|
سموم وثلوث يهدد اطفال العراق
مها عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 2045 - 2007 / 9 / 21 - 10:53
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
عاش الشعب العراقي أكثر من عشر سنوات تحت حصار اقتصادي مرير وخانق كان له أسوء الأثر على حياة الناس وقيمهم الاجتماعية والأخلاقية والنفسية..إن فترة الحصار هذه بحاجة إلى من يوثق تفاصيل أيامها وسنواتها لأنها فعلا فترة مهمة وخطيرة جدا وحدثت فيها أمور لم يكشف عنها النقاب حتى ألان وهي مهمة لارتباطها بمستقبل أجيال قادمة , ومما يزيد خطورة هذه المرحلة هو تجاهل أثارها السلبية على صحة الناس وخاصة الأطفال الذين ولدوا أو نشئوا خلالها لانشغال الجهات الرسمية وعموم المجتمع العراقي بالوضع الخطير والمتدهور الذي نعيشه ألان .. ومع هذا تبرز لنا كأشخاص بين الحين والأخر ظواهر غريبة تجعلنا نتساءل عن سببها ( توفي قبل اقل من شهر ابن أخي البالغ من العمر عشر سنوات اثر إصابته المفاجئة بمرض السكري وخلال فترة وجودة في المستشفى التي استمرت سبعة عشر يوم فقط رأيت عشرات الأطفال المصابين بمرض السكري تتراوح أعمارهم بين السنة والعشر سنوات إضافة إلى أمراض خطيرة أخرى ) وهذا التساؤل يقودنا إلى ما جرى خلال فترة الحصار وما بعدها . لقد وضع الأستاذ صائب خليل في مقاله ( أنتبه فلربنا يتناول أطفالك في العراق منذ سنين سموم الزئبق مع الحلوى روائح رأسمالية ) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=109368 احتمال إن يكون أطفال العراق تناولوا أو يتناولون الزئبق مع الحلويات ومنذ سنوات... وهو يقصد الحلويات التي صنعت في فترة الحصار وما بعدها بالتأكيد, وعن نفسي اعتقد بحسب ما شهدت ورأيت وعشت في تلك الفترة إن احتمال تناول الأطفال لتلك الحلوى الملوثة هو احتمال ضعيف واقل من حقيقة تناولهم لمواد أخرى اشد خطورة وبشكل يومي ولمدة سبع أو ثمان سنوات وبشكل أكيد..
وكان الأستاذ صائب قد أشار إلى قضية الحلويات السامة وأود هنا إن اطرح قائمة بمواد أخرى اعتبرها اشد خطورة من الحلويات وأكثر منها استهلاكا أدت بكل تأكيد إلى إمراض خطيرة مثل السرطانات ولابد لي من أشير إلى إن والدة كاتبة الموضوع توفيت في عام 1996 جراء إصابتها بسرطان المعدة إضافة إلى اثنين من أقرباء الوالد وكان من جراء مراجعتنا للعديد من المستشفيات والعيادات الخاصة ومختبرات التحليل والأشعة , اطلاعي على عدد مثير للانتباه من الناس المراجعين في تلك الفترة ممن أصيبوا بإمراض مشابهة وخطيرة مثل إمراض الدم والشرايين وإمراض الحساسية والربو ومعظم الإصابات كانت لأشخاص بأعمار متوسطة أو صغيرة ! وهذا يتركنا إمام تساؤل: ما سبب انتشار هذه الإمراض الخطيرة ؟ .. الجواب على السؤال يقودنا إلى مجموعة كبيرة من المواد والعوامل والظروف التي أدت إلى انتشار هذه الإمراض وغيرها فعن نفسي لا استطيع إن اجزم إن مادة بعينها كانت السبب في غياب أي بحث علمي يمكن الرجوع إليه ولهذا سأعدد بعض المواد التي اعتقد بخطورتها
