|
ملاحظات حول أفول النظام العالمي الجديد
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 2047 - 2007 / 9 / 23 - 10:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سبق ان بينا بان القوى الاسلامية والقومية في العراق تنقسم اليوم الى جناحين او قطبين سياسيين متناقضين على خط مستقيم. احدهما الجناح المؤيد للمشروع السياسي الامريكي – البرلماني - التعددي، والاخر المعادي للمشروع الامريكي والمطالب بدولة اسلامية وتطبيق الشريعة كقانون لادارة المجتمع وينفي الشكل الغربي للسلطة البرجوازية - أي الاسلام السياسي. فيما يلي ملاحظات عامة حول الجوانب المختلفة لتأثير افول النظام العالمي الجديد لامريكا على الوضع السياسي واهمية وضع اليسار والطبقة العاملة وقواها الاشتراكية في هذه المرحلة.
اولاً
ان الثنائية القطبية للنظام العالمي الجديد طوال الــ6 سنوات الماضية منذ الاحداث الفاجعة ضد جماهير امريكا في نيويورك في 11 ايلول 2001 (وبالتالي اعلان اليمين الامريكي ”الحرب على الارهاب“ و ”محور الشر“ ومن ثم احتلال افغانستان – وتدمير العراق)، قد اسفرت عن تبلور اوضاع جديدة نتيجة فشل امريكا في حل أي معضلة - وسقوط سياستها العالمية. لقد انتقل الصراع من كونه عالمياً شاملاً وعموميا (بؤرته وميدانه العراق) الى صراع داخل اطياف البرجوازية العراقية نفسها – صراع قوى طبقية برجوازية تحمل مشاريع سياسية متباينة .
ثانياً
تحول الاسلام السياسي الى قوة سياسية طبقية في العراق وفصل خيوطه ومشاريعه عن المشروع الامريكي الذي تبنته اجنحة اخرى في الاسلام السياسي تراجعت كليا عن النهج الاسلامي من الناحيتين الايديولوجية والسياسية (حزب الدعوة والمجلس الاعلى الاسلامي). ومن هنا نلاحظ ان ما كان يجمع الاسلاميين او يوحد قواهم طائفيا قبل سنة، بات اليوم عاجزا عن القيام بهذه المهمة. الانقسام اليوم هو حول منهجين سياسيين وإيديولوجيين متباينين - أي حول شكلين للسلطة السياسية للبرجوازية.
ثالثاً
هذان القطبان او المعسكران او المنهجان السياسيان للقوى الاسلامية والقومية في السلطة وخارجها متناقضان. الاول يمثله مجموعة القوى الاسلامية والقومية في السلطة الموالية لامريكا -الكتلة الرباعية وحلفاءها، والثاني المعارض لامريكا وهو جناح الاسلام السياسي ”الميليتانتي - المقاتل“ بطرفيه الطائفيين: الشيعي – الصدري ، والسني – جبهة التوافق و في الخلفية ما يسمى بالمقاومة الجهادية. هذان القطبان او المحوران يتميزان عن بعضهما البعض تحديدا في الموقف من النهج الامريكي ومخططها للسلطة. ليس ثمة مجال او احتمال بالتقاء هذين المنهجين على المستوى الاستراتيجي.
