب الكفاح. لذلك أعتقد أنه من غير الصحيح أن يرجئ سباهي طرح رأيه في الموضوع، حيث يقول مستطرداً ما يلي: "إذا كان يفهم من هذا أن يواصل الحزب ضغطه بالأساليب الديمقراطية لتعديل التناقض الذي يشير اليه فالأمر مفهوم والحزب لا يناقض نفسه، ومن حقه أن يمارس ذلك. أما إذا كان الأمر على غير هذا النحو، فالتقريران يناقض أحدهما الآخر. وعلى أي حال، فإننا لن نستبق الأحداث، وسنرجئ إعطاء رأينا في الأمر الى فصلٍ تالٍ...الخ"
40 ويلاحظ فيما يتعلق الأمر بمسألة السلطة، بأن ما يطرحه الحزب ينطلق ليس من حرصه على صيانة الجمهورية الفتية فحسب، بل ومن حرصه كذلك على تطوير الثورة إنطلاقاً من الخلفية الفكرية الماركسية ـ اللينينية والتي سبق الإشارة اليها. ومما يؤكد ذلك هو تحذير التقريرــ وهذا ما لم يشر سباهي اليه رغم أهميته البالغة، في نظري، على مسيرة الحزب بعد الثورة ــ من طبيعة الأفكار التي تشكل خطورة على سلامة نهج الحزب الفكري والسياسي، حيث يشير التقرير الى ما يلي:
"إن القرار الذي إتخذته اللجنة المركزية سابقا (**)، القائل بأن الخطر الرئيسي يأتي، في الظروف الراهنة، من الأفكار اليمينية ـ إن هذا القرار لازال صائباً ومعبراً عن وجهة نظرنا. إن الظروف الموضوعية العالمية [خطر التيتوية التي تتنكر لدكتاتورية البروليتارية...] والعربية [طغيان القومية البرجوازية] والداخلية تجعل من خطر الأفكار والتيارات اليمينية (التحريفية) الخطر الأساسي على حزبنا الشيوعي اليوم... إن هذه الأفكار تظهر عندنا اليوم في إنكار، أو إستصغار، الدور الذي تنهض به أو الذي ينبغي أن تنهض به الطبقة العاملة في كفاح الشعوب العربية التحرري. والزعم بأن البرجوازية وحدها إستطاعت أو تستطيع قيادة هذه الشعوب الى الإستقلال والحرية. أو إعتبار منتسبي الجيش كجماهير منفصلة عن التركيب الطبقي للمجتمع وغير متأثرة بقوانينه، ومن ثم المبالغة في دوره في الحركة الوطنية. وقد تظهر في التقليل من شأن إنتقاد أخطاء الحكومة أو بعض المسؤولين فيها المنافية لمصلحة الثورة والجمهورية، والمطالبة بالإكتفاء بتأييدها لا غير، لمجرد إنها حكومة وطنية، بحجة دقة الظرف الذي تمر به والذي يقتضي هو بذاته لامعاونتها بالتأييد فحسب، بل بالتوجيه والنقد أيضا. وقد تظهر بالمطالبة بأن تكف ـ أو تخفف ـ عن الإلحاح في طلب إطلاق الحريات الديمقراطية، وأن تهمل المطاليب المعيشية والإقتصادية والسياسية الخاصة بالجماهير الكادحة. وقد تظهر بالتقليل من أهمية تطهير جهاز الدولة ومعاقبة الخونة بأشد العقوبات. أو من أهمية النضال لحل المشكلة الزراعية...الخ. وكذلك تظهر في المسائل الحزبية بالتقليل من شأن الضبط والنظام في الحزب، والوقوف سلبياً من ضرورة تعميق الوعي الطبقي في الحزب، وإعادة النظر في المبادئ الأساسية للماركسية ـ اللينينية". كما حذر من التيارات اليسارية " التي تبرز في التقليل من شأن الجبهة الوطنية وفي الجنوح الى القيام بتكتيكات إنعزالية غير مبررة من قبل الجماهير. والإندفاع وراء الأعمال العفوية المتطرفة التي قد تحدث بين الجماهير" (7).
ويرسم التقرير الإتجاهات الأساسية لتطوير التنظيم الحزبي. وهذا ما لم نجد له إشارة في كتاب سباهي. وسأوجزها بالتالي :
* فيما يتعلق الأمر بتوسيع القاعدة الحزبية، يشير التقرير الى ضرورة التوسيع خصوصاً بين العمال والفلاحين، والوقوف ضد نزعة غلق أو تضييق باب الحزب بوجه طلاب الإنتماء، وكذلك ضد الإتجاه الذي يريد قبول كل طالب إنتماء وكل مؤازر للحزب عضواً فيه.
