|
الملك الاسد وصناعة الكراهية
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2048 - 2007 / 9 / 24 - 13:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طلب صديقي القادم من لبنان وتونس رؤية فضائية "حماس"، وما إن استجبنا لطلبه حتى بدأ عرض الفيلـم الكرتوني بعنوان: "رسالة إلى عصابات الـمجرمين"، يحكي الفيلـم ما حدث في غزة بشريط "فئران شريرة وجبانة تشهر أسلحتها وتنتشر في الشوارع وتبدأ بحرق الـمنازل والـمساجد وتعتدي على القرآن الكريم وتقتلع الأشجار. هذه الفئران تمثل عناصر حركة فتح الذين يقدمهم الفيلـم وهم يبيعون مواقفهم وبنادقهم لـمجرد رؤية الدولارات الأميركية التي تتدفق عليهم. مقابل جيش الفئران الشريرة تظهر شخصية "الـملك الأسد" "سمبا الحمساوي" الواثقة والشجاعة. ويظهر الأسد وهو يراقب الفئران بصمت ويشحذ مخالبه ويهز رأسه، وبعد أن طفح الكيل يقفز الأسد ويوجه الضربات للفئران التي تفر من أمامه مذعورة هاربة إلى الضفة الغربية". صُدم صديقي من فيلـم الكرتون الحمساوي الذي كان له وقع الصدمة عليه. فالفيلـم يجسد عدائية جذرية بثنائيات من: وطنية وخيانة، إيمان وكفر، خير وشر، ثنائيات غير قابلة للتصالح أو التعايش، ولا حل لتنافرها إلا بانتصار واحدة على أخرى، إلا بانتصار الخير على الشر. هل يوجد مثل هذا التناحر في صفوف الشعب الفلسطيني، الجواب هو النفي، فمنذ اندلاع النضال الوطني لـم يشهد الشعب الفلسطيني تناحراً بهذا الـمستوى، ومن الجدير بالذكر أن حركات التحرر الوطني وكل نضال الشعوب ضد الاستعمار لـم يشهد مثل هذا التناحر. لقد حيّدت القيادات الوطنية القوى الـمتقاطعة الـمصالح مع الاستعمار وقامت بعزلها في أسوأ الحالات ولـم تقم بفتح معركة حاسمة معها. التناحر الذي قدمه الفيلـم وقدمته حماس بالانقلاب العسكري الدموي لا يوجد إلا في الفكر الشمولي الإقصائي الذي يقسم ولا يوحد، يصنع الأزمة عوضاً عن الحل، ينفر الحلفاء ويعاظم جبهة الأعداء. الفيلـم نقل ثقافة الانقلاب إلى الصغار، وشحن الأطفال بروح الكراهية والعداء والانتقام، هذه وصفة سحرية لتفتيت النسيج الاجتماعي وخلخلة الوحدة الوطنية على الـمدى الـمباشر والبعيد. قبل أقل من عام انتجت فضائية حماس فيلـم "فرفور" الـمستوحى من شخصية ميكي ماوس، دعت فيه الى تحرير فلسطين والعراق وقدمت دولة الاحتلال في صورة قاتل، وسرعان ماتعرضت حماس لاحتجاج اسرائيلي ودولي بدعوى التحريض على الكراهية، لكن الاعتراض الذي كان جديراً بالاهتمام هو إقحام الاطفال في الصراع بخطاب الكبار بكل ما يترتب على ذلك من القفز عن مرحلة الطفولة. تجاوز الطفولة مشكلة يعاني منها أطفال فلسطين، مشكلة صنعها الاحتلال من خلال قتله وقمعه للاطفال واختراقه الدائم لطفولتهم بالطائرات والقذائف والحواجز والجرافات، وللأسف ها هي حماس تقوم بإقحام الأطفال في صراع داخلي وبجرعات ضخمة من الكراهية التي لا يستحملها الكبار، لتسهم بالتالي في مصيبة تجاوزهم لطفولتهم. أطفال فلسطين بحاجة لثقافة الحب والتسامح والثقة والتعاون والوحدة والحرية، هذه الثقافة التي يسلبها الاحتلال والتي من الـمفترض أن يقدمها مجتمعهم ومؤسساتهم. توقفت حماس عن عرض "فرفور" استجابة للضغوط، فهل تتوقف عن عرض "الـملك الأسد" نظراً لانعكاساته السلبية الخطيرة على الـمجتمع والاطفال؟ يقول حمزة الشيراوي مدير فضائية الأقصى: "إن الـمشاهدين أعجبوا بالفيلـم"! في إشارة إلى استمرار العرض الذي وعد بإعادة تقديمه. والـمشاهدون الـمعجبون هم بالطبع عناصر وأصدقاء حماس ولا يهم إذا أغاظ الفيلـم أكثرية الشعب وأخصائيي التربية وعلـم نفس الطفل. خطاب حماس الإعلامي الـموجه للاطفال هو جزء لا يتجزأ من خطابها الـموجه للشعب. ذلك الخطاب الفريد من نوعه، والقائم على إنكار الآخر تارة بالتخوين وتارة بالتكفير والانحلال الأخلاقي. منذ البداية كان كل متابع للخطاب الحمساوي الذي يقدم بوسائل الاعلام أو عبر الـمساجد يصاب بالتشاؤم والاحباط من امكانية التفاهم والوحدة والنضال الـمشترك. على سبيل الـمثال وزع إعلام حماس عبر الانترنت شريطا مصورا يقدم الرئيس عباس ضمن مجموعة من الصور بصحبة رايس وأولـمرت وبيرس وشارون وتعليقات تتهمه بالخيانة والتفريط، وبعد ذلك يقدم الجزء الثاني من الشريط صوراً لإسماعيل هنية وهو يصلي ويزور الـمستشفيات ويقبل الاطفال ووسط جموع الناس، ومشهداً مؤثراً وهو عالق على الـمعبر الحدودي. وإذا أردنا اختصار الشريط فيمكن رؤية صورة لخائن كافر وأخرى لبطل قديس. ما تقوله التعبئة الداخلية والخارجية الحمساوية لا يستقيم مع الخطاب الذي يدعو الى الحوار والوحدة والشراكة والالتزام بالقانون الاساسي وبنظام الحكم الـمختلط الرئاسي البرلـماني الذي يسمي الحكومة حكومة الرئيس، ولا يحتمل أداء القديس اليمين أمام الكافر ولا وضع صورته في الـمقرات الحكومية ولا انتظار مراسيم التوظيف. الاتهام بالخيانة والارتباط بالاحتلال والسياسة الاميركية التصق الآن في خطاب حماس بالرئيس عباس ووصل حد اتهامه: "بالتورط في جر الساحة إلى الاقتتال وتحوله لحلقة قوية من حلقات مسلسل التآمر الصهيوأميركي، هذا الاتهام لا يقتصر على الرئيس عباس الذي سبق وكالت له حماس الـمديح تلو الـمديح، الاتهام يضم أحياناً تياراً خيانياً عميلاً في فتح مكوناً من مراكز قوى، وأحياناً أخرى يضم الاتجاه الـمركزي في فتح، وعندما يتحدثون عن اتجاه مركزي فهذا يشمل التنظيم برمته ويصبح لا شأن للأقلية. حتى الأقلية معرضة للاتهام إذا ما نقدت سلوك حماس، فقد تعرض الـمناضل مروان البرغوثي للنيران بعد نقده للانقلاب. تقول فلسطين الآن: "دندن البرغوثي مع غيره من الأميركان والصهاينة ووصم نفسه في خانة التيار الانقلابي العميل" وأضافت: "للبرغوثي وجه بمظهر الـمناضل الاسير ووجه آخر صاغر للاملاءات الاميركية". "البرغوثي الذي صنعت إسرائيل منه نجما كبيرا". إذا كانت قيادة حماس مقتنعة بوضع السلطة وفتح في الخندق الـمعادي، فعليها أولاً وضع معايير للوطنية والخيانة وايجاد الانسجام بين تلك الـمعايير والتهم الـمقدمة، من أجل ان تشارك اغلبية الشعب في معركة إقصاء كل من يثبت انتقاله إلى خندق الاحتلال. والشعب الفلسطيني يملك مناعة وطنية وخبرة وشجاعة كافية لعزل كل من يخون القضية الوطنية، إن تهمة بهذا الـمستوى من الخطورة تستحق الاحتكام للشعب من أجل الحسم السريع. وعلى حماس ثانياً أن تكف عن دعوتها لاستئناف الحوار مع فتح من أجل تشكيل حكومة مركزية بتوافق وطني. إن أية مقارنة موضوعية بين الخطاب الإعلامي لفتح والفصائل الاخرى بالخطاب الاعلامي لحماس سيجد بوناً حضارياً شاسعاً رغم وجود اختلالات. بقي القول إن خطاب حماس يتناقض مع قانون الـمطبوعات والنشر والقانون الاساسي وميثاق الشرف الاعلامي.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنقلاب أسود
-
أجمل الزهور لتانيا رينهارت
-
معركة الحجاب
-
السيكولوجية الفلسطينية
-
الجندي الذهبي
-
الترابي بين نارين
-
الحريات العامة ..مخاوف ومحاذير
-
جرائم الشرف
-
ارفعوا ايديكم عن اطفالنا
-
لم ينتصــروا.. ولم ننهزم
-
يوم واحد للمرأة ... لا يكفي
-
الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي
-
ماذا لو فشلت خارطة الطريق؟
-
النجاح والإخفاق في عامي الانتفاضة
-
الصمت المريب
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|