أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد علاونه - الثقافة ترفع من مستوى الشعب















المزيد.....

الثقافة ترفع من مستوى الشعب


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2049 - 2007 / 9 / 25 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين كان الإقطاع مسيطراً على عامة الشعب في العالم أجمع، كان الأدب في نفس الوقت يكتب بلغة سيد الإقطاع، وكان الخطاب موجهاً إليه لأنه صاحب القرار في كل شيء، وكانت الثقافة تخدم مصالح النظام القديم، وكان النظام القديم يشجع على التقليد وعدم الابتكار واتسمت اللغة الكلامية بقالب الآداب والفنون القديمة على كافة المستويات، وكذلك في البلدان العربية بالقداسة وأحيت معها فنون تقليدية وسكبت دماء حية في أجساد ميتة.

والذي كان يشجع أكثر على التقليد هو طبيعة الإنتاج الزراعي المتأخر الذي لم يوفر فائض الإنتاج المطلوب، وبهذا فإن الإنتاج الرأسمالي اللاحق بعد الإقطاع، لم يكن متوافراً في الوطن العربي وهذا يعطينا مؤشراً على غياب طبقة التجار التي من الممكن أن تكون هي الطبقة الوسطى أو إن لم تكن هي فمن الممكن أن تكون هي الممول الرئيسي لها والطبقة الشعبية الوسطى سوف تتحرر تلقائياً من قبضة الإقطاع الحقيقية وذلك عبر هجرة الفلاحين للأراضي الإقطاعية والالتحاق بأنماط جديدة من الإنتاج ومن الممكن جداً أن يساهم الريع والدفع النقدي ( )، بالتخلص من الأنماط القديمة التي تعمل على زج الفلاح شهوراً طويلة في الأراضي الزراعية وكأنه في سجن، وقد ساعد الدفع النقدي بنظر –هاوزر- على ارتفاع مكانة الشاعر والمثقف، وأعتقد أن هذا كان في البداية ( ). لأننا سنلاحظ بعد قليل تراجع قيمة المتقن أمام الريع النقدي.

وبنفس الوقت فإن الالتحاق بأنماط جديدة من الإنتاج الرأسمالي، ساعد جداً على إظهار حياة جديدة كانت على الأقل في كل يوم تظهر خططاً جديدة للتعليم وسوق العمل، ولم يكن أحد يتوقع من أن الفقراء والطلبة في المدارس والجامعات هم قادة المستقبل فمن الملاحظ أن هؤلاء الطلبة أصبحوا فيما بعد رؤساء تحرير الصحف والمجلات وقادة الأحزاب وأُمنائه ومدراء في الدوائر الحكومية وكانت حياة الناس إلى اليوم تتغير ولكن بكثير من التعب.

وكان الوطن العربي على الحالة القديمة السابقة على الرأسمالية حتى ظهرت خطط جديدة ساعدت الفلاح في التخلص من الأنظمة الزراعية التي تعتمد على الصدفة والحظ في حل مشاكلها، وذلك عبر إقراض الفلاح وارشاده ودخول الآلة الزراعية للحرث والحصاد، الأمر الذي عجل بظهور طبقة تجارية تشبه إلى حدٍ قريب الرأسمالية( ).

