«ميثاق الشرف» نقلة نوعية في حياة الحركة الشيوعية في سورية
د. قدري جميل
دمشق في 15/3/2001
كلمة الدكتور قدري جميل في الاجتماع المخصص للتوقيع على ميثاق شرف الشيوعيين السوريين الذي أقيم في دمشق بتاريخ 15 آذار عام 2001:
لن أطيل عليكم، بانتهاء هذا الاجتماع سينتهي عمل لجنة المبادرة، لتحضير ميثاق الشيوعيين السوريين، هذا الميثاق سيحمل اسم العديد من موقعيه الأوائل، لا أعرف كم عددهم ولكنهم بالمئات الآن اليوم نضع أساس نقلة نوعية في حياة الحركة الشيوعية في سورية، ميثاق الشيوعيين السوريين الموقع باسم المئات من الشيوعيين السوريين ملك لهؤلاء الشيوعيين، سيطلقون الميثاق ليلعب الدور المنوط به في توحيد الشيوعيين في سورية، هذه العملية من الواضح أنه سيلتحق بها المئات والآلاف من رفاقنا لاحقاً.
ما هي مهمتنا اليوم؟
أعتقد أن المهمة واضحة بالميثاق نفسه: تشكيل لجان من أجل توحيد الشيوعيين على كل المستويات. ما هو الأساس الذي يجب أن يقوم عليه؟ إنه مبدأ سيادة المؤتمرات، أي الديمقراطية الحزبية الكاملة.
سيادة المؤتمرات تعني في جوهرها نقل السلطة كاملة إلى القواعد، وسيادة المؤتمرات ليست مفهوماً جديداً، ولا بدعة، بل هي هدف طالما ناضلنا من أجله، وعملنا كثيراً في سبيله، وخاصة بعد المؤتمر السادس من اجل أن تصبح جزءاً من حياتنا اليومية.
اليوم يجب تثبيته نهائياً، هذا فيما يخص المستقبل. بعض الأسئلة التي طرحها صدور الميثاق والنقاش الذي دار حوله حتى اليوم:
أولاً: ما هو الميثاق؟
الميثاق ليس برنامجاً سياسياً فكرياً، ليس نظاماً داخلياً، الميثاق هو مجرد إعلان نوايا من قبل الموقعين عليه، إنهم سيعملون انطلاقاً من هذه اللحظة، من أجل وحدة الشيوعيين السوريين، هذا العمل لابد أن يشق طريقه عبر الحوار، فلقد تعلمنا من خلال ثلاثين عاماً فن الانقسام، أما الآن فيجب أن نبدأ تعلم فن التوحيد، وتعلمه أصعب من تعلم فن الانقسام. لأن الانقسام تهديم والتوحيد بناء، والبناء دائماً أصعب من الهدم.
إذا كنا واسعي الصدر والأفق، واستطعنا دائماً من خلال النقاش والحوار أن نجد القاسم المشترك الأدنى فيمكن أن نصل إلى نتيجة.
الميثاق بجد ذاته هو قواسم مشتركة دنيا، الميثاق فيه خمسة قواسم مشتركة دنيا،
القاسم الأول: عودة الحزب إلى الجماهير.
القاسم الثاني: هو الدفاع الجريء عن مصالح الجماهير
القاسم الثالث: هو التحالفات المبدئية مع الحفاظ على وجه الحزب المستقل.
القاسم الرابع: هوإيقاف مسلسل الانقسامات والعودة للوحدة وجمع الشمل.
القاسم الخامس: هو الأخلاق الشيوعية.
إن أهم ما اهتز خلال الفترات الماضية هو منظومة الأخلاق الشيوعية، التي بدونها لامعنى لأي حوار، ولا معنى لأي اتفاق فكري وسياسي، هذا هو الحد الأدنى الذي توقف عنده الميثاق، ولكن هذا الحد الأدنى، كما تبين، يستطيع أن يجمع الشيوعيين وأن يحول مجموع الموقعين على الميثاق اليوم إلى تيار جارف، يجمع الشيوعيين كلهم.