1- أول هذه المواد وأشدها خطورة هو مادة الطحين الذي تناوله الناس بصغارهم وكبارهم لمدة سبع إلى ثمان سنوات ( حتى الموافقة على قرار النفط مقابل الغذاء ) وهو طحين بلون رمادي تقريبا يتميز برائحة غير مقبولة ومعروف انه خليط من الحنطة والشعير والذرة وبذور دوار الشمس .. يتميز بأنه صعب الإعداد ( الخبز ) بحسب الطريقة العراقية لصنع الخبز سيال جدا وغير متماسك يستلزم من المرأة جهد كبير لإعداده يكون لون الخبز المعد منه شديد ألسمره (مزرق ) .. وكما هو معروف فان العائلة العراقية في بداية الحصار ( السنوات الأولى ) اعتمدت على نفسها بشكل كامل لإعداد الخبز لعدم توفر الطحين للمخابز وحصره فقط في البطاقة التموينية ولذلك كان لدينا الكثير من الوقت لنتفحص هذا الطحين الخطير.. نعم انه المادة الأكثر خطورة من الحلويات المسمومة وكنت قد سمعت من شخص يعمل في مخازن الطحين إن الطحين هذا إنما يتألف بالحقيقة من المواد أعلاه إضافة إلى نوى التمر المطحون وأضاف نفس الشخص انه رأى (الشفلات ) ترفع الحنطة المكومة على الأرض مع تراب الأرض لينقل إلى المطاحن .. وكان من جراء تناول الناس لهذا الطحين إصابات لأحصر لها بإمراض معوية مثل القرحة والإسهال والإسهال الدموي الذي كان شائعا جدا بين الأطفال وإمراض المعدة الأخرى أخطرها طبعا السرطان ولابد من الإشارة إلى إن مشكلة الطحين هذه لم تنتهي تماما بانتهاء الحصار الاقتصادي ففي عام 2005 استوردت وزارة التجارة شحنة كبيرة من القمح الاسترالي ثبت انه ملوث بمادة برادة الحديد الخطرة جدا على الصحة, قامت الوزارة بسحب بقية الكمية بعد إن وصلت ألاف من الأكياس إلى المستهلكين والمخابز ومعامل الصمون تؤكد ذلك وثائق فرق الرقابة كما تؤكدها في ابسط أحوالها تصريحات صدرت وقتها لعدد من المسؤولين إذ أنهم تناولوا وعوائلهم من خبز ذلك الطحين إضافة إلى سحب ألاف الأطنان من الحبوب من المطاحن إلى السايلوات وقد أشارت التقارير ألمختبريه التي أثبتت تلوث الطحين بالبرادة أنها تسبب بأضرار خطيرة لجسم الإنسان حيث تحوله إلى بؤرة لتجمع الإشعاعات فيه مما يؤدي إلى تكسر كريات الدم البيض ووقف نمو الأطفال وتعطيل جهاز المناعة ..
2 –الزيوت المهدرجة الصلبة التي كانت توزع كمادة من مواد البطاقة التموينية وتوزع على وكلاء التوزيع بعبوات معدنية أو بلاستيكية ( جلكانات ) كلها تحمل اسم المنتج ومنشأ الصنع ونوع المادة بشكل واضح وهي عبارة عن زيت نخيل مهدرج أو زيت مهدرج جزئيا وأحيانا تكتب عبارة ( Shortening ) وكلها تدل بشكل واضح إن الزيت مهدرج لكن ما هي الزيوت المهدرجة الزيوت المهدرجة (Hydrogenated) هو إضافة الهيدروجين للزيوت لكي تجعلها صلبة. والفكرة لها أساس علمي حيث إن الزيوت النباتية تكون سائلة لأنها غير مشبعة في تركيبها الكيميائي وحتى تصبح مشبعة مثل الشحوم الحيوانية، يضاف لها الهيدروجين صناعيا، وإذا ما أصبحت مشبعة تصبح صلبة القوام, والهدرجة ليست على درجة واحدة فيمكن أن تكون جزئية، أي لا يصبح الزيت صلباً وإنما قوامه وسطاً بين السيولة والصلابة، أو قد يكون بهدرجة كاملة. وهدرجة الزيوت النباتية بدأت في الولايات المتحدة والغاية بهدف تمكين الزيت النباتي من البقاء مدة طويلة دون أن يفسد أو يتزنخ بفعل الضوء والحرارة والتعرض للأوكسجين، وفي سبيل ذلك يتم إضافة عنصر الهيدروجين للزيوت غير المشبعة النباتية لتتشبع به بدل من أن تتشبع بعناصر أخرى تفسدها. الفكرة جميلة لكن التطبيق الصناعي تطلب إجراءها عبر تسخين الزيت النباتي لدرجة حرارة عالية تقارب أربعمائة درجة مئوية لمدة حوالي ثماني ساعات في وجود إما النيكل أو الألمونيوم وضخ غاز الهيدروجين إلى الزيت.