* الأمانة التامة لسياسة الحزب والتقيد بالضبط والنظام والطاعة الحزبية الواعية في جميع الخلايا والهيئات الحزبية، من اللجنة المركزية حتى آخر خلية.
* تشخيص الكوادر الجديدة وتقديمها ورعايتها. إن الإقدام على تقديم الرفاق الجدد الى مراكز حزبية، وهم محدودي الوعي والتجارب، يتطلب الجرأة مثلما يتطلب الدقة والتقدير الموضوعي للكفاءات.
* تشجيع وتعميم المبادرات. إن تعميم المبادرات الحسنة، وكذلك تعميم الأخطاء البارزة ودروسها، على منظمات الحزب، يعطي مناضل الحزب دروساً نضالية مفيدة للغاية في تطوير مساهمته في عمل الحزب، ويدفعه الى التفكير الجدي، ليس فقط في تنفيذ التعليمات والأوامر الحزبية حرفيا، بل في تنفيذها بإبداع ونشاط خلاق. ومن الضروري تشجيع وتعميم المبادرات، على نطاق الحزب كله أو على نطاق المنظمات المنطقية أو المحلية. وهذا يقتضي تنشيط النشر الداخلي، المركزي والمحلي، خصوصاُ تنشيط "مناضل الحزب" (8). ________________________________________ (1) راجع سباهي مصدر سابق، ص285، 287. (*) الوثيقة هي "رد على مفاهيم برجوازية قومية وتصفوية" ومؤرخة في 15 تموز 1957. وتشير الوثيقة الى برنامج الحد الأعلى السياسي والإقتصادي للمرحلة الوطنية الديمقراطية وتحدد ستراتيج الحزب على النحو التالي: "... وإقامة نظام وطني شعبي سليم تمثل سلطته دكتاتورية الطبقات الشعبية المعادية للإستعمار والرجعية (الطبقة العاملة والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والبرجوازية الوطنية) والتي تعتمد على تحالف الطبقة العاملة والفلاحين وسائر جماهير الشعب المتحدة في جبهة وطنية يمارس فيها الحزب الشيوعي دوره التاريخي الذي يؤهله له أساسه الإجتماعي ونظريته في الكفاح..." ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص319. وجدير بالإشارة أن الراحل زكي خيري يتجاهل هذه الوثيقة عندما يتناول ستراتيج الحزب قبيل ثورة 14. تموز، ويستند في أحكامه على وثيقة أقدم وهي الوثيقة الصادرة عن الكونفرنس الثاني المنعقد عام 1956 فقط. راجع زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص272. (2) راجع سباهي مصدر سابق، ص292، 294. راجع كذلك زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص272. (3) راجع سباهي مصدر سابق، ص292 وما يليها. راجع كذلك الهامش رقم 14. (4) سباهي مصدر سابق، ص298. (5) ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص244. (6) سباهي مصدر سابق، ص298 وما يليها. (**) لم يشر سباهي الى هذا الإجتماع الذي عقد في 29 تموز وكرس لبحث الوضع السياسي وتشخيص التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على مسيرة الحزب والثورة. راجع ثمينة ونزار . مصدر سابق، ص236 و241. ويبدو لي مما جاء في الصفحة 241 من المصدر المذكور بأن هذا الإجتماع كان إجتماعاً مفتوحا للنقاش بصوت عالٍ حول الوضع السياسي ودام لبضعة أيام،ولم يصدر عنه أية وثيقة. راجع كذلك خيري. مصدر سابق، ص271. (7) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص246 وما يليها. راجع كذلك زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص271 وما يليها. وجدير بالملاحظة بأن هذا التقليد الذي كان سائداً في الحركة الشيوعية العالمية، بإتهام الآراء المخالفة لسياسة الحزب في داخل الحزب بالتحريفية وغيرها من الأوصاف، هو مظهر من مظاهر ضعف الديمقراطية داخل الحزب. وقد نبذ الحزب الشيوعي العراقي هذا التقليد المكمم للأفواه، خاصة بعد مؤتمره الخامس، مؤتمر الديمقراطية والتجديد، الذي إنعقد في عام 1993. (8) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص247ـ 250.
يتبع
#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق-
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق
...
-
قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق-
...
-
تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
-
هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
-
حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
-
كتاب - لحقيقة كما عشتها
-
التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
-
ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
-
رسائل عزيزة
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|