رابعاً
التكتل الرباعي يحاول تنفيذ الخطة الامريكية القاضية ببناء سلطة للبرجوازية في العراق تعتمد على النظام البرلماني التعددي. لا يرفع سلاحا ضد امريكا ويعتبرها صديق بل ومنقذ. انه ينهج منهج "ديمقراطي" غربي ويركز على نجاحه في تأسيس دولة ديمقراطية لتصبح "واحة" لكامل منطقة الشرق الاوسط (أي نفس الطورحات الامريكية). لم تعد القوى الاسلامية الطائفية المؤتلفة في الكتلة الرباعية والتي قاتلت في السابق ورفعت شعارات ”الموت لامريكا“ و ”الشيطان الاكبر“ بقادرة على تمثيل هذا الجناح. من الواضح ان تلك القوى رمت اسلحتها وتخلت عن "اسلاميتها" لا بمعنى انها باتت ملحدة او علمانية بل بمعنى انها فقدت او تخلت عن هدف الاسلام السياسي وبديله للسلطة السياسية: الدولة الاسلامية، ومنهجه– نقد القانون الوضعي او الديمقراطية والبرلمانية والتعددية – تطبيق الشريعة الاسلامية والمواجهة العسكرية مع ”المحتلين“ وال“صليبيين“ الخ. هل ذلك مجرد تاكتيك من قبل تلك القوى؟ بالتاكيد لا. انه موقف ستراتيجي معلن يعبر عنه في الممارسة السياسية وفي الاهداف التي تتطابق مع اهداف الادارة الامريكية وتصورها لشكل السلطة في العراق. لو كان لتلك القوى القدرة على تغيير اسماء تنظيماتها بالكامل لابعادها عن اي تاريخ "ثوري" لما ترددت في القيام بذلك (وفعلا قام المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق برفع كلمة الثورة من اسمه لتلك الاسباب). وبالطبع وككل الحركات التي تتخلى عن اهدافها الاصلية فانها لن تتخلى بالكامل عن هويتها السياسية لكيلا تتعرض الى خطر الانهيار الكلي.
خامساً
ومن جهة اخرى فان حركة الاسلام السياسي المقاتلة (الصدر والتوافق والمجاميع الاسلامية التي تختبأ في الاوكار) قد فرزت نفسها عن المعسكر الاخر بعد رؤيتها سقوط وانهيار المشروع الامريكي وانهيار النظام العالمي الجديد وتزعزع ركائزه. يتزعم تلك القوى مقتدى الصدر من جهة وجبهة التوافق والحزب الاسلامي من جهة اخرى. ان استقالة الهاشمي دليل على ان الاسلام السياسي "السني" يحاول النأى بنفسه عن المشروع الامريكي وليس لانه غير موافق على ”العملية السياسية ” ويود ”اصلاحها“.
سادساً
من الاهمية بمكان لقوى العمال والشيوعيين واليساريين تشخيص قوى الاسلام السياسي في العراق اليوم اثر الاصطفافات السياسية الحالية وتباين مواقف القوى البرجوازية. ان الاسلام السياسي اليوم يمتلك محتوى طبقي لانه يمثل جناح في البرجوازية العراقية (كما العربية) ويطرح بديلها للسلطة ولكنه يود رفع راية (كل) البرجوازية من خلال تحدي الغرب وبالتالي نيل الاعتراف الكامل به كممثل لكامل الطبقة في السوق العالمية. لقد نجح حسن نصر الله في لبنان وبمساعدة الجمهورية الاسلامية وفي ظروف المواجهة مع اسرائيل في حمل تلك الراية وباتت البرجوازية العربية تعتبره بطلها المغوار (وبعض اليمينيين في اليسار القومي) وسلمته اعترافها به ازاء البرجوازية الغربية وممثلتها دولة اسرائيل وخاصة اثر حرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006 تماما كما رفعت حركة القومية العربية راية البرجوازية العربية في السابق.
سابعاً
ان من الصحيح القول ان مقتدى الصدر وحركة الاسلام السياسي المقاتل والتي تمثل الان قوة طبقية سياسية في العراق وتحاول ان ترفع راية البرجوازية يدرك جيدا بان أي تنازل او تراجع عن مبادئ الاسلام السياسي سواء السياسية او الايديولوجية لن يكسبه شئ بل الارجح ستؤدي الى العكس؛ خسارته وهزيمته وافلاسه كليا – شأنه في ذلك شأن كل الحركة التي ينتمي لها (لو افترضنا ان تخليه عن السلاح امر واقعي). ان شعار الصدر ب "الموت لامريكا" كما شعار حزب الله وحماس "الموت لاسرائيل" ومطالبتها بمحوها من الخريطة، هو "المصل" الذي يغذي عروق هذه الحركة ويمدها بالقدرة المتجددة على ادامة كيانها القرووسطي الرجعي والارهابي. ان البرجوازية العربية الرجعية والجبانة تلهث وراء هكذا قوى ومستعدة لاعطاءها "مفاتحيها" وتسليمها راياتها من اجل ابقاء مواقعها في الرأسمال العالمي.