وبديهي انه لا تعود هناك ثمة فيتامينات أو عناصر غذائية طبيعية بعد كل هذا، وأيضا لا يبقى الزيت بنفس التركيب الطبيعي له.وقد أثبتت الدراسات إن الدهون المهدرجة ترفع من مستوى الكولسترول الرديء في الجسم (LDL ) إلى حد أعلى من مستوى الدهون المشبعة.وفى نفس الوقت تخفض من مستوى الكولسترول الجيد (HDL)، وهو عمل لا تقوم به الدهون المشبعة.وأثبتت البحوث والدراسات وجود ارتباط بين الدهون المهدرجة والإضرار التي تسببها الذرات الحرة الطليقة لخلايا الجسم التي تقود إلى الإمراض السرطانية وإمراض القلب. في عام 1994 توصلت البحوث التي أجريت من قبل مدرسة الصحة العامة إن 30.000 من الوفيات المبكرة في إمراض القلب كانت نتيجة انسداد الشريان التاجي للقلب. وقد عزيت جميعها إلى الدهون المهدرجة ). وهنا أيضا أشير مرة أخرى إن المشكلة لم تنتهي بنهاية الحصار فقبل سنة تقريبا أعلنت وزارة التجارة أنها ستتوقف عن توزيع ( الزيوت الصلبة ) ضمن مواد البطاقة التموينية لثبوت خطرها على الصحة وستستبدلها بالزيوت النباتية السائلة كزيت عباد الشمس وهذا ما حدث حتى تسلم المواطنين زيوت نباتية ذات منشأ هندي منتهية الصلاحية منذ أكثر من سنة ! 3 – المواد المعادة التصنيع مثل المواد البلاستكية المعادة وهذه كانت منتشرة ومعروفة جدا خلال فترة الحصار , اغتنى من وراء هذه الصناعة أصحاب معامل رسمية وغير رسمية كانت تنشأ في إحياء فقيرة بعيدة عن الرقابة تستمد موادها الأولية من جمع العبوات والنفايات البلاستيكية من البيوت والإحياء السكنية والمستشفيات بواسطة أطفال وشباب في مقتبل العمر معروفين ( بالدوّارة ) يقومون بجمعها وبيعها لأشخاص يقومون من جانبهم بتدويرها وإعادة تصنيعها بطرق بدائية غير مطابقة للمواصفات العراقية مما يشكل خطورة على صحة المواطن ولو تابعنا مثلا النفايات الطبية التي تضم مواد بلاستيكية بيضاء اللون كالسرنجات وعبوات الأدوية وأكياس الدم والمغذي وملحقاتها وأقداح جمع العينات ألمختبريه وغيرها لوجدناها تجمع وتُفرم إلى حبيبات بلاستيكية بيضاء اللون تخلط مع حبيبات ملونة أو لوحدها لتصنع منها منتجات بلاستيكية قد تستخدم لحفظ الأغذية أواني بلاستيكية أو لعب للأطفال أو أكياس نايلون تستخدم لحفظ المواد الغذائية وقد تحقق ربحاً ماديا أكثر إذا خلطت مع حبيبات ملونة دون معرفة المواطن بالمخاطر الصحية الناجمة عنها وقد اعتمد الناس على هذه المواد والأدوات بشكل أساسي في بيوتهم ومطابخهم وهناك أيضا المواد المعدنية المعادة التصنيع مثل الألمنيوم الذي يجمع بنفس الطريقة السابقة ويعاد تصنيعه كقدور وأواني للطبخ وكان الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية قد بين خطورة هذه المواد وتلوثها بشوائب سامة وخطيرة جدا تدخل في طعام المواطن وإنها غير صالحة للاستخدامات الغذائية لكن الوضع الاقتصادي في ذلك الوقت وغياب البديل جعل المشكلة بدون حل هذا بالإضافة إلى الخزانات والعبوات المعدنية والبلاستكية التي تتخلف عن الصناعات الكيمائية والتي يعاد تصنيعها أو بيعها في الأسواق كعبوات لحفظ الماء أو المواد الغذائية وكنت في نهاية عام 2002 قد اشتريت عبوة معدنية كبيرة ( جلكان ) من محل متخصص ببيع هذه العبوات في أسواق جميلة التجارية ( بعد إن يشتريها من معامل الحلويات والصناعات الغذائية ), فوجدت ورقة صغيرة ملصقة على العبوة تشير إن المادة التي كانت في العبوة هي عطر التفاح للإغراض الصناعية فقط وفي الأسفل تحذير إن المادة خطرة ويجب إن لا تلامس الجسم وفي حالة التخلص منها يمنع رميها في المجاري ومصارف المياه كما إن العبوة الفارغة لا تستخدم لخزن المياه !
اعترف وأنا اكتب هذا الموضوع إن عشرات المواد الخطرة التي تناولناها أو استخدمناها خطرت في بالي مثل الأدوية المغشوشة التي كانت معروفة بعدم فعاليتها خاصة أدوية الالتهابات للأطفال و الكثير من المواد الغذائية المصنعة محليا والتي ظهرت في تلك الفترة كبديل عن المستوردة مثل الاجبان المصنعة في البيوت والتي ثبت أنها تخلط بمساحيق التنظيف أو المشروبات الغازية التي تعد في الإحياء الفقيرة .. لكن أخطرها طبعا هو النقص الغذائي وافتقار غذاء المواطن لعناصر غذائية أساسية وضرورية ولفترات طويلة مثل البروتينات والحليب ومشتقاته وهنا اطرح أسئلة تثير في النفس الكثير من القلق والخوف .. ما هو مستقبل جيل من الأطفال ولدوا من أمهات عشن فترة جوع طويلة ولم يتناولن حتى كوب واحد من الحليب خلال فترة الحمل ؟؟ وما هو مستقبل جيل من الأطفال نشئوا بين جوع ونقص غذائي ومواد خطرة ؟؟! ولا ادعي ابدآ أن المخاطر الصحية انتهت بانتهاء سنوات الحصار فمازلت أسواقنا مليئة بمواد خطيرة جدا معظمها مستورد طرح في الأسواق دون رقابة أو فحص لمكوناتها هذا بعد اختفاء الصناعات المحلية لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا , بالإضافة إلى تلوث المياه والهواء وتراكم النفايات وعشرات المشاكل الأخرى كلها مؤجلة بسبب الوضع السياسي والأمني فهل سيتحمل مستقبل أطفالنا الصحي كل هذا التأجيل ؟؟!
#مها_عبد_الكريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|