إن كل هذه الأمور عملت على إظهار حياة جديدة من صنع الشعب وليس من صنع النخبة الإقطاعية فمقولة النخبة تلغي كل ما له صلة بالشعب، إن الشعب وحده هو الذي عمل على صنع تاريخه بعد عصر الإقطاع، إن التقدم فتح المجال أمام الشعب ليكون فاعلاً ومؤثراً، والصراع الطبقي كان هو الحل الوحيد في القضاء على الأنماط الآسيوية القديمة المختلطة (Mixed economy) بين الإقطاع كإقطاع وبين حق الحيازة كملكية فردية ولم يكن أحد يصدق أن الثورات الشعبية ستكون هي الحل الوحيد لصراع الطبقات وانتصار قضايا جديده من صنع الشعب وقد برزت على ساحة الوجود ثورة الشريف حسين بن علي( ).1916م. كمثلٍ لإرادة الشعب وظهر الشاعر حافظ إبراهيم في مصر كمنذر على ظهور لون جديد من الثقافة الشعبية، بعد ثورة 1919م وكان موت الشاعر أحمد شوقي أعظم بكثير من ولادته فكان موته نهاية حتمية لموت (أدب القصور) الذي كان يشجع على القديم، لقد كان (الزيات) ( ) محقاً حين قال أن شوقي هو شاعر عبقرية وليس كحافظ إبراهيم شاعر قريحة وسيولة لأن القريحة والسيولة أصدق بالتعبير عن مشاعر الشعوب من العبقرية التي تكتب كل شيء حسب برامج الربح والخسارة، أما شاعر القريحة فقد كان يكتب أدباً صادقاً وكان أمير الشعراء يسعى كل يوم بأن يخاطب بلقب (باشا) كدليل قوي على عدم قدرته على قضايا الشعب وكان يخاف على اللغة العربية من انتشار اللهجات العامية في شعر "أحمد رامي" و "بيرم التونسي" ولكن النتيجة الطبيعية لظهور هؤلاء هو: انتشار التعليم وخططه الجديدة، وظهور طبقة شعبية نتيجة الازدهار العلمي الأخير وهذه تشبه إلى حدٍ قريب الطبقة التجارية الوسطى التي كانت تذهب كل يوم في لندن إلى المسرح الشكسبيري، وكل هذه الأمور عملت على رواج أفكار جديدة من صنع التطور التي تدعي أن للعلم وحده حق براءة اختراع التطور وهذا تمثل أولاً وأخيراً بظهور "سلامة موسى" الذي قال يوماً: "كانت الحداثة من فعل الطبيعة واليوم هي من فعل العلم"( ).

وعمل العلم ليس فقط على تقدم الصناعة والتجارة ولكنه ساهم إلى حدٍ مقبول على ولادة طبقة متنورة كانت بعلمها قد تخلصت من قبضة الإقطاع وشغلت مناصب عريقة في الأجهزة الحكومية وبرز منها (طلعت حرب) الذي أنشأ أول بنك مصرفي عربي ودعم الإنتاج السينمائي لأول مرة في التاريخ العربي والآسيوي والأفريقي وأرسل بعثات لتعلم فن صناعة السينما، وتم لأول مرة في التاريخ العربي إنتاج أول فيلم سينمائي وهو "ليلى" وظهرت به البطلة "وداد حمدي" بصورة الفتاة الريفية المدللة، وأعتقد أن السبب الذي جعل الثقافة والفن من صنع الشعب، هو أن البرجوازية الطالعة من رأس الإقطاعية الهالكة، خلقت بتقدمها العلمي ظروفاً جديدة لأشكال الإضطهاد ونماذج جديدة لقهر الإنسان، لذلك كان أدب وفلسفة سلامة موسى وهو أول حداثي عربي، تعبر عن هذا الاضطهاد عبر تناولها التخلص والتملص من البناء العائلي القائم في العائلة النووية على سلطة الذكر، كما سبقه (أحمد الشدياق) عبررحلته إلى (مالطة- وفي 1848م) إلى انكلترا( )، والسلطة النووية ترفض التقدم عبر الصيرورة التاريخية، لأن أي شكل من أشكال التقدم سوف يهدد فيما بعد وفي الوقت الحالي المستفيد الأول من النظام العائلي القديم وهذا عمل أيضاً على إيجاد أشكال جديدة للنضال( ). وكانت حادثة (دنجواي) دليلاً على هبوب الشعب ليدافع عن حقه ووجوده ولا ننسى القول أن أمير الشعراء أحمد شوقي كتب قصيدة متأخرة جداً :
يا دنشواي على رباك سلامُ
ذهبت بأنس ربوعك الأيام