***********
بالرغم من صحة القول بان المجاميع المنصبة من قبل امريكا كانت تعاني منذ اليوم الاول من انقسامات وتفتت، ورغم صحة القول ايضا بان تلك المجاميع هي بمجموعها اسلامية وقومية وعشائرية رجعية ومعادية لمصالح الجماهير، ورغم دقة تعريفها بانها قوى سيناريو اسود جلبت الدمار وانعدام الامان والارهاب والحرب التي قتلت مئات الالاف من العمال والكادحين والجماهير المحرومة ودمرت كامل البنية الاجتماعية والمدنية للمجتمع، ورغم صحة الادعاء، ايضا، انها كلها نصبت من امريكا في انتخابات صورية استغلت فيها معاناة وخوف الجماهير ورغبتها في الهدوء والطبيعية ابشع استغلال، رغم كل ذلك، الا ان تكرار هذه المقولات بعد الان لم يعد كافياً. اليوم يبرز واقع جديد سببه تراجع النظام العالمي الجديد لامريكا اثر هزيمة المحافظين الجدد ساحبا معه كامل الوضع السياسي في العراق الى تخوم مرحلة اخرى. وكما بينا فان افول النظام العالمي الجديد لامريكا بعد سقوط سياسييها المحافظين الجدد لا يعني انهيار مشروع امريكا فحسب بل سيؤدي ، وفي التحليل الاخير، الى سقوط الخصم الارهابي المقابل- حركة الاسلام السياسي .
أفقٌ جديد
ان السقوط المحتم للاسلاميين سيؤدي الى فسح المجال امام الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية و الشيوعية واليسارية والمتمدنة والتحررية والعلمانية في البروز. بتشديد اعتراضاتها وتقوية صفوفها وابراز بدائلها التحررية والانسانية سيكون ذلك ممكناً. ستعطي الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية واليسارية والعلمانية والانسانية والتحررية الامل بامكانية قلب الاوضاع في المجتمع لصالح الجماهير. وبرغم استعمال قوى اليمين الارهابية لشتى وسائل القتل والدمار والرعب والتخويف ضد العمال والكادحين والجماهير الغفيرة في العراق ولخمسة عشر سنة الماضية ذاقوا فيها الاذلال والحروب والحصارات والجوع والموت، فانها ستحصد اثار فشلها وافلاسها.
معسكر الجماهير له امكانية النهوض اليوم اكثر مما مضى. وعلى كل قوى العمال واليسار والاشتراكية التحرك بنفس هذا الاتجاه وان تسعى الى تلمس الامل والافق الجديد وامكانية و ضرورة عالم افضل. علينا ان نجعل من الماركسية سلاحنا ومن الاشتراكية هدفنا فدون ذلك، فان بديل الطبقة العاملة وقواها التحررية سيظل حبراً على ورق وبالتالي يعجز عن التحول الى قوة اجتماعية هائلة وعظيمة تقلب الاوضاع لصالحها.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امنح العقل إجازة مفتوحة
-
اجندة اليسار
-
أفكار موجزة حول الأوهام -الثقافية- التي يشارك في إنتاجها بعض
...
-
فوضى عارمة تجتاح قوى البرجوازية الاسلامية والقومية
-
حول قانون النفط والغاز ومواقف القوى السياسية
-
وهم ”الحضارة الإسلامية“
-
الوضع الراهن وبناء الحزب
-
بمناسبة الاول من أيار رسالة الى العمال والعاملات
-
وقف النتائج الكارثية للحرب رهن بصعود يسار راديكالي مناهض لقط
...
-
حول النداء الموجه -الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن الع
...
-
خطة بوش ”الجديدة“! تصعيد المواجهة الارهابية
-
نداء الى قوى اليسار والشيوعية والاشتراكية في الشرق الاوسط
-
الانتخابات الامريكية حول فوز الحزب الديمقراطي
-
بإمكاننا إسقاط ”باستيل“ آخر لهم
-
حول النداء الموجه -الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن الع
...
-
ليست اسلحة الدمار الشامل وليست العلاقة مع القاعدة وليست الدي
...
-
كلا من حماس وحكومة اسرائيل يشكل عقبة امام حل القضية الفلسطين
...
-
حول النداء الموجه -الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن الع
...
-
قوتان تحقران الحياة
-
تسليم الامن للعراقيين- اعتراف الغرب بسلطة ميليشيات الاسلام ا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|