السؤال الثاني: هل هناك إمكانية لتحقيق هدف الميثاق؟
وحدة الشيوعيين السوريين كانت دائماً ضرورة، هذه الضرورة لم تتحقق خلال الثلاثين عاماً الماضية، كان يتحقق عكسها، وحدة الشيوعيين السوريين كانت دائماً رغبة عند الشيوعيين. هذه الرغبة لم تتحقق؟
لماذا، وماعدا مما بدا؟ ما الذي تغير اليوم؟
نعتقد أن الواقع الموضوعي كان أقوى من الرغبات خلال الثلاثين عاماً الماضية، كان معاكساً لرغبة الشيوعيين السوريين.
اليوم، نحن وكل العالم في لحظة انعطاف. وهذه اللحظة تحمل دلالة هامة، وهي أن الواقع الموضوعي، لأول مرة منذ عقود يتطابق اتجاهه مع اتجاه رغبة الشيوعيين السوريين، مع اتجاه الثوريين بشكل عام في العالم كله. هناك انعطاف في الحركة الثورية العالمية، ولهذا الانعطاف تباشير وملامح بانت اليوم، لذلك فإن إمكانية تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين اليوم أصبحت إمكانية واقعية، إمكانية حقيقية، يمكن أن تجري على أرض الواقع، لكن لن تجري وحدها، بل تحتاج إلى عمل وتحضير ونضال.
ـ من الذي سيقف ضد هذه الوحدة؟
كل من ليس له مصلحة بهذه الوحدة.
كل من استفاد من الانقسامات، الذين استفادوا من الانقسامات هل يستطيعون إعاقة الوحدة؟
لانعتقد، لأن الوحدة تمثل مصالح آلاف وعشرات الآلاف من الشيوعيين السوريين، وأولئك الذين لا يريدونها يتحولون يوماً بعد يوم إلى فئة معزولة وقلة قليلة.
ـ هل هذا الميثاق مرتبط باسم أحد؟
أحد مشاكل فن الانقسام، أن كل لحظة انقسام رُبطت بشخص، لعل أحد أشكال فن التوحيد اليوم هو أن التوحيد يجب أن لا يرتبط باسم أحد.
التوحيد يجب أن يرتبط باسم الشيوعيين ككل، وهذا الشيء الجديد الذي نريد أن نضيفه، إلى تاريخ حركتنا مستفيدين من كل تجربة الماضي.
ـ هل ميثاقنا يسعى إلى تكوين حزب جديد إلى جانب الأحزاب الموجودة؟
حتماً لا، نحن نسعى إلى بناء حزب شيوعي من طراز لينيني جديد، ليس إلى جانب الأحزاب الموجودة، ثالث أو رابع، بل حزب موحد مكان جميع الأحزاب الموجودة، هذا ما نسعى إليه.
ليس شرفاً عظيماً لنا أن نكون حزباً رابعاً أو خامساً في سلسلة الأحزاب التي تظهر بعد الانقسامات، ولو كانت القضية هكذا، لكان كل موضوع الميثاق هذا، لا حاجة إليه، ومن الناحية الشكلية كان ممكناً أن نفتح «دكانا» مباشرة بعد المؤتمر التاسع وأعني هنا الرفاق الذين اضطُهدوا أو نكل بهم، ولكن ما يهمنا هو مصلحة الحركة، مستقبل الحركة.
لذلك فإن الرفاق الشيوعيين مارسوا أكبر قدر من ضبط النفس، وضغطوا على جراحهم، واستمروا في العمل المبدئي تحت شعار (لا انقسام ولا استسلام) وما نراه اليوم أحد نتائجه.
القيادات المتمتعة بروح انقسامية تنعزل يوماً بعد يوم ولن يكون أمامها في النهاية إلا خيار اللحاق بهذا التيار أوالسقوط نهائياً من الحياة السياسية.
ـ لماذا نتحد من تحت وليس من فوق؟
هناك من يسأل قائلاً من المحتمل أن جماعة (فوق) لن يرضوا وبالتالي سنواجه واقعاً جديداً موضوعياً ورغماً عنا نقوم برد فعل ونشكل حزباً جديداً.
لا أيها الرفاق، أولاً: هل هناك فرصة للوحدة من فوق؟
انتظرنا ثلاثين عاماً، ولم يتم ذلك.