ولكن الشعراء الشعبيون هبوا من البداية في رثاء أبطالها، وهذا دليل على أن شوقي لم يكن شاعراً شعبياً إذا ما تغاضينا قليلاً عن جماليات فنه وإحساسه الشعري الكبير، وقد يكون الشعب غير محبوب بسبب الغوغائية التي يتصف بها والهمجية وقدرته البطيئة على فهم السياسة وهذا الأمر الخطير جعل روائياً شعبياً مثل نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة في أن يخص سلامة موسى بدور بارز في تقدم المجتمع المصري بعد ثورة 1919م ومن المعتقد غير الجازم في هذه النظرة لربما هي بسبب نظرية سلامة موسى في الأدب القائلة:
"إن المثقف في الوقت الحالي يبحث عن الأرقام ليدلل بها على صحة أي شيء يدعيه، ولكن الإنسان القديم كان يبحث عن بيت شعر أو مقولة حكيم ليدلل بها، وإن مليون بيت من الشعر لا يفيدنا في عملية إحصاء اقتصادية( ).

وإن زيادة عدد السكان كانت وحدها من يتقدم بمعنى( ). أن المدينة العربية كانت وما زالت نتيجة ازدياد سكاني دون ازدياد تصنيعي، لذلك دائماً ما تجد الطبقة الشعبية نفسها في وضع نضالي جديد وتعبيرات أدبية جديدة والشرط الثاني الذي أعطى الأدب أهمية شعبية هو أن مفهوم البطل غير العادي قد تغير بفضل المكتشفات العلمية الحديثة؛ بمعنى أن رجل الشارع العادي أصبح له أهمية عظيمة في الرواية العربية، بعد أن كانت الأهمية لرجال القصور في شعر أحمد شوقي، بل وأن مصطلحات إنسانية أصبحت لها أهمية كأن يكن الخوف موضوعاً جيداً في الرواية والسينما، أو منظر عمارة تحترق وبداخلها أفراد يبحثون عن النجاة، كل هذه الأمور قلبت الأدب رأساً على عقب بعد أن كانت الكتابة من حق النخبة والأبطال من طبقة النخبة، تغيرت المفاهيم اليوم. ولم يعد الفقير فقيراً بالضرورة أو الوراثة، لصراع الطبقات والديالكيتك أهمية أكبر من وجود كلمة مظللة مثل النخبة( ). لذلك نرى اليوم في كثير من الروايات العربية كيف أن (الملل، الحب، الخيانة، الخوف، الغيرة) أبطال يسيطرون على القارئ أكثر من أسماء الشخصيات وكذلك بدأ الممثلون في السينما يبحثون عن نوعية الشخصية المسيطرة على أذهان الناس مثل: الشرير، محمود المليجي وفريد شوقي ( )الفتوة، ووداد حمدي بنت البلد المدللة.
وقد نقرئ في كتاب "البنى السردية" ( ).تعريفاً للقصة:
"إن القصة رؤية للمجتمع والحياة "
ونقرئ عن "أغاني الليل" لـ "محمد صبحي أبو غنيمة"
""هذه مجموعة قصص اجتماعية أخلاقية"( ).

وكذلك في قصة "الأبله" لفايز محمود حيث يظهر أن صفة الشخص هي البطل وليس الاسم المعتاد، وهي في الأصل عنوان لقصة "الأبله" لـ (دستوفسكي) حيث يبدو لفايز محمود و دستوفسكي أن شخصية الأبله هي للإنسان الطيب الذي لا يمكن أن يوجد في مسرحية شكسبير "الطيب والبشع والشرير" إنها لا توجد إلا في البنية الشخصية للمسيح( ) الذي افتدى الإنسان بدمه، وتصرف مع الإنسان بطيبة.
وكذلك أصبح الزمن والنص والمكان، من المعضلات النقدية للنقاد، ونقرئ للناقد: عبد الرحيم مراشدة
"عندما يحطم الروائي الزمن الواقعي، فإنه لا يلغيه، وإنما يعلقه ويعيد ترتيب معطياته الداخلية"( ).

إن كلمة: الأدب والفن للشعب، لم تعد من خلال هذه المعطيات جريمة يحاسب عليها الكلاسيكيون ولكنها أصبحت علماً ومذهباً، الكتاب اليوم يكتبون والفنانون يعدون لوحاتهم وهم متأكدون من أن هنالك أكثر من عشرين جنساً أدبياً قد لا تكفيها الحياة القديمة في التعبير عن هذه الفنون: انظر عزيز القارئ إلى هذه الفنون.
الشعر، الرواية، القصة، النثر النحت، الزخرفة، المسرح، الفلكلور، الدعاية الإعلانية، الأدب المرئي، السينما، الصحافة، الكتابة الصحفية، المقال، الأغنية العامية، الكاريكاتور، الخبر الصحفي، النص السينمائي.

وتأمل معي أن أغلب هذه الفنون هي اليوم من أهم ما يستطيع أن يصل للشعب، وإن لم تكتب بلغة الشعب فإنها ستصل إلى أذن صماء.
لقد استسلم الأزهر أخيراً في عام 1388هـ، حين وافق شيخ الأزهر على افتتاح معرض فني لطلاب وطالبات الأزهر، وكتبت صحيفة الأهرام في ذلك اليوم: "انتهت ثورة الأزهر ضد الفن"( ).

وهذا يعطينا مؤشراً على أن الأزهر لم يستسلم ولكنه آمن بأن الفن للشعب وليس من أجل الخصوبة كما كان قبل نزول الأديان السماوية أو العبادة.
على أننا يجب أن نؤمن إيماناً فنياً بأن أنواع الفنون الثقافية بكافة أشكالها كلما كانت قريبة من لغة الشعب كلما كانت أقرب وأسرع للانتشار وتحقق ربحاً أسرع من الفنون البعيدة عن لغة الشعب. وإن جميع الآلات والمبتكرات الفنية دائماً ما يقاس نجاحها بشعبيتها.

وإننا على إيماننا بالفنون الشعبية، وبضرورة الالتحاق بلغة الشعب، إلا أن هنالك مخاوف من انتشار اللهجات العامية المتعددة محل اللغة الفصحى القومية وقد أبدى هذه المخاوف الأديب العربي "طه حسين" حين قال:

" أيهما أفضل؟ أن يكون للعالم العربي لغة واحدة يفهمها أهل مراكش كما يفهمها أهل بغداد؟ أو تكون له لغات ولهجات بعدد الأقطار... وإن توفيق الحكيم كان تافهاً حين كتب مسرحية "الأيدي الناعمة" مع يوسف وهبي، باللهجة العامية...وقد دافع محمود تيمور عن العامية في مؤتمر حضرناه سوياً في مدينة ليزن بـ"هولندا" عام 1931م


ولكنه عاد وتمسك بالفصحى... ولا أنسى لقائي بملك المغرب محمد الخامس حين قال: إننا نشكر لكم موقفكم ديالكم، وفهمت بعدها أنها تحوير لحرف جر: ذو لكم"( ).
أول مسرح عربي كان قد اقيم في بلاد الشام بسوريا والذي أقامه أبو خليل القباني وقد طلبت بعض النخب إغلاقه، فإستجاب لهم السلطان عبدالحميد فأغلقه وكان الصبية في الشوارع قد إتخذوا من "أبو خليل القباني" موضوعاً للهو واللعب فكانوا يغنون له:
"ابو خليل مين قال لك
على الكوميديا مين دلك
ارجع لكارك احسن لك
ارجع لكارك قباني
ابو خليل القباني
يا مرقص الصبيان
إرجع لكارك احسن لك"( )

وكان الذين طلبوا اغلاق المسرح هم بعض الذين وجدوا في العمل المسرحي عيوباً أخلاقية، لأن المسرح لم يكن له جمهور مثقف بل كان جمهوره من الجمهور الباحث عن الترفيه والتهريج بعد عمليات السحق الدموية التي يتعرضون لها يومياً أثناء كسب لقمة العيش لذلك كانت النظرة للمسرح الشعبي نظرة غير جادة وغير واقعية فيها تزييف للواقع وتزوير من اجل الهروب من الواقع المرير إلى خيالات وهمية تتناسب مع الشعوب المسحوقة وهمومهاً وأوجاعها.
وبعد ذلك حاول: الخديوي إسماعيل "بناء مسرح سنة 1885م وكان يبدو أنه محرم على العرب تحريماً كاملاً، وكان مختصراً على ما تؤديه الفرق الاجنبية، حتى أن أو ممثل عربي على المسرح وهو سلامه حجازي 1852-1917م كان يقدم عروضاً اجنبية، وقد قدمت له الممثلة الفرنسية، ساره برنار عقداً ثميناً سنة 1907م حين قدم أمامها مسرحية "غادة الكامليا".

وقد كان الفن والمسرح والغناء والموسيقا مرتبطة بالإنحلال الخلقي بسبب عدم إهتمام الفن بقضايا الشعب لذلك فلم يكن للفن موضوعاً جاداً إلا الترفيه والمصخرة وكان بعض الملحنين يؤدون على المقاهي بعض الادوار والموشحات القديمة وهم غير مقتنعين بما يدور حولهم من إرتفاع. خيوط الدخان وشرب الحشيشة والمخدرات والخمرة وإن هذه الأشياء كانت تلهي الإنسان عن ذكر الجوع والفقر المدقع فلولا الامل الذي نصفه كذب لمات الإنسان في تلك الظروف قهراً وكذلك لولا الأشياء التي تلعب بالرأس مثل الخمرة والمخدرات لكانت الحياة كلها جحيم لا يطاق.

ومع كل هذه الظروف وجد الفنانون أنفسهم في مستوى إجتماعي هابط جداً فكانت أكثر العائلات تهدد افرادها بقطع العلاقات الاجتماعية معهم إذا إتجهوا إلى الفن، ولكن من الملاحظ جداً أنه ليس عيباً أن يحضر الذكور كجمهور يتسلى بما يؤديه الفنان ولكن ليس من المستحب أن يكون الفرد هو الممثل أو المغني وما زالت آثار تلك المعضلة ممتدة إلى اليوم( ).
ويقال أن الموسيقار العربي الكبير محمد عبدالوهاب "ذهب يوماً لأقامة حفلة في مدينة "بنها" وقد إستاء غضباً عندما وضع له صاحب الحفلة الطعام، مع سائقي الحمير، فرفض الموسيقار وفرقته أن يأكلوا( ).

حتى أن الناس إنتقدوا ام كلثوم حين مشت في جنازة "أبو العلا محمد".

وإن أسباب تدهور الفنون الأدبية بكافة أشكالها قد يعود أصلاً للتزوير الفني الذي لا يصور الواقع على أصوله الطبيعية ولا يهتم إلا بمخاطبة النخبة والقصور العالية ومدحهم بما ليس فيهم والابتعاد عن الشعب وقضاياه الواقعية عائدٌ بشكلٍ رئيسي إلى خسارة الإنتاج الشعبي أيام المجتمع الزراعي والرعوي، فهذه المجتمعات على فقر حالها وقلة إمكانياتها لا تعطي المثقف ما يريد ولا تستطيع أن تدله على ضالته، لهذه الأسباب تحولت أنظار المثقفين من شعراء وفنانيين، ومغنيين إلى قصور الملوك والخلفاء، وحتى يستطيعوا أن ينافسوا بعضهم بعضاً، فقد بالغوا في مدح الأغنياء وموظفي البلاط في القصور العالية، لذلك فقد أدت هذه العملية إلى تدهور صحة المثقفين بسبب تدهور صحة الثقافة وأصبحت الثقافة الحقيقية غائبة عن أرض الوجود بسبب غياب مصطلح الواقعية.

لهذه الأسباب منع "عبده الحمولي" "الماظة" من الغناء بعد أن تزوجها وألماظة هذه كانت مطربة تغني مع عاملات الطين وتعد من الجيل الأول للثقافة العربية المصرية الغنائية، وأول من قدمتها للفن كانت الفنانة "ساكنه" وقد أشتهرت أكثر منها ولأن الفن يعد عيباً أخلاقياً للمرأة فقد غنى "عبده الحمولي" لوحده في يوم زواجهما، وطلب من "الماس" وهو الاسم الحقيقي لـِ "الماظة" طلب منها أن تعتزل الفن واستجابة لنداء زوجها الحبيب فقد إعتزلت وآثرت الحب على الغناء وآثرت الجلوس في المنزل بدل الجلوس في الحواري وفي بيوت الباشوات، واصيبت بفجعة أثناء زواجها بعد أن إكتشفت أنها عاقر لا تلد ولكثرة الإكتئاب من هذا الموضوع فقد توفيت في ريعان شبابها ولم تتجاوز الـ "36" سنة "من عمرها سنة (1896م)( ) وعاش بعدها " عبده الحمولي" خمس سنوات حزيناً على ذكرى حبيبته، ثم مات بعد ذلك وأسدلت الستارة على الجيل الأول من الفن وما زال الفن في وقتها عيباً ومخلاً بالأخلاق العامة للرجل وللمرأة معاً وكانت الحياة الادبية فقط من حق النخبة ولا تكتب بلغة .النخبة .

وإستمر هذا الوضع حتى نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر حين ظهر فنان مبدع من الإسكندرية متلونٌ بلون ساحلها الذي يعج بالسواح والثقافات من شتى النواحي كان هذا الشيخ هو (سيد درويش) الذي وضع نهاية للألحان التركية والتأوهات الجنسية في التخت الشرقي ومنذ ظهور سيد درويش بدأ الفن يكسب قضيته وأجبر النخبة الثقافية على التراجع لينتمي الفن لثورة 1919م ولكن كانت الكلمة الشعبية في بداية نجاحها وكان نجاحاً متواضعاً فقد إستمرت الحكومات الإقطاعية في الظهور على خشبة المسرح السياسي منذ "عدلي يكن – 1926 – 1927- وأحمد باشا زيوار 1925 – 1926- إلى حكومة مصطفى نحاس الرابعة 1937م( ). وهذا يعني أن الأدب بكافة فنونه إستمر لذلك التاريخ بلغة الإقطاع الكلاسيكية وكذلك الخطاب السياسي والأدبي كان يكتب بلغة سيد الإقطاع والمقصود باللغة هنا: التشاريع والقوانين الاجتماعية ونظام الحكم والفنون الأدبية.




#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رساله لقرائي حول بعض كتاباتي
- ما هو التطور الإجتماعي ؟
- التطور الثاني
- الدين والعقل
- الشرق الجديد
- التحول في التركيبة الإجتماعية
- الإسلام هوالجناح العسكري اليميني للزعماء العرب
- حياتنا في رمضان
- الشيوعية قادمة
- الزعماء العرب في مواجهة الديمقراطية
- سعر التكلفة +الربح الوسطي في السوق الماركسي
- العلمانية هي الحل :في العراق ولبنان وفلسطين !
- الرحالة كارل ماركس
- حياة الناس تتجه للتغيير والحكام والملوك العرب يقمعون التغيير
- المرأة مثل الإعلان تجدد نفسها بالتكرار
- البروتستنت والكاثوليك 1
- مأساة برونو : الدين للناس والإلحاد للعلماء 1548-1600م
- حياتنا كعرب
- المرأة تعادي المرأة
- مدينة بلا حب


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد علاونه - الثقافة ترفع من مستوى الشعب