ـ هل نمتلك إمكانية أن نمارس الترف وننتظر ثلاثين سنة أخرى للوحدة الآتية من فوق؟
الواقع والوضع لا يسمح لنا بذلك، يجب أن نضغط من «تحت« لتحقيق الوحدة، إذا التحقت القيادات أهلاًَ وسهلاً. وإذا لم تلتحق فإن الحياة والواقع سيجد الحلول الملموسة لهذا الموضوع. هناك سؤال يطرح علينا للتشكيك بمصداقية الرفاق الذين عملوا من أجل الميثاق:
ـ لو كانت نتائج المؤتمر التاسع غير ما كانت عليه، أكنتم ستقومون بهذه الخطوات؟
أجيب بسؤال معاكس: نتائج المؤتمر التاسع لماذا كانت (هكذا)؟
لو لم يكن الرفاق الحاضرون هنا (هكذا)، أكانت نتائج المؤتمر التاسع (هكذا)؟!!
يريد الميثاق إطلاق الحوار، ليس من أجل الحوار، بل من أجل الوصول إلى حزب موحد، إلى وحدة إرادة وعمل.
بعد التضييق على الديمقراطية داخل أحزابنا أصبح الحوار بحد ذاته أملاً عند الشيوعيين ورغبة دائمة ولكن الحوار ليس هدفاً بحد ذاته.
الحوار وسيلة للوصول إلى هدف.
نحن نفهم تماماً أنه كلما توسعت الديمقراطية ازدادت هيبة المركز، وبالمقابل، كلما تراجعت الديمقراطية، تفتت المركز.
هناك أناس يعتقدون بأنهم كلما أضعفوا الديمقراطية وقووا سلطة المركز ازدادت قوتهم إلا أن الحياة أثبتت العكس، الديمقراطية الواسعة هي التي تؤمن سلطة المركز.
في الحزب الشيوعي، في نهاية المطاف، لا يوجد مثقفون وغير مثقفين، إذا كنا لينينيين في طرح الموضوع.
وبرأي لينين، ومن ثم الذين أتوا بعده، كل شيوعي مثقف. «غرامشي» يرى أن كل شيوعي يعمل من أجل نشر فكرة حتى لو لم يكن يملك شهادة محو أمية مثقف، والمتعلم الذي يملك شهادة الدكتوراة، إذا لم يحمل قضية يدافع من اجلها وينشرها، ليس بالمثقف.
لذلك كل الشيوعيين مثقفون، الشيوعيون المناضلون. أقل العمال تعليماً هو ا هم من اكبر المتعلمين ثقافة إذا لم يكن لهذا المتعلم علاقة بالحركة الاجتماعية ولا يؤثر بالمجتمع.
لذلك نحن لسنا مع خلق تناقض مصطنع داخل الحزب بين المثقف وغير المثقف. فما دام الشيوعيون دخلوا الحزب على أساس النظام الداخلي والتزموا على أساسه، فهم سواسية.
ليس هنالك شيوعي يمثل الطبقة العاملة داخل الحزب، وآخر لايمثلها، هذه الروح الشعبوية كانت بعيدة جداً عن فكر ماركس وأنجلز ولينين. كل الشيوعيين من المفروض أن يكونوا ممثلين لمصالح الطبقة العاملة.
هذه الروح تضر بالحزب وتنقل الصراع الطبقي من المجتمع إلى الحزب بينما مهمة الحزب تشديد وتطوير الصراع الطبقي في المجتمع.
وهذه اللعبة لعبها بعض الانقساميين تاريخياً وهي إحدى الدروس التي يجب الإفادة منها.
ـ ما هي الخطوات التالية؟
الخطوة التالية هي أن ننهي اجتماعنا وقد قارب على الانتهاء ولننطلق للعمل من أجل أن يتحول هذا التيار إلى تيار جارف، يوقع على هذا الميثاق الألوف وعشرات الألوف من الشيوعيين، وهذا ممكن وليس مبالغة، وأن ننتقل إلى العمل الملموس لتشكيل لجان توحيد على أرض الواقع، وهي تتشكل، بل تشكلت قبل اجتماعنا.
ونحن بذلك نُقر أمراً واقعاً موجوداً في المنظمات، وهو تشكيل لجان توحيد، بين الشيوعيين، هذه التجربة يجب تعميمها، وتسريعها وقضية الميثاق ستنتصر حتماً. وشكراً